عنصرية المركز الإسلامي عروبي و مخاطر تفكك الدولة السودانية (1)
عيسى مرفعين
الإنزلاق الأمنى و الصراعات العرقية التي نشاهدها الآن فى أقاليم الهامش هي بمثابة حرب بالوكالة تنفذها أطراف من داخل هذه الأقاليم نيابة عن المركز الإسلاموعروبي من أجل تحقيق مصالحه، عبر تعبئة عنصرية وتحيّز واضح لهذه الأطراف.
اولا المجد والخلود لشهداء منطقة لقاوة و كل الذين سقطوا على إمتداد ربوع بلادي جراء الحملة الهمجية التي تعرض لها أبناء جبال النوبة، النيل الأزرق ودارفور فى معظم مدن السودان المختلفة مؤخراً والتي إستخدم خلالها العسكر و مليشياته كافة آليات القتل، تلك التي لا تستخدم إلا في الحروب الكبرى بين الجيوش، هذه الإنتهاكات خلّفت أعداد كبيرة من الشهداء ،وبحسب التقارير الواردة من بعض المنظمات الحقوقية وصل عدد القتلة منذ بداية العام 2022 إلى 1713 فقط فى الأقاليم الثلاثة (مجزة كلبس بغرب دارفور، و محلية كتم بشمال دارفور، أحداث محليتى الدمازين و ود الماحي بالنيل الأزرق، وأخيرا أحداث لقاوة بجبال النوبة) و مئات من الجرحى ، بجانب حالة من النزوح و تشرد للأسر و تفكك المجتمعي، بالإضافة إلى الآثار المادية والجسدية التي خلفتها هذه الحملة هنالك أضراراً نفسية كبيرة إنعكست على حياة المدنيين بمختلف فئاتهم وأعمارهم.
نجد أن الآثار النفسية و الاجتماعية التي خلّفها هذا الإستهداف تتفاوت ما بين الأشخاص الذين عاشوا هذه الإنتهاكات بشكل مباشر وأولئك الذين تربطهم صلة بالضحايا، هذه الإسقاطات قد تشكل لاحقا بعد آخر و شكل جديد من أشكال الصراع فى السودان، مثل هذه الإنتهاكات بلا شك تشكل وعي ثوري جديد يتمرد حتي على كل الحلول و التسويات السياسية و تعمق الفجوة الكبيرة الموجودة أصلا بين الهامش و مركز السلطة فى الخرطوم، و قد ينذر بحدوث حرب شاملة لا تسلم منها حتى الخرطوم نفسها ، وقد تنهار الدولة السودانية نتيجة هذه الحروب، أو قد تدفع هذه الأقاليم نحو الإنفصال ، وتجربة جنوب السودان أكبر دليل علي ذلك، وحتي كتابة هذا المقال مازالت الحملة العنصرية و العنف الممنهج الممارس ضد هذه الأقاليم مستمر.
المركز الإسلاموعروبي و وكلائه لم يستفيدوا من تجارب الماضي ، ومازالوا يمارسون نفس السياسات التى أدت الي فصل الجنوب، قد إستبشر السودانيين خيرا بثورة ديسمبر المنهوبة، بعد ما شاهدنا الشباب الواعى من الجيل الراكب راسو هو يقدم نماذج رائعة من أفكار الرافضة للتنميط و السعي إلى المساواة و إلغاء الإمتيازات الطبقية و السياسية.
لكن سرعان ما تلاشت هذه الأفكار بعدما سطت قوى الظلام علي مكتسبات الثورة وإنقلبت على هولاء الشباب وإسترجعت العقلية العنصرية القديمة الرافضة للآخر، بشكل أشد عنفوان و أكثر خبث و فتك، حيث قامت بإستهداف النوبة و شيطنتهم فى عدد من مدن السودان وأبرزها (بورتسودان، كسلا، القضارف ، سنار ، النيل الأبيض ، كادقلى و لقاوة) بجانب حملة عنصرية ممثالة ضد المساليت و الفور غربا، والفونج في ( الدمازين) التي إنطلقت منها ثورة ديسمبر المجيدة ، كل هذه المعارك مفتعلة من مركز السلطة فى الخرطوم و ينفذها عبر وكلائها فى هذه المناطق خاصة المجموعات العربية أو المستعربة، رغم أن هذه المجموعات نفسها تعانى من التهميش و عدم التنمية وإنتشار الجهل و التخلف، لكن دايماً ما نجد أن المركز يستثمر فى جهلها ، ويستخدمها للحفاظ علي مصالحه ، عبر تذويدها بمشاعر الحقد و العنصرية ضد شعوب (النوبة، النيل الازرق و دارفور)، بغرض الزج بها فى صراعات عبثية كتلك التى نعيشها الآن من العنف و العنف المضاد.
