شاري أحمد محمود خليل: ثورية متوهمة لنخاس (الحلقة أ).
أ. خالد إبراهيم كودى
النخاس الصغير عشاري أحمد محمود واستدعاء النازية:
ولنبدأ بغلاف كتاب الدكتور عشاري أحمد محمود خليل (إعلان المبادئ وسراب العلمانية)
إختار عشاري لغلاف كتابه (إعلان المبادئ وسراب العلمانية) صورة تم إلتقاطها بين 1972- 1975 بواسطة مصورة ألمانية نازية وجدت طريقها إلي مناطق جبال النوبة بعد تاريخ طويل من إنتاج تصاوير ثابتة ومتحركة لتسويق (هتلر) ومشروعه العنصري التصفوي. بين 1972 و1977 زارت المصورة (ليني ريفنشتال) منطقة جبال النوبة سبع مرات ونشرت عدة كتب.
عشاري يسوق لنفسه، ويسوق له كأكاديمي متعلم، مثقف، من قادة الرأي وثوري، وهو بالتالي ليس بريئا. بإستخدامه لصورة غلاف كتابه والتي إلتقطت بعدسة المصورة النازية المعروفة (ليني ريفنشتال) لابد وأنه يريد أن يوصل رسالة بعينها وينشر فكرة محكمة تربط القارئ بموضوع الصورة المستخدمة كعنوان ومقدمة للكتاب وموضوعه. ولنحاوره حول هذا الإختيار.
فالتصاوير لغة بصرية تفترض تقاطعات فلسفة من يلتقطها بتاريخه وتجاربه ومعارفه من ناحية، ومن الناحية الأخرى للصورة مفرداتها الداخلية، الجمالية/ المفاهيمية والتقنية، بالإضافة لزمانها ومكانها. وعلى حد هذه التقاطعات تقرأ التصاوير بتفسيرات موضوعية وربما بإستجابات عاطفية.
وبإستخدام الصورة المعنية في السياق موضوع الكتاب والتجارب المعاصرة لشعوب مناطق جبال النوبة، عشاري يفعل دعاية مفادها نشر فكرة أن النوبة (عراة متخلفين) وسجناء في تاريخ بدائي. عشاري أحمد محمود خليل، جوقته وما يمثل، بإستخدامه لصورة (ليني ريفنشتال) يستشرق في شعوب النوبه بتعالي على أولوياتهم كما يروها هم، يستكثر عليهم أن يعوا ويطالبوا بوطن علماني/ يفصل بين الدين والدولة و يحفظ كرامتهم وكرامة كل السودانيين. خطاب عشاري في هذا الكتاب يتقمص دور المخلص الذي يتوهم بأن موقفه يهدف لإخراج المتخلفين العراه من ظلام البدائية إلي نور الحضارة والتمدن! لا يمكن قراءة إختيار عشاري عنوانا لكتابه إحدى تصاوير (ليني ريفنشتال) إلا في سياق رؤيتها وإستصحاب فلسفة القرن التاسع عشر التي شكلتها وشكلت رؤية أمثالها في النظر إلي الشعوب الأصيلة في أفريقيا وغيرها. ولنعرف شيئا عن صاحبة الصورة المختارة!
ولدت (ليني ريفنشتال) في برلين في 22 أغسطس 1902، وبدأت حياتها الفنية كراقصة تعبيرية، ثم مصورة وصانعة أفلام. في بداياتها ركزت على موضوعات الطبيعة لما توفره من غناء، أيضا عرفت بأنها رياضية، مغامرة وجريئة. أعجبت بهتلر ومشروعه فإنضمت للحزب النازي وأخرجت عدة أفلام سوقت لإحتفالات الرايخ. و(ليني ريفنشتال) كمخرجة سينمائية ومصورة فتوغرافية، عملت في جبال النوبة بخلفيتين، الأولى: الإبداع لإبراز الجمالي وتوظيف الأشكال والألوان والملامس التي تتاح لها في الموضوعات المختلفة لإنتاج أعمال تبرز العناصر المثيرة للموضوعات التي تصورها، والثانية: ضمان توصيل وفعالية الرسالة. وكما أنتجت (ليني ريفنشتال) هذه الأعمال بعيونها الأوربية أنتجتها للجمهور الأوربي/الغربي، فقد إتنشرت أعمالها في أمريكا. والجدير بالذكر أن المجتمعات التي ألهمت صورها ليس ضمن هذا الجمهور!
