رِحْلتي مع مَنصُور خَالِدْ: الحلقة (41) الخروج من الذات لمُلاقاة الآخر! جون قرنق والبَحْثِ عن السَّلام والوحَدَّة

الواثق كمير [email protected]

رسالة إلى رئيس الحركة والمكتب السياسي

ختمتُ الحلقة السَّابقة بأنني كُنتُ قد كتبتُ مُذكرة، في أعقاب المُؤتمر العام الثاني مباشرة (يونيو 2008) كتبتُ مسودَّة مذكرة ضافية، بشأن تمثيل الشماليين في المُؤسَّسات القياديَّة للحركة، تدوالتُها مع بعض الكوادر القياديَّة، أطلقت عليها “ورقة قضايا” Issue Paper)) قبل إرسالها إلى قيادة الحركة. جديرٌ بالذكر، أنَّ رئيس الحركة، الفريق سلفا كير، أصدر قراراً بتكوين المكتب السياسي للحركة من 27 عُضواً، سمَّاهُم في الجلسة الختامية للمُؤتمر على النحو التالي: سلفا كير ميارديت (رئيس الحركة والقائد العام للجيش الشعبي)، رياك مشار تيني (النائب الأوَّل لرئيس الحركة)، جيمس واني إيقا (النائب الثاني للرئيس)، مالك عقار إيير (النائب الثالث للرئيس)، فاقان أموم أوكيج (وزير شئون مجلس الوزراء والأمين العام للحركة، وسكرتير المكتب السياسي)، آن إيتو (نائب الأمين العام لقطاع الجنوب)، ياسر سعيد عرمان (نائب الأمين العام لقطاع الشمال)، دانيال أويت أكول (حاكم ولاية البحيرات)، كوال مانيانق جووك (حاكم ولاية جونقلي)، نيهال دينق نيهال (عن ولاية واراب)، دينق ألور كوال (وزير الخارجية)، جون لوك جوك (وزير الصناعة والتعدين في حكومة الجنوب). ربيكا نياندينق دي مبيور (مستشارة الرئيس لحقوق الإنسان)، بول ميوم أكيك (وزير الداخلية في حكومة الجنوب)، د. منصور خالد (مستشار الرئيس)، لوال دينق وول (مستشار الرئيس للشئون الخارجية)، مارك نيبوك أوبونق (والي ولاية غرب بحر الغزال)، تابيتا بُطرس شوكاي (وزيرة الصحة الاتحاديَّة)، ازدهار جُمعة (قطاع الشمال)، جيما نونو كومبا (والي غرب الإستوائية)، أووت دينق أشويل (وزيرة الخدمة العامة والعمل وتنمية الموارد البشريَّة)، كوستي مانيبي (وزير الإستثمار الاتحادي)، تعبان دينق قاي (والي ولاية الوحدة)، عبدالعزيز آدم الحلو (عضواً)، سامسون لوكير كواجي (وزير الزراعة والغابات في حكومة الجنوب)، أكول بول كورديت (رئيس تنظيم الشباب في قطاع الجنوب)، ومحمد أحمد عيسى (قطاع الشمال).
بهذه التشكيلة غير المتوازنة، فإنَّ قطاع الجنوب بالحركة قد حَصَلَ على 74% من عضويَّة المجلس، منها 4% فقط للمنطقتين (التابعتين للقطاع)، بينما كان نصيب قطاع الشمال كُله فقط 14.8%.

على هذه الخلفيَّة، في 14 يوليو 2008، بعثتُّ برسالة إيميل إلى رئيس الحركة الشعبيَّة، والرفاق الأعزاء أعضاء المكتب السياسي للحركة. قلتُ فيها بالحرف: «أنا على ثقة من أنك بخير. كوني عضواً في الحركة الشعبيَّة وعملتُ لصالحها، على مدار الـ 22 عاماً الماضية، أشعر حقاً بضرورة مشاركتكم لي آرائي بشأن ما أعتبره أمراً هاماً حدث خلال انعقاد ظهر المُؤتمر القومي الثاني للحركة، وما قد ينتُج عنه من آثار ضارة على وحدة وتماسُك حركتنا. لقد أعربتُ عن قلقي في “ورقة القضايا” المُرفقة، وأنا واثق من أنك، ستولونها الاعتبار الواجب والاهتمام الذي تستحقه. الشكر مُقدّماً، مع أحرِّ التحيات». أُلخِّص في السُطُور القادمة النقاط الهامَّة التي طرحتها على قيادات الحركة في “ورقة القضايا”.

