ضرورة إصلاح القطاع الإقتصادي في الدولة السودانية“نموذج إعتماد النظم البنكية التقليدية “(4-4)
بقلم: مقبول الأمين (كوكامي)
في المقال السابق توقفنا في دور المنشاءات المالية الدولية و أثرها في تقديم الخدمات المالية من خلال الإستثمار المباشر عن طريق فروع المؤسسات المالية لدولة معينة في دولة اخرى أو انشاء مؤسسات مشتركة أو الأسهام في مشاريع استثمارية خارجية، في هذا المقال سوف نتطرق الى الجزئية الاخيرة المتعلقة بالنظم البنكية متمثلة في المصارف المتخصصة.
المصارف المتخصصة :(Specialized Banks) تعرف المصارف المتخصصة بأنها تلك المصارف التي تتخصص في تمويل قطاعات إقتصادية معينة، ومن اهم انواع المصارف المتخصصة، المصارف الصناعية والمصارف الزراعية والمصارف العقارية، كما وتعرف المصارف المتخصصة بانها تلك المصارف التي تقوم بالعمليات المصرفية التي تخدم نوعا محددا من النشاط الإقتصادي، مثل النشاط الصناعي أو الزراعي أو العقاري وذلك وفقا للقرارات الصادرة بتأسيسها والتي لا يكون قبول الودائع تحت الطلب من بين اوجه نشاطاتها الرئيسية. ويتبين من التعريف اعلأه ان المصارف المتخصصة تتصف بخصائص معينة اهما ما يأتي :
– انها تعتبر مؤسسات غير ودائعية أي ان المصارف المتخصصة لا تعتمد في مواردها المالية على إيداعات الافراد كما هو الحال بالنسبة للمصارف التجارية، وإنما تعتمد على رأس مالها وما تصدره من سندات.
– ارتباط نشاطها برأس مالها أي ان المصارف المتخصصة لا تستطيع التوسع في انشطتها المختلفة، إلا في حدود مواردها المالية فهي ليست كالبنوك التقليدية يمكنها استثمار اموال الزبائن.
– معظم القروض التي تمنحها تكون بآجال طويلة نسبيا، حيث تقوم اغلب المصارف المتخصصة بتوظيف مواردها في قروض طويلة الأجل وذلك عكس ما هو متبع في البنوك التقليدية التي يحكمها في هذا الصدد آجال الاموال التي اودعها الزبائن .
– التخصص في تمويل نشاط اقتصادي معين، فالمصارف المتخصصة وكما هو واضح من تسميتها تخصص في تمويل انشطة معينة حيث نجد المصارف الصناعية تتولى مهمة تمويل القطاع الصناعي، والمصارف الزراعية، تخصص في تمويل القطاع الزراعي والمصارف العقارية تخصص في تمويل قطاع البناء والإسكان والمرافق أو المساهمة فيها .
– غالبا ما يكون تركيزها على تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية ولا يكون الربح هدفا اساسيا لها وذلك فإنها تكون مملوكة من قبل الدولة في اغلب الأحيان. و من اهم العوامل الأساسية التى يمكن أن تساهم بها البنوك المتخصصة هي التنمية المتوازنة في توزيع التمويل بصورة عادلة من غير تمييز و تدعم القطاعات الإقتصادية المختلفة، و ويمكن ان نقدم عرضا مختصرا لأنواع المصارف المتخصصة:
المصارف الصناعية :(Industry Banks) تقوم المصارف الصناعية بتوفير الموارد المالية اللازمة لدعم وتنمية المشروعات الصناعية على اختلاف احجامها ( الكبيرة والمتوسطة والصغيرة) وكذلك المشاركة في رؤوس أموال بعض المشروعات الصناعية المختلفة. وحتى تتمكن المصارف الصناعية من ادارة شؤونها المالية وتعظيم مواردها فإنها تتواجد في سوق رأس المال للحصول على موارد طويلة الأجل، ولذا نجد ان موارد المصرف الصناعي، تتمثل في حقوق الملكية من رأس المال و لاحتياطيات والمبالغ المقترضة من البنك المركزي وودائع وقروض من مؤسسات دولية، وغالبا ما يتدخل البنك المركزي، أو القانون النافذ في تحديد القروض التي يستطيع المصرف الصناعي منحها للمستفيدين من الصناعيين وتحكم هذه المصارف مجموعة من القوانين والتعليمات. وان اهم ما تقوم به المصارف الصناعية ما يأتي:
– منح القروض والتسهيلات الإئتمانية للمشروعات الصناعية بأجل قصيرة ومتوسطة وطويلة ولأغراض مختلفة كالتوسعات في مشروعات قائمة أو تمويل مشروعات جديدة.
