دولة الجلابة المُتحيَّزة والتهرب من مواجهة سؤال الهوية (1)

 

أنس آدم

(قضايا وأسئلة كثيرة تطرح نفسها في سودان اليوم، مثل: إدارة التنوع والتعدد الثقافي في البلاد)… مُقتبس من خطاب القائد عبد العزيز آدم الحلو
ظلت وما تزال قضية الهوية الوطنية، تشكل أبرز وأكبر أسباب الصراع فى الدولة السودانية منذ نشأتها في العام 1821 في عهد الإستعمار التركي – المصري. ومع ذلك تعمدت النخب المركزية وحكومات الجلابة العنصرية التي تعاقبت على الحكم فى السودان منذ العام 1956 تغاضى وغض الطرف عن هذه القضية المركزية والجوهرية.

في هذا المقال، وقبل أن أخوض في المسألة (سؤال الهوية) محل الكتابة، رأيت ضرورة تناول بعضا من ردود الأفعال حول مقال الرفيق عادل شالوكا، بالتعليق الموجز والقراءة المزعجة كـ”عتبة أولى” ومدخل لإرتباطه الوثيق بما سأتطرق إليه في الجزء الثاني من المقال.

تابعنا كيف كانت ردة فعل الأستاذة الصحفية رشا عوض حول المقال الرصين والقيَّم، الذى كتبه الرفيق شالوكا بعنوان: (تحيَّز الدولة السودانية لحقل الثقافة العربية – الإسلامية). بالتأكيد تناول المقال قضية مهمة – مصيرية، وفتح كوة للنقاشات الهادفة والحوارات البناءة، إلا أن الأستاذة رشا، لا تريد ذلك بل ترفضه تماما بحجة واهنة، عدم جدوى مثل هكذا كتابات في هذا التوقيت “حد رأيها”، معتبرة إياها بغير المثمرة ومن شأنها أن (تقلل من فرص العمل المشترك من أجل التغيير.) حسب تعبيرها. لكن في واقع الأمر، لم يأتي عويلها من فراغ، وإنما بسبب أن المقال تلَّمس المسكوت عنه الذى تعتبره مؤسسة الجلابة ودولة الزبير باشا من التابوهات السياسية. رأينا كيف سارعت الأستاذة رشا عوض في التقليل من جدوى المقال وقيمته. بينما لم نر يوما قط، تكلَّف نفسها عناء التصدي مثلا لقضايا المرأة التى لا تنتمي إلى حقلها الثقافي (الثقافة العربية – الإسلامية) فى مناطق الحروب والنزاعات حتى ولو بلافته بها شعارات مناصرة وتضامن. دعك عن ذلك، تمنيتُ لو ردت رشا عوض لإنتكاسة الدكتورة إحسان فقيري، أو على الأقل (أضعف الإيمان) أن تطلب من د. إحسان فقيري، توضيحا أو تفسيرا لتعليقها العنصري على صورة شاب أسود مع زوجته البيضاء.

كتبت د. إحسان فقيري – القيادية بالحزب الشيوعي، ورئيسة مبادرة لا لقهر النساء سابقا (الرجاء وضع خطين تحت كلمتي القيادية ورئيسة)، كتبت كلمات عنصرية قاسية بحق الشعوب الزنجية، وعبارات لا تمت للإنسانية بصلة فى القرن الـ”21″، وذلك فى معرض تعليقها العنصري على صورة منشورة بالفيسبوك، تجمع شاب زنجي (أسود) مع زوجته (بيضاء)، قالت إحسان وبكامل قواها العقلية في تعليقها الموغل في العنصرية، الإستحقار والنظرة الإستعلائية للعنصر الزنجي في السودان، نصا كما يلي: (تكون الخواجية دي دايرة تعرف الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد).