أولاً: تطبيق نسبة 1 إلى 2، فيما يتعلق بتمثيل قطاعي الشمال والجنوب، في كل من المُؤتمر القومي ومجلس التحرير القومي. ومع ذلك، فقد تمَّ تجاهُل هذه النسبة في حالة المكتب السياسي. صحيح أنه لا يوجد أي نصٍ في الدُّستور بهذا المعنى، إذ يظلَّ تعيين أعضاء المكتب القيادي في يد رئيس الحركة. ومع ذلك، فإنَّ تطبيق نفس الصيغة على عُضويَّة المكتب السياسي، بروح التمثيل العادل في مختلف هياكل الحركة، سيكون بمثابة إشارة قويَّة لشُمُول وتماسُك ووحدة الحركة. بالطبع، فإنَّ الطبيعة “العسكرية” للحركة خلال الحرب، هي التي حَكَمَت بالتمثيل الضئيل للشماليين في مكتبها القيادي، وذلك بمعياري المساهمة المُباشرة في العمل المُسلَّح، والرُّتبة في القيادة العسكريَّة للجيش الشعبي.

ثانياً: النهج الذي أُتُّبعَ في تمثيل قطاع الشمال، بشكلٍ أصح “الشماليين”، خاصة في المكتب السياسي، خاطئ ويتعارض مع روح دُستور الحركة. فقد كان هناك اقتراحٌ بتقسيم قطاع الشمال إلى أربعة قطاعات فرعيَّة (شمال، وسط، شرق، وغرب) خلال مناقشة “مجلس التحرير القومي الانتقالي” للحركة لمُسودَّة الدُّستور قبل تقديمه للمُؤتمر العام. وتمَّ رفض هذا المُقترح لمرَّتين متتاليتين من غالبيَّة عُضويَّة المجلس لتناقُضه مع الدُّستور، ولو بطريقة غير مباشرة، بحُكم نص المادة 1.2.2 والتي تُعرِّف بصورة واضحة الحركة الشعبيَّة كحزب سياسي بقطاعين في الشمال والجنوب، بدون أدنى إشارة إلى قطاعاتٍ فرعيَّة أو أي مُوجِّهات لتحديد هكذا قطاعات. وبالتالي، فإنَّ اعتماد تمثيل الشماليين على أساس “مناطق” غير محدَّدة وذات قواعد متداخلة قد يُفضي إلى زرع الانقسامات داخل قطاع الشمال (وهو ما حدث بالفعل)، وهو السَّبب الرئيس لرفض المقترح.

ثالثاً: وحتى إن سلَّمنا بوجاهة مبدأ التمثيل على هذه الشاكلة، فكان لا بُدَّ من الاتفاق على 1) المعايير الموضوعيَّة لتقسيم القطاع وتحديد “المناطق” المُؤهَّلة للتمثيل، و2) القدرات القياديَّة والمساهمة التاريخيَّة في نضال الحركة الشعبيَّة قبل الشُروع في ترشيح الأسماء، فإنك لا تضع العربة أمام الحصان!