– المشاركة المباشرة في رؤوس أموال المشروعات الصناعية .
– تقييم المشروعات الصناعية وإعداد دراسات الجدوى الإقتصادية لصالح الزبائن .
– فتح الإعتماد المستندى لعمليات الأستيراد والتصدير .
– اصدار خطابات الضمان بأنواعها المختلفة.
المصارف الزراعية ( Agricultural Banks) : تضطلع المصارف الزراعية بتقديم كافة الخدمات المصرفية ذات الصلة بالنشاط الزراعي مثل القروض والتسليف التي تمنحها للمزارعين لشراء الالأت الزراعية واستصلاح الاراضي، وتمويل نفقات الزراعة والحصاد فضلا عن اقراض الجمعيات التعاونية الزراعية لمباشرة الاغراض الإنتاجية، وقبول ودائع ومدخرات المزارعين والجمعيات التعاونية. لذلك في هذا الجانب اود أن أكد نقطة مهمة متعلقة بالتمويل في الخطة العشرية للنظام البائد قد صاحبه اعوجاج كبير وعدت عند وصولها السلطة بان 40% من التمويل سيكون للزاعة وحدث ذلك في المرحلة الاولي من الخطة العشرية وكان ذلك لتمكين كادرهم وتنمية مناطق بعينها كالتي يوطن فيها القمح ففي 2003 وصل تمويل الزراعة الي 16% مما وضع له ثم انخفض في 2005 الي 8% فاصبح السودان مستهلك بدلا ان يكون منتج .
أما بالنسبة للمرابحات فى الصيغة التمويلية في البنوك لم تخرج من الاطار التقليدي رغم الادعاء بانها اسلامية فخلقت اغنياء جدد من كادر النظام البائد فقط لان تمويل الزراعة التقليدية ياتي دائما من التجار الذين يقيمون في مناطق الانتاج . ففي 2005 تم زراعة 20 مليون فدان في القطاع التقليدي المطري وكان نسبة اجمالي ناتج ذلك يساوي 5% فقط من اجمالي ناتج الدولة مقابل مليون و 8 من عشرة تم زراعتها حول النيل انتجت 11.5 % من جملة الناتج المحلي يعني ذلك ان مليون فدان حول النيل تعطي اكثر من انتاج كل المناطق التقليدية لسبب ان تدخل السلطة و راس مالها وعلاقتها بالمواطنين حول النيل هو السبب في ذلك وفرت لهم التمويل اللازم . دون مساواة بغيرهم من بقية المواطنين و هذه هي اسباب الحرب الخفية.