فتاريخ (ليني ريفنشتال) مع الأعمال الدعائية هو تاريخ (بروبقاندا) مجدت قيم الهيبة والقوة لدولة الرايخ الثالث… إلخ، وهو مابرز في أفلامها، وصور دورة الألعاب الأولمبية في برلين 1936 التي وثقتها بإتقان، ولاتزال صورها تعتبر أعمال فنية.
(ليني ريفنشتال) لم تخفي إنجذابها لأجساد الرياضيين الأوربيين المتنافسين في الألعاب المختلفة حينها، وقد أبرزت جمال تكوين الجسد الإنساني المثالي في أعمالها، وهذا من أهم ما شدها لمنطقة جبال النوبة… الجسد المثالي! فعندما أتت إلي جبال النوبة وصورت (موضوعاتها) التي ركزت على تكوين وبنية جسم الإنسان، كان هذا على خلفية أجسام الرياضيين وتجربتها في تقديم الإنسان وهو في كامل تكوينه المتناسق، رغم أن رؤيتها الفنية لجسم الإنسان وطبيعة تركيب أجسام النوبة المتناسقة في المناطق التي صورت فيها كان الدافع إلا أنها إحتفظت بنفس التركيبة النفسية العنصرية للنازي فيها!
ومن المهم التشديد على أنها رأت في التكوين الفيزيائي لإنسان النوبة نموذجا للقوة والإتساق الجسدي، ورأت موضوعات المحاربين في إحتفالياتهم المختلفة والتي تتطلب تزيين الأجساد بالألوان والأشكال والملامس والتصاميم أيضا موضوعات جميلة، غنية ومثيرة. وتاريخ (ليني ريفنشتال) مع النازية موثق بشكل جيد، فهي إحدى عشيقات هتلر، وأخرجت أفلام أساسية في تاريخ بروبقاندا النازية، ولكن بعد سقوط هتلر، حاولت كالكثيرين غيرها إدعاء أن أعمال البروبقاندا التي أنجزتها لتسويق النازية كانت مفروضة عليهم.
صورة الغلاف التي إستخدمها عشاري من دراسة فوتوغرافية عن حياة سكان منطقة كاو. أمضت (ليني ريفنشتال) 16 أسبوعاً مع نوبة كاو في عام 1975. والصورة لأحدي مجموعات الجبال الشرقية – تحديدا الجنوب الشرقي. وهي مجموعة تقطن بالقرب من مجموعة نوبا مساكين. ومجموعة كاو كغيرها من مجموعات الجبال، أغنياء في لغتهم، وعاداتهم ويحتفون بالفرح ويعدون له أنواع الفنون البصرية الأخاذة في إتقان الرسم على الجسد والذي هو شبه مقدس. كذلك يحتفون بالبطولة والصراع والطبيعة والحصاد … والجمال والبنية الجسدية.
النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل إختار صورة (لراقصة شابة) لم تتزوج بعد في كامل زينتها حسب التقاليد الثقافية في الزمان والمكان. وهذه الزينة تتضمن المساحيق التجميلية والعطور المختلفة والخرز ولكن الملابس ليست منها. فالتقليد حينها، أن ترتدي الفتاة الملابس قبل زواجها قد يكون لأن هنالك عيبا ما في جسدها. فالقيم الجمالية للجسد عند الكثير من المجتمعات الأصيلة في أفريقيا وغيرها لم ترتبط بمفهوم العورة كما في الثقافة العربية الإسلامية والتي ينتمي إليها النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل كما سنري.
