رداً على د/ جمال إدريس الكنين في ملاحظاته حول مسودَّة الإتفاق الإطاري

عادل شالوكا

 

ليست لدينا معرفة بالدكتور/ جمال إدريس الكنين – ولا نعلم شيئاً عن خلفيته أو القوى التي يُمثِّلها، ولكن لأن نفسه أبت إلَّا أن تتطوَّع، ثم ألقَى على عاتقه عبء تحليل شأن يخُصّنا ويضع عليه مُلاحظات – على الهواء الطلق كما قال – وهي مسودَّة الإتفاق الإطاري الذي تقدَّمت به الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال كأساس للتفاوض من أجل التوقيع على إتفاق إطاري ومن ثم الشروع في مُناقشة بقية ملفات السلام بالتفصيل – ولذلك أصبح من أوجب واجباتنا الرد على بعض ما جاء في مُلاحظاته عندما كتب مقالاً بعنوان : (قبل الإتفاق : مُلاحظات حول مسودَّة الإتفاق الإطاري للحركة الشعبية) لتفنيد ما بها من تحليل غير صحيح وإفتراءات.

أولاً : يرفض الكنين : (ورود عبارة “الشعوب السودانية” في إتفاقية تاريخية ورسمية)،  ويعتقد إن ذلك فيه (تَزيُد – ومُزايدة)  تُكَرِّسْ لمنهج تفتيتي ولا تخدم أي إتجاه توحيدي) لأن – حسب قوله – (حقيقة التنوُّع موجودة في كل شعوب العالم ولا تقتصر علي الشعب السُّوداني) !!.

هذا هو حديث الكنين الذي ينكر إن السودانيين هم أكثر من شعب واحد ؟؟!!. فمتى توحَّد السُّودانيين بـ(وجدان) موحَّد ومصير مُشترك ؟؟ !!. فالسُّودانيين قبل إنشاء ما يُسمَّى بالدَّولة الحديثة في العام 1821 كانوا عبارة عن شعوب متواجدة في شكل (ممالك، سلطنات، ومشيخات) وتم وضعهم بالقوة في كيان سياسي موحَّد دون مشاورتهم والتوافُق على (عقد إجتماعي) يوحِّدهم في هذا الكيان السياسي الجديد. وحتى الآن لا زالت أشواق وتطلُّعات (شعوب السودان) مُتباينة ومُتناقضة ما بين أحلام العدالة والمساواة الإجتماعية وحقوق المواطنة دون تمييز، وبين طموحات السيطرة والمُحافظة على الإمتيازات التاريخية وتهميش الآخرين – ناهيك عن الوجدان المشوَّه الذي يتضامن مع شعب فلسطين في ظل وجود إضطهاد وجرائم ضد الإنسانية في بعض مناطق السودان – فما الذي يجعل الفلسطينين أشقاء أكثر من السودانيين ؟؟!!. وأين هذا الشعب السوداني (الموحَّد) ؟؟.

ثانياً : بخصوص العلاقة بين الدِّين والدَّولة يقول الكنين إن النص الوارد في المسودَّة : (أن الدِّين وعناصر التنوُّع الأخري لا تُستخدم لتعريف وتصنيف الشعب السوداني) – ويُضيف قائلاً: (المقصود منه عدم تعريف السودان بالمعايير الجيوسياسية والثقافية والعرقية كدولة أفريقية عربية إسلامية وهو التعريف المناسب الذي يختصر قضية الهوية ويعكس واقع موضوعي لا سبيل لإنكاره) – إنتهى الإقتباس.

وبالطبع فإن الكنين لا يختلف عن كافة النُخب السُّودانية التي ساهمت في إقصاء بقية الشعوب والثقافات عبر رؤيتهم المريضة ونظريتهم (بوتقة الإنصهار) – إختلافه الوحيد إنه هنا أراد إدخال البعد الأفريقي الذي لم يتم تعريف السُّودان به من قبل (أفريقية عربية إسلامية) – فقد درجت النُخب وكافة الحكومات على تعريف السودان بإعتباره (دولة عربية – إسلامية) وفي هذا إقصاء واضح للهوِيَّات الأخرى وفرض هويَّة كيانات إجتماعية مُحدَّدة. وجوهر قضية الهوِيَّة في السُّودان يكمُن في دورها في تشكيل عدم المساواة الهيكلية ( Structural Inequality) بين مُكوِّنات المجتمع، وبالتالي فإن إشكال الهويَّة في السُّودان يتلخَّص في أن هناك جماعة سودانية ألبست الدولة هويِّتها “المُفترضة” الخاصة، وظلَّت تفرضها علي الكل، أي تم إختزال هويَّة الدولة في هويَّة هذه الجماعة وفي نفس الوقت تعميم هويَّة هذه الجماعة على الدولة عبر (جدلية الإختزال و التعميم)، وهذا مُرتكز إشكال الهويَّة في السُّودان، حيث أنه بعد أن تم إختزال هويَّة الدولة في هوية الجماعة المُسيطرة (Dominant) وتم تعميمها علي الجماعات الأخري المًسيّطر عليها (Sub-ordinate) عبر الإختزال (الأثنو- ثقافي Ethno-Cultural) مما أدَّي إلي خلق نظام الإمتيازات المعهود في الدولة السُّودانية، وأصبحت هناك ثقافة سائدة أدَّت الي وجود أيديولوجيا سائدة تسعى لتبرير، والمحافظة على هذه الإمتيازات. وهذه الآيديولوجيا يتبناها أمثال (الكنين).