رابعاً: صحيح أنَّ الواقع السياسي، خاصة في جنوب السُّودان، يُملي التمثيل والتوازُن على أسُسٍ قبليَّة أو إقليميَّة، ولكن يجب ألا يكون مثل هذا التمثيل على حساب أهداف وكفاءة وأداء الحركة الشعبيَّة، خصوصاً على مستوى القيادة العُليا. وهكذا، فقد كانت قيادات الحركة دوماً تملك صفاتٍ قياديَّة ملموسة، ولو بدرجات متفاوتة، فيما كانت تمثل في نفس الوقت المجموعات القبليَّة أو الإثنيَّة التي تنتمي لها. والمُهم أن نؤكد هُنا أنَّ جميع هؤلاء القادة اكتسبوا مواقعهم القياديَّة، ليس بسبب انتماءاتهم القبليَّة فحسب، بل لتقدير قُدراتهم القياديَّة وتضحيتهم خلال مرحلة الكفاح المسلح في سياق تطوُّر الحركة الشعبيَّة. إذن، فالمعيار الرئيس للصُعُود للمراكز القياديَّة لا يكمُنُ في الجماعة الإثنيَّة أو المنطقة الجُغرافيَّة التي يأتي منها الفرد، بل في الالتزام طويل الأمد، والمساهمة المشهودة للحركة الشعبيَّة. وإلا لكان من الأجدى أن يتم تقسيم قطاع الجنوب إلى مناطق ومجموعات قبليَّة، ومن ثمَّ الطلب من كُلٍ منها ترشيح ممثلهم للمكتب السياسي أمام كل عُضويَّة مجلس التحرير القومي، وذلك بمثل الطريقة التي اتبعت لاختيار “ممثلي الشمال”! فلماذا التحامُل على قطاع الشمال والشماليين باللجوء لاستخدام المعايير المزدوجة؟ وبالتالي، فإنَّ المعيار الرئيس للصعود إلى المناصب القياديَّة ليس المجموعة العرقيَّة أو المنطقة الجُغرافيَّة التي يأتي منها المرء، ولكن في جوهره ، فإنَّ الالتزام طويل الأمد والمُساهمة البارزة في الحركة الشعبيَّة هُما العاملان المُهمَّان في التحليل النهائي.

خامساً: وعلى نفس المِنوال، كان من المتوقع إتباع ذات المنطق وتطبيق نفس معايير اختيار القيادات الجنوبيَّة على القيادات الشماليَّة. فالحركة الشعبيَّة لا تفتقر إلى قدامى المُحاربين الذين ساهموا في مسيرة الحركة، على الصعيدين العسكري والسياسي خلال مرحلة الكفاح المُسلَّح، ويجدون قبولاً وسط شرائح واسعة في مجتمع شمال السُّودان. فليس هناك من مانع يحول دون تصعيد من حمل السلاح من الشماليين للمكتب السياسي إلا الأقدميَّة والرُتبة في الجيش، ممَّا ينُمُّ عن تسيُّد “العقليَّة العسكرية” حتى مع تحوُّل الحركة إلى تنظيم سياسي! إذن، لما العجلة في تعيين قياداتٍ شماليَّة حديثة الإعداد والالتحاق بالحركة، والتي لم يجف بعد حبر توقيعاتهم على طلبات الانضمام لعُضويتها؟ فهل يعني هذا أن وجود الشماليين في قيادة الحركة ما هو إلا مجرَّد زينة وديكور، في شكل تمثيل رمزي وغير فعَّال؟ حقاً، يتساءل المرء إن كان مثل هذا التمثيل بمثابة بادرة حميدة أم ترتيب مقصود بنيَّة شريرة! إنَّ قواعد الحركة في الشمال متحدون في التزامهم برُؤية السُّودان الجديد، وهذا هو ما دفعهم أساساً للانضمام إلى الحركة. فلماذا نفرِّق بينهم على أسُسٍ “إقليمية” والقطاع ما زال في طور البناء ودون مراعاة لقدراتهم ومقدراتهم القياديَّة؟

سادساً: وهكذا، فقد لمستُ من خلال الحوارات والمناقشات التي تمَّت على هامش المُؤتمر شعوراً قوياً وسط الشماليين بالهجمة الشرسة ضدَّ القطاع. فيعتقد معظم المندوبين، بما في ذلك كوادر الحركة بسكرتارية القطاع، أنَّ محاولة إضعاف القطاع بدأت بعمليَّة إقصاء كوادر قطاع الشمال التي ناضلت في صفوف الحركة والجيش الشعبي منذ الثمانينات، وذلك باعتماد “الولاية” كـ“كليَّة انتخابيَّة”.

سابعاً: بصراحة، ذُهِلَ الكثيرون عندما لم يتم تسمية عبدالعزيز آدم الحلو في عُضوية المكتب السياسي. فكيف يمكن استبعاد زعيم ومناضل من أجل الحُريَّة، بجانب مساهماته المُميَّزة في تطوير الحركة الشعبيَّة لتحرير، من المكتب القيادي لها. قد يقول البعض أنَّ هذه ممارسة للديمقراطيَّة، من خلال تعزيز القادة على مستوى القاعدة الشعبيَّة من خلال الانتخابات. لكن، كان من الممكن أن يكون هذا صحيحاً إذا تمَّ اتباع مبدأ الانتخابات من خلال جميع المستويات التنظيميَّة، فإنه لا يصح تجزئة الديمقراطيَّة، وممارستها لا يمكن أن تكون بطريقة انتقائيَّة.