بعد كل الذي ورد عن (ليني ريفنشتال) وإختيار عشاري لأحد تصاويرها لتزين غلاف كتابه الذي خصصه لمعالجة موضوع معاصر، لابد من التساؤل: لماذا؟
لماذا إختار عشاري إحدى تصاوير النازية (ليني ريفنشتال) ولم يختار صورة حديثة، لمصور معاصر، لماذا لم يختار صورة معاصرة ذات صلة مباشرة مع موضوع الكتاب الذي يعالج قضية معاصرة؟ فالعلمانية قضية يتم طرحها والنضال لتحقيقها في السودان اليوم، والمجتمعات التي تطرحها تختلف عن المجتمعات التي صورتها (ليني ريفنشتال)، فما هو هدف الدكتور عشاري أحمد محمود خليل من إستدعاء تصاوير لنازية عنصرية تشيئ المجتمعات للإستهلاك الثقافي للمجتمعات الغربية؟
هل يعرف عشاري اسماء الذين ظهروا في الصورة التي إختارها عنوانا لكتابه بما في ذلك إسم الفتاة في مركز الصورة، وهي الراقصة؟ فالمصورة (ليني ريفنشتال) لم تكن لتهتم بالحرص على توثيق وكتابة أسماء (موضوعاتها)، ولا أخذ الإقرارات المهنية ولا القانونية ولا الأخلاقية المعروفة الآن لنشر صور الناس خاصة إن كانت هنالك فائدة مادية منها. فالناس عند (ليني ريفنشتال) موضوعات، والإنساني ليس أحد ملامح هذه الموضوعات!
إختار عشاري صورة الراقصة لأنها إمرأة، والنساء في هامش السودان (نكرات) لا يزال يتم الإعتداء المادي والمعنوي عليهن دون مساءلة ولا محاسبة، وقد إستخدمت وتستخدم أجسادهن كعلامات للحروب وتصفية الصراعات. والنخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل أراد أن يستخدم جسد إمراة من جبال النوبة ومن حقبة تاريخية بعينها ترسيخا لفلسفة الإنسان البدائي للمصورة (ليني ريفنشتال). وبإستخدامه لهذه الصورة تدور دعاية فكرة أن هؤلاء قوم (عراة متخلفين) وسجناء في واقع بدائي قديم فمن أين لهم (التطاول) والبمبادرة بالحديث عن قيم الحداثة والحقوق الأساسية ك (العلمانية)؟ فمثل هذه المفاهيم يجب أن تظل حكرا على أمثاله من نخب الوسط والشمال النيلي من المتعلمين ليتبادلوا التثاقف حولها فيما بينهم ريثما (يخرجوا العراة المتخلفين) من ظلمات أنفسهم ويعطوهم بعضا من حقوق، (فالبدائين) لا طاقة فكرية لهم بهكذا قضايا فكرية متجاوزة لمرحلة تطورهم، وهذا بالطبع بعد أن يسوفوا المفهوم ويفصلوه على ما يناسبهم!
في حروب السودان العنصرية التي عادة ما تبدأ من الخرطوم، تعتبر أجساد نساء الهامش غنيمة حرب، وإهانتهن رمز لهيبة سلطة نخاسة دولة ما بعد الإستقلال – فأجساد نساء هامش السودان كانت ولاتزال تمثل خيبة الحكومات المتعاقبة التي سقطت واحدة بعد الأخرى، فالسلطات المتعاقبة سمحت بإستباحة أجساد نساء الهامش ولم تحميهن من القتل والتشريد والإغتصاب.
النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل لم يختار إحدى تصاوير (ليني ريفنشتال) التي مركزها وموضوعها أجساد الرجال لأنه بما أبدى من عنصرية رجل ضئيل ولايقوي على النظر الي أجساد الثوار الأشداء حسني التقويم! ف (ليني ريفنشتال) صاحبة التصاوير معروف أنها كانت أكثر اعجابا بقوام محارب جبال النوبة من الذكور بقوامهم الممشوق وعضلاتهم المفتولة وذكوريتهم الفادحة، والعنصري عشاري احمد محمود مثلما فقير في فكره ضئيل في بنيته – أو هكذا أشار أحد شباب النوبة من الثوار!
