دولة النهر والبحر ومصير وطن كان إسمه السودان(٢ – ٢)

✍🏿: الجاك محمود أحمد الجاك

تأكيدا لتصميم دعاة مشروع دولة النهر والبحر على المضى قدما فى تنفيذ مخططهم وتحقيق حلمهم بفصل أكبر جزء من السودان لإنشاء دولتهم، تم الإعلان فى بحر هذا الأسبوع عن ما يسمى ببرلمان الشمال والوسط والشرق وشمال كردفان لتتضح حدود الدولة الوليدة. ويعكس التكوين العرقى والعنصرى لجيش كيان الشمال والذى يشكل قوامه (جيش كيان الوطن – قوات دراع الشمال – وقوات درع الوطن)، بالإضافة إلى وضوح الرقعة الجغرافية التى يخططون لفصلها جوهر وطبيعة الصراع الدائر فى السودان منذ العام ١٩٥٥، وتؤكد هذه التطورات الدرامية فى المشهد السياسى عدم إستعداد الأقلية الحاكمة والتى تسببت فى جميع مشاكل السودان لإحداث أى قطيعة مع الماضى والتصالح مع الآخر الثقافى والتعايش فى دولة تتسم بالتعدد والتنوع وتسودها العدالة والمساواة، بل أظهرت إصرارا شديدا على التمسك بثوابتها وفرضها بالقوة، وإن قاد ذلك إلى تمزيق وطن كان إسمه السودان. ولأن الأغلبية من نخب الشمال والوسط النيلى ترفض المساس ببنية الدولة القديمة، نرى أن هنالك شبه إجماع بين القوى السياسية فى الشمال على عرقلة ومقاومة التغيير الجذرى ورفض فصل الدين عن الدولة والتمسك بقوانين الشريعة الإسلامية مع تفاوت الوسائل وإختلاف التكتيكات، وهذا ما يؤكد أن صراع الهوية يشكل القضية المحورية فى المشكلة السودانية.

برزت مشاريع أخرى يبدو أنها ذات صلة بمشروع فصل شمال السودان من بينها مشروع ميناء أبوعمامة، مشروع إستثمار أراضى الفشقة ومشروع خط سكك حديد القرن الأفريقى الذى يمتد من مصر وحتى دارفور وتشاد وأفريقيا الوسطى، وتبلغ تكلفته ١٥ مليار دولار بتمويل من الدول العربية. تكشف مثل هذه المشاريع حقيقة أن تقسيم السودان هو مشروع خليجى عربى يسعى إلى إحتلال أكبر مساحة من السودان عبر وكلاءهم المستعربين فى السودان، وهو بالتالى مشروع عروبى إحتلالى مرتبط بنهب وإستنزاف موارد وثروات السودان. ربما تعتقد الدول العربية والتى أغراها وشجعها ضعف الحضور الأفريقى فى الصراع الجارى فى السودان أن الله قد عوضهم كعرب بالسودان بعد أن فقدوا الأندلس، ولذلك تمادت فى الزحف بمشروعها العروبى والإحتلالى، لم يكتفى العرب بدعم مشروع قريش، بل سعوا لخلق ما يسمى بدولة النهر والبحر مع الإستمرار فى دعم الجنجويد لتنفيذ مشروع قريش، ثم دعم هؤلاء الأوباش لقلب وتغيير الأنظمة الحاكمة فى أفريقيا الوسطى وتشاد، وكذلك دعمها للزحف لاحقا حتى مالى والنيجر. ولذلك أصبح العرب يصممون ويدعمون مشاريع عملاقة لتسريع إحتلال البلاد وتسهيل نهب مواردها وثرواتها، ومن ثم التمهيد للزحف والتوغل إلى عمق القارة الأفريقية. يتعين على الأفارقة أن يتحلوا بقدر من اليقظة والإنتباه والتحرك الجاد للتصدى للأطماع العربية فى أفريقيا قبل فوات الأوان، وعليهم أن يعلموا أن زحف المشروع العروبى لن يتوقف عند السودان قلب أفريقيا ومهد البشرية، وعليهم أن يتذكروا بؤر النزاعات التى سببتها المليشيات والجماعات المدعومة من بعض الدول العربية مثل مليشيا السيليكا (جنجويد أفريقيا الوسطى) المدعومة من الخرطوم، بالإضافة إلى القاعدة وبوكو حرام وتنظيم الشباب والجنجويد فى السودان.

