دعم مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في توقيع الميثاق السياسي في نيروبي: خطوة استراتيجية نحو السلام

د.جون دانيال

 

منذ بداية النزاع في السودان، لطالما كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال أحد القوى الثورية الرائدة التي ناضلت من أجل حقوق الشعوب السودانية ، وتحملها لمسؤولياتها السياسية والتاريخية تجاه شعبي جبال النوبة والنيل الأزرق . وبالرغم من التاريخ المعقد والتحديات الكبيرة التي واجهتها الحركة، فإن توقيعها على الميثاق السياسي في نيروبي مع قوات الدعم السريع يُعتبر خطوة سياسية استراتيجية بامتياز. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لها، فإن هذه الخطوة تعد خطوة شجاعة في اتجاه السلام الحقيقي والعدالة في السودان.

لماذا كانت خطوة الحركة الشعبية نحو توقيع الميثاق قراراً سليماً؟

1. إعادة رسم المشهد السياسي السوداني: في ظل الوضع السياسي المعقد في السودان، لم تعد الأمور قابلة للحسم عبر الاستمرار في المواجهات العسكرية أو عبر سياسة العزلة. توقيع الحركة الشعبية على الميثاق في نيروبي يأتي في وقت تتصارع فيه القوى المختلفة على إعادة تشكيل مستقبل السودان. وبالنظر إلى تحول قوات الدعم السريع من مجرد أداة بيد السلطة المركزية إلى قوة مستقلة تسعى لتوسيع نفوذها في البلاد، أصبحت الحركة الشعبية تدرك أن التحالفات في السياسة ليست ثابتة وأن المرونة السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق مصالحها ومصالح شعب السودان في هذه المرحلة الحرجة.

2. الحركة الشعبية وتحقيق المكاسب للمناطق المهمشة: الحركة الشعبية لم تكن لتوقع على ميثاق لا يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية للشعب المهمشة في السودان . وقد قامت الحركة بقراءة متأنية للواقع السياسي في السودان، وسعت إلى استخدام هذا الميثاق كوسيلة لإعادة التفاوض على حقوق هذه الشعوب. وعلى عكس ما يروج له البعض، فإن التحالف مع الدعم السريع ليس معناه تقديم تنازلات تضر بمصلحة الشعب، بل هو خطوة تكتيكية لضمان مستقبل أفضل للمنطقة التي كانت قد عانت طويلاً من التهميش والقتل.

3. التحالفات في السياسة: في السياسة، التحالفات ليست ثابتة بل هي ترتكز على المصالح والتغيرات الاستراتيجية. العداوات السابقة مع قوات الدعم السريع هي جزء من الماضي، لكن الحركة الشعبية تحرص على بناء علاقات جديدة تضمن لها نفوذاً في المستقبل. إذا كان التوقيع على الميثاق يعزز من قدرتها على التأثير في القرارات السياسية الكبرى التي تخص السودان، فإن ذلك ليس خيانة بل هو خيار استراتيجي يعكس نضج الحركة وقدرتها على رؤية الصورة الأكبر.

4. الميثاق كدعوة للسلام والاستقرار: إن توقيع الحركة على الميثاق لا يعني بالضرورة قبولها بكل ما جاء فيه، بل هو بمثابة دعوة مفتوحة للسلام تستحق أن يُحترم. إن الحركة الشعبية لطالما كانت في مقدمة القوى التي تطالب بإنهاء الصراعات وتحقيق تسوية سلمية تؤمن الاستقرار في السودان. توقيعها على الميثاق لا يمثل تحالفاً تكتيكياً مع الدعم السريع فحسب، بل يمثل تعهدًا متجدداً بالعمل من أجل مصلحة الشعب السوداني في كليته.

5. إبعاد السودان عن دائرة الفوضى: إذا كانت هناك أي قوة يمكنها وقف دوامة العنف والفوضى في السودان، فهي القوى التي تحمل مشروعاً وطنياً جامعاً كالذي تمثله الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. توقيع الميثاق هو فرصة لتوحيد الرؤى مع أطراف جديدة وضمان توازن القوى في الساحة السودانية بحيث لا تُترك الأمور لأطراف معينة تتحكم بمصير البلاد.

من المؤسف أن هناك من ينظر إلى هذه الخطوة بعين التشكيك، ويعتبرها بمثابة خيانة لتاريخ الحركة. ولكن هذه النظرة قاصرة ولا تعكس الواقع المعقد الذي يعيشه السودان اليوم. إن من يهاجمون الحركة الشعبية اليوم ينسون السياق الكامل للتاريخ، حيث أن الصراعات في السودان قد تغيرت بشكل جذري، وأصبحت الحاجة إلى اتفاقات سياسية مرنة أكثر أهمية من أي وقت مضى. إن انتقاد الحركة لا يعكس سوى جهل بمواقفها التاريخية وطبيعة الصراع السوداني المعقد.

إن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لم تساوم على مبادئها ولا على قضيتها المركزية. فكل خطوة اتخذتها كانت مدروسة بهدف تحقيق مصلحة أهلها أولاً وأخيراً. ومن خلال مشاركتها في هذا الميثاق، تسعى الحركة إلى إحداث تغييرات حقيقية على الأرض من خلال السلام الشامل والتوزيع العادل للموارد وإيجاد دولة سودانية ديمقراطية.

التداعيات الاستراتيجية لهذه الخطوة:

1. تمهيد الطريق لتحقيق حكومة موازية: من خلال هذه المشاركة، أصبحت الحركة الشعبية جزءاً من الكيانات السياسية التي تمثل مستقبل السودان الجديد. ومع التغيرات العسكرية والضغوط السياسية، لا يمكن لأي طرف أن يتجاهل وزن الحركة في معادلة السلام السودانية. الميثاق هو أداة تمكين للحركة لتكون جزءًا من أي حكومة تسعى للسلام والتسوية السياسية.

2. تسوية الصراع السوداني: إن توقيع الميثاق يفتح باباً للحوارات البناءة مع جميع الأطراف السودانية، ويتيح الفرصة للحركة الشعبية لتوسيع دائرة الحوار الوطني الشامل، الذي يضم كافة المكونات السودانية دون استثناء.

في نهاية المطاف، إن مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في توقيع الميثاق السياسي في نيروبي خطوة حكيمة وشجاعة نحو السلام وتحقيق العدالة في السودان. الحركة لم تخن قاعدتها الشعبية، بل قامت بتمثيل مصالح أهلها في التفاوض على طاولة السياسة. إن هذا التوقيع هو خطوة نحو إعادة بناء السودان على أسس جديدة، حيث تكون جميع الأطراف جزءًا من المستقبل، وليس مجرد ضحايا الماضي.

النضال مستمر والنصر أكيد

تعليق 1
  1. ادم دلدوم يقول

    سيروا إلى الامام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.