المصارف العقارية :(Real Estate Banks) تتمثل المصارف العقارية بتلك المصارف التي تتخصص بتقديم الخدمات الإئتمانية العقارية وما يتصل بها من تمويل لمشروعات الإسكان والبناء كمنح السلف بطريقة عادلة و بضمان الأراضي أو العقارات المشيدة، أو تقديم القروض للجمعيات التعاونية الاسكانية، كما وتساهم المصارف العقارية في تأسيس شركات لبناء المساكن والعمارات والمباني على اختلاف انواعها . وتعتمد هذه المصارف في تمويل نشاطها على رؤوس أموالها، و على القروض طويلة الأجل التي تحصل عليها كدعم من البنك المركزي والمصارف الاخرى والسندات التي تصدرها . ومما تجدر الاشارة الي ان المصارف العقارية لا يقتصر نشاطها على منح القروض التي يكون اغلبها طويلة الأجل، وإنما يشمل نشاطها احكام الرقابة الكاملة على الإنفاق، وربطه بعمليات الإنجاز ، كما وان بعض المصارف العقارية تقوم بدراسات الجدوى الإقتصادية لمشروعاتها، وتقديم المشورة لأجهزة التعمير والإسكان الرسمية في البلد المعني كذلك فان هذه المصارف تشجع المشروعات الإسكانية الفردية و لتعظيم مواردها فان هذه المصارف غالبا ما تستثمر أموالها في مشروعات مختلفة مثل الفنادق، والمدن السياحية والمجمعات االسكانية الراقية. و من الأمثلة الواضحة للفساد في الدولة السودانية هو بيع البنك العقاري الي جمعة الجمعة و هو مستثمر سعودي، وذلك بما يساوي مبلغ تكلفة مباني تابعة للبنك بكل من مدينتي ود مدني والابيض ناهيك عن السيولة التى كانت بالبنك والاصول الاخري .
ختاماً: تظل المطالبة و المناشدة بضرورة إصلاح القطاع الإقتصادي في الدولة السودانية محل تقدير، و مطلب مهم للغاية لتحقيق الاستقرار الإقتصادي بالدولة، و بالرغم من قيام ثورة ديسمبر المجيدة إلا أن النظام الجديد في مركز السلطة لم و لن تضع حد لتغير النظام الإقتصادي الاسلامي الذي وضعها النظام البائد و ساهم في تدهور الإقتصاد بشكل عام و لا يزال شريحة رأس المال الطفيلي يقبض بزمام الامر الإقتصادي و لم تكن هنالك إصلاح إقتصادي شامل و جزري. لذلك مهم جدآ تنفيذ إصلاح شامل و وقف التدهور الإقتصادي – الإجتماعي و تحقيق تنمية مستقلة في مناطق الحرب، و تطبيق اللامركزية المالية و إعادة المؤسسات الإقتصادية التى تم خصخصتها إلى القطاع العام، و إعتماد النظم البنكية التقليدية في الدولة السودانية. و الأخيرة كانت نقطة مهمة وجب تسليط الضو حولها و وردت ضمن متطلبات إصلاح القطاع الإقتصادي في مسودة الإتفاق الإطاري التى قدمتها وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال مؤخراً في منبر التفاوض بجوبا – عاصمة دولة جنوب السودان. بغرض إعتمادها و تقديم الخدمات المصرفية لجميع العملاء، و عدم حصرها على خدمة قطاع معين دون القطاعات الاخرى، و ضرورة إحترام الحقوق الإنسانية و السياسية و الإقتصادية الاساسية لجميع الشعوب السودانية، و عدم التميز بين المواطنين، أو مؤسسات الدولة على أساس الدين او العرق او الجنس او اللون، و ضمان الترفيع بإقتصاد الدولة السودانية و جعلها مزدهرة و تحقيق التنمية المتوازنة و المستدامة، و تضمين فلسفة السودان الجديد في التنمية فيما يتعلق باستخدام موارد الدولة بصورة أفضل و توزيعها بطريقة عادلة، و توفير ارضية خصبة لنقل المدينة الى الريف (Move the City to Rural Areas) و ننهض بالدولة السودانية إقتصاديآ و إجتماعيآ و سياسيآ الى واقع أفضل يلبي تطلعات جماهير شعبنا الأوفياء.
المصادر:
1- الإقتصاد السياسي، كتاب (7) منهج الثانوي، معهد التدريب السياسي واعداد القادة، الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال
2- د. بشير عباس العالق ادارة المصارف – مدخل وظيفي الأردن ، 1998.
3- أ. حسن النجفي، سوق الأوراق المالية مكتبة النجفي، بغداد،1992.
4- د. طارق طه، ادارة البنوك ، المعهد العالي للادارة والحاسب الالي، كنج مربوط – الاسكندرية 1999.
دمتم ……