سِفر ورو او ذاكرة الشم “الحلقة (٦)”

كتبها : علي زين العابدين علي عمر

(رواية في حلقات)
(تدور احداث الرواية في
الفترة من 1883 وحتي 1923م.
لأول سوداني يؤخذ قسرا من جنوب السودان الي انجلترا كعامل علي صورة رقيق.
اذ تم اهداؤوه مع فرس البحر(القرنتية) كهدية الي البلاط الملكي ليقوم باعلاف ورعاية اول فرس نهر يصل حديقة لندن.
ليلتقي هناك بكل المستجلبين من المستعمرات في افريقيا واسيا مع حيواناتهم الي الحديقة.
وتكون حديقة لندن مسرح لصداقة وحوار بين شعوب العالم المهمش.)

أجلس مهملا كاساس بيت قديم في مخزن ، متوحدا مع الكابة..
بل أنا الكابة نفسها..
لا يتذكرنى من بالمنزل سوي زوجة عمي التى كانت تبدى تعاطفا نحوى ، ترسل لى أحيانا عصيدة بالمرق و بغاشة وقرقوش في اناء فخاري تسميه الكنتوش ، قالت ان لى اخوة من زوجة أبي الاولي وانها حدثتهم بأمري ولكن لم يأبهون ، فاسودت الدنيا في عيني ، وسيطر علي احساس هائل بالخزلان ، كانت تحرص علي حضوري جلسات تحفيظ القران للصبية، وكنت نبيها حفظت كثير من السور القرانية ، وتعلمت القراءة والكتابة على اللوح الخشبي ، فسر بذلك الشيخ المعلم وأعجب بذكائي ،وكنت الوحيد من بين الصبية من لم انل العقاب الذى يسميه بروك الديس حيث يجبر الطفل على الجثو على ركبتيه وتحميله الواح الاردواز على راسه ، او عقاب عصا البسطونة التى يضربهم بها على باطن القدم ..
تعرفت منه لأول مره علي الكائن المسمي الشيطان الوسواس، وكان يحاول دون جدوي ان يخفف من مأساتي ويصفني بالنبي اسماعيل الذبيح في طاعة أبي ، لف حول عنقي لفافة صغيرة مكسية بالجلد قال انه خط بداخلها أيات من القران لحمايتي ، ما زلت محفتظا بها ،كما اهدى لى صرمايه..
رددت خلفه دعاء الغفران :
اللهم لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين ..
بذات الارتياح والدهشة التي أحسستهما وانا اردد خلف الاب عظيم القداسة بلندن عندما عمدني مسيحيا :
اغفر لي يا أبانا الذي في السماء، فقد كنت ضالا ، أنا رجل خاطئ ، تعذبه الخطايا ، ويريد أن يكفر ذنوبه ويتوب صادقا ..
تصادقت مع احد الخدم الموجودون بالبيت ، يتحدث العربية بطريقة مختلفه كلغة اهل الحجاز ،أقرب للغة البحارة اليمنيين الذين صادقتهم حينا في لندن ، مسلم ، يصلي بالمسجد ، يذهب للتبرك بزيارة الضريح بالقبة المدفون بداخلها جدي رغم قناعته بعدم ضرورة ذلك ، ولكنه لا يستطيع البوح بذلك ،حتى لا يتهم بالكفر والتمرد علي الشيوخ ..
ولد بشندي من أب مملوك لأحد أقرباء المك حاكم المنطقة أنذاك .
قصته التى حكيتها يوما لزوجتى مارى فكتبتها باطار قصة قصيرة فازت بها بجائزة ..
فحينما كان صبيا إشترط سيدهم علي أبيه مقابل حريته وعائلته أن يجلب له من دارفور جني من معشر دمازيق الجن الذين يسخرون هناك لحماية الاموال .
وافق و قضي سنوات من المرارة والكفاح والعرق سائرا حتى وصل الي موطنه الاول الذي كان قد فارقه قبل ثلاثون عاما ، يوم ان اخذه جنود السلطان مع الف رجل وساروا بهم في الطريق الي مصر لبيعهم الي القائد الفرنسي نابليون بونابرت الذي غزا مصر وهزم جيشها وطلب من سلطان دارفور ابتياعه لالف رقيق بعد ان امتدت بينهم اواصر الصداقة عبر المراسلات ، مرض اثناء المسير فتركه جنود السلطان وواصلوا مسيرهم مقتادين البقية،اسره تجار رقيق كانوا قد عثروا عليه وداوا مرضه، ووجد نفسه يباع في شندي.
بعد طول عناء عثر علي تذكرة الحرية ، منحه شيخ دارفوري بعد الحاح طويل دمزوق داخل قرعه بحجم كفتي اليد ملئ بحليب البقر غير المتخثر كضرورة لبقاء الدمزوق داخلها حيا، مقابل ان ياتي للشيخ ببخور هندي عند العودة ، ظل يحملها بيديه طوال رحلة العودة التي امتدت لشهور ، يدلق عليها حليبا جديدا كل صباح كما امره الشيخ ، كانت العقبة امامه أن يختار طريقا للعودة يمر فيه بقرى لاناس يربون الابقار ويسمحون له بتزويد قرعته بالحليب ، رغم ان السير شرقا اقل مسافة ، الا انه اضطر لاتخاذ مسار ينحو جنوبا لان الابقار تقل كلما اتجه شمالا .
نجا من قطاع الطرق والنهاضة صائدى الرقيق الذين شاهدهم يسوقون قافلة من شباب وشابات مختطفون من جبال النوبة ، حتى وصل الي النيل وسار شمالا .
حينما وصل شندي وجد مالكه قد فر ضمن من فروا مع المك ، فقد مرت احداث لم يشهدها في غيابه اذ قتل المك قائد الغزاة العثماني اسماعيل باشا.

يتبع

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.