علاقة الأحزاب بالدمقراطية الداخلية
✍🏿: نضال الطيب حامد
ألهمتنى تجربة الأحزاب السياسية في إنجلترا وفرنسا بإعتبارها دول ناجحه في تطبيق الديمقراطية، وأنا أقرأ عنها ثم عقدت المقارنة بينها وبين تجربة الديمقراطية الداخلية للأحزاب فى الوطن العربى والسودان على وجه الخصوص عبر قراءتى لكتاب ( أزمة الديمقراطية فى الوطن العربى) وهو عبارة عن ندوة فكرية وبحوث ومناقشات من مركز دراسات الوحدة العربية.
فى معرض الحديث الدائر عن العلاقات الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية فيما بينها، أعتقد أن هناك علاقة لا يمكن تجاهلها بشأن الممارسة الداخلية للديمقراطية، وهى تتعلق بمستوى الإلتزام والوعى الفكرى والنضج الحضارى والممارسة الديمقراطية فى المجتمع ذاته، وكيف يمكن أن يتم إنعكاس ذلك على الأحزاب السياسية فى بلادنا. وقد لاحظت مستوى عالياً من الديمقراطية بداخل هذه الأحزاب فمثلاً قرأت أنه كان يتاح للأقلية فى الحزب أن تصدر بياناً مفصلاً حول وجهة نظرها بشأن القضايا الفكرية والسياسية التى هزمتها فيها الأغلبية فى المؤتمر العام. وكانت اللجنة العليا للمؤتمر هى التى تتكفل بطباعة وجهة نظر الأقلية وتوزعها على سائر أعضاء الحزب، أو لمن لم يحضروا المؤتمر العام. وكذلك لاحظت من خلال قراءتى وبحثى أن الصحف الحزبية في إنجلترا وفرنسا، تنشر بالذات حواراً فكرياً مع القوى السياسية المختلفة معها فى الرأي السياسى. وهناك تجارب أخرى تدل على أن الأحزاب فى تلك البلدان تمارس الديمقراطية الداخلية للحزب بشكل صحيح، لذلك نجحت معظم تلك البلدان فى ممارسة الديمقراطية بشكل عام.
أما نحن فى السودان قد نعجز عن بناء الحزب بشكل هيكلى ومؤسسى، ناهيك عن بناء الديمقراطية الداخلية للحزب، لذلك أغلب الأحزاب السياسية السودانية تمارس العمل السياسى من خلال القيادة الفوقية والشللية، الشيئ الذي يتضاءل معه تدريجياً وجود الكوادر النوعية، بداخل هذه الأحزاب السياسية اليوم. ونلحظ ذلك جلياً من خلال النقاشات والحوارات السياسية، عبر الميديا فى أغلب القروبات هى حوارت سياسية فطيرة، لا تقدم رؤية لحل أزمة الدولة السودانية، وقد تجنح إلى المهاترات أكثر منه من تقديم الآراء الإيجابية نحو المشروع الوطنى السودانى الغائب. ويبدو أن هذا النمط من البحث يستحق قدراً أكبر من الوقت، فهو يسمح بتطوير رؤية أكثر شمولية لمشكلة الديمقراطية الداخلية للأحزاب السودانية، وقد يساعد الناشطين في المكون البنيوى من مكونات الثقافة الديمقراطية الداخلية للحزب، وغياب الممارسة. والتمسك بمبدأ إستقلالية الأحزاب المتحالفة مع بعضها، وحقها في ممارسة نشاطها السياسى بشكل مستقل وسط الجماهير، وإختيار مندوبيها فى النشاط السياسى المشترك.
أما بالنسبة للأحزاب التقليدية، التى تقوم قياداتها على الزعامة، ولم تمارس الديمقراطية، فإن مصيرها إلى زوال وإنحسار لأن الأجيال القادمة الجديدة والحديثة بطبيعتها، وسلوكها الجديد المتطور فى ممارسة السياسة، قد لا يجدى معها نفعاً المفهوم العقائدى والتأثير الدينى القديم. وما يؤكد على حديثى هذا هو عزوف الشباب فى لجان المقاومة وغيرها، بعدم إنخراطهم فى الأحزاب الكلاسيكية القديمة.
أما الأحزاب غير الزعامية والحركات الثورية مؤخراً فى السودان، فتعتبر ممارسة الديمقراطية الداخلية فى داخلها أقل من ذلك حظاً : لما إتصفت به تلك الأحزاب، فهي ذات قبضة حديدية مفرطة فى التنظيم، وذلك بالرغم من وجود نظمها الداخلية ولوائحها المكتوبة ذات الطابع الديمقراطى، إلا أنها غير ذلك. الشيء الذى قادها إلى كثرة الإنقسامات والتشرزم والإنشطار إلى اكثر من حزب، وها هى تجربة الحركة الشعبية التيار الثورى الديمقراطى ماثلة أمامنا كتجربة جديدة من الإنقسامات.
وهذا ما يؤكد أهمية تسليط المزيد من الضوء على هذه القضية، ووضع المزيد من الضوابط لسيادة الديمقراطية الداخلية للأحزاب، لأن لوائح تشكيل الأحزاب الداخلية أصبحت كدساتير الدول الدكتاتورية والتى رغم وجودها إلا أنها لم تمنع النظام من ممارسة الدكتاتورية والاستبداد.
نكمل،،،