رداً على مقال المدعو (أبوبكر القاضي) بعنوان: (شعب الهوسا إستحق جائزة نوبل للسلام).

عادل شالوكا

 

كتب المدعو (أبوبكر القاضي) من مقر إقامته في (بريطانيا – ويلز) بتاريخ 5 مارس 2023 مقالا مطولا بعنوان: (شعب الهوسا إستحق جائزة نوبل للسلام). وقد تحدث في المقال عن ما أسماه (إبادة شعب الهوسا في النيل الأزرق) وتساءل عن (من المسؤول عن إبادة الهوسا)، وإتهم الحركة الشعبية – شمال بالعقلية القبلية، وإنها غير مؤهلة لبناء الدولة، وإن الهوسا (مواطنين وليس رعايا) وإن الإدارة الأهلية خنجر مسموم في ظهر (مشروع الوطن والمواطنة) … إلخ .. إلخ.

ولكن ما يهمنا هنا إنه طرح سؤالاً : (من المسؤول عن أبادة أهلي الهوسا في النيل الأزرق)، وفي رده على نفسه – حمل المسؤولية لثلاثة آطراف على النحو التالي: (الحركة الشعبية – مالك عقار / الحركة الشعبية – عبد العزيز الحلو / المسيسين من قادة قبيلة الهوسا الذين أغواهم أحمد العمدة بالنظارة).

في إجاباته إستند الكاتب على مقال لشخص يدعى عثمان محمد حسن بعنوان: (مجزرة النيل الأزرق مسئولية: جوزيف تُكا وأحمد العمدة وقادة مسيَّسين من الهوسا) – كتبه في صحيفة سودانايل الإليكترونية بتاريخ : 21 يوليو 2022.

وقد ذكر (عثمان محمد حسن) في مقاله : (لم يكن عسيرا على جوزيف توكا أن يوقف عمليات الذبح والسحل والإبادة التي جرت في الميادين المُختلفة بالولاية اذ كان بإمكانه إيقافها بإشارة منه، ولكنه لم يفعل، مما يدل على إنه كان موافقاً على ما كان يرتكب .. وكان بإمكان الحلو ان يأمره بإيقاف الإبادة، ولكنه لم يفعل، مشاركاً نائبه في المسؤولية عن الدماء التي أهدرت) .. إنتهى الإقتباس.

ويمضي نفس الكاتب (عثمان محمد حسن) في ذات المقال في كشف المزيد من الوقائع التي – حسب زعمه – تدين الحركة الشعبية بجناحيها (عقار والحلو) حيث قال: (ويخطئ كل من يقول أن ما حدث في النيل الأزرق صراع لحيازة أراضي .. فالحقيقة هي أن مشكلة النظارة أو العمودية هي التي أثارت موضوع الحيازة، و لإثارة الموضوع في هذا الوقت أبعاد سياسية بين مالك عقار الذي إنفلت لجام قيادة الحركة الشعبية من بين يديه، وبين عبد العزيز الحلو، رجل الحركة القوي الممسك بزمامها حتى في النيل الأزرق مسقط رأس مالك عقار)..

ويضيف نفس الكاتب الذي إستند عليه أبو بكر القاضي: (أراد مالك عقار أن يقلب ميزان القوى لصالحه فقدر تقديراً كارثياً حين أدخل موضوع النظارة للهوسا في صراعه مع عبد العزيز الحلو، ففجر غضب قبيلة البرتا، أنصار عبد العزيز الحلو بصورة ما كانت لتحدث لو لم تكن النظارة أو العمودية في النيل الأزرق ترتبط إرتباطاً تاريخياً بتبعية الأراضي “الحواكير” لعشيرة الناظر أو العمدة من السكان الأصليين..) – إنتهي الإقتباس من مقال الكاتب (عثمان محمد حسن) / سودانايل.

ومن جانبه يقول أبو بكر القاضي: (إن المجتمع المتحضر لا يتقبل القبلية / أو القبائلية لأنها تقوم على عقلية (ونشرب إن وردنا الماء صفوا، ويشرب غيرنا كدرًا وطينا) .. شاهدنا ان القبلية وحواكيرها تقسم المواطنين إلي درجات (اصليين وضيوف) .. وهي بذلك تهدد الوحدة الوطنية .. القبلية أسوا من الدولة الدينيه التي تقسم المواطنين الى (مسلمين وأهل ذمة) .. لأن القبلية تبطل مشروع الوطن والمواطن وتقزم الوطن وتقسمه الى (حواكير) مملوكة حصريا لقبائل بعينها .. ما عداها فهم ضيوف ومستوطنون جدد بغض النظر عن تاريخ توطنهم) – إنتهى.

ونحن من جانبنا نرد على المدعو أبو بكر القاضي على النحو التالي:

أولاً: إعتمد الكاتب في طرحه على مقالات غيره من الكتاب وخاصة المدعو (عثمان محمد حسن) حيث شيَّد عليها آرائه المُشوَّهة، وربما لم يكن ليكتب أصلا لولا إنه وجد ضالته في هذا المقال ومقال آخر لشخص يدعى (عبد الحميد عوض).

ثانياً: نسأل أبو بكر القاضي: (كيف بدأت الأحداث في النيل الأزرق بين الهوسا وغيرهم، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا لم تكن من قبل ؟) – للبحث عن (جذور المشكلة) يجب أن تعود إلى مسبباتها لأنه لا يمكن أن تقوم مشكلة بدون سبب، وما في (نار بدون دُخان) فمن الأفضل لك البحث عن الاسباب عند أهلك الهوسا بدلا عن البحث عنها في صفحات (سودانايل).

