سوف نولى العلمانية الاعتبار الكافى لكن الدولة الدينية هى الأصلح !!!!

بقلم/ كموكى شالوكا

 

 

كتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم فى صحيفة سودانايل الالكترونية مقالاً بعنوان “فصل الدين عن الدولة في اتفاق جوبا: ولكن لم يقرأ أحد” تناول فيه البيان المشترك الذى اتفق فيه على إقامة ورش عمل غير رسمية حول الاتفاق المشترك(Joint Agreement) الذى وقع بأديس أبابا بين رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال القائد/ عبدالعزيز الحلو و رئيس الوزراء عبدالله ادم حمدوك فى الثالث من سبتمبر، وتناول أيضاً الاعلان السياسى بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال والحزب الشيوعى السودانى وينص كل من الاتفاق المشترك والبيان السياسى على ضرورة فصل الدين عن الدولة.
وأول ما نلاحظه ان دكتور عبدالله لم يشر الى الاتفاق المشترك- وهو الأمر الجوهرى فيما جرى بأديس أبابا- بل غضّ النظر عنه ذهب مباشرة الى البيان الذى ينص على إقامة الورش غير الرسمية لتبيان ما يكون قد أشكل بخصوص بنود الاتفاق المشترك، وقد ذهب الى إتهام أطراف الاتفاق والبيان السياسى أنهم لم يقرأوا (إتفاق مؤتمر جوبا) كما سماه، مشيراً الى نص الفقرة (4) من المبادئ العامة لإتفاق سلام دارفور، الفصل الأول – تقاسم السلطة والتى تقرأ: الفصل التام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم إستغلال الدين فى السياسة، وفقرة اخرى تقول: أن تقف الدولة على مسافة متساوية بين الأديان والثقافات دون أي انحياز إثني أو ديني أو ثقافي يؤدي إلى الانتقاص من هذا الحق ، قائلاً: (لا أعرف نصاً قضى بفصل الدين عن الدولة ورد في أي وثيقة صلح وطني أصرح مما ورد من اتفاق جوبا) ويرى أن وثائق جوبا عن دارفور والمنطقتين والمسارات صريحة في القول بفصل الدين عن الدولة، فهل النصوص التى أوردها تعنى حقاً العلمانية التى تفصل الدين عن الدولة أم هى شئ آخر؟
أن العلمانية، وفقًا للمعنى السائد والعام تقتضي فصل الدين عن الدولة، وليس عن السياسة؛ وبهذا المعنى فلا ينبغي للدولة بمؤسساتها وممثليها أن تكون ذات بعدٍ أو صبغةٍ دينيةٍ، بل ينبغي أن تكون محايدةً حيادًا تاماً تجاه الأديان والطوائف والمذاهب، وبالضرورة تتضمن المساواة بين المواطنين في الدولة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. العلمانية بالتأكيد لا تقتضي فصل الدين عن المجتمع أو محاربة الدين والمتدينين أو معاداتهم.
أيضاً مضى الدكتور قائلاً: (أما اتفاق منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق فأعطاهما حق التشريع بالأصالة على ألا يتعارض مع الدستور القومي الذي يريدون له أن يتأسس على دستور ١٩٧٣ المعدل في ١٩٧٦ (١٩٧٥؟) إشارة الى النص الوارد فى الفقرة 9 (2) من الإتفاق حول قضية السودان فى المنطقتين وتقرأ: ممارسة الصلاحيات والسلطات الخاصة بالولاية/ الاقليم فى المنطقتين بما فى ذلك حق التشريع على أن يتم التأسيس على دستور 1973 المعدل 1974. وفى البدء لا نعرف تعديلاً لدستور 1973 عام 1976 كما ذكر الدكتور أو تعديلاً له عام 1974 كما تقول إتفاقية المنطقتين، التعديلات على دستور 1973 كانت فى السنوات 1975 و1980 وكلها عملت على تكريس السلطات فى يد جعفر محمد نميرى لكن الأهم انها ابقت على نص المادة (9) و التى تقرأ: الشريعة الإسلامية والعرف مصدران رئيسيان للتشريع والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم.
