عرض كتاب: التركية في كردفان جبال النوبة وأهوال الاسترقاق للدكتور عمر مصطفى شركيان(2-3)
د. قاسم سنيم حماد حربة
سمى فصله الثاني ب “كردفان عروس الرمال بين بعلين” سرد فيه الأحوال السياسية في كردفان سردًا مفصلًا وتناول تنازع الإقليم بين الفونج والفور، والحروبات التي جرت في ذلك، أما فصله الثالث فقد أسماه ب “كردفان في العهد الغيهب” وبدأ بتأصيل اسم كردفان الذي هو أيضًا اسم يطلق على جبل كردفان القريب من الأبيض، وقد زعم شركيان أن هذا الاسم مأخوذ من اسم آخر ملوك النوبة في كردفان قبل أن تحتلها قبيلة الغديات واسمه “كلد” أما “فار” فهي بمنى غلى فالاسم أصله “كلد فار” أي أن هذا الملك الذي يدعى كلد قد فار وغلى وغضب، وهذا منحى جيد أن نؤصل للأسماء من اللغات المحلية، وهناك تخريجات أخرى، فكنت قد وقفت على تخريج آخر يزعم أن الاسم أصله “كردو فان” وهو بلغة النيمانج حيث أن “كردو” تعني الغني بلغتهم، و”فان” أداة نفي بمعنى ليس، فتحرير الكلمة “ليست بالغنية” وذلك حينما بدأت مروج المنطقة بالانحسار فقالوا إنها صارت غير غنية، وهناك تخريجات غير ذلك بلغات نوبية أخرى.
ذكر شركيان أن أقدم الهجرات إلى كردفان تمثلت في قبيلة الغديات والبديرية والجموعية التي اتحدت ثم ارتبطت بشيخ مملكة سنار في القرن الثامن عشر، ثم اندفعت قبائل عربية أخرى ومواطنون من سنار ودنقلا إلى المنطقة، وأخذت الزراعة والتجارة في الازدهار، ثم غزتها دارفور وطردت العامل السناري عليها، وبقوا فيها حتى سنة 1821.
وصف مدينة الأبيض وذكر أن بيوت الأبيض كانت عبارة عن قطاطي من طين، وكان أغلب سكانها من الدناقلة، وكانوا هم فقط من يعملون في التجارة، ويذكر شركيان أن بارا بناها الدناقلة أيضًا، وكانت هي المدينة الثانية، وكان سكانها في شيء من الرفاهية.
تحدث عن معركة بارا بين الدفتردار قائد جيش الترك لاحتلال كردفان والمقدوم مسلم، وذكر أن نساءً قاتلن مع المقدوم مسلم واستشهد بعضهن، وقد أفرد للدفتردار دراسة مستقلة لشخصيته وساديته وأورد حوادث كثيرة وغريبة عنه، وفصل في حديثه عن الجيش التركي وتشكيلاته.
فصله الرابع أسماه “المدائن وأهل الحاضرة” تحدث فيه عن المدن الحضرية في كردفان وسبل كسب العيش، فتحدث عن مدينة الأبيض تسميتها ونشأتها وأحيائها القديمة التي كانت موزعة على أسس أثنية وطبقية، وتحدث عن تجارة الرق في مدينة الأبيض، ونقل لنا مشاهدات مهمة عن النوبة في جبالهم سجلها بعض الرحالة كعالم الطبيعة الألماني روبيل، وكان محورها عن أديانهم ومعاشهم وحرفهم وأنعامهم وثقافاتهم وتجاراتهم، أما بالمي الذي كان مبعوثًا من قبل المؤسسة التجارية في مصر فقد قدم وصفًا عن النوبة أيضًا، وذكر معلومات ثرة عن طعامهم ومتاع بيوتهم وتجارتهم وعقائدهم وتقاليدهم، ومما قدمه وصفه لهم وهم يحرقون فروع الأشجار ويقذفون بها في الجو، ولم يحدد الكتاب وربما بالمي نفسه في أي جبل شاهد هذا، وأنا أقول أن هذا هو سبر جدع النار عند النيمانج ويطلقون عليه “جال” وهو سبر لطرد الأرواح الشريرة، ولكني لا أعرف إن كانت هناك قبائل أخرى تمارسه، لكني أعلم أنه يمارس أيضًا في النيل الأزرق، ومما أورده عن بالمي ذكره أن بعض المناطق تحتفل بمرور سنة على وفاة ميتهم، وذلك بالتغني بالأغاني الشعبية، وذكر أيضًا احتفال الحصاد، وهذا موجود لا يزال عند كثير من قبائل النوبة إن لم يكن كلها، وذكر المهور ومقاديرها ومما تدفع، وذكر شركيان أيضًا بعثة العالم الجيلوجي النمساوي روسيغر حتى جبال شيبون، ونقل وصفه لجبال الكدرو والكواليب والهدرا وتيرا، وأورد فيها مادة مهمة يمكن أن يتم مقارنتها بما هو حادث الآن من عادات لديهم، وذكر آخرين أو بالأصح ذكر كل الرحالة والمبعوثين الذين وطأت أقدامهم جبال النوبة ونقل أهم ما كتبوه وقرروه.