ويُضيف الكنين كذلك قائلاً : (إذا كان تعريف الدولة أنها هي الأرض والشعب والسُلطة الحاكمة  تكون الصيغة الصحيحة لعلاقة الدين بالدولة هي الفصل بين الدِّين وجهاز مؤسسات سلطة الدولة، حتي تقفل الباب أمام أي مُزايدة للحديث عن إبعاد الدِّين من حياة الناس) – إنتهى.

وهذه طبعاً مُحاولة للتفلسُف وخداع البُسطاء من الناس – ونقول للكنين، عليك أن تستعين بأي قاموس للعلوم السياسية (هارد) أو (أون لاين) وأبحث عن معنَى (العلمانية) – فستجدها (فصل الدِّين عن الدولة) وليس التعريف الذي تريد أن تؤطِّر له أنت. وإذا إتَّفقنا على فصل الدِّين عن الدولة كـ(إجراء)، فإن طبيعة الدولة تكون هي (العلمانية).

ثالثاً: بالطبع لم ينسَى (الكنين) أن يُشكِّك في مفهوم (العلمانية) ويُحاول أن يؤطِّر لها ويعرِّفُها حسب هواه ومصادره التي لا نعرف عنها شيئاً. ولكن نحن عرفنا (العلمانية) التي ندعو إليها على النحو التالي :

تقوم العلمانية كأطروحة فكرية وفلسفية، على مبدأ الفصل بين السُّلطة الدينية والسُّلطة السِّياسية، و لها ثلاثة أوجه :

1/ وجهاً معرفياً يتمثَّل فى نفي الأسباب الخارجة على الظواهر الطبيعية أو التاريخية، وفي تأكيد تحوُّل التاريخ دون كلَل؛

2/ ووجهاً مؤسَّسياً يتمثَّل في إعتبار المؤسَّسة الدينية مؤسَّسة خاصة، بينما الدولة مؤسَّسة عامة؛

3/ ووجهاً سياسياً يتمثَّل في فصل سُلطة المؤسَّسة الدِّينية عن سُلطات الدولة ومؤسَّساتها (التشريعية والتنفيذية والقضائية).

والدَّولة السُّودانية الحديثة، هي بالضرورة دولة مُتعدِّدة الثقافات والأعراق والدِّيانات، وفي مسار التَّطوُّر لبناء هويَّة مُشتركة تجمع كافة الكيانات السُّودانية المُتباينة، تحتكِم في بنائِها الهيكلي والقانوني على تساوي جميع الأفراد والجماعات في الحقوق والواجبات : الحق في الحياة، الحق في الإعتقاد، والحق في التَّعبير. على أن يُضَمَّن ذلك في النظام الدَّستوري للدولة، وتتم حمايته بواسطة القوانين المُتفرِّعة من هذا الدَّستور والمؤسَّسات ذات الصلة، وأن ينعكس ذلك بوضوح في اللوائح المُنظِّمة والمُمارسات اليومية للبنَى الهيكلية للدولة حتَّي تصبح تقليداً راسخاً.

رابعاً : يقول الكنين: (إن مثل هذه الصيغة من النصوص في المسودَّة  والحديث عن يوم عطلة مُحايد وغيرها،  وفي ظل واقع إجتماعي ثقافي مُتأثِر بالدين  ستُعطي جهات عديدة أسباب الحياة والإستمرار و المُبررات للتجييش والتعبئة ضد ما سُتسميه  بالعلمانية الرافضة لوجود الدين في حياة الناس. ونكون بذلك أوجدنا المناخ الملائم لظواهر وأفعال السودان في غني عنها، مدنية الدولة وعلمانية السياسة مطلوب معها عقلنة الدين وتطوير خطابه وإعادة تفسيره بدلاً من إبعاده جزافياً  حتي لايعود إلينا في سمت داعش وبوكو حرام) – إنتهى.

