عبقرية الموروث الثقافي فى جبال النوبة – السودان
بقلم جبريل ادريس جبريل كافى ( توتو بسنة كافى)
يصف الدكتور قندول ابراهيم قندول عبقرية الموروث الثقافي فى جبال النوبة فى كتابة ” الفكى على الميراوى ” من صور البطولة فى جبال النوبة، واصفا دور العادات و التقاليد فى تنظيم حياة النوبة حسب ادوات الضبط الاجتماعى المتفق عليها وكان لابد من الالتزام بها الى حد الصرامة . ومن الموروثات الثقافية للنوبة طقوس الاسبار المختلفة ,والعادات و التقاليد الاجتماعية من مفاهيم الزواج وطرقة ,وحدوده , والاحترام المتبادل بين الاصهار , والطلاق واسبابه , ومعاملة الارامل . بالاضافة الى هذا كله هنالك المصطلحات القرابية والتسمية ومدلول الاسماء واهمية الانتماء للفئة العمرية والتزامات الرفقة , والميراث والتى تعمق من فعالية ادوات الضبط الاجتماعى . فاذا اخذنا الزواج مثلا كواحد من العادات المشحونة بمفهوم الاسرة , فكان لايسمح بالزواج بين الاقارب من جانبى الاسرة لثلاثة اجيال متتالية على الاقل ولا يمكن ممارسة الجنس خارج علاقة الزواج اذ تعتبر هذة الممارسة مخالفة للقواعد ولوائح الضبط الاجتماعية , وهجوما عنيفا على العادات والتقاليد والقيم فمرتكبوها منبوذون وغالبا يكون ما عقابهم المقاطعة القبلية او النفى طوعا الى قبيلة اخرى والتى قد لا تكتشف سر المجئ اليها , حيث يعتبر هذا السلوك المتبع عند قبيلة النوبة بفطرة الموروثة من عمق الحضارة الكوشية الضاربة فى عمق التاريخ والتى اثبتتها شريعة ديننا الحنيف الاسلام فى تحريم فاحشة الزنى بقوله تعالى ( لا تقربو الزنى انه كان فحشة وساء سبيلا ( الاسراء الاية 32) . كما هو فى اكتشاف العلوم العلمية الطبية الحديثة موخرا وخاصة فى ما يعرف بعلم الوراثة والامراض الوراثية التى يخلفها من يتعمدون سلك هذا المنحى المخالف لقواعد ونظم الضبط الاجتماعى المتوارثة اضافة للامراض المنقولة جنسيا والتى كلفت المجتمع والدولة تكاليف باهظة علاجة والوقاية منه ( حمانا الله واياكم) . بفضل هذة القواعد والنظم المتبع فى جبال النوبة من عاش هذا الشعب العظيم حياة طاهرة وعفيفة .
و عكس الزواج , الطلاق الذى لا يتم رغبة فية وانما لآسباب منطقية وموضوعية متسقة مع ادوات ضبطهم الاجتماعية . فمن الاسباب مثلا ان تكون الزوجة او الزوج عاقرا ,او او بسبب اساءة المعاملة من احد الطرفين تجاه الاخر او لافراد الاسرة الممتدة, او للخيانة الزوجية التى نادرا ما تحدث . والاحترام بين الاصهار هو تكريم لعظم العلاقة التى ربطت بين الاسر, فمثلا قد لا تتناول ام الزوجة الطعام او الماء امام صهرها الا بعد اداء لطقس معين . وفى بعض الاحيان لاينادى الرجل والدة زوجتة باسمها او يتحاشى مقابلتها وجها لوجه فى نفس الطريقة , اذ يخلى لها الشارع تكريما وتقديسا لتلك الرابط الاجتماعى الجديد هكذا كان يعيش شعب النوبة فى جبالة الشاهقة شموخ هذا الشعب العظيم . قبل ان تدخلة تلك الثقاقاث المتعددة الوافدة .