ومن الغرائب التي وردت في الكتاب قوله إن جثامين الزنوج والمجرمين ما كانت تدفن ، وإنما ترمى للوحوش خارج الأبيض، فهم والمجرمون على السوية، ذاك بجرمه وذا بلونه، حتى جاء محمد بك على إدارة مديرية كردفان فأمر بدفنها على الطريقة الإسلامية، وعن مجتمع الأبيض أورد أن الرجال ما كانوا يغارون على بناتهم أو أخواتهم، بل كانوا يدافعون عن عشاق بناتهم وأخواتهم، وهذا غريب إذ ما قارناه بعادات اليوم، ونقل أن الرجال كانوا كذلك يعتنون بشعورهم ويرسلونها أو يتركونها مجعدة أو يمشطونها، وأظن أن هذه العادة بدأت تظهر الآن في بعض مناطق الهامش استحضارًا للتراث، وذكر أيضًا أن النساء كن يعتنين بشعورهن أيضًا فيرسلنها أو يمشطنها ويمسحنها بالشحم، أما أزياؤهن فكانت عبارة عن قطعة قماش حول الخصر وتمتد فوق الظهر، والفتيات كن يكتفين بالرحط، أو شريطًا جلديًا حول الخصر، هكذا قال، وهو الرحط نفسه، فكان في الأصل من الجلد ثم صار من القماش، والشيء الذي دلَّ على نوعٍ من الرقي قوله أن الرجال والنساء كانوا يستخدمون العطر مرتين في اليوم، وقد ذكر إلى جانب ذلك الأطعمة وأزياء الرجال بتفاصيلها.
وفصله الخامس أسماه “كردفان الغرة، أم خيرًا بره” تحدث فيه عن مواردها الطبيعية بدءًا بذهب شيبون، وذكر أن آثار التعدين في مناطق قريبة منه تعود إلى 200 سنة دون أن ندرك كيف بدأ، وأن النوبة كانوا يؤدون طقوسًا حال اكتشافهم قطعًا كبيرة من الذهب، وهي عبارة عن ذبح خروف علي القطعة قبل أخذها، ولعلنا نتذكر بهذا أن النوبيين في الشمال كانوا يفعلون قريبًا من ذلك عند تعدينهم للذهب، وقد أسهب شركيان في الحديث عن جبل شيبون وعن الذهب بصورة عامة واستخراجه في جبال النوبة، وارتباط استخراجه بالسحر والأفاعي والأسرار ومقاتل النوبة في جبل شيبون والغزوات التي شنت عليهم، وذكر استخراج النوبة للذهب من جبل تيرا مندي ودونقر وعطورو.
سمى فصله السادس ب”الرق… قتل الإنسان ما أكفره” عرَّف فيه الرق وأرخ له منذ الحضارات القديمة من فارسية وهندية وصينية حتى نهايته، وأورد أحاديث نبوية تستبشع تجارته، ثم ذكر آراء فقهاء الإسلام فيه، ثم نوه إلى الحذر في التعامل مع الأحاديث إلا ما قد ثبت، ثم عاد إلى تجارة الرقيق التي كانت سائدة قبل الإسلام، وذكر أن الكنيسة مارستها في قرون متأخرة، وأن القرآن الكريم رغب عنها في استحياء ، ثم قال: ولسنا ندري لِمَ لَمْ يحرم هذه الجريمة الإنسانية بل إن فيه إشارة لإباحتها في بعض الآيات، وخاض في قضايا فقهية كثيرة شائكة فليرجع المتزود إليها في الكتاب، ثم إنه أتى إلى العصر الحديث وذكر رفض جماعات من المسلمين لإلغاء الرق، ومناداة بعضهم بالجهاد حينما أصدر الباب العالي في تركيا قرارا بمنع الرق سنة 1855، وذكر أيضًا اجتماع طلبة العلم الشرعي في بيت رئيس العلماء ومفتي الأحناف بمكة الشيخ جمال شيخ وطلبوا إليه ألا يرضخ للأمر، نواصل