وفي هذا ليس لدينا تعليق سوى القول : إن أمثال (الكنين) هم الذين يصيغون المُبرِّرات للمهوسين والأصوليين للتمدُّد وتهديد الأمن والسلم في السُّودان، بالإضافة إلى تهديد الوحدة الوطنية ومُرتكزاتها. فإذا كانت الحكومة الماثلة الآن هي حكومة (ثورة شعبية) ضد نظام حاكم إستغل الدِّين في السياسة وأورد السودانيين موارد التهلُكة، فما هي دواعي الهُدنة والتهادُن مع هذه العقلية التي تُمثِّل النظام البائد ؟؟ !!. ومن الذي قال إن العلمانية ترفض وجود الدين في حياة الناس ؟؟ !! نحن نعمل على تحرير الدِّين من الإستغلال السياسي والحفاظ على قدسيته من جهة، ومن جهة أخرى تحرير الناس من إستغلالهم سياسياً عن طريق الدِّين.

خامساً : فيما يتعلَّق بالتعليم يقول الكنين مدافعاً عن اللغة العربية : (إذا كان لأسباب ودواعي معروفة في زمن النظام البائد إستخدمت الحركة الشعبية منهج أجنبي باللغة الإنجليزية. لا نعتقد أن هناك مُبرر منطقي  لإستمرار اللغة الإنجليزية كوسيط للتعليم في منطقتي جبال النوبة والفونج . الشئ المنطقي هو ان تكون اللغة العربية وسيط للتعليم واللغة الإنجليزية تبقي مادة في كل مستويات التعليم.) – إنتهى.

للأسف الشديد إن أطروحات الكنين تفضح بشكل سافر عقليته (الإسلاموعروبية) التي نكر وجودها مُحاججاً الدكتور/ محمد جلال أحمد هاشم – برفضه (فصل الهويات الثقافية، الإثنية، الجهوية واللغوية عن الدَّولة) بإعتبارها بدعة – ولعلمك لم يكُن هذا طرحنا، بل هو طرح تقدَّمت به الحكومة الإنتقالية – ولكننا قبلنا به بإعتباره يُعالج جذور المشكلة السُّودانية – وزي ما بقولوا – (زيادة الخير خيرين).

فصل الهويات الثقافية تعني إنه لن يكون هنالك ثقافة مُسيِّطرة – وبالطبع هي الثقافة الإسلاموعروبية – ولن يكون هنالك أي كيان إجتماعي مُسيِّطر (كما جاء في الكتاب الأسود) – ولن تكون هنالك لغة سائدة (العربية) كما تُريد أنت.

فهنالك آيديولوجيا إسلاموعروبية شئت أم أبيت، ولن تستطيع تقديم حُجَّة علمية تُفنِّد ذلك.
والتحليل النفسي – بحسب عالم النفس (إريك فروم) – يستطيع أن يُبرهِن أن الآيديولوجيات هي نتاج بعض الرغبات، الميول والغرائز، والمصالح والحاجات، وهي بمعظمها لا واعية، ولكنها تتمظهر (عقلانياً) بشكل (آيديولوجي) أي أن الآيديولوجيا هي في النهاية (الخطاب النسبي والخاص الذي يريد إيهامنا بكونه مُطلقاً وشاملاً) – بحسب (ديكومب). وفي نهاية الأمر – فإن الآيديولوجيا هي :
مجموعة من الأفكار المُشتركة لجماعةٍ ما، وظيفتها تبرير مُمارسات ومصالح هذه الجماعة المادية أو المعنوية أو الإثنين معاً في حلبة الصراع الإجتماعي. وهي كذلك :
كل ما يتعلَّق بالأفكار والآراء التي يُقدِّمها الخصم وتكون في الغالب مكان شك وعدم قبول ونقد بغض النظر عن صحة هذه الأفكار والآراء، وهذا المفهوم يُعَد مفهوماً نفسياً يعتمد على التصوُّرات الشخصية أو الجمعية كموقف جمعي تجاه الجماعة الخصم، وبالتالي فهو يعتمد على سيكولوجية المصالح.