لم تجهل تلك الموروثات الارملة التى فقدت زوجها لسبب ما وقد تعامل معاملة خاصة من اسرة زوجها ومن المجتمع خاصة خاصة اذا كان لديها اطفال .اذ يقوم المجتمع بمساعدتها فى اعمال الزراعة او بناء المنزل و غير ذلك من الاعمال التى كان من الممكن لزوجها المتوفى القيام بها . اما الاسماء النوباوية الافريقية فلها معانى ودلالات , ولكنها تختلف من عشيرة لاخرى بناء على التسلسل والتراتيب الميلادى مع تصنيف الذكور والاناث وفقا لعادات العشيرة المعينة . ومن اكثر الاسماء شيوعا ودلالة على الانتماء لقبائل النوبة , والنوع (الجندر), و الترتيب عند الولادة هو كوكو اى المولود الاول الذكر . ويكثر نظام التسمية هذا عند مجموعه ” كاقولو ” التى تعتبر من اكبر المجموعات النوباوية من حيث العدد والمساحة والعشائر فى جبال النوبة الوسطى . فاذا صادفت شخصا من النوبة باسم كوكو فتاكد انك فى الغالب امام المولود الاول للام او الاب . غير ان الاسم قد يتكرر اذ كان للرجل اكثر من زوجة وانجبن اولادا ذكورا فى اول ولادة لهن . اما اذا انجبت المراة تسعا وكان المولود التاسع ذكرا فاسمة كوكو ايضا . ويكون تميزة بكوكو الثانى ” كوكو ريريع” اى كوكو الاخير . وقد يسال سائل ماذا اذا كان للاسرة الواحدة اكثر من كوكو ؟ الاجابة يلحق بكل واحد منهم صفة تميزة عن الاخر او الاخرى كهذة الاوصاف التحفة المميزة عند عشيرة دميك التى تنتمى الى مجموعة كاقولو النوباوية مثلا , كوكو نجارو اى مرفعين , كوكو نارا, كوكو مساى , كوكو دا قلبيع , كافى تادوريه , كافى تلا مولو, تيو تية , تية لاديو , تيو موكدر , تيو مسدوق, تيو دلبا دينى , توتو بسنة , تتو النار, تو بادا, كوو فايو , كووه حلة , كووامدوفيك, كوو مسادا, كيكى نووم , كيكى مردان , كيكى تلتل , كيكى البارد, كاكا مسواك , كاكا جورى , كاكا دربسكا , كاكا تويع, كاكا جادو, كاكا ريسيه, كاكا قاشيم ,تتو لاقيدو, تتو سوارى , تتو ماي, تتو قرفا, تتو بيسا , تتو دى نيا, تتو تادينيه, لكى باسوو, لكى مسول, كنو ساقا, كنو مسيوم, توصوو مكديرك, توصوو ملولو, توصوو منجولي, توصوو اركيه, توصوو توصوو, هذة فقط قليل من كثير كل هذة الاسماء اصبحت تنادا فى نطاق ضيق نتيجة للغزو الاسلاموعروبى الذى لعبت الانظمة الحاكمة المتوارثة دورا بارعة فى طمس كينونة وهوية شعب النوبة العريقة الا ان هنالك جهدا يمشي برجلية على الارض لاعادة المسميات الاصلية واعتمادها فى المعاملات الديوانية الرسمية لتصبح مقاطعة البرام بمقاطعة توبو , وام دوريين بنقربان, وابو هشيم ببندلى , ودميك بروفييك وغيرها من الاسماء والاماكن التى طالتها الطمس والتغير المتعمد . اما فيما يختص بالتوارث الذى يعتبر ارثا نوباويا افريقيا قديما يمتد جزوره لقرون عديدة وبعيدة اذ كان يتم من ناحية الام , بمعنى ان الفرد يرث اخوة امة الاشقاء او غير الاشقاء لوالدتة . ولعل هذا هو سبب تولى بعض الاشخاص الذين لاينتمون الى منظومة القبيلة او الاسرة القريبة الزعامة من اخوالهم . كما نزيد ان ان وراثة ابن الاخت لاخالة هى عادة افريقية قديمة فى ممالك افريقية كمملكة مالى وغانا وسونقى فى غرب افريقية اما فى عشيرة دميك ” رووفيك” نجدها متاصلة والى عهد قريب كانت سائدة حيث يعتبر الخال ” ارنوو ” بمثابة الوالد لابن اختة ” مولية” الذى ما لبث ان فطم من اللبن حتى ياخذه خالة يتربى ويترعرع معة الا ان يزوجه حيث يقوم الخال بدفع كل تكاليف الزواج من ابقار و ماشية وسلاح وغيرها من المطلوبات ويقف الخال على كل ترتيبات الزواج . وقد لايقف هذا فقط فى الزواج بل يمتد الامر بكل الالتزامات الحياتية التى يتطلبها الموقف . اما بوفاه الخال فيرث ابن الاخت كل اموال خالة المنقولة عدا الارض . فقد انتفت واندثرت هذة العادة عند عشيرة دميك فى سبعنيات القرن الماضى عندما توفى الجد ” ابو شوك كافى ” طيب الله قبره . عندها ظهرت مجموعة بتدعى بانهم ابناء اخت ابوشوك كافى من منطقة لقاوة وجاؤ لاخذ ورثة خالهم الامر الذى استنكرته ابناء المتوفى ابوشوك بانهم لم يشاهدو هذة المجموعة طيلة حياة والدهم المتوفى وقد وصل الامر بهم للقاضى الشرعى فى مديرية كادوقلى وقتها . وقد وجه القاضى سوال للطرفين باى ديانة تدينون ؟ فقالو الاسلام عندها قطعت جهيزة قول كل خطيب . حيث اصدر القاضى فتوتة ببطلان هذا النوع من الوراثة المتوارثة وتوجيه بتعميم و اتباع النظام الاسلامى ومنذ تلك الحقبة اندثرت هذة التقليد عند عشيرة دميك والجدير بالزكر ان سليمان ابوشوك كافى ” تلا موولو” هو من تعود ِله فضل اعادة توريث الابناء لابائهم باتباع النظام الاسلامى الابوى عند عشيرة دميك .