ثامناً: وللمُفارقة، فإنَّ اتفاق “الدارفوريين” بالإجماع على عبدالعزيز الحلو لتمثيلهم في المكتب السياسي (مع أنَّ الحلو يُعرف بانتمائه لجبال النوبة)، ممَّا يُعدُّ بمثابة درس يستفيد منه الداعون لتقسيم قطاع الشمال. إنه مثالٌ قوي لكيفيَّة تجاوز الهُويَّة الإقليميَّة أو المناطقيَّة، ولتقبل القواعد الشعبيَّة في الشمال لزعمائهم بغضِّ النظر عن الأصل العرقي أو الإقليمي، بل على أسُس المصداقيَّة والقدرة على العطاء. والحلو في هذا الشأن لم يحظ بثقة أهل دارفور لأن والده من دارفور، وإنما تقديراً لشجاعته ومساهمته البارزة في الحركة.

تاسعاً: علينا أن نعترف بوجود ثغرات ونواقص في تنظيم قطاع الشمال، وكذلك في قطاع الجنوب، ولكن لا يعني ذلك معاقبة قطاع الشمال بشكلٍ منفرد، من خلال السماح بتقسيمه على أسُسٍ “مناطقيَّة” بذريعة توفير تنظيم وإدارة أفضل. كما ينبغي الاعتراف بالجُهود الجبَّارة التي بُذلت في إعادة هيكلة وتنظيم القطاع، والثناء عليها. قد تبدو الدعوة إلى التمثيل “المناطقي” جذابة، ولكن سيكون لها آثارٌ خطيرة على وحدة الحركة إذا لم يتم التعامُل معها وإدارتها بعناية. لم يبدأ العمل السياسي المفتوح والقانوني للحركة في الشمال إلا بعد توقيع اتفاق السَّلام الشامل، ومن ثمَّ لم يصل بعد إلى مرحلة النُضج التي تسمح بتمثيل “مناطقي” في المكتب السياسي، دون التسبُّب في وقوع صراع حاد، ومثيرٌ للانقسام، على قيادة القطاع.

عاشراً: يكمُن المدخل الصَّحيح لتمثيل الشماليين في المواقع القياديَّة للحركة في إعطاء الفرصة لهذه القيادات الجديدة لإثبات أنفُسهم وإظهار قُدراتهم التي من شأنها أن تُؤهِّلهم لتحمُّل المسؤوليات القياديَّة في الجهاز التنفيذي الرئيس للحركة. فمجلس التحرير القومي، في هذا الخصوص، يوفر الفرصة والمنبر معاً لاكتساب الصفات القياديَّة والمُهارات اللازمة. فالمجلس يُشكِّل الأرضيَّة المناسبة لتدريب واختبار القيادات الشابَّة وتأهيلها للترقي في سلم القيادة ولتبوُّء المواقع في الهيئة السياسيَّة العُليا للحركة والمكلفة بصياغة اهتمامات قواعد الحركة في كافة أنحاء البلاد في برامج وسياسات قومية، مع مراعاة خُصُوصيَّة كل منطقة. وإلا فإن النتيجة الحتميَّة هي أن يتحوَّل المكتب السياسي إلى منبر للصِّراع حول السُّلطة ولتمرير أجندة المجموعة المُسيطرة على زمام الأمور بالجنوب على حساب الأهداف العُليا المُضمَّنة في دُستور ومانيفستو الحركة. وهذا ما حدث في واقع الأمر تحت ستار التمثيل “المظهري” لقطاع الشمال وقياداته، الذين اقتصر دورُهُم على مباركة القرارات وفرضها من أعلى إلى أسفل على القواعد، وكأنها “تعليمات”، بدون أي حوارات عميقة أو نقاشات جادة!

إحدى عشر: يبدو أنَّ هناك نزعة قويَّة نحو شدِّ الحركة جنوباً بما يتعارض مع الدُّستور والمانيفستو، اللذين أجازهُما المُؤتمر العام قبل أقلَّ من شهرين، والموقف الواضح من الطبيعة القوميَّة للحركة، والذي تمَّ التأكيد عليه في الكلمة الافتتاحيَّة للرئيس في المُؤتمر.

