دُسْتُور نِّقَابَة المَحَامين وضَجِيجٌ الاسلامويين … السُّودانُ أَلِيَ أيْنَ ؟
جاتّيقو أموجا دلمان
” الشريعة الاسلامية مفهوم تأريخي والمفهوم الحديث هو حقوق الانسان “
د. عبد الله النعيم
” عندما يتحرر أحدهم من الأديان سيكون لديه فرصة أفضل لان يعيش حياة طبيعة ومتكاملة “
سيجموند فرويد
(1)
تبقي بند واحد ( توصيف العلاقة بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية) عالق بشأن التسوية السياسية الجديدة بين الحرية والتغيير ” المجلس المركزي ” واللجنة الامنية للبشير والمعروفة بالمكون العسكري، وعدم ذكرنا للحركات المسلحة الموقعة علي اتفاق “جوبا ” هنا مقصود لاعتبار أنها أصبحت جزء من المكون العسكري، غير ذلك فأن اصحاب (كعكة) السلطة قد اتفقوا علي شراكة رومانسية جديدة متجاوزين دماء الشهداء و الشارع السوداني الثائر الغاضب المستمر في نضاله الثوري المفضي الي التغيير الجزري.
و الفترة الانتقالية لهذه التسوية يحكمها دستور اللجنة التسييرية لنقابة المحامين المُعَدَّل والمستمد من وثيقة الاستخلاف الذي كتبها الراحل الدكتور حسن الترابي، وهذا ما جعل الاستاذ كمال عمر المحامي أكثر المدافعين عن هذا الدستور لدرجة القول ” أن الدستور يكتبه المنتصرين “، وذلك من باب التباهي والتفاخر بإنجاز المهمة، وكمال يقصد مسودة الدستور التي وقع عليها البرهان وبصم عليها حميدتي بعدما أدخل الدعم السريع (31) تعديل علي مسودة الدستور بما في ذلك ( البسملة) وهنا يأتي السؤال أين ذهبت المسودة الرئيسية التي أعدها خبراء من جنوب افريقيا بتمويل من منظمة السياسات والقانون الدولي العام (PILPG) الامريكية؟.
(2)
وقبل أن نجيب علي سؤالنا ، تفضل الاستاذ يحيي الحسين عضو نقابة تسيير المحامين ، وأنكر نهاراً جهاراً وجود مسودة أو مشروع دستور من أساسه ، ووصف المسودة المعلنة بـ( الوثيقة اللقيطة) ومعمولة من جهات خارج لجنة التسيير، أقحموا فيها اللجنة التسيرية لنقابة المحامين، ليطفوا عليها شرعية، باعتبار أن اللجنة (يمكن) أن تطفي على المسودة شرعية، وأن المسودة كتبتها جهة أجنبية وتمت ترجمتها بطريقة غير علمية .
ولكن المسكوت عنه الذي لم يقوله يحيي الحسين هو أن المكون العسكري المدعوم من مصر والامارات ، نجح في تمرير مسودته ( المدغمسة) وحافظ علي ثوابت المشروع الاسلاموعروبي ، وأن الحملة الاعلامية التي تقودها الجماعات الدينية أمثال محمد علي الجزولي والمسيرات التي ينظمها الزواحف وتوابعهم من ( أكلة التيراب) هي مجرد ( طلس)، وكما أن إعادة المخلوع البشير وقيادات النظام البائد الي سجن كوبر، مجرد مسرحية وتمويه اخر يأتي ضمن خطة تمرير مسودة الدستور المعدلة وإستكمال عملية التسوية السياسية.
(3)
والمعلومات المسربة من طاولة التسوية السياسية، أشارت بأن المكون العسكري حصل علي حصانات تمنع ملاحقات اي من القيادات العسكرية والامنية في كل الجرائم والانتهاكات التي إرتكبت منذ الحادي عشر من أبريل 2019 وحتي لحظة اعلان التسوية،وأستند طرفي التسوية علي سابقة قانونية ، منحت الفريق ابراهيم عبود وزملائه فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حصانة من المسألة والملاحقة القانونية بعد ثورة أكتوبر.
