سِفر ورو او ذاكرة الشم (رواية ) الحلقة 4
سِفر ورو او ذاكرة الشم (رواية في حلقات)
سِفر ورو او ذاكرة الشم
(رواية في حلقات)
سِفر ورو او ذاكرة الشم
(رواية في حلقات)
الحلقة (٤)
كتبها علي زين العابدين
(تدور احداث الرواية في
الفترة من 1883 وحتي 1923م.
لأول سوداني يؤخذ قسرا من جنوب السودان الي انجلترا كعامل علي صورة رقيق.
اذ تم اهداؤوه مع فرس البحر(القرنتية) كهدية الي البلاط الملكي ليقوم باعلاف ورعاية اول فرس نهر يصل حديقة لندن.
ليلتقي هناك بكل المستجلبين من المستعمرات في افريقيا واسيا مع حيواناتهم الي الحديقة.
وتكون حديقة لندن مسرح لصداقة وحوار بين شعوب العالم المهمش.)
فتذكرت حكاية امي عن جدي السلطان عندما صارع الريح وكسر ساقيها ، ففي أثناء مسيرة رحيله وشعبه من مسكنهم في الدغل الاول الي الحالي ، حاصرتهم ريح عاتيه كادت ان تدفنهم تحت الاشجار المتطايره في الهواء ، فقاومها حتى توقفت في مكان واحد ، وأمر شعبه بالتقدم فخرجوا منها ، الا هو ظل بداخلها ولم يخرج منها الا بعد ان تاكد انها كسيحة لا تقوي على التحرك ، وظلت تدور حول نفسها وتصعد الي اعلي
بدأت ألحظ ان كثافة الادغال على جانبى النهر بدات تقل تدريجيا ، ولون رمال الشاطئ تتغير ، ولم تعد هنالك هجمات من الدغليين ، وعرض النهر اصبح يضيق ، واشعة الشمس اضحت حارقة ، وازدادت عدد مرات رسو القارب.
إعترض طريقنا زورق ملئ بجنود بيض يرفعون قطعة قماشية حمراء يتوسطها هلال ونجمة ،قال احد الجنود انها راية الخلافة العثمانية التي تكررت رؤيتى لمثيلاتها في محطات سفرى وكثيرا عند مكوثى بمصر ، تحاور معهم قائد قاربنا وأفضى ذلك الي اعطائهم اثنان من الدغليين اخذوهما معهم وتركونا نمضى لحال سبيلنا
وصلنا مراسي اصبح فيها الجند يتوغلون داخل القرى ويذهبون للاسواق، واخذوا الجندي المريض ورجعوا به مقطوع الساق ، وكان احيانا ياتى ناس لتحيتنا ، سحناتهم وملابسهم تقارب ملامح وملابس ابى والجنود ، غير ان قائد الجند وان قل حذره لكنه لم يأمن بعد ، وظل يامر الجنود بعدم التهاون والتحلى بالحيطة والحذر ، وتشديد الرقابة علي بضائع العاج الثمينة المحمولة معنا على القارب ، وكثيرا ما كان يردد بان هؤلاء الاعراب غير مضمونيين واصحاب حيلة وغدر
طول الرحلة أري أمي تسير خلف القارب علي وجه الماء ، بذات خطوها، قريبة كطرف العين، اطمئن نفسي بان جدى من اعلى الشجرة لا شك يرعاها ، رغم يقيني احيانا انها لا شك ماتت كمدا بحثا عنى .
ربط القارب على المرفأ، ويسمونه هنا البابور، إحتشد كثير من الرجال والنساء للمشاهدة ، بينما أُخذ الدغليين الى مكان لا اعلمه ، ولكن عرفت أنه سيتم الإعتناء بهم واطعامهم طعاما حسنا لتتحسن اجسادهم إستعدادا لبيعهم باسعار عالية ، اجلست بجانب القفص داخل فناء مفتوح علي السماء فى دار واسعة وسط البلدة ، بجدران عالية مبنية من الطمي ، وسط عدد من الخيول وحيوان اصغر و شبيهه بها ، لا يوجد في دغلنا ، عرفت ان إسمه حمار، وكانت هي المرة الاولي التي أراه ، ولاحقا كان بوجال الحبشي الذي ساحكي لكم عنه ذكر لي في نهاية رحلتي ان النبي نوح عندما أخذ زوجين من كل حيوان علي قاربه بعد غرق الأرض ، فان إبليس منشط الاشرار والمتحكم فيهم قد اختفي داخل الحمار وصعد القارب لينجو من الغرق في سفر التكوين، ولذا لعل ابليس لم يصل الي دغلنا.
كنت عاريا أو أكاد لا ارتدي سوي الاوحال ، تمزق ما كنت ارتديه خلال الرحلة ولم يتبقى في جسدي غير أسمال، لم اكن أعلم أن بامكانى تحمل كل تلك المشاق ، أطعمنى صاحب الدار وأهدانى سرير ذو قاعدة من جلد الثور يسمونه عنقريب وثوب قديم من قطعه واحده تسمى فردة من قطن الدمور لاغطى بها جزئي السفلى ، وكانوا هم يرتدون فردتين علوية وسفلية .
بعد ساعات من وصولونا حضر اليوزباشي راكبا حنطور ، من الأتراك المحتلين ، أبيض البشرة ، يضع طربوش مضلع على راسه ، يرتدي قميص ورداء قصير ، يحمل عصي ابنوسية ، وله لحية على جانبي وجهة غير متصلة ومحلوقة من الحنك لذا يسمونه ابو دقنين ، ويذمونه سرا بلقب الخرسيس ، معه عدد من الجنود يحملون البنادق ام ياي، بعضهم من ذوى جلدته وأخرون سودانيون يسمونهم الجهادية ، كان مهابا حتى ان الحشد الذي التف حولنا تفرق سريعا ، وقف طويلا متامل للوحش وبدات علي وجهه سمات السعادة ، عجبت من أبي وقومه ، الدخلاء في بلادهم وهم دخلاء في ديار الاخرين……( يتبع )
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.