ساعي بريد… اسمه شيلاما

د.احمد المعتز

 

إذن هي أرض الأحلام التي تفتح أحضانها لمن يقصدها
فيها تتوفر المياه و الأراضي الزراعية و المراعي و الأمن و كأن قاعدة قديمة ظلت تعمل مفادها :من يريد سلامة لنفسه و عائلته من بأس المعتدين فليتجه إلى جبال النوبة و من يطمح في إنماء ثروته فليتجه إلى جبال النوبة و من يتطلع إلى عيشة رخية سيحصل عليها في جبال النوبة….
هكذا ظلت تعمل آلية الجذب لآلاف السنين….. هكذا مهد آدم أجري للقاريء لكي ينجذب إلى نص الوثيقة و الوثيقة النص التي سطرت إستهداف المستعمرين لتلك المنطقة الثرية بإنسانها اولا ثم بجغرافيتها … وصية شيلاما رواية تحكي عن ثورة السلطان عجبنا في جبال النوبة في
١٩١٧م
و شيلاما كان رسول السلطان و ساعي بريده و ضابط مخابراته الأول في آن واحد… آدم أجري حدثنا كيف دخل شيلاما جرح الوردة ببن كرمتي و كلارا و كيف رسم غناوي الطل بين حجر السلطان و جبل الفوس

نحن نودع نيراننا الأخيرة لا نرد التحية لا تكتبوا علينا وصايا الإله الجديد إله الحديد و لاتطلبوا معاهدة السلام من الميتين فلم يبقَ منهم أحداً يبشركم بالسلام مع النفس و الآخرين….. محمود درويش… من قصيدة خطبة الهندي الأحمر الأخيرة من على تلة صغيرة مهجورة على طريق الأبيض.. لمح شيلاما من على البعد.. غبارا متصاعدا…. عرف انها قادمة في الطريق… لا تهمه السيارة رغم ندرتها… بقدر أهمية رؤية أبناء السلطنة العائدين إلى وطنهم…. إنها نفس السيارة التي غادروا بها… انهم هم… ها قد ظهر كناسا و بجواره ليمان تروه…
إذن إنه الخبر… انطلق عائدا إلى مقر السلطة بخفة و سرعة الغزلان…
لتسجيل سبق صحفي طالما انتظره.. هدفه هذه المرة… الوصول إلى السلطان او الكيور ساباي… أيهما سيجده اولا… من كليهما و السلطنة بأسرها سيتلقى الإشادة و التبريكات (آدم أجري وصية شيلاما ص 126 – 127)
” ها هي ذي تلك الرماح التي طالما لاعب بها اوديسيوس الأسنة و السيوف التي طالما انتزع بها الارواح و الدروع السابغات التي كانت تدرأ عنه و تفتديه.. ثم ها هي ذي تلك القوس العظيمة معلقة فوق الحائط و ترقص من حولها المنايا.. و ها هو ذلك القوس الذي لا يستطيع أن يثنيه احد غيره… و فيه ذلك الوتر الذي لا يلين ولا يرد الا اذا كلمه اوديسيوس ” (الاوديسة – هوميروس)….
و فيما يقف السلطان مدردشا مع بعض رجاله… ظهر له شيلاما الصغير… واقفا على مسافة منه… اقبل نحوه فهو يعده من افضل شبابه و اكثر رجال البريد علما و موثوقية فلم يسبق أن نقل له خبرا كاذبا أو انطباعا مضللا… ناداه فتقدم نحوه… جثا على ركبته ثم وقف ليقرأ عليه الخبر متفاديا النظر في وجهه مباشرة : (ثمه 190 رجلا قد وصلوا إلى سانغا بجبل النتل… اختاروا مكانا يقومون بإزالة أشجاره و تنظيفه… لقد اختاروه معسكرا… فالرجل الابرص الذي قابلته في الدلنج هو من أتى على رأسهم… لكنه أقبل عائدا بعدد سبعة أشخاص).. نظر السلطان إليه بإعجاب.. امسك به فتفل على كتفه كناية عن الرضا… باركك الله على ايه حال سأبدأ بالعمل بمن حولي من الرجال… سنشرع الآن في حملة للحصول على المزيد من الذخائر… صنع البارود وتعبئته و صيانة الأسلحة و تجفيف الطعام…
أما أنت يا بني فعليك بالتضامن مع زملائك…. السعي إلى معرفة ما يجري في جبال الصبي..(ادم أجري وصية شيلاما ص 141)…. ذكر المؤرخ اليوناني بلوتارك (46 – 119 ميلادي) أن الجندي فليبيدس الذي قاتل مع جيش أثينا ضد الفرس… رأى كتيبة من جيش الفرس المهزوم في تلك المعركه تتسلل باتجاه اثينا لادعاء النصر و فرض الاستسلام على اهلها فقرر ان يركض نحو اثينا ليبشرهم بالنصر و ليفسد خطة الفرس… تخلص فليبيدس من سلاحه و ملابسه ثم قطع تلك المسافة بين قرية ماراثون و اثينا و التي قدرت بخمس و عشرين ميلا.. آخر ما نطق به كان كلمة (انتصرنا)… (ترجمة بتصرف من ويكيبيديا الإنجليزية)…
في ليلة مقمرة و بعد رحلة شاقة عبر طرق داخلية شديدة الوعورة وصل المراسل شيلاما إلى نيما قادما من النتل… وقف متصببا عرقا امام الكيور ساباي…. بارك الكيور ساباي شجاعة المراسل شيلاما و امر له بطعام و ماء…. لم ينتظر شيلاما و أخبر الكيور ساباي بما لديه : الموضوع متعلق بشيلنج هذه المرة… سابو كوناي سيتولى إرشاد قوة جديدة من العدو إلى شلينج… انه مخبر و لص… لديه طريقة عمله الغامضة و كغيره يفضل المشي وحيدا..
لديه علاقات واسعة مع تجار الرقيق و لصوص الماشية والإبل.. يغيب عن داره لأيام و لأسابيع احيانا.. ليظهر مجددا باغراض معدنية و البسة جديدة يبيعها للكبار و يهدي بعضها للفتيات… (آدم أجري وصية شيلاما ص 177-178.. بتصرف)…
لا تصالح…لو قال من مال عند الصدام…..ما بنا من طاقة لامتشاق الحسام… عندما يملأ الحق قلبك تندلع النار أن تتنفس…. و لسان الخيانة يخرس…. لا تصالح……أمل دنقل……..

