سِفر ورو او ذاكرة الشم رواية في حلقات الحلقة (٣)
كتبها : علي زين العابدين علي عمر
سِفر ورو او ذاكرة الشم
رواية في حلقات
الحلقة (٣)
كتبها : علي زين العابدين علي عمر
(تدور احداث الرواية في
الفترة من 1883 وحتي 1923م.
لأول سوداني يؤخذ قسرا من جنوب السودان الي انجلترا كعامل علي صورة رقيق.
اذ تم اهداؤوه مع فرس البحر(القرنتية) كهدية الي البلاط الملكي ليقوم باعلاف ورعاية اول فرس نهر يصل حديقة لندن.
ليلتقي هناك بكل المستجلبين من المستعمرات في افريقيا واسيا مع حيواناتهم الي الحديقة.
وتكون حديقة لندن مسرح لصداقة وحوار بين شعوب العالم المهمش.)
كان يزيد من روعي رؤية الرجال والنساء المصفدين ، فصلوا عن بعضهم باجلاس الذكور في جانب والسيدتان في الاخرى ..
قصدت يا سادتى ان ابجلهم بلفظ السيدتان لارد لهما بعض الإعتبار طالما اتيحت لي تلك الفرصة..
كنت لا افهم حديثهم اذ كانوا من دغل أخر، ورايت احد الجنود يضرب احدى السيدتين على بطنها بقوة ظنا منه انها حامل ، وعرفت انهم مساقون للبيع في البلاد البعيدة ،وان قيمة المراة تقل اذا كانت حامل .
زمن يتكدس فوق الزمن ونحن نبحر على النهر الذى يمتد ويتلوى ، يعلو ويهبط القارب مع الأمواج، وقلبي داخل صدري يتموج ، نسير وسط غابة من اعشاب النيل ، نهارات وليال طويله تحت المطر والرعد والزمهرير، نتناول قليل جدا من الطعام ،و لا نرسو الا بعد كل مسافات متباعدة ..
اشتبك الجنود عدة مرات مع دغليين على شواطئ النهر ، كانوا يقذفون قاربنا بالحراب، ويبادلهم الجنود بطلقات ناريه ..
اصيب اثنان من الرجال المقيدين بالحمى وتقلصات المعدة ، نجا أحدهم وتوفى الثاني الذى يبدو انه مل كل هذا الالم و الظلم والرهق ، فتم القاء جثته في النهر، خفف من حزني عليه يقينى انه تحرر من الالم ، ولربما هو الان تمساح يسبح حرا في النهر..
كانوا يساقون للتغوط عند الرسو وهم في قيد جماعى ، عيونهم جاحظه ،ويعلو الزبد شفاههم ، لا تمل أفواههم عن اطلاق صرخات عبر المدي اللانهائي فترددها الاشجار والجبال وامواج النهر ، لا شك انها شتم ولعن ، فقد حرقهم الغل، لم ييئسوا أبدا من محاولات الإفلات ، أما الطفل فكان يصعب عليه السير ، وعلمت انه قد تم اخصائه قبل رحيلنا ولم يشفى بعد ، رايت دماء بلون غانى تسيل لايام من بين فخذي احدى السيدتين وتجف على أخشاب القارب ..
وأنا حبيس ذهولى أدهشنى رؤية قطيع من الخيول البرية ترعي على الشاطئ،قالوا لي عيونها مفقوءة ، وان دغليو هذا المكان قد عاقبوها بسبب نقلها للاعداء لبلادهم بعد ان يكونوا غالبا قد قضوا على كل من حملتهم..فتمنيت حينها لو كان للقارب عيون لافقئها..
كان احد الجنود الذى اصيب بتلك الدودة التى تدخل تحت الجلد يرقد بجانبى رابطا ساقه بعمامته ويتالم طوال اليوم ، يتقيأ من فمه مادة صفراء ممزوجة بلعاب لزج ،وكان يحاول نسيان الالم بالحديث معى ،وكثرة تناول التمباك ، قال ان القارب سيرسو عند منطقة عشيرة والدي ، وانه سيحدث عمي بإبقائي هناك وعدم مواصلة المسير الي بلاد الكفار البيض ،وأنها بلاد تموت فيها العفاريت من البرد ، ولا سيما وان هنالك حيوان صغير يقفز ويمتص دماء الناس كما سمع ، حكى لى كثير من الامور المتعلقة بأهل والدي، وكانت المرة الاولى التى اسمع فيها هذا الحديث ، وعن جدي الثاني الذى هو من اولياء الله الصالحين ، ومدفون داخل ضريح يحج اليه الناس ،والمرضي ، والمعاقين ، والممسوسون بالشياطين ، وعن قدراته الخارقه ، وكراماته المشهوده ، كان يعاملنى برفق ،غير ان بقية الجنود يعاملوننى بقسوة كمعاملتهم للدغليين المقيدين .. ( يتبع )
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.