بالطبع، دكتورة إحسان فقيري تحسب على المرأة الواعية، المستنيرة، والمثقفة – طبقة الإنتجلسيا (بمعايير حقل الثقافة العربية طبعا) تلك الطبقة التي يُفترض أنها عابرة ومتجاوزة للإنتماءات الضيقة ومتحررة من التحيَّزات الثقافية والعرقية. إلا أن الدكتورة إحسان فقيري، كانت تضمر عنصرية بغيضة في عقلها الباطنى الذي أسقط منها أوراق التوت التي تتستر بها، لتنكشف أمام العالم عنصريتها وتحيَّزها اللامحدود لـ”حقل الثقافة العربية – الإسلامية). خلاصة تعليقى، إن ردة فعل رشا عوض، غير المنطقية تعكس توجهاتها العنصرية، (لمسة يد واضحة لا تحتاج لتقنية الـ VAR لإثبات ذلك)، أحكموا علينا بما شئتم ولكن لنا فهمنا وموقفنا من الدولة المتَّحيزة ثقافيا وعرقيا.

مدخل آخر لا يقل أهمية عن ردة فعل رشا عوض. كتبت نجلاء سيد أحمد، منشورا على صفحتها في الفيسبوك، معلِّقة على المواكب التى نظمها شعب النوبة يوم الأربعاء 9 نوفمبر 2022 فى مدن وولايات السودان المختلفة. لا يختلف منشورها كثيرا عن موقف الجلَّابة السلبي والمخزي تجاة ثورة علي عبد اللطيف فى العام 1924. جاء نص تعليقها على مواكب الخرطوم كالآتى: (موكب كباشي يصل القصر الجمهوري، ما في زول سأله ولا فك فيه بمبان). هكذا إختزلت نجلاء موكب شعب النوبة في شخصية الإنقلابي كباشي، وبذلك تريد أن تقول أن هذه المواكب، صنيعة السلطة الإنقلابية، وليست لها علاقة بالثورة وبدون مطالب مشروعة.

عزيزي القارئ، يعلم القاصي والداني أن شعب النوبة له نضالات تاريخية وتضحيات جسام لا يمكن إنكارها، بدءا من الكنداكة ريناس، مندي، ومرورا بـ الفكي علي الميراوي، وفليب عباس غبوش وليس إنتهاءا بـ”يوسف كوة مكي”. فلا يمكن تبخيس مواقف شعوب عرفت الثورة قبل شعوب العالم أجمع.

مواكب ثورية هادرة شارك/ت فيها الثوار والثائرات تريد نجلاء تشويهها بضغطة زر فقط على الكيبورد لأنهم ليسوا أحفاد الزبير باشا والمك نمر – فقط لأنهم نوبة، هكذا بمنتهى الإستعلاء العرقي والمكر السياسى، إختزلت نجلاء مواكب شعب النوبة التواق للحرية والكرامة الإنسانية فى شخصية كباشي. تلك عقلية وذهنية المركز التى ترفضها بشدة الشعوب المهمشة وتمردت عليها. العقلية التى أنكرت وما زالت تنكر واقع التعدد والتنوع الذى تزخر به الدولة السودانية، ومع ذلك تريدنا رشا عوض، أن لا نتحدث عن تحيَّزات النخب والدولة لـ”حقل الثقافة العربية – الإسلامية”.

تلك هى عقلية الجلَّابة العنصرية والإقصائية التى ظلت وما تزال تحتكر كل شئ حتى شرف الثورات. العقلية التى ترى فى إغتصاب الجعلى للزنجية شرف لها. نعم هى عقلية شنت حروب عنصرية بلا هوادة على شعوب وأقاليم دارفور، جبال النوبة، دارفونج والبجا في شرق السودان، مستخدمة الترسانة العسكرية وكل أنواع الأسلحة المتطورة والمحرمة دوليا بشهادة منظمات دولية وإقليمية بهدف إبادة الكيس الأسود، عقلية إرتكبت فظائع – إغتصابات لم تسلم منها العجزة وطالت حتى الفتيات القصر (حادثة إغتصاب نساء ثابت بدارفور – ماثلة أمامنا) بالإضافة إلى حرق المنازل – تشريد – تهجير قسري- تدمير مصادر المياه – وتصفيات جسدية…الخ.

ونواصل،،،

تعليق 1
  1. عبدالعزيز محمد يقول

    إن لم ينتهي التعالي وفرض الهويات علي الآخر سيضطر الآخر مواجهتها بلغة مختلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.