اليوم، نفس المناطق التي قضت فيها (ليني ريفنشتال) 16 أسبوعا الأعوام 1972-1977 لتوثق لهذه المجتمعات وفقا لرؤيتها، هذه المناطق بها عشرات الفرق الفنية و التراثية التي إستلهمت تاريخ مجتمعاتها وحدثته إلي مايناسبها هي وفقا لتجاربها الحياتية في الزمان، ولكن أمثال عشاري من المثقفين السودانيين الفشنك يتمخضوا ليلدوا تصاوير إحدى رموز الدعاية النازية!
عشرات المصورين المبدعين، ومن كل أنحاء السودان وثقوا لماهو معاصر من تجربة شعوب النوبة، وثقوا للأسبار، ولعادات الزواج وطقوس الزراعة ومواسم الحصاد…إلخ… الخرطوم تحتفي سنويا بمهرجان تراثي ضخم تقدم فيه المجموعات النوباوية المختلفة تراثها ورقصاتها الشعبية وهم في كامل زينتهم التي يبدع فيها مصممو الأزياء ويدخلوا لمساتهم الفنية المعاصرة فيها عاما بعد عام، ويبدع المصورون المحترفون والهواة في إلتقاط الصور وتوثيق الجمال، فإن كانت كل المجتمعات في حالة تطور مستمر، وإنتاج مستمر النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل أن يسجن شعب النوبة في تصاوير النازية (ليني ريفنشتال) مع الترصد؟!
لماذا لم يستخدم النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل صورة الفنانة الشهيدة نعيمة أبيض والتي إستشهدت في إحدى غارات القصف الجوي على منطقة الكواليب؟ ونعيمة، الفنانة والناشطة في بناء السلام ظلت تغني للحب والجمال والصمود والكرامة وللسلام العادل وترفع من مورال المواطنين والمقاتلين، والشهيدة نعيمة أبيض إحدى رموز الدارسين والموثقين للتراث وأنشأت مدرسة في الأراضي المحررة لتعليم النشئ الرقصات الإحتفالية الشعبية!
الدكتور الفشنك إستخدم صورة مركزها (المرأة)، لماذا لم يستخدم في صورة معاصرة للأستاذة بدرية سعيد الطاهر، إحدى المحاضرات في معهد التدريب السياسي والقيادي- في جبدي، والأستاذة بدرية كتبت عن العلمانية، وحاضرت عن العلمانية ونظمت الورش وعقد اللقاءات المحلية والقومية تشرح وتحاور عن العلمانية وتاريخها ولماذا تتبناها الحركة الشعبية وكيف ستؤثر علي النساء تحديدا؟ لماذا لم يستخدم الدكتور الفشنك صورة الأستاذة حواء مندو، رئيسة مجلس التحرير القومي بالإنابة، ومجلس التحرير هو (البرلمان) وهي من يضبط الإجراءات التي تقود إلي مواقف ستحدد مستقبل السودان؟ لماذا لم يضع صورة الأستاذة، غادة حسن مردوم، مُساعد سكرتير الحركة الشعبية بإقليم جبال النوبة لشئون الإعلام والثقافة والاتصال – الناطق الرسمي …والقائمة تطول… لماذا لم يختار إحدى المزارعات المعاصرات وهي تعزق أرضها كرامة؟ لماذا لم يختار موظفة أو معلمة أو طالبة معاصرة من المناطق المحررة أو من أي من مجتمعات النوبة في اي مكان؟ لماذا لم يختار وجه معاصر لقضية معاصرة؟
ولاتزال هذه الأسئلة باقية: من هم الذين يظهرون في الصورة التي إختارها عشاري غلافا لعنوانه؟ هل لديهم أسماء؟ المصورة إلتقطت هذه الصور التقليد حينها أن من ظهر فيها موضوعات، ولا تهم هويتهم الفردية أو الإجتماعية. وهذه العقلية اليوم تعد غير مهنية وتقع في خانات الممنوعات والغير أخلاقية إذ لا بد من علاقة رضائية بين المصور وموضوعاته، ولابد من إقرار مكتوب بالموافقة على نشر صور الناس!
