إصلاح المؤسسات السياسية المدنية واصلاح المؤسسة العسكرية
أمجد فريد الطيب
الحديث عن اصلاح المؤسسات والاحزاب السياسية وضرورته الانية هو حديث صحيح في كلياته، ولم يتوقف الحديث عنه ولا المطالبة به وكشف امراض النادي السياسي حتى منذ قبل إسقاط نظام البشير. وهنا يمكن مراجعة هذه الكتابة السابقة عن نواقص النادي السياسي السوداني والتي ادت الي فشله حتى ذاك الحين في تحقيق شعارها باسقاط النظام (http://sudanseen.blogspot.com/2018/08/blog-post.html?m=1). ولكن وضع هذا الشعار كمقابل للرد والاعتراض على فتح النقاش والمطالبة باصلاح المؤسسات الامنية والعسكرية في السودان، واسكات صوتها، هو امر في تقديري غير صحيح ولا يستقيم منطقا، وذلك لعدة اسباب، منها:
– ان المؤسسات السياسية والاحزاب ليست مؤسسات دولة، بل هي مؤسسات مملوكة لعضويتها، المفتوحة لجميع الراغبين في الانضمام اليها بحسب خياراتهم. وهذه العضوية التي تحدد كيفية وطريقة اصلاحها وتطويرها. ويصبح حكم الناس عليها بعد ذلك من خلال صناديق الاقتراع والتصويت وجداول الانضمام اليها او الخروج منها. ما يهم العامة من غير عضوية الاحزاب في شأن اصلاحها، هو ضمان مبادئ الديمقراطية الداخلية وعدم الخروج على قواعد الممارسة السياسية المتفق عليها. ولكن بالمقابل فان المؤسسة العسكرية والامنية هي جزء من جهاز الدولة الخدمي، والذي يحتكر سلاح الدولة ويسيطر على الة عنفها الشرعية مقابل تقديم خدمة ذات طبيعة محددة للمواطنين. بالتالي فهو مملوك لجميع هولاء المواطنين بل ويعمل لديهم. مرة اخرى، مثله مثل بقية اجهزة الدولة ذات الطبيعة المتخصصة. وزارة التعليم التي تقدم خدمات التعليم، ووزارة الصحة التي تقدم خدمات الصحة، ووزارة الرعاية الاجتماعية التي تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية، وغيرهم. وكل اولئك، ارتفعت اصوات الانتقاد والجرح والتعديل والاقتراح في مسارات ومقتضيات اصلاحهم عدة مرات ولم نرى احدا يعترض عليها ويطالب باصلاح النادي السياسي اولا!
– الامر الثاني، ان نقاش اصلاح وتطوير ادوات النادي السياسي لم ينقطع داخل وخارج هذه الاحزاب، وهو امر عليه اتفاق واسع بين الجميع وسعي الي انجازه. فقد شهدنا في الفترة الماضية مؤتمرات التجمع الاتحادي القاعدية، وتجري هذه الايام اعمال مؤتمر تنظيمي للمؤتمر السوداني، وتستمر اعمال اللجنة التحضيرية لعقد مؤتمر عام للحزب الشيوعي منذ فترة، وتجري نقاشات علنية وعامة حول المهام التي ينبغي انجازها في اطار تحويل حركات الكفاح المسلح المنخرطة في سلام جوبا الي حركات سياسية، وغير ذلك من الانشطة. وربما تكون هذه الانشطة غير كافية ولم تؤتي أُكلها بعد، ولكن الشاهد ان مبدأ الاصلاح والتطوير واعادة الهيكلة في داخل النادي السياسي هو مقبول ومتفق عليه، بل لعل اكبر القضايا السياسية الداخلية التي يتم نقاشها داخل النادي السياسي لقوى الثورة هو كيفية اصلاح هياكل الحرية والتغيير !!! فالمبدأ مقبول اذن في مقابل الرفض الحاد الذي يتم به تناول اي حديث عن اصلاح المؤسسة العسكرية.
– اصلاح المؤسسة العسكرية هو في نفسه من عوامل اصلاح التنظيمات السياسية. إذ ان علينا الا ننسى، ان مؤسسة للجيش السوداني هي اطول مؤسسة شاركت في حكم البلاد التي قضت ٨٠٪ من عمرها منذ الاستقلال تحت حكم انظمة جاءت بانقلابات عسكرية. ولعل الرد الاولي على ذلك يكون بالدفع بان هذه الانقلابات جاءت بتدبير وتحريض احزاب سياسية. ولكن هذه الحجة تهزم نفسها بنفسها، فاليست قدرة الاحزاب السياسية على التغلغل والتأثير داخل الجيش هي من اكبر دواعي الاصلاح لهذه المؤسسة لاستعادة حياديتها وتحصينها من مثل هذه الافعال؟
– الامر الاخير ان الناس في اصلهم هم جميعا مدنيون، وبعد ذلك تأخذهم تخصصاتهم المهنية ورغباتهم وقدراتهم ليصبحوا عسكريين او اطباء او مهندسين او طيارين او غير ذلك. فافتراض اي خصوصية بخصوص تطوير الخدمات التي يقدمها هولاء المهنيين لا محل له من الاعراب.
من المهم جدا عدم تحويل النقاش حول اصلاح المؤسسة العسكرية والامنية الي معركة محط تنازع بين عسكريين ومدنيين ومجرد هتر كلامي ينتهي بانتهاء اطلاقه او السعي لقتله في مهده باشاعات اغتيال الشخصية ومهاجمة المطالبين به. ينبغي على العسكريين ان ينظروا الي عملية اصلاح المؤسسة العسكرية والامنية مثله مثل اصلاح بقية اجهزة الدولة، وهو فرصة لتطويرها واستعادة ادوارها ومكانتها المحترمة داخل المجتمع مثل بقية دول العالم. بالاضافة الي ان اصلاح المؤسسة الامنية والعسكرية هو احد وعود الثورة التي تم النص عليها في الوثيقة الدستورية والاتفاق السياسي التين أسستا لكامل هذه المرحلة الانتقالية، ولا مجال لتوطيد وترسيخ الديمقراطية في السودان بغيرها.
والثورة بالغة امرها ولو بعد حين