رهان قحت على الجنجويد رهان خاسر وتكتيك خطر!!
د/ أحمد عثمان عمر.
البادي للعيان وما لايمكن انكاره ، ان التيار التسووي (المجلس المركزي ل “قحت”)، يناور بتحالف غير معلن مع مليشيا الجنجويد ، تحت دعاوى ان هذه المليشيا إلتزمت بدعم الإتفاق الإطاري الذي يتوهمون بأنه وسيلة للانتقال والتحول الديمقراطي، وأنها ستمكنهم من الحصول على ذراع مسلح في مواجهة قيادة القوات المسلحة التابعة للإنقاذ والخاضعة للحركة الاسلامية، وهم يظنون ان هذا تكتيك ذكي وضروري في ظل الوضع الراهن. لكن بكل اسف هذا التكتيك خاطئ وخطر وسيكلف البلاد كثيرأ من الرهق والأزمات في حال إنتصاره أو هزيمته. ففي حال هزيمته- وهو أمر متوقع- ستصبح قبضة الحركة الاسلامية عبر جنرالات لجنتها الامنية أكبر، و ستفقد القوى التسووية مساحة مناورتها المحدودة وتصبح واجهة مدنية للجنة الأمنية أكثر ضعفا، وربما تنقض عليها هذه اللجنة بانقلاب ثالث جديد.
و الخطر الاكبر يكرسه إنتصار تكتيكها الماثل ، ونجاح تحالفها مع الجنجويد لهزيمة جنرالات اللجنة الامنية مع بقائهم في قيادة القوات المسلحة ، بحيث تصبح اليد العليا لمليشيا الجنجويد وتتقهر سلطة القوات المسلحة ككل لمصلحتها ، فندخل عصر مليشيا الجنجويد ، ويصبح الجيش مليشيا خالصة للحركة الاسلامية. وحاصل سيطرة مليشيا الجنجويد حتما ما يلي:
١- تمكين جديد لمليشيا قبلية بدلا عن جيش محترف وإن كان مؤدلج وغير مهني ، عدد كبير من قواتها من غير السودانيين ، وهي تشكل خطرا امنيا على المواطنين ، بطبيعتها الاجرامية التي لازمتها منذ تكوينها.
٢- تمكين فصيل من قوى رأس المال الطفيلي على حساب فصيل آخر من نفس الشريحة ، حيث ان قيادة الجنجويد تم ترفيعها من بندقية للايجار الى عضو اصيل في شريحة الراسمالية الطفيلية ، عبر استثماراتها التجارية والارتزاق في حرب اليمن ، وهي بالتالي لن تتنازل عن وضعها الطبقي الجديد ، وسوف تواصل الدفاع عن تمكين هذه الشريحة ، وتشكل خطرا مستداما على الإنتقال والتحول الديمقراطي.
٣- تمكين قيادة المليشيا من الافلات من العقاب ، وإعفائها من الجرائم التي إرتكبتها ، وتنصيبها حاميا للتحول الديمقراطي، في احباط واضح لمطلب العدالة الذي هو احد أضلاع مثلث شعار الثورة .
٤- إستبدال جبش نظامي قابل لإعادة الهيكلة عند إسقاط قيادته بإرادة شعبية ، بمليشيا غير نظامية مدربة على القتل والنهب ، ولا تعرف الضبط والربط ، وقطاع كبير من جنودها غير سودانيين بالأساس ( مواطنين من تشاد وافريقيا الوسطى و النيجر) ، يتبعون لأسرة مالكة لهذه المليشيا.
٥- الاعتماد على مليشيا مخترقة بكثافة من قبل الحركة الاسلامية ، وفقا لمخطط بدأ منذ العام ٢٠١٧م بنقل الضباط الاسلاميين من القوات المسلحة لقيادتها و السيطرة عليها ، وتكثف بعد انقلاب القصر ، واتخذ شكل استيعاب من استغنت عنهم القوات المسلحة لاحقاً ، بالإضافة إلى عدد من منسوبي هيئة عمليات جهاز امن الإنقاذ بعد حلها ، وكلهم من الاسلاميين الخلص. لذلك التوهم بأن هذه المليشيا مبرأة من نفوذ لا يستهان به للحركة الاسلامية ، هو محض قصر نظر.
فالتناقض بين قيادة المليشيا وقيادة القوات المسلحة تناقض ثانوي ، قائم على صراع على النفوذ والسلطة داخل نفس المعسكر، الذي بمجمله في تناقض رئيسي مع الشعب السوداني الثائر بكل شرائحه ، ومن الممكن ان تتوصل أطرافه الى حل بحكم المصلحة الرئيسية الموحدة ، المتمثلة في إستمرار تمكين رأس المال الطفيلي من السلطة.