و فيما يسقط سابوو مضرجا بدمائه… انهال سيل القذائف نحو الاسافل… بدأت معركة اختلطت اصوات البنادق بالصرخات الحماسية و الزغاريد ثم ظهر المئات من قوات السلطنة من اتجاهات مختلفة لتنفيذ الاطباق من الخلف….. قتلوا العشرات من الغزاة (آدم أجري وصية شيلاما ص 179)…..
و هناك في الاعالي خلف نظارته النصفية… أظهر الصحفي شيلاما شماتته نزع وعاء التمباك من خاصرته سحب منه انفاسا عميقة انعش بها مزاجه…. ” أجل هذا هو الشغل.. هذا هو الشغل ”…..
و القى اوديسيوس اثماله و اطرح مزقه… و برز للملأ اوديسيوس القوي الجبار و تناول كنانة الأسهم التي تهمهم فيها المنايا و تغمغم و القوس العتيدة العنيدة و وقف عند الوصيد حتى لا يفر احد من اعدائه فينجو من الموت الذي هو ملاقيه ثم نثر الكنانة عند قدميه و هتف بالعشق يقول : ” و هكذا يا سادة تتم فصول المأساة و هكذا ايضا تنتهي المباراة التي لم يفز فيها واحد منكم… و الآن انظروا… أني لن اسدد سهامي إلى هذه الاهداف بعد بل اني مسددها إلى غرض آخر ”…. و شد الوتر العرد و ارسل إلى حلقوم أنطونيوس سهما مريشا عجل به إلى هيدز و كان العلج يوشك أن يحتسي كأسا ذهبية من اعتق الخمور فسقطت الكأس من يده و سقط هو يتشحط في دمه و يلفظ أنفاسه…. و ذعر الآخرون حينما رأوا اخيهم يسقط إلى الأرض رمة لا نفس فيها و لا حراك فهاجوا و ماجوا و هبوا يبحثون عن أسلحتهم… و لكن هيهات…!! لقد اخفاها اوديسيوس و ولده ليله أمس… فأنى لهم بها!!(هوميروس الاوديسة)

الاحصائيات التي امام الحكومة توضح أن كتيبة المقدم سميث الضخمة شنت هذه الحرب بعدد 154 ضابطا 36 بريطانيا و البقية مصريون و هذا عدد كبير و من المركبات عدد 8 عربة كروسلي 8 لوري فورد 4 سيارات إسعاف.. من الجنود النظاميين 3059 و هي قوة أقرب للواء كامل….. هذه القوات عندما يستلم احد افرادها خطابا او تلغرافا من بريطانيا او مصر فذاك يوم سعده ولا يمانع من اطلاع زملاءه عليه هذا إن لم يكن اميا يحتاج إلى من يقرأ له منهم من يضع الظروف على انفه ليشتم رائحه وطن و أحباب و أسر تغربوا عنها فالقلة من الضباط اتوا بمعية زوجاتهم و على رأسهم المقدم سميث و قد رصد منظار شيلاما زوجة سميث عدة مرات مرتدية زيا عسكريا مصطحبة كلبا ابيض ا*******

*ها هي الدوائر البيضاء للقبعات المخروطية قدخرجت كما السماء الهادئة لطفولتن
كما أجنحة طائر البلشون في الليل
الدوائر البيضاء تستحضر السماء المفتوحة سنابل الأرز الذهبية
و القنابل العنقودية تمتزج معاً حتى القنابل المبرمجة لتنفجر في موعد متأخر لا تثير روعنا فقد عرفت أرواحنا سنواتٍ طوالاً من الحرب
هيا بنا أيتها الأخوات لنجمع المحصول كل واحدة منا ترتدي قمرها الصغير الذي يتلألأ فوق سجادة من الأرز الذهبية…
نحن مصادمات قريتي اثنتي عشرة قبعةً بيضاء تلمع في الليل الطويل لانخشى الرصاص و القنابل التي تملأ الهواء مانخشاه فقط هو أن يبلل الندى شعرنا المعطّر برائحة الليمون* للشاعرةالفيتنامية لام ثي مي دا… عن حرب فيتنام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.