فى تبادل واضح للأدوار، وبينما يجرى تنفيذ مخطط دولة النهر والبحر فى الشمال، يقوم المركز بإطلاق يد حميدتى لشغل الهامش بحرب الوكالة عبر قوات الدعم السريع (الجنجويد) التى صنعها وشرعنها المركز نفسه لإبادة وتنزيح وتهجير الشعوب الأصيلة فى دارفور وجبال النوبة والفونج، والهدف من ذلك هو إفراغ المناطق من سكانها الأصليين وإحتلال الأرض لصالح المجموعات العربية والمستوطنين الجدد حتى صار القتل وحرق القرى والأحياء ونهب ممتلكات المواطنين ظاهرة شبه يومية وعمل ممنهج فى أقاليم الهامش، وخاصة إقليم دارفور، الأمر الذى يستدعى أن يفكر أهلنا وشعبنا هناك خارج الصندوق. نعم، يجب ينهضوا ويتوحدوا فى مواجهة مشروع قريش الإحتلالى والإستيطانى هناك. إنها معركة الوجود والكرامة ومعركة الدفاع عن الأرض والهوية، ولا يجدى فيها العويل والبكاء وإستجداء المجتمع الدولى لحمايتكم، فلا تتوقعوا أن يقوم غيركم بالدفاع عنكم، فالمجتمع الدولى يعلم تفاصيل ما يدور ويراقب ما يجرى عن كثب لكنه لن يتدخل لدوافع أخلاقية أو إنسانية كما تتصورون، وإنما تحكم مواقفه حسابات المصالح وتوازن القوة، فأعلموا أنه لا مكان للضعيف فى عالم اليوم. إن مقومات نجاح الثورة متوفرة فى دارفور، ونتطلع أن نراكم وأنتم تجسدون وحدة عابرة للقبائل لمنع العدو من الإستثمار فى خلافاتكم والإستقواء بتفرقكم…..وحدة تتجاوز خيبات ومخازى ما يسمى بالحركات المسلحة وسلام المناصب والمحاصصات الذى لم يجلب لدارفور سوى عودة سياسة الأرض المحروقة، بينما أصحاب (السلام سمح) غارقين فى سباتهم وكأن ما يحدث لشعب دارفور لا يعنيهم فى شيئ! إن الحياة بلا قضية لعنة….توحدوا وقوموا إلى ثورتكم، فالعدو واحد والقضية واحدة وليس هناك سبب منطقى لوجود عشرات الحركات المسلحة سوى التآمر على الثورة وإجهاضها وتشويه مفهومها. يجب أن تفهموا أن البرهان وحميدتى وجهان لعملة واحدة مهما تظاهرا بالإختلاف لكن تظل الحقيقة الراسخة أنهما ينفذان المشروع العروبى والإسلامى فى السودان، فإذا قدر للشمال أن ينفصل ويعلن دولة النهر والبحر كما هو مخطط، فلن تتردد الدولة الوليدة فى دعم الجنجويد للسيطرة الكاملة على دارفور توطئة للزحف نحو أفريقيا الوسطى وتشاد، وستعمل دولة النهر والبحر للقضاء على جبال النوبة والفونج حتى يتسنى لها تصفية حسابتها مع جنوب السودان وإخضاعه بالقوة مرة أخرى والإستمرار فى تهديد وإبتزاز دول حوض النيل.

المشهد السياسى فى السودان يزداد سوءا وقتامة والبلاد تتجه نحو الفوضى العارمة، ولا أحد يستطيع التكهن بما تخفيه الأيام لوطن كان إسمه السودان. لقد دفع شعبنا ما يكفى من تضحيات وزيادة من أجل وحدة السودان، ومع ذلك أعلن ضده الجهاد ومورست فى حقه الإبادة الحسية والثقافية، ولا يعقل أن يطالبنا الآخرون بالإستمرار لوحدنا فى دفع فاتورة الوحدة والتغيير الجذرى على حساب شعبنا فى الوقت الذى يتخاذلون ويعرقلون مشروع التغيير الجذرى بوسائل وتكتيكات معلومة. فقد تضافرت عدة أسباب وإستجدت عوامل كثيرة تستدعى إعادة النظر فى الأوضاع القائمة فى السودان وخاصة الوحدة القسرية، وعليه نؤمن بحق شعبنا المشروع فى اللجوء إلى خيار حق تقرير المصير، تتلخص هذه العوامل والأسباب فى:

أولا: فشل الدولة السودانية منذ ما يسمى بالإستقلال، إذ تأكد رقض الأقلية الحاكمة قيام الدولة على مشروعية العقد الإجتماعى، ورفض الإعتراف بالتنوع والتعدد وإصرارها على فرض هويتها وثوابتها بالقوة على كل الشعوب السودانية.

ثانيا: إصرار الأقلية الحاكمة على إحتكار أدوات العنف وتكريس مشروعية العنف والغلبة لضمان إستمرار هيمنتها وحماية إمتيازتها المادية والمعنوية.

ثالثا: وجود إستهداف عرقى وعنصرى ممنهج ضد شعوب الهامش فى جبال النوبة والفونج ودارفور والبجا.

رابعا: إنعدام الأمن والسلام الإجتماعى بسبب مخططات وسياسات وتوجهات المركز، يتجلى ذلك فى فتوى إعلان الجهاد ضد النوبة التى سكت عنها الإعلام والقوى السياسية والمدنية طوال العقدين الماضيين بالرغم من أن الفتوى ما زالت قائمة ولم تلغى حتى اليوم، وقد أعطت تلك الفتوى دافعا ومبررا لإرتكاب الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقى وتنزيح وتهجير شعبنا.

خامسا: إستمرار المركز فى نهب وإستنزاف موارد وثروات الأقاليم المهمشة وتسخير عائداتها لبناء ترسانة عسكرية لمحاربة و إبادة شعوب هذه الأقاليم نفسها، كما ظل يحدث فى جبال النوبه و النيل الأزرق و دارفور منذ ما يسمى بالإستقلال .

سادسا: غياب حكم القانون، وإنعدام فرص تحقيق السلام والعدالة والمساواة فى ظل إستمرار السودان القديم.

سابعا: إستحالة إصلاح القطاع الأمنى والعسكرى وتضاؤل فرص بناء جيش وطنى ومهنى موحد بسبب تمسك المركز بجيش السودان القديم بعد تسييسه وأدلجته، وفى ظل شرعنة قوات الدعم السريع والتفريخ العلنى لمليشيات وجيوش موازية على أساس عرقى وعنصرى.

ثامنا: إنعدام فرص تحقيق المحاسبة التاريخية والعدالة الإنتقالية، خاصة وأن قوى السودان القديم ما زالت تصر على تحقيق العدالة الترميمية القائمة على التغافر بهدف تجاوز الأخطاء والجرائم المرتكبة ضد شعوب الهامش فى سعيها لإستنساخ مؤتمر الكوديسا فى جنوب أفريقيا.

تاسعا: تمسك شعبنا بحقه المشروع فى الدفاع عن وجوده وحقه فى الحفاظ على هويته وثقافته فى ظل رفض الأقلية الحاكمة للوحدة العادلة وإصراها على فرض هويتها الأحادية والإقصائية.

وللأسباب أعلاه، يصبح من حق جبال النوبة والفونج ودارفور والبجا الإتجاه إلى خيار ممارسة حق تقرير المصير، وإن أفضى ذلك إلى الإستقلال التام ليرتاح الشمال ويهنأ الجلابة بعروبتهم ونقاءهم العرقى المزعوم، وليبقوا بشريعتهم وجشعهم وعنصربتهم البغيضة والتى أكدت التجارب أنهم لن يتخلوا عنها.

3 تعليقات
  1. Ikram Abiad يقول

    مقال يحلل الوضع السياسى الراهن فى السودان و روية السودان فى المستقبل
    على أعتقد مقال جدير بقراء

  2. عثمان بريمه يقول

    حق تقرير المصير حق مشروع

    1. فيصل بابو سعيد يقول

      كلام ماء في الماء مافي حل من غير تقرير مصير شعب جبال النوبة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.