رحلات الشتاء الباريسية التي انتهت بتحالف الموز
كتب / على كمنجة
مدخل
“مات الشهيد خميس أبكر عندما تنصل قادة المقاومة المسلحة في دارفور عن قضايا شعوبهم وارتموا في أحضان الهبوط الناعم”
في مطلع ديسمبر العام ٢٠١٤ تأسس تحالف نداء السودان ، وجاء في دباجته إن التحالف يتبنى الوسائل السلمية (فقط) لتفكيك نظام الحزب الواحد الذي كان يجلس على رأسه الرئيس المخلوع البشير ، قصدت هذه الفقرة إن تفصح بوضوح إن القوى السياسية الموقعة على إعلان نداء السودان اسقطت من حساباتها وسيلة الكفاح المسلح ، بعد مرور عام واحد من تضمينها في ميثاق الفجر الجديد الذي وقعت عليه ذات القوى السياسية في ٢٠١٣.
وعندما سئل الصادق المهدي ، الذي لعب أدوار مفصلية في تأسيس نداء السودان ، حول كيف يتبنى التحالف الوسائل السلمية ( فقط) وفي داخله ثلاثة حركات مسلحة ؟! ، كان رد الصادق المهدي بأسلوبه المعروف ( مسك العصاء من النص) ، حيث ذكر إن إلتزامنا بالعمل المشترك مع الحركات المسلحة الموقعة على إعلان نداء السودان ينحصر فقط في إطار الوسائل السلمية ، وما عدا ذلك لن نلتزم به ، وهو الشرط الذي قبلت به الحركات المسلحة مجبرة أو بمحض ارادتها.
تلك كانت هي اللحظة التي تم فيها تدشين مخطط الهبوط الناعم ، الذي من أهم أهدافه الاستراتيجية ، تحييد سلاح الحركات المسلحة ، وتعديل ميزان القوة العسكرية لمصلحة القوى التقليدية ( الجيش و الأحزاب)
وللمفارقة إن مخطط الهبوط الناعم كان يستهدف أيضا تصفية ميليشا الجنجويد التي ارتكبت في دارفور ابشع المجازر في التاريخ الإنساني ، عبر وصفة استيعاب افرادها في صفوف الجيش التقليدي ، لكن وكما يقولون “جرت الرياح بما لا تشتهي السفن” ، رفض الجنجويد إن يشربوا من سقية الصادق المهدي التي سقاها للحركات المسلحة ، بل ذهب مؤسس قوات الدعم السريع ، الفريق أول (خلا ) محمد حمدان حميدتي إلى أبعد من ذلك ، وتوعد الصادق المهدي بالإعتقال و السجن ، وقد كان ، وتبجح حميدتي حينها في الإعلام بأنه قادر على إعتقال الصادق المهدي أو إطلاق سراحه وقت ما يشاء.
وبنفس القدر الذي كانت تفقد فيه المقاومة المسلحة في دارفور قوتها يوميا ، كان حميدتي يتوسع ويبني امبراطوريته بقوة السلاح.
في مكان آخر ، انتبه مجلس تحرير الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لمخطط الهبوط الناعم وأهدافه المخفيه المتمثلة في تصفية المقاومة الشعبية المسلحة في أطراف ألسودان والقضاء عليها عبر القوة الناعمة ، التي أطلق عليها زورا مسمى الانتفاضة الشعبية السلمية. وشعارات الديمقراطية الجوفاء، التي لاقت صدى اساطين المجتمع الدولي وما ادراك ما المجتمع الدولي.
خرجت الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو من تحالف نداء السودان المشبوه لأنها أدركت مبكرا إنه نداء من اجل تفكيك المقاومة الشعبية المسلحة في دارفور وجبال النوبه والنيل الازرق ، وهذا ما غاب عن فطنة قادة حركات الكفاح المسلح المنطلقة من اقليم دارفور ، الذين تنصلوا عن قضايا شعوبهم وارتموا في احضان الهبوط الناعم .
وبعد ان وصل نظام الإنقاذ إلى نهايته الموضوعية ، وقامت الانتفاضة الشعبية في الخرطوم في ديسمبر ٢٠١٨ ، لم نرى قادة نداء السودان الخرطوميين في مقدمة الصفوف ، في ديسمبر ويناير وفبراير ومارس ، لكن رأيناهم في ابريل امام القيادة العامة للقوات المسلحة ، من دون أن يرمش لهم جفن أو يسألوا أنفسهم بتجرد ، لماذا ركلوا سلاح الحركات التحررية في نداء السودان وقتها ، وطلبوه من الجيش التقليدي الان ؟!! ، الجيش التقليدي الذي لم يعرف له إن وقف موقفًا وطنيا في يوم من الايام ، بل كان هو البوابة التي دخلت منها كل الأنظمة الدكتاتوريه التي تعاقبت على الحكم .
لتأتي اتفاقية جوبا التي كانت بمثابة طعنة غادرة في ظهر المقاومة الباسلة التي خضبت بدماء شعب دارفور ، ذهب القادة المنكسرين إلى الخرطوم بخفي حنين ، ليجدوا رفاقهم القدامى في نداء السودان الخرطوميين احكموا وثاقهم مع قائد الجنجويد نفسه ، وأصبحوا ينادنهم بتحالف ( الموز) بعد أن كانوا قادة للكفاح المسلح.
الرحمة المغفرة للجنرال خميس عبدالله أبكر الذي قتل مغدورا برصاص الجنجويد