وفي كل الأحوال ، ما هي ضمانات ألا تنقلب مليشيا الجنجويد بعد انتصارها على قيادة الجيش على إتفاقها مع (قحت) وتنفرد بالسلطة ، أو على أقل تقدير ان تتحكم ب(قحت) كواجهة مدنية مغلوبة على أمرها تماماً كما يفعل بها جنرالات اللجنة الامنية للإنقاذ ؟
مفاد ما تقدم ، هو أن الإستعانة بمليشيا الجنجويد للإنتصار على قيادة الجيش التابعة للحركة الاسلامية ، تكتيك يهزم الاستراتيجي ، لأنه يقود في أحسن أحواله للإنتصار على فئة من الرأسمالية الطفيلية، لتتحكم فئة اخرى منها بالمشهد والدولة، وتمنع الإنتقال والتحول الديمقراطي ، وتنقلنا من عهد الدولة إلى عهد المليشيا.
و الأرجح بالطبع هو إنتصار قيادة الجيش الإنقاذية، التي تمكن بإرادتها لهذه المليشيا لتوظيفها ضد الشعب كما حدث في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، والمناورة بالصراع معها لإعادة تشكيل الخارطة السياسية. وحينها ستجد (قحت) نفسها تحت قبضة جنرالات الإنقاذ كما كانت بعد إنقلاب القصر.
والصحيح طبعا هو شعار الشارع (الجنجويد ينحل) ، لعدم حاجة شعب السودان لهذه المليشيا وحاجته الى جيش مهني وقومي وموحد ، من المستحيل ان ينشأ بدمج مليشيا بهذه الصورة ، قيادتها مكانها المحاكمات العادلة عما تم ارتكابه من جرائم. وهذا الحل ممكن بالطبع ، شرطه هو إسقاط نظام جنرالات الإنقاذ عبر الثورة المستمرة وسلاحها المجرب العصيان المدني والإضراب العام ، وتكليف قيادة من الضباط الوطنيين من مفصولي المؤسسة العسكرية ، تكون مهمتهم إعادة هيكلة الجيش، ليقوم بمهمة حل المليشيات وتجريدها من السلاح.فقيادة الجيش ممكن تغييرها في اطار الصراع عند إنتصار الثورة ، لكن تمكين مليشيا مجرمة وقبلية من السلطة يعني نهاية الدولة.
وبعد حل مليشيا الجنجويد والمليشيات الأخرى ، من الممكن إستيعاب الأفراد الصالحين للجندية من السودانيين في الجيش ، وتسريح الباقين وإستيعابهم في الحياة المدنية.
ولا يمكن النظر الى هذه المسألة من ناحية عملية، الا في اطار عملية التغيير الشاملة ، التي تقوم على تفكيك و إزالة التمكين ، وإستعادة الأموال المنهوبة والمتحصل عليها بطريق غير شرعي ، و إعادة تأهيل القطاعين الزراعي و الصناعي ، و تطوير القطاع الخدمي لخلق الفرص. لذلك العملية على مستوى الجنود ليست قرارا يتم تنفيذه فوراً ، بل خطوات منظمة تاخذ وقتها ، ضمن عملية تغيير شاملة لا بالتعامل مع القوات المسلحة والنظامية كجزر معزولة. كما ان حل جهاز الأمن سيوفر فرص للجنود عند اعادة تكوين الجهاز الجديد أيضاً.
الصراع السياسي لا يمكن النظر إليه بطريقة التجزئة والمناورات الوقتية التي تعتمد على تكتيكات تهمل ماهو إستراتيجي، والتركيز على التناقضات الثانوية واهمال التناقض الرئيس ، وانتظار تحقيق الأهداف الاستراتيجية في نفس الوقت. ف(قحت) تهمل التناقض الرئيس والحدي مع اللجنة الامنية للإنقاذ وتدخل معها في تسوية عبر إتفاق إطاري ملزم لطرفيه ومؤسس لشراكة ، ثم تسعي لتوظيف التناقض الثانوي بين جنرالات اللجنة الامنية للإنقاذ ( جيش وخلاء) ، بالتحالف مع جنرالات الخلاء لهزيمة جنرالات الجيش ، متناسية أن التناقض الرئيس مع الاثنين معا ، ومتوهمة ان إنتصار أيا منهما على الآخر سيجعله راغبا في تناسي التناقض الرئيس والسير معها ضد مصالحه وفي طريق يقود لضربه وتصفية مراكز قوته وتجريده من ثروته ، فتأمل!!
رهان (قحت) على التحالف مع الجنجويد رهان خاسر وكارثي ، وهو يدل على عدم ثقة في الشعب وإرادته وقدرته ، وإسقاط وتنكر لدوره في التغيير ، وإعتماد كامل على الخارج والجنحويد ، لإنجاز انتقال وتحول ديمقراطي يستحيل إنجازه بعيدا عن حركة الجماهير التي تضمن إستدامته.
نثق في أن شعبنا لن يركن إلى هذه التكتيكات البائسة ، وأنه قادر على كنس قيادة الجيش الإنقاذية ، وحل مليشيا الجنجويد حين يتكامل أمر تراكمه ويكمل بناء مؤسساته اللازمة لاسقاط النظام.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
د. احمد عثمان عمر
٣١/٣/٢٠٢٣