واللغة الإنجليزية بدلاً عن الحشد والتحشيد الآيديولوجي ضدها – عليك بالإعتراف بأنها لغة والعلوم والتكنولوجيا، وهي لغة العصر، لن تستطيع الأجيال التنافس مع العالم دون إجادة اللغة الإنجليزية وهذا لا يحتاج لجدال. أما إستعانتك بمقولات الدكتور/ جون قرنق – فقد جاءت خارج السياق من أجل التضليل والتدليس لأن الحركة الشعبية لم تدعو في يوم من الأيام لتمكين اللغة العربية في السودان وجعلها اللغة الرسمية ولغة التعليم الرئيسية كما حدث من تعريب للجامعات السُّودانية حتى فقدت قيمتها الأكاديمية، وأرجو أن تُراجع معلوماتك بإن (اللغة العربية هي لغة التفاوض) – وهذا ما تُحاول أن تُقدِّم حُجتك بناءً عليه – فاللغة العربية التي وضِعت في السودان كشرط للنجاح في الشهادة السودانية، كان الهدف من ذلك واضحاً، وهي شروط جامعة الدول العربية للقبول بالسُّودان في هذه الجامعة التي فقط (تشجب وتُدين) وتحلم بالهوية (العربية الإسلامية)، وتُكرِّس لآيديولوجيا إستعلائية وإقصائية. أما حُججك بشأن هوية البلاد ومُحاولة تفنيدك لمفهوم (التنوُّع التاريخي والتنوُّع المعاصر) فليس لدينا أي تعليق على ذلك لأنك لم تأتي بأي حُجَّة منطقية داعمة لطرحك. ولا توجد أي (هوية وطنية مُشتركة قائمة) – فهذه الهوية موجودة في مخيلتك فقط ومخيلة غيرك من النُخب.

سادساً : وضع الكنين عدة مُلاحظات أسماها بـ(ملاحظات أخيرة)، وجاءت على النحو التالي :

1/ بخصوص طرحنا للامركزية المالية يقول الكنين : (أعتقد اللامركزية المالية يستحيل تطبيقها في دولة موحدة وديوان مراجعة واحد) – إنتهى.

وهذا غير صحيح طبعاً – فما الذي يجعل ديوان المراجعة (واحد) في دولة أقرت مبدأ اللامركزية والفيدرالية ؟؟. فديوان المراجعة الذي سيكون في المستوى المركزي تكون مُهمَّته الإشراف والتنسيق ووضع السياسات واللوائح وتقديم مشروعات القوانين فقط – وليس غير ذلك.

 2/ ذكر الكنين إن : (تعدُّدية القوانين في النظام القضائي  لاتسمح بالحق الدستوري في المساواة أمام القانون) – إنتهى.

وهذا أيضاً غير صحيح طالما قبلنا بتعدُّد الثقافات والمُعتقدات والعادات والتقاليد، فلذلك لا يمكن تعميم الأحكام والتشريعات على جميع أقاليم السُّودان، لأن ما يُعَد جريمة في منطقةٍ ما، قد لا يكون جريمة في منطقة أخرى، ولكن يُمكن صياغة تشريعات وسن قوانين عامة ومُتفقٌ عليها عالمياً ومحلياً وفق المواثيق الدولية – وبقية القوانين تُترك للأقاليم.

3/ يقول الكنين: (إن لا مركزية القضاء غيرمُمكنة لأن القضاء هو أحد أركان السُلطة الثلاثة في الدَّولة (السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية).

ولكن فعلياً يوجد في السُّودان عِدَّة مستويات للسُلطة : (من المستوى القومي – إلى المستويات الدنيا الأخرى حتى مستوى المحلية / المُقاطعة) – فهذا يعني إن جميع هذه المستويات ستوجد فيها سُلطة قضائية – المستوى القومي سيكون دوره تفسير القوانين وحل النزاعات بين مستوى الحكم الإتحادي والأقاليم المختلفة، وبين الأقاليم فيما بينها.

4/ ذكر الكنين إن : (منهجية معظم نصوص المسودة  مُكرسة لتحجيم وتقزيم عناصر الثقافة السودانية المُشتركة  فهل الحركة الشعبية حاربت من أجل الحرية والديمقراطية و العدالة والإنصاف والتنمية المتوازنة والمواطنة المتساوية أم لمحاربة الثقافة العربية الإسلامية) – إنتهى.

نحن لا نحارب الثقافة العربية الإسلامية، ولكننا نُحارب عقلية (الكنين) وغيره من النُخب التي تتبنَّى هذه العقلية والآيديولوجيا (الإسلاموعروبية) الإقصائية التي تسعى لإلغاء الآخر.