ثالثاً: من الذي سلَّح المُكوِّنات الإجتماعية في إقليم الفونج – كغيره من مناطق الهامش؟ – (الهوسا) الآن يمتلكون السلاح مثلهم ومثل بقية القبائل في الإقليم، وهذا التسليح تم في عهد النظام البائد، و(الهوسا) بالتحديد تم تسليحهم ضمن إستراتيجية (الحزام العازل) للتصدِّي لتوسُّع الحركة الشعبية والجيش الشعبي (شمالا) وهي نفس الإستراتيجية التي تم تطبيقها في جنوب السُّودان، جبال النوبة ودارفور. والأنظمة المُتعاقبة على الحكم في السودان إتَّبعت هذه السِّياسات بإستمرار.

رابعاً: حقوق المواطنة المتساوية مكفولة للجميع حسب أطروحات الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد، ولكن في المقابل لابد من الإعتراف بالحقوق العرفية على الأرض كمرتكز للتعايش السلمي بين المُكوِّنات الإجتماعية المُختلفة. لأن الأرض ملك للمُجتمعات ولهم الحقوق المتساوية في الإستفادة منها، مع الإعتراف بملكيتها العرفية وتنظيم إستخداماتها. وعليك أن تذهب إلى أي مكان آخر في السودان (الشمالية، نهر النيل، الجزيرة، …الخ) وتُطالب بنظارة او عمودية ان كان ذلك ممكناً، وهذا لا علاقة له بمبدأ المواطنة والحقوق المتساوية.

وأهلية الحركة الشعبية لا تحتاج إلى إعتراف منك، ولا يمكن ان تحكم على الحركة الشعبية لأن الهوسا قتلوا في النيل الأزرق أو مات غيرهم في أي مكان آخر خارج مناطق سيطرتها ونفوذها.

خامسا: المقاربة التي تفضلت بها ومحاولتك تشبيه القبلية بالدولة الدينية و(أهل الذمة)…إلخ هي مقاربة خارج السياق ولا علاقة لها بما تريد الوصول إليه. وملكية بعض المجموعات السكانية لحواكير وأراضي هي حقيقة قائمة لا يمكن تجاوزها، ولكن يجب حسن إدارة إستخدامات الأرض، على أن تكون المجموعات الأخرى تحت إدارة أصحاب وملاك الأرض التاريخيين.

سادساً: زعمت إن القائد/ جوزيف توكا، والقائد/ عبد العزيز الحلو، كان بإمكانهما إيقاف (إبادة الهوسا) ولكنهم لم يفعلوا – السؤال لك يا (أبا بكر) – أين إندلعت هذه المواجهات ؟ هل في مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال أم في مناطق سيطرة الحكومة ؟ إذا كانت في مناطق سيطرة الحكومة فمن أين للقائد/ جوزيف توكا سلطة إيقافها ؟. من الذي له السلطة والسيطرة العسكرية والتحكُّم في أدوات العنف في تلك المناطق ؟ ومن الذي تحت تعليماته الجيش وكافة الأجهزة الأمنية ؟، ومن الذي تحت امرته السلاح ومُخازن الزخيرة ؟ هل القائد/ جوزيف توكا هو حاكم الإقليم، أم رئيس لجنة الأمن، أم ماذا ؟. كيف يستطيع إيقاف ما أسميته أنت (إبادة الهوسا) في مناطق لا يسيطر عليها ؟. أما بخصوص القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – فقد زجَّيت بإسمهِ هنا: (لشيء في نفسك).

سابعاً: حاولت أن تحاضرنا عن مفهوم (القبلية والقبائلية) – وذكرت عدد الذين قتلوا من الهوسا (233) والجرحَى قلت إنهم أكثر من (217)، ولكنك لم تذكر عدد الفونج الذين قتلهم الهوسا غدراً في ذلك الليل البهيم بمحلية ود الماحي بعد أن تم سحب الجيش من المنطقة توطئة لتنفيذ الجريمة، حيث قُتل أكثر من (300) شخص في القرية (3) والقرية (4) منهم أطفال ونساء تم التمثيل بجثثهم (تقطيعا بالسواطير)، وبعضهم حُرِقوا أحياء داخل القطاطي، وقد شهد العالم كله هذه الصور البشعة.

ثامناً: رأي الحركة الشعبية في هذه الأحداث كان واضحاً حيث أصدرت بياناً رسمياً أدانت فيه هذه الأحداث والجرائم البشعة التي لا علاقة لها بالإنسانية، ولا تشبه شعب (الهوسا المُسالم) – حسب ما ذهبت إليه أنت – أو غيرهم من الشعوب الأخرى.

تاسعاً: الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إستمرت في السودان منذ خروج المستعمر في العام 1956 (في جنوب السودان، جبال النوبة، الفونج، ودارفور) لماذا إنتفضت فقط لما أسميته (إبادة الهوسا) وكم عدد الهوسا الذين تمت إبادتهم بالمُقارنة مع الجرائم التي أرتكبت في مناطق الهامش عموماً في السودان ؟.

أخيراً: شعب الهوسا شعب له وضعيته في الدَّولة السُّودانية ويجد منا في الحركة الشعبية كل التقدير والإحترام ولهم كافة حقوق المواطنة، ولكن على أمثالك إبعادهم عن إستخدامهم بواسطة الآخرين لتنفيذ أجندة لا صلة لهم بها. و(حكيم القوم) هو الذي يصون شعبه ويحافظ عليه، وليس الذي يدفعه إلى (التهلُكة).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.