علمانية الدولة ضرورة لإنتشال الوطن من كبوته (2)

عبدالعزيز ابوعاقلة

 

(١)

من أسوأ اللعنات للاوطان أن تصيب اللعنة الوطن في عموده الفقري و في بنيته السياسية والهوياتية والثقافية وتوقف تطوره السياسي الطبيعي الذي بالطبع يعاني الكل منه حتي الان. فهي لم تكن محض صدفة بل هي لعنة مبكرة بدأت منذ بروز وولادة الوطنية السودانية ونشأة الأحزاب السودانية في الاربعينات والتي لم تكن تشبه أي دولة اخري حولنا في تأسيس أحزابها التحررية علي أسس فكرية راسخة وبرنامج لبناء الوطن وانتشاله من كبوته قبل الاستعمار وبعده . كما أن معظم السياسين المثقفين والكوادر علي المستوي الرأسي حينذاك لم يصبروا لبناء أحزاب تخص أفكار وبرنامج وتطوير مفهوم الوطنية والقومية بل اختاروا الطريق السهل و الانضمام إلي الطوائف الدينية (‘الختمية /الانصار ) ليس إعجاباً بما تحمله بل انتهازية سياسية لتحقيق طموحاتهم الشخصية . كما اغرقوا أنفسهم في خصومات غير موضوعية كان الوطن غير محتاج لها في ذلك الوقت .وبالتالي غابت المشاريع المستقبلية لبناء دولة سودانية قومية متماسكة علي أسس حديثة . وباختصار فقد أرادوا تفصيل الوطنية علي قدر مقاسهم مما جعل الوطن يضيق بوطنيين آخرين اصليين ولهم نفس الحقوق والانتماء لتلك الجغرافيا ومن حقهم أن يفخروا بسودانيتهم .
ومن سوء حظنا عندما حاولنا قراءة تاريخنا الماضي بعقل متحرر وجدنا الثورة الوطنية الأولي التي استطاعت توحيد السودانيين حولها (المهدية )في نهاية القرن ١٨ اكتشفنا أن الناس انفضوا من حولها سريعاً وذلك للغلو والتطرف في الدين بالرغم من هزيمتها للمستعمر التركي وكراهية الناس له الا انها أرادت إعادة أسلمة السودانيين علي طريقتها فرضاً واسست لبذرة بناء دولة دينية كاملة قائمة علي خلط الدين بالسياسة والدجل والكهانة لإدارة دولتها لا لشئ سوي السيطرة القابضة علي السلطة . و لم تنتج أي برنامج للمستقبل . ولكي نكون منصفين كان يمكن قراءة هذا التشدد والفكر الكهنوتي الغيبي في صياغه التاريخي الا أنه كان مدهشاً لنا من كانوا يريدون إعادتها بصور ملونة من جديد في واقع اليوم من خزعبلات الصحوة الإسلامية/والدستور  الاسلامي والتاصيل الاسلامي .

(٢)

تاتي ضرورة علمانية الدولة واهميتها من جرد الحساب المختل في تاريخ الدولة السودانية وهو تاريخ طويل معظمه مطبات وكرب وفشل والنتيجة لم تنتج نخبته وطن نفتخر به جميعا وليست مسؤلية عامة الشعب . والديمقراطية التي يتشدق بها أصحابها لم تكن الا ديمقراطية أسقطت الاهداف واكتفت بالمظهر الخارجي ولا تعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقية واهملت الاقتصاد والتنمية المتوازنة وتحرير المواطن في هامشه من الجوع والمرض والتنمية المدنية الحديثة واعلاء المواطنة الحقة في كل الوطن في سيادة حكم القانون . فلأكثر من 65 عاما مرت كانت عجاف ظل الوطن معطلا من الانطلاق نحو الحداثة والعبور في رحاب ( العلمانية)و البناء والرفاهية والتنمية المتوازنة بفعل تلك النخب السياسية واجندتهم الذاتية وغلق شبابيك وابواب الفضاء الإنساني المعرفي (بالضبة والمفتاح ) و دوما إشهار صوت الوصاية والهيمنة بوسائل استهلكت وبارت بضاعتها وإشغال الناس بمواضيع وإبتزاز بما يسمي(بقوانين الشريعة) في وطن أراد الله أن يكون متنوعا معظمه يحتاج إلي توفير لقمة العيش الكريمة والصحة المجانية والتعليم وباقي إنجاز البنيات التحتية للوطن . حتي ومضات ضوء الاستقامة لاصلاح اعوجاج عضم مستقبل الدولة السودانية كمقررات اتفاقية اسمرا/وكاوكادام / واتفاقية نيفاشا التاريخية … التي ظهرت واجتهد فيها البعض و تم وأدها في مكانها وأصبحت عناوين للكتابة وللذكريات

(٣)

أكثر من 65 عاما لم تبارح الإشكاليات مكانها نفس الاجندة في الخمسينات والستينات وهذه الألفية وطن مسكون بآفة عدم حل مشاكله ونخب سياسية مدمنة للخداع والمراوغة وبهذه الطريقة المشكلات تبدأ صغيرة ولكن بالالتفاف حولها تصبح كبيرة تبدأ من المطالبة بحقوق مستحقة من المركز وتقابل بإشهار البندقية في وجوههم . ومن اللامركزية إلي الفيدرالية إلي تقرير المصير والي ذهاب شعب كامل بغبنه كان شي لم يكن وسط دهشة كل العالم شعب سوداني أصيل مفضلا كرامته من سياط الذل والمهانة

(٤)

العلمانية التي نريدها نستهدف بها الدولة وليست علمانية الأفراد فليكونوا مسلمين او مسيحيين او كجور او لا دينيين لا يؤثر في الدولة في شي ولا تسأل لماذا اعتنقوا دين او ليس لهم دين (حرية المعتقد )مكفول بالقانون للجميع .كما أن العلمانية هي الضمان الوحيد لترسيخ مفهوم المواطنة الحقة عملياً وبالتالي تضمن وحدة طوعية ليست قسرية لشعوبٍ ظلت لها مظالم اجتماعية وثقافية واثنية تاريخية.و دعاة الدولة الدينية يدركون جيداً أنه لا يمكن اختراع العجلة من جديد لاستحالة اقامة دولة دينية في السودان لأسباب كثيرة منها ما قدمته الانقاذ 30 عام من نماذج للقتل والسحل والاستكبار وإذلال المواطن في كرامته وأساءت للدين نفسه وابتذلت شعارات دينية كثيرة منها ( خير من إستأجرت القوي الأمين/وربط رسالات السماء بالارض ….الخ وغيرها ) والمدهش الدولة الدينية الاولي كان الرسول(ص) له رسائل إلاهية. اما هم الأنبياء الكذبة كانت دولتهم الدينية بلا فاكسات إلهيه وأصبحوا هم في الأرض وحدهم الذين يصدرون اوامرهم لله . .

(نتابع في الجزء الثالث)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.