5/ يختم الكنين مُلاحظاته مُعلقاً على حق تقرير المصير بقوله : (لأسباب عملية وذاتية تتعلَّق بالمنطقتين فمن الصعب تطبيق تقرير المصير إلا بغزو خارجي كما حدث في العراق. إن منطقة الجبال بالتنوع الإثني واللغوي والثقافي والديني فيها  يجعلها تفتقد إلي التجانس المُشَجِع علي تقرير المصير. الشئ الذي يجعل من تحقيق  تقرير المصير  أمراً صعباً للغاية) – إنتهى.

ويضيف قائلاً أيضاً : (هنالك حقيقة أساسية أن معظم مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق مارسوا تقرير مصيرهم داخلياً في كل أنحاء السودان مثلهم مثل كل  السودانيين الآخرين المبثوثين في كل أنحاء السودان قادمين من كل أنحاء السودان بحثاً عن حياة أفضل) – إنتهى.

وهذا تفكير لا يصدر إلا من أمثال (الكنين) الذين يُقسِّمون أبناء الإقليم إلى كيانات إجتماعية مُتباينة لا يُمكن أن يكون لها مصير مُشترك أو رؤَى سياسية تجمعهم حول هدف واحد مثل مُمارسة حق تقرير المصير، لأن الواقع يقول إن شعب الإقليم بكل تقسيماته الإثنية يمكن أن يتَّخذوا قرار يصب في مصلحتهم جميعاً لولا تدخَّل أمثال (الكنين) في شأنهم. والواقع أيضاً يقول إنه فعلياً هنالك تقرير مصير تم مُمارسته في المناطق المُحرَّرة التي تقع خارج سيطرة الحكومة المركزية وهذه المناطق (المُحررة) يوجد فيها الآن جميع هذه المكوِّنات الإجتماعية المتنوِّعة التي يُشير إليها (الكنين) وبالتالي يمكن أن يتخذوا جميعاً أي قرار مصيري مُشترك مُستقبلاً بغض النظر عن طبيعة القرار ونوعه. وبالمناسبة – لماذا يخشَى أمثال (الكنين) بالإضافة إلى الحكومة الإنتقالية حق تقرير المصير، لأن مُمارسته يمكن أن تُفضي إلى إنفصال مثل حالة جنوب السُّودان – أو وحدة مثل حالة (كويبك) في كندا ؟؟ – فهل السبب أن هؤلاء مُقتنعون بإن مُمارسة هذا الحق سيُفضي فقط إلى الإنفصال ؟؟ إذا كانت الإجابة بنعم – فما هي الأسباب ؟ هل لأنهم ظلموا هذه الشعوب ويريدون مواصلة هذا الظلم وتهميشهم ؟؟ – ولماذا لا نفعل ما يقنع هذه الشعوب بأن الوحدة أفضل من الإنفصال بدلاً عن تجريم المُطالبة بحق تقرير المصير ؟؟ !!.

أما حديث (الكنين) حول إن مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق مارسوا تقرير مصيرهم بإنتشارهم في كافة مناطق السودان بحثاً عن حياة أفضل – فهذا هو حقَّهم في دولتهم بغض النظر عن ما يحدث لهم الآن وما يواجهونه من تحديات وحياة غير كريمة ولا تُليق بالإنسانية – ولكن ما الذي دفعهم أصلاً لترك مناطقهم الأصلية والنزوح إلى المناطق الأخرى في السودان ؟؟ – أليست هي الحروب التي شُنَّت ضدهم، والإبادة الجماعية والتَّطهير العرقي الذي تعرَّضوا له ؟ فشعوب الإقليمين ذهبوا إلى المناطق الأخرى إما هروباً من الموت، أو بحثاً عن فرص أفضل – كما ذكرت إنت – وهذا بسبب التَّهميش الإقتصادي وغياب الخدمات الأساسية، وبالتالي نزحوا إلى المناطق التي عدَّدتها أنت في مقالك (الخرطوم – بورتسودان – كسلا – عطبرة – الجزيرة – …. إلخ).

ختاماً: مُلاحظات (الكنين) يُمكن أن نعتبرها (مُقرَّبة) من مواقف الحكومة الإنتقالية أثناء التفاوض إن لم تكن (لسان حالها)، ومثل هذه الحوارات – وفي (الهواء الطلق) الذي يريده الكنين – تُساهم في فتح أذهان الجميع، وترفع درجة الوعي الجماهيري وخاصة للشعوب المُهمَّشة لتزيدهم عزيمة وإصرار لمواصلة نضالهم (طويل الأمد) من أجل الحرية ..العدالة .. المساواة، وتحقيق السُّودان الجديد.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.