سِفر ورو او ذاكرة الشم (رواية في جلقات) رقم( 5 )كتبها : علي زين العابدين علي عمر
سِفر ورو او ذاكرة الشم
(رواية في حلقات)
كتبها : علي زين العابدين علي عمر
الحلقة (٥)
(تدور احداث الرواية في
الفترة من 1883 وحتي 1923م.
لأول سوداني يؤخذ قسرا من جنوب السودان الي انجلترا كعامل علي صورة رقيق.
اذ تم اهداؤوه مع فرس البحر(القرنتية) كهدية الي البلاط الملكي ليقوم باعلاف ورعاية اول فرس نهر يصل حديقة لندن.
ليلتقي هناك بكل المستجلبين من المستعمرات في افريقيا واسيا مع حيواناتهم الي الحديقة.
وتكون حديقة لندن مسرح لصداقة وحوار بين شعوب العالم المهمش.)
مكثت بالبلدة عدة اشهر ، سمعت عن معارك دامية جرت هنا قبل سنوات مع الاتراك الدخلاء ، مات فيها الكثيرون ، وهجر البعض ديارهم ومنعوا من العودة بعد أن دان الأمر للغزاة ، سمعت عن حالات جلد وسجن مستمرة لمزارعي السواقى الذين لم يدفعوا الضرائب المفروض عليهم ، ومعاناة الناس من تصرفات الباشبزق وضجرهم من الشفكلة التى يتحصلونها لصالحهم زيادة على الضرائب المقررة ، رايت رجال مقيدين بالسلاسل وتجرهم الجياد علي الارض عرفت أنهم كانوا يعاونون أحد قطاع الطرق في الصحراء ، تصالحت عائلة أبى مع الدخلاء مما وفر لهم عيشا مميزا عن الاخرين …
اقضي وقتي معتنيا بحيواني ، تآلفنا ، أطعمه ، ادلق عليه الماء ، واراقب النسوة الائي يأخذن مجالسهن تحت ظل الشجرة البارد ، يلتقطن القمل لبعضهن ، اسمع طقطقات الامشاط على شعورهن الخشنه ، أتسامر مع بعض الصبية الذين أحبوني وكانوا يقضون معي معظم النهار ، غير أنهم عندما يحل المساء يهرعون إلي منازلهم ، فقدت سادت شائعة بان بخيتة المجنونة التي فقدت عقلها بعد ان قطع الجنود الأتراك اذني ابنائها الثلاث ، كانوا يقذفونها بالحجارة وهي تسير بالشارع منكوشة الشعر ونصف عارية ، ولكنها عادت للحياة بعد أيام من وفاتها ، يدعونها بخيته البعاتية ، تخرج من قبرها ليلا لتتجول في الازقة وتعود اليه صباحا ..
أسر لي الصبية بان الشاهبندر صاحب الدار هو عمي، أخ والدي غير الشقيق ، وان جدتي والدة أبي من قوم متجولون ، يرحلون ويعودون لمكانهم بأطراف البلدة تجاه الصحراء ، وان أهالي البلدة يكنون له بعض الإحتقار بسبب هذا النسب ، تجاسرت وتوسلت لعمي ليدعني أرجع من حيث أتيت ، ولكن علمت انها أوامر الرجل الكبير ولا مناص الي ذلك.
شهدت في ساحة البيت إحتفالا دينيا يسمي الذكر إثر عودة البعض من رحلة الحج ، أكتظت الساحة بالناس والبروش والرايات والأباريق ومسابح اللالوب ، رزيم الطارات وأصوات المنشدين الدراويش الرخيمة جعلت الجميع يتمايلون ،وبعضهم يدور حول نفسه ، واخرون سقطوا على الارض ، سبحت معهم في الفضاء الروحى العذب ، وصرت اتقافز في مكاني وانجذبت نفسي للتراتيل والمدائح ، وما زلت اذكر بعض ابيات الشعر التي تذم تصرفات الحكام الاتراك المحتلين :
الماحي يا محموق..
فعلك جميعو فسوق..
دينك ضعيف ملتوق..
حالك عليك مسروق..
ان كنت ماك ممحوق..
ليش ما بتحادي النوق..
قاعد علي الفاشوق..
للسخرة والماروق..
تسللت يوما لمشاهدة طقوس زواج ، رأيت الرجال يجلدون بعضهم بالسياط ، المغنون يعزفون الطمبور ويصدحون بالالحان والاغاني الحماسية ، والنساء الممشوطات الشعر يرقصن ، وكثيرون يترنحون من تاثير تناول عرق البلح .
خفت كثيرا يوم ان اقيمت طقوس الختان الجماعي للصبية ، ولكن لم يمسني أحد بسوء ، كان أبي يبحث بين الجنود عن من له خبرة في الختان فلم يعثر ، ولكن وجد من قام بعمل شلوخ علي خدي، وهي الشلوخ التي وجدت انها تملا وجوه الناس هنا ، فلابد وانه كان يسعى لحسم هويتي لصالح اهله ، وقد كانت امي قد ساقتني يوما حيث تم ضمي لعدد من الصبية وحينما جاء دوري استلقيت علي ظهري وقام رجال بالامساك بارجلي ويداي ثم انحني احدهم ووضع راسي بين فكيه وامسك بفكي وفتح فمي وادخل سكين خشبية صغيرة بين اسناني الامامية وخلع سناي الاماميتين السفليتين،ولانني لم اتاوه خوفا من أن يوصمنى الناس بالجبن فقد ازداد فخر امي بي .
سمعت شجارات تحدث كثيرا ،ويتداعى لها الناس منادين لبعضهم أن هنالك شمطه ، إعتدت على سماع زمجرات السكاري وهم عائدون ليلا من الإنداية والكرخانه ، رايت يوما رجال يسيرون في الشارع حاملين حزم كبيره من الثياب على ظهور الابل وعلمت انها تعويضا لاهل قتيل قتله قريب لهم ، وكنت قد رأيت في سنين طفولتي الاولي جدي السلطان يحكم علي اسرة قاتل بدفع بقرات لأهل المقتول جزاء لهم على سوء التربية ، ونفي القاتل لخارج الدغل ، كما أمر بتزويج ثلاث فتيان من أخوات المقتول بثلاث فتيات من اسرة القاتل لدرء احتمال حدوث حالات ثار مستقبلا .. ( يتبع )