وبموجب هذه الحصانات ، سيتم طئ ملف الشهداء ،وشطب كافة البلاغات وعلي رأسها بلاغات جريمة قتل المعتصمين أمام القيادة العامة 2019م والجرائم التي تلت قرارات 25 أكتوبر 2021م الانقلابية ، تلك هي اخلاق وقيم القوي السياسية في المركز، وهاكذا باعت الحرية والتغيير دماء الشهداء والمصابين ودموع وحسرة الامهات بكراسي السلطة ،ولكن الشارع الثائر الغاضب الذي أطاح بالديكتاتور البشير، ونظامه المستبد سيواصل ثورته وسيهزم المتخازلين والطغاة وسينتصر، وسيقيم العدالة والقصاص .
(4)
واذا كان الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة، كان ينبغي علي اللجنة التسييرية لنقابة المحامين كـ (جهة فنية) أن تتحصل أولاً علي تفويض من ممثلي الشعب والثورة ( لجان المقاومة واسر الشهداء)، وأن تكشف للرأي العام المرجعيات والقيم والمبادئ التي أسست بموجبها هذا الدستور، ولكن نقابة المحامين تريد أن تأسس لدولة غير دستورية بمصادرتها لحق الشعب في أن يكون هو مصدر السيادة، لذلك وقعت في فخ الصفقات ورهنت سلطة الشعب لدي المكون العسكري والدعم السريع( فلول النظام البائد).
(5)
وحتي مسودة الدستور الاولي التي نشرتها نقابة المحامين ، لم تعترف بنضالات قطاعات واسعة من الشعب السوداني، ساهموا في ازالة النظام البائد، وتناست ديباجة مسودة الدستور عن قصد، دور الكفاح الثوري المسلح والذي أنتج عبر التراكم النضالي ” ثورة ديسمبر 2018م ” ، وأخطر مافي مسودة نقابة المحامين هو ” غياب نص يوضح مصادر التشريع ” وهذا تمويه يراد منه ، إخفاء ملامح الدستور الاسلامي ، بغرض أستمرار قوانين الشريعة الاسلامية الحالية ، لتكن حجج المشرعين حال المطالبة بتعديل هذه القوانين الاسلامية هي ” عدم وجود نص واضح في الدستور عن مصادر التشريع” .
(6)
ومن الواضح أن موقف القوي السياسية باستثناء الرافضين للتسوية ، منسجم مع موقف المؤسسة العسكرية في صياغة دستور يحافظ علي ثوابت المشروع الاسلاموي العروبي، ويبدو أن الجماعات الاسلامية المتشددة، والتي تضغط الان، لا تريد ” دغمسة” رغم التطمنات التي رسلها البرهان وحميدتي في اللقاء السري الذي جمعهم قبل شهر من الان بقيادات في الحركة الاسلامية وجماعات دينية اخري،الا أن الجماعات الدينية تري بأن يتضمن الدستور نصوص واضحة بشأن الثوابت وأبرزها :
– أن يتخذ الدستور من الكتاب والسنة مصدراً للتشريع ( دستور نقابة المحامين سكت عن ذلك)، والسكوت من علامات الرضا.
– أن يقر الدستور أن أي قوانين أو تشريعات تخالف الشريعة الاسلامية من القوانين والتشريعات المعمول بها الآن أو لاحقًا فهى باطلة ، ( ولغياب نص يوضح مصادر التشريع في دستور نقابة المحامين، فأن القوانين الاسلامية الحالية ستظل قائمة).
(7)
من خلال هذه ( الاونطة) و( الجرجرة)،وتلاعب بممسكات الوحدة الوطنية، والمؤمرات المستمرة والممنهجة وتَحَيُّزٌ الدولة السودانية علي مر التاريخ، وبما أن السودان لم يعود كما كان في السابق، عليه ليس أمام الهامش السوداني ( دارفور، النيل الازرق ، جبال النوبة وشرق السودان) الا أعلان استقلال هذه الاقاليم والدفاع عن أراضيها، وختاماً نقول :
– ان تقولها تمت وان لم تقولها تمت فاذا قولها ومت
– ان تناضل تمت وان لم تناضل تمت فاذا ناضل ومت
– ان تقاتل تمت وان لم تقاتل تمت فاذا قاتل ومت