صفقة الإتفاق الإطارئ وفشل النخبة المركزية (1)
✍🏻 تهاني الخليفة
في البدء، هنالك أسئلة مفتاحية كان لابد من طرحها في مقدمة هذا المقال. هل بإمكان الإتفاق الإطاري إسقاط الإنقلاب؟. ولماذا لم يتطرق الإتفاق الإطارئ لجذور الأزمة السودانية؟ وكيف سيقود الإتفاق إلى الإنتقال السياسي المنشود في ظل رفض الشارع له؟ وهل سيمهد الطريق لتحقيق سلام عادل وشامل؟ أم أنه إستعادة وإستنساخ للشراكة القديمة المشوهة قبل إنقلاب 25 أكتوبر 2012؟
إذا نظرنا للتسوية بتمعن (صفقة قحت والعسكر) فإنها جاءت نتاج تحركات دبلوماسية مكوكية على المستويين الإقليمي والدولي أي انها طبخة تمت بأيادي خارجية – ضغوط، على العسكريين وقحت على حد سواء، وفي حد ذاته مُحصلة لميزان القوى بين طرفي الإتفاق، وإستمراره مرهون بإختلال ذات الميزان وهذا إن دل إنما يدل على أن الإتفاق لا يعدو كونه صفقة نخبوية بإمتياز أسوء من إتفاق 2019 الذي أوصد الباب أمام التغيير الجذري وأضاع فرصة تاريخية من شأنها أن تنقل البلاد من دائرة الحروب والفشل السياسي المستمر إلى منصة التأسيس، إلا أنه إنتهى بإقتسام السلطة بين النخب المركزية (المدنيين والعسكريين) وبتقويض الأخير للحكم، في 25 أكتوبر والزج بشركائه في السجون والمعتقلات.
هنالك قضايا جوهرية لم تجد طريقها للحل منذ تأسيس الدولة السودانية في العام 1821ولم تعير النخبة المستعربة الحاكمة أدنى إهتمام بها، منها: (ازمة الهوية، علاقة الدين بالدولة، المركزية الإسلاموعروبية، التنمية غير المتوازنة والأراضي …وغيرها) فمعالجة تلك القضايا من جذورها ستقود بدورها إلى بناء سودان جديد علماني، ديمقراطي لا مركزي يسع الجميع. وبالتأكيد هذه وصفة علاجية قدمتها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، لإنتشال البلاد من أزماتها المستفحلة. فمعركتنا ضد قوى الهبوط الناعم مستمرة، لإحداث تغيير جذري في بنية الدولة السودانية وتحقيق تطلعات الشعوب المهمشة لذلك ستمضي قوى التغيير الحية على رأسها الحركة الشعبية بخطى ثابته لتحقيق شعارات الثورة (حرية .. سلام وعدالة) ويتضح ذلك من خلال مواقف الحركة الشعبية الثابتة والمنحازة للشارع والشعب السوداني.
وحسب ما طالعت، كثُر الحديث أن قوى الحرية والتغيير – المركزي عمِلت على إنهاء الإنقلاب بثلاث وسائل متكاملة ممثلة في: العمل الجماهيري والحِراك في الشارع والتواصل الدبلوماسي والإقليمي بالإضافة إلى العملية السياسية. وهذا ليس بدقيق، إذ نجد أول وسيلة (حِراك الشارع) ليست صحيحة، فالشارع حاليا لم يعُد حاضنة شعبية لقوى الحرية والتغيير – المركزي، كما أعلن الشارع عن رفضه القاطع لأي تسوية سياسية. فالشعب السوداني ممثلا في الشارع فقد الثقة في العسكر وقحت كما سئم الحلول المجربة سيما أن النضالات التاريخية للشعب السوداني أحدثت فيه نضج، ووعي ثوري منقطع النظير وترسخت الثورة كعقيدة في نفوس الثوار والثائرات. نعم الثورة إعترتها بعض العقبات، لكنها باقية ومستمرة وجذوتها متقدة بدليل خروج مواكب ومليونيات هادرة في شوارع الخرطوم يوم توقيع الإتفاق، رافضة للتسوية وإعادة الشراكة، مؤكدة أن المسار الثوري هو الخيار الأمثل لإسقاط الواجهة الأمنية لنظام البشير وتحقيق أهداف الثورة.
إن اللاءات الثلاثة (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية)، لم تكن مجرد شعارات، ولم تختار لحسن وقوعها على المسامع، ولا لسهولة مجراها على الألسن، بل أُختيرت لإجتثاث جذور أزمات البلاد. هذه اللاءات تطرح أسئلة مهمة هي: كيف لقادة الشارع الثائر (قوى التغيير الحية) أن يجلسوا مع سلطة إنقلابية، تُجرم قادته بتهمة تقويض النظام وفقا للقانون السوداني، معتمدين على سلطتهم غير المشروعة وآلة العنف والقمع (الأجهزة الأمنية والدعم السريع) بجانب سطوتها على الإقتصاد السوداني وسيطرتها على الشركات الإستراتيجية.
كيف يتم التفاوض مع الذين تلطخت أياديهم بدماء الثوار السلميين وإرتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، جبال النوبة والفونج، حتى يوم توقيع الإتفاق الإطاري، شهدت مدن العاصمة، عنف وإستخدام مفرط للقوة بجانب الإنتهاكات التي يواجهها الثوار في ولايات السودان المختلفة السوداني منذ إنقلاب 25 أكتوبر؟
وهل القاتل والمجرم يفاوض أم يحاسب ويقدم لمحاكمة؟ وهل الإنقلاب يسقط بالتسويات أم بالمقاومة والفعل الثوري؟ إذا كان مهندس الإتفاق رئيس البعثة الأممية يخشى عليه، على حد حديثه الأخير لدى تقديمه إحاطه لمجلس الأمن. وهل الحرية والكرامة الإنسانية تُمنح أم هي حق مكفول بالقوانين والأعراف الدولية؟.
حتما ستنتصر إرادة الشارع، لكن لابد من خارطة طريق تبلور شعارات الثورة وتترجمها إلى مشروع وطني يقدم إجابات منطقية للأسئلة الدستورية سيما سؤال كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان؟ مع إستحداث وتطوير آليات مقاومة الإنقلاب التي من شأنها تعجيل سقوطه.