وحسب الفقه فالعرف الذى يخالف الشريعة الاسلامية هو عرف فاسد ولا يعتد به، إذن الاتفاقية أحالت الى دستور دينى كامل الدسم.
الدولة الحديثة هى دولة غير متجانسة بطبيعتها وتعج بكل أشكال التنوع وهى بالتالى دولة علمانية بنيوياً، وهذا أمر بديهى، لكن من ناحية أخرى فالدستور محكوم بظروف الواقع الذى نعيشه فالدولة السودانية وظّفت الدين فى إبادة شعوب و قوميات السودان المختلفة كان ذلك منذ عام 1992 فى فتوى جهاد النوبة و التى تكررت فى 2011 والتى لم يصدر حتى الان ما يؤكد إلغائها. دعنا نقتطف عينة من خلاصة فتوى صادرة من هيئة علماء السودان عندما شن النظام البائد الحرب عام 2011: (وخلاصة الفتوى كل النوبة التابعين للحركة مرتدين وقطاع طرق و نهابة ومن يعاونهم أو يتعامل معهم يصبح خائن لدولة الاسلام وجب قتلهم و صلبهم ونفيهم من الارض وأخذ نسائهم ومعاشرتهن جنسياً لأنهن أصبحن سبايا، وتهجير قسرى ليس طوعاً الى مناطق عدة وتفتيت مجتمعهم لإضعاف تواصلهم مع بعض وتغيير جذرى للطبيعة الديمغرافية للمنطقة وإستجلاب سكان اخرين ليخلفوهم فى الارض وحرمان النوبة من التعليم وافقارهم بطرق متعددة وتشويه صورتهم بين المواطنين وعزلهم، وإعادة تفكيك الكنائس وإغلاق كافة معاهد تدريس لغات التنصيرمثلاً اللغة الانجليزية تدرسها بعض الكنائس لخلق جيل جديد من القساوسة وهذا تهديد ونشاط هدام ضد الدولة الاسلامية).هكذا أبيد الناس وهجر مئات الآلاف قسراً بسبب الفتوى ديارهم نزوحاً وتشرداً فى الملاجئ البعيدة وما يقرب المليونين يشاركون الثعابين كهوف وكراكير الجبال لنحو عقد من الزمان.
التاريخ يذكّرنا بتعهّد الطبقة السياسية بموافقتها على إضافة فقرة فى إعلان الإستقلال بأن مطلب الحكم الفيدرالى سوف تنظر فيه الجمعية التأسيسية المرتقبة بعين الاعتبار كضمان لخصوصية الجنوب، لكن بعد الاستقلال تنكرت الطبقة السياسية للوعد واصفة فكرة الفدرالية بانها خطة استعمارية ، وقالت أنها أولت مطالب الجنوبيين للحكم الفيدرالي اعتباراً جاداً للغاية وتوصّلت إلى أن ذلك لن يكون مجدياً للسودان. لكن فى حقيقة الامر، الوعد كان فقط لإستمالة الجنوبيين حتى يصوتوا للإستقلال، ولم يكن عن قناعة السياسيين الشماليين بالنظام الفيدرالي كما أوضح السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء فيما بعد.
نحن قرأنا إتفاقات محاصصات جوبا، ونرى ضرورة التشديد على أهمية الفصل بين الدين والدولة وتوفير الأساس الدستوري والقانوني الذي يحمي الحريات السياسية والمدنية ويمنع إستغلال الدين فيما ينفع الناس – لأنهم أدرى بأمور دنياهم- ولا يمكن الإطمئنان الى مثل هذا النص الغير معهود بالفصل التام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة والتى لا علاقة لها بالفصل بين الدين والدولة.
ولهذا السبب و بالرغم من تطمينات نائب رئيس مجلس السيادة الجنرال حميدتى- الذى ربما يكون صادقاً- للقائد/ عبدالعزيز ادم الحلو الاّ أنه لا يمكن الركون الى مثل هذه اللغة الملتوية التى يمكن الالتفاف عليها بكل سهولة بالقول ” لقد أولينا العلمانية الاعتبار الكافى ووجدنا أن الدولة الدينية أصلح لكم” كما فعل ساسة الهنا من قبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.