إختار الدكتور الفاشل عشاري أحمد محمود خليل هذه الصورة بغرض الإثارة والدفع بمستهلكي ما يكتبه إلي تفعيل أحكام القيمة الأخلاقية السلبية وفقا لنسق ثقافة الوسط والشمال النيلي، وهي الثقافة العربية الإسلامية. قصد التأثير على قراء كتابه وهم سودانيو الوسط بأن يبداؤا برسم صورة سلبية للمجتمعات التي يدور الكتاب حولها مسقطين ثقافتهم والتي بالضرورة التي شكلت الوعي الأخلاقي تجاه الجسد.
يقول الدكتور الضئيل عشاري أحمد محمود في الصفحة 40 من كتابه:
(يبين التحقيق في إعلان المبادئ أن هذا الإعلان ثبت مبدأ ألن تكون الشريعة الإسلامية مغلفة في خدعة “الدين”، هي المصدر الوحيد لقوانين الأحوال الشخصية في السودان، بإستثناء منطقة النوبة التي سمح لها الإعلان، دون تصريح بذلك واضح، بأن تؤسس قوانينها للأحوال الشخصية، كما تريد، علي أساس “العرف والمعتقدات التقليدية” والمقصود هو التأسيس علي أعراف العادات الضارة، وعلي معتقدات الكجور المستمدة من الخرافة والوهميات).
نافحت الحركة الشعبية في التفاوض مع وفود الخرطوم من نخب الأكاديميين والمثقفين الذين مثلوا حكومة الثورة الإنتقالية حتى نجحت في إضافة فقرة أساسية تقول: إن تكون قوانين الأحوال الشخصية مؤسسة علي الدين والعرف والمعتقدات التقليدية (بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية) ويعمد عشاري علي تسويف ما تعنيه هذه الفقرة وما يترتب عليها من إلتزامات بالحقوق الأساسية لكل السودانيين، وهذه الفقرة من شأنها إبطال أي تجاوز يأتي من أي دين أو عرف لأي حق إنساني منصوص عليه في المواثيق والقوانين الدولية.
في الفقرة المشار إليها في الصفحة 40، يضرب عشاري بالرمل ليلفق موقف لم تصرح به الحركة الشعبية أصلا. ولكن (الحاوي) عشاري يدعي بمعرفته بتصريحات الحركة! إحتيال ليس إلا ! عموما، ما يهمنا في هذه الفقرة وفي هذا الوقت مقولات الدكتور العنصرية والتي تدل على جهل مفضوح عماده جلافة وعدم متابعة ما هو معاصر من علوم.