من خلال هذا المقال نريد مخاطبة عقول الأخوة المسيرية و الحوازمة و بعض المرتزقة علينا جميعا مواجهة الحقائق و نسمى الأشياء بمسمياتها و نتعلم من دروس الماضي الأليم و تجارب الحرب بالوكالة ماذا حصدنا من هذه الحروبات الذي دمرت كل شيء؟ لماذا نسمح للنخب في المركز الإستثمار في الكراهية تارة باسم الدين، و تارة بإسم العروبة؟ لماذا لا نستثمر نحن أبناء أقاليم الهامش هذا التنوع والتعدد كمصدر قوة لمحاصرة المركز وإنتزاع الحقوق وإستردادها للمنفعة العامة؟ الإقليم يسعنا جميعا مصالحنا المشتركة تحتم علينا التعاون و العيش في سلام.
و يجب علينا جميعا مواجهة أمراء الحرب من رجالات الإدارة الأهلية، و بعض المرتزقة من أبناء النوبة أمثال بشارة أرور تابيتا بطرس من أبناء المسيرية امثال مختار بابو نمر، الصادق الحريكة عز الدين ، و بقادى محمد حامد، خالد النور الطاهر من الحوازمة ، هولاء هم أمراء الحرب الذين ذهبوا إلى الخرطوم و طلبوا من الدعم السريع (3) الف نمرة عسكرية و تسليح كل القبائل العربية فى جنوب و غرب كردفان، وتأكيداً لهذه المعلومات ، تم تسليم عدد (60) عربة لاندكروزر دفع رباعي للمسيرية و(40) عربة لاندكروزر للحوازمة، لخوض لهذه الحرب بالوكالة، واجبنا الأخلاقي أن نقطع الطريق أمام العملاء و المرتزقة ونجنب الإقليم الكارثة.
حروب العنصرية فى العالم من أخطر انوع الحروب و لا سيما فى السودان الذي يعانى اصلا من أزمة هوية زائفة و إستلاب ثقافى و كمية من الإسقاطات النفسية و العقد الإجتماعية يجب التعامل معها و حلها بواقعية و مواجهة الحقائق ليس بتضليل و تغبش الوعي ، و إنما بالعلم والتنمية.
لقد لاحظنا مؤخراً ظهور مبادرات و حملات تتحدث عن نبذ خطاب الكراهية و العنف من خلال أنشطة فردية و جماعية يقوم بها ناشطون من الهامش نفسه، و ناشطات وناشطي المجتمع المدني و المنظمات الدولية لتحريك الوعي الجمعي من أجل نبذ خطاب الكراهية و مواجهة العنصرية. وهذا يدفعنا للبحث في وعي بعض القائمين على مثل هذه الأفكار و نتسأل عن مسببات تفشى العنصرية فى السودان؟.
ولكن أصحاب الإمتيازات حتى الآن يقاومون بشدة أية محاولات لإلغاء هذه العنصرية، نحن نرى أن مشكلة العنصرية لها جذور عميقة تمتد إلى عقود طويلة منذ حملات تجار الرقيق والتأمر مع المستعمر تمظرت جلياً عندما خروج المستعمر الإنجليزى ، وعند السودنة تم إحتكار الوظائف لصالح أبناء الشمال والوسط ،بينما تحصل الجنوب علي (6) وظائف فقط من جملة (800) وظيفة ذهبت كلها للشمال والوسط ، وقتها لم ينال إقليم( دارفور، جبال النوبة ، النيل الازرق ) أى وظيفة بمعني آخر ما في أي نوباوي ولا دارفورى لا مسيري ولا حازمي واحد تم توظيفه، الأمر الذي شكل وعي مبكر لدي المثقفين الجنوبيين و دفعهم نحو المقاومة وقادوا نضال طويل الأمد حتي توجوا هذا النضال بممارسة حق تقرير المصير و أصبحوا أحرار في دولتهم ومواطنين من الدرجة الأولى .
لا يمكن إنكار هذه الحقائق التاريخية، و أى محاولة للحلول يجب أن تخاطب كل هذه الأشياء الأليمة و يجب مواجهة الحقيقية و الإعتذار ومن ثم المصالحة الشاملة حتى لا تتكرر مرة أخرى، ولا نقبل تناول هذه القضايا المصيرية بسطحية عبر منابر غير مدركة لطبيعة الصراع و قضايا العنصرية و التهميش، أو عبر الإعلام الموجه الذي يركز على إنتاج الأتباع و تكميم الأفواه.
سوف نقاوم عقلية المركز التى أدمنت الكذب ، ورافضة الإعتراف بوجود العنصرية و تختزلها فى سلوك الأفراد، و نعلم جميعا بأن العنصرية موطنها هو مؤسسات وهياكل الدولة السودانية، سواء كانت تعلمية أو إجتماعية أو إعلامية أو إقتصادية ، كل هذه المؤسسات تعمل على تكريس ثقافة إحادية و إلغاء الآخرين.