ثاني عشر: لا أرغبُ في الجُموح، لكنَّ الشُعور السائد بين العديد من مُمثلي الشمال هو أنَّ الحركة حسمت الأمر بالاتجاه جنوباً، مع إعطاء أمثلة على نوع المُعاملة التي واجهوها أثناء إقامتهم في جوبا أثناء المُؤتمر، من حيث المُضايقات والإذلال والإهمال، بما في ذلك ما تعرَّضتُ له شخصياً. قد يكون هذا نتيجة لنوعٍ من الفوضى التي صاحبت عمليَّة تنظيم المُؤتمر، وهو أمرٌ شهد عليه الجميع، بل كان الموضوع السائد للحديث، المسموع والمكتوم، بين المُؤتمرين من قطاع الشمال. ومهما كان الأمرُ، فهُو يستحق أن يُنظر إليه بعُمق وجديَّة.

ومع ذلك، فمن جهة، فإنه يجب الإطراء على، وتقدير الجهود الهائلة التي بُذلت من أجل إعادة هيكلة وتنظيم قطاع الشمال. بينما من جهة أخرى، لا يعفى كل هذا قيادة القطاع من الفشل في الوصول إلى، والتواصُل مع شرائح هامة في المجتمع الشمالي، خاصة في أوساط المهنيين والموظفين والعمال والمزارعين ومجموعات المثقفين وقدامى المؤيِّدين والمناصرين للحركة الشعبية، ومن العشاق والمأخوذين برؤية السودان الجديد. فهكذا، أخفقت قيادة القطاع في توسيع قاعدة العضوية ويناء التنظيمات الشعبية والفئوية المساندة للجسم السياسي للحركة في شمال السودان. كما أن القطاع لم يقبل على الانتخابات العامة بجدية، الآلية الوحيدة للتغيير التي وفرتها اتفاقية السلام الشامل، أو يضعها في صدارة أولوياته من ناحية الاستعداد والتحضير اللازمين لها منذ انطلاقة الفترة الانتقالية في عام 2005، فقاطعها، وسحبت الحركة مُرشحها، القائد ياسر عرمان، لرئاسة الجمهورية، بحجج وذرائع تعوزها المصداقية. وقد كان الزعيم الراحل، د. جون قرنق، يعول عليها كثيرا، فعلى حد قوله فإن للحركة: “طاقات كامنة تؤهلها لأن تصبح حزب الأغلبية في الانتخابات القومية القادمة وعلى كافة المستويات المحلية والولائية والقومية”! إضافة إلى أن قرار المقاطعة الذي تم سبكه خارج الأطر المؤسَّسية للحركة، بما في ذلك مؤسَّسات قطاع الشمال، قد أحدث ربكة وارتباك مما أفضى في نهاية الأمر إلى عزل القيادات عن قواعدها، وإلى خلق وضع شاذ انعكس في وجود قطاع الجنوب بالحركة داخل المؤسَّسات التشريعية والتنفيذية للدولة، بينما أضحى قطاع الشمال خارج هذه المؤسَّسات.
وأخيراً، سيكون هذا الوضع بمثابة خيبة أمل كبيرة للجماهير التي هلَّلت لرُؤية “السُّودان الجديد” ووافقت عليها بالتزكية، وبتفويضٍ كامل للقيادة لتحويل هذه الرُّؤية إلى واقع ملموس.

وفي ضوء ما عرضته في “ورقة القضايا” لقيادات الحركة، طرحتُ توصيات ثلاث لإصلاح الأمر.
• أولاً، ينبغي إعادة النظر على الفور في قضية على تمثيل الشماليين في المكتب السياسي، لقفل أي صراعات أو انقسامات في صفوف الحركة.
• ثاياً: تقييم وتقويم المؤتمر القومي الثاني، من حيث الإعداد والتنظيم والأنشطة والنتائج، بالإضافة إلى مراجعة ميزانيَّته ونفقاته من قبل شركة محاسبة مرموقة.
• ثالثاً: بالنظر إلى التفويض الهائل الذي منحه المُؤتمر العام لقيادة الحركة، ينبغي على الأمين العام، ونائبه لقطاع الشمال، أن يتعاونا معاً لتحديد الثغرات وسدِّها من خلال البناء على، وتعزيز الهياكل التنظيمية للقطاع لاستيعاب قواعدها المختلفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.