عشاري يقول: (والمقصود هو التأسيس على أعراف العادات الضارة، وعلى معتقدات الكجور المستمدة من الخرافة والوهميات). يجيب دكتور (Franz Uri Boas) الذي ولد في 1858 وتوفي 1942 علي هذا الخطاب بما أسسه من رؤية تقول بأن الثقافات تطورت تاريخيًا من خلال تفاعلات الناس في الزمان وكل ثقافة علي حدة، أي أنه ليس هنالك ثقافة “أعلى” لتلحق بها الثقافات الأخرى. فعلي أي نسق معرفي او سلطة أيا كانت يقرر النخاس الصغير عشاري أن الأعراف والعادات التي تريد مجتمعات النوبة أن يحتكموا إليها هي محض عادات خرافة ووهميات وبالضرورة ضارة! اوليس من الأمانة أن نسمي ماهو الضار في هذه العادات، وأن نسمي ما هو الفاعل اليوم من الأعراف والعادات في قوانين الأحوال الشخصية المطبقة في الأراضي المحررة؟
من المؤسف وجود أمثال عشاري هذا، أنهم يعيدوا إنتاج أفكار تجاوزتها البشرية ومن المؤسف أنهم يسوقوا لهذه الأفكار التي تتبني نهج التطورية والقيمية للثقافة التي لا تزال تسود المجتمعات العربية الإسلامية. (فرانز بواس) وغيره كثر أسسوا بعمق ورصانة لما يدحض ما يحاول الدكتور عشاري إعادة إنتاجه في الفقرة أعلاه. وقد هندس (فرانز بواس) نظرية النسبية الثقافية، ومفادها أنه لا يمكن تصنيف الثقافات بشكل موضوعي على أنها أعلى أو أقل، أو أفضل أو أكثر صحة، ويقول أن البشر يرون العالم من خلال عدسة ثقافتهم الخاصة، ويحكمون عليها وفقًا لثقافتهم الخاصة.
اشلي مونتاجو (Ashley Montagu) بدوره في الأربعينات فضح الإعتقاد المتعالي من الأكاديميين العنصريين حينها بأن (معتقدات الشعوب الأصيلة) محض خرافات ووهميات ضاره، وبناءا على رؤية (كلود روي) وغيره كثر، فان تصنف مثل تصاوير ليني رافنستال التي إستخدمها النخاس الصغير عشاري بأنها بحث بصري في المجتمعات التي تصنفها المصورة (بدائية)، وهذا التصنيف هو مادفع بعشاري لإستخدام صورة (ليني ريفنشتال) علي غلاف كتابه بغرض الإيحاء ب(التدني) لمجتمعات النوبة، وتهيئية القارئ لتمرير إحتياله وعنصريته، وسنناقش هذا بمزيد من التفصيل في المقالات القادمة.
الدكتور عشاري أحمد محمود خليل يكتب برؤى إستشراقيه عنصرية ولئيمة. وهدف بغلاف كتابه إلي تسويق مجتمعات جبال النوبة والنيل الأزرق والتي تقود النضال اليوم في المطالبة بوطن ديمقراطي علماني يحكمه المدنيين، هدف إلي تصنيفها كمجتمعات بدائية ومتخلفة، ولا يمكنها أن تمتلك وعيا يقودها إلي تسمية العلمانية/الفصل بين الدين والدولة كمدخل صحيح لوحدة الدولة السودانية.
رغم أن مجتمعات جبال النوبة والنيل الأزرق تمثل الجماهير التقليدية للحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال في مناطق سيطرتها، إلا أن الحركة لها جماهير عريضة ومؤيدين في كل بقعة من أرض السودان، وهؤلاء مجتمعين، يتفوقون على ما حققته أجيال سودانية من أمثال عشاري من النخب الفاشلة الذين أهدروا فرص التغيير، وما فتئوا يضللون الناس ويحتالون عليهم للحفاظ على تراتيبية إجتماعية بنيت على أوهام تفوق متوهم. أمثال عشاري لم يبق أمامهم لوقف مد الوعي سوي إستدعاء رؤية مصوره نازية لخداع السودانيين وتزييف طريقهم لمواجهة القضايا المعاصرة بأدوات ومعارف ومعلومات معاصرة.
واليوم ملايين السودانيين تتسع رؤيتهم للثورة لتتجاوز الإصلاح إلي إختبار بنية الدولة السودانية برمتها، والعلمانية/الفصل بين الدين والدولة هي إحدى القضايا الرئيسية التي لا يمكن تجاوزها في أي تغيير قادم. أمثال النخاس الصغير عشاري أحمد محمود خليل ليسو إلا ورثة لأفكار أمثال (هربرت اسبنسر) وفلسفة تصاوير أمثال (ليني ريفنشتال) ورؤاها العنصرية.
خالد كودي،
بوسطن 16/1/2022
[email protected]