دار مساليت بين مرمى نيران الجنجويد وأنين ضحايا الإبادة الجماعية، الأسباب والدوافع

مجتبى حماد آدم

 

المراقب والمتابع للوضع السياسي والأمني تاريخيا في دارمساليت وخاصة بعد سقوط الدكتاتور عمر البشير في أبريل 2019م يلاحظ تصاعد وتيرة هجمات الجنجويد ليس الكمية فقط بل النوعية منها و تحديدا التركيز في جغرافيا دار مساليت وأصبحت أي هجوم يشنها مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) والمليشيات العربية الأخرى المساندة لها كجبهة تمازج والحركات التشادية ذات الأصل العربي وغيرها من المليشيات العابرة للدول والتي تتجمع أساسيا من دول تشاد، أفريقيا الوسطى، النيجر، و مالي بالإضافة إلى تجمعها من مناطق مختلفة من إقليم دارفور ومناطق السودان الأخرى. هجمات هذه المليشيات في كل مرة تكون أكثر بربرية ووحشية من سابقاتها وهدفها الرئيسي هو قتل أكبر عدد ممكن من السكان الأصليين. كل السودانيين شاهدوا محرقة ومجزرة معسكر كريندنق للنازحين مرتين على التوالي خلال أقل من عامين والتي راح ضحيتها المئات وبعدها الهجوم على معسكر ابوذر وإحياء الجبل ثلاث مرات وهجوم منطقة مستري ثلاث مرات وتم حرق محلية كرينك ثلاث مرات وفي آخر مرة قتل فيها ما لا يقل عن 300 فرد وجرح مئات آخرين دفعة واحدة و تم حرق المحلية بالكامل وتشريد كل سكانها. بالإضافة إلى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ظلت ترتكبها هذه المليشيات في مدينة الجنينة عاصمة سلطنة دارمساليت بعد حصارها كليا منذ 24 أبريل 2023م وتمكنت من قتل أكثر من 5000 مواطن وجرح ما يفوق 8000 آخرين حسب تقرير سلطنة دارمساليت ومتوقع أن ترتفع حصيلة الضحايا أضعاف الأرقام الحالية لوجود أعداد كبيرة من المفقودين ولخطورة وصعوبة الوصول لاجزاء واسعة من أحياء مدينة الجنينة. مليشيات الدعم السريع مارست جميع الفظائع في مدينة الجنينة لحد وصفت منظمة أطباء بلا حدود الجنينة ب”أسوأ منطقة في الكون”.

أهم جرائم الجنجويد في مدينة الجنينة والتي ترتقي إلى جرائم حرب:

قامت مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) بقيادة اللواء عبدالرحمن جمعة قائد الدعم السريع في الجنينة بأسر الوالي الجنرال المناضل الشهيد خميس عبدالله أبكر يوم الأربعاء الموافق 14 يونيو 2023 بعد وقت قصير من إجراءه مقابلة تلفزيونية على قناة الحدث الإخبارية وتم تصفيته بابشع الطرق وترك جثته ليتم التمثيل به من عناصر مليشيات الدعم السريع مما يدل على الانحطاط الأخلاقي والقيمي لهذه المليشيات واحترافها الهمجية والبربرية والقتل والتنكيل وعدم اعترافها واحترامها للحقوق الأساسية للإنسان والقوانين المنظمة لها والاتفاقيات الدولية لمعاملة الأسرى وليس لهم رادع أخلاقي أو حتى ديني. وفي هذا الصدد قناة الحدث الإخبارية متهمة بالتآمر بتحديد إحداثيات مكان تواجد الوالي وتقديمها لقيادة الدعم السريع ليتم أسره وقتله والتمثيل بجثته لاحقا. وأيضا قامت بالتدمير الكلي لجميع وحدات مستشفى الجنينة التعليمي والمراكز الصحية الأخرى في المدينة وحرق مخازن الأدوية واتلاف متعمد لكل الأدوية والمعدات الطبية بجانب نهب وسرقة وحرق وتدمير سوق الجنينة تماما. تم القضاء على البنية التحتية وعلى كل المؤسسات والقطاعات الحيوية في المدينة. استهدافات واغتيالات نوعية على أساس عرقي(كل الشعوب الأفريقية الزنجية) للقيادات السياسية و الأهلية والشبابية والمثقفين بنشر قناصات في المباني العالية في المدينة. بالرغم من الفظائع التي ظلت يتعرض لها مواطنوا مدينة الجنينة وفي أجزاء أخرى من دارمساليت لم تتحرك قيادة القوات المسلحة السودانية للقيام بواجبها رغم استنجاد الوالي وسكان المدينة طوال فترة الحصار. استخسرت القوات المسلحة إرسال طائرة مقاتلة واحدة على أقل تقدير كما فعلت في أماكن أخرى غير الخرطوم لفك الحصار من على الجنينة ولم تجد هذه النداءات آي استجابة من الجيش وليس هناك آي تفسير أخلاقي لتقاعسها من القيام بواجبها تجاه المواطنين السودانيين في مدينة الجنينة والتي يفتح الباب لتساؤلات كثيرة.

بعد استعراض هذه الحقائق بديهيا يجب أن نتساءل لماذا التركيز على دارمساليت دون المناطق الأخرى في السودان؟
حسب تحليلنا يمكن اجمال الأسباب والدوافع في الآتي :

أولا: الغرض الرئيسي هو إبادة وتطهير الشعوب الأفريقية الزنجية الأصيلة التي تقطن المنطقة أو تقليل أعدادها بصورة كبيرة مما يخدم المشروع الاستيطاني العروبي والوصول أخيرا في تغيير التركيبية الديموغرافية في المنطقة ولذلك تتضاعف أعداد الضحايا من المدنيين وخاصة النساء والأطفال وكبار السن كل مرة بشكل تصاعدي مخيف. مجموعات التجمع العربي لديهم طموحات ومخططات استعمارية واستيطانية لإقامة مملكة أو إمارة عربية في المنطقة والتي تضم عدة دول الواقعة في الشريط الممتد من السودان إلى موريتانيا وتشمل السودان، تشاد، أفريقيا الوسطى، نيجر، مالي، وانتهاءا بموريتانيا. لذلك يلاحظ الغالبية العظمى من عناصر هذه المليشيات سواء كانت في الدعم السريع أو ازرعها من المليشيات العربية الأخرى تأتي إلى السودان من هذه الدول.

ثانيا: البعد الاستراتيجي لدار مساليت إقليميا باعتبارها منطقة متاخمة جغرافيا لدولة تشاد وأفريقيا الوسطى ويشاركهما حدودهما وكذلك تقع أقصى غرب السودان وبالتالي السيطرة عليها سيوفر ممر آمن ومرتكز استراتيجي لهذه المليشيات مستقبلا و التي لا تعرف الحدود لتنطلق منها للتحرك لتنفيذ مخططاتها في الدول المستهدفة إقليميا.

ثالثا: تتميز كل دار مساليت بأراضيها الخصبة والمتعددة نوعيا من أراضي طينية وقيزان وأراضي رملية ويمكن زراعة كل أنواع المحاصيل والمنتجات الزراعية المختلفة من محاصيل حقلية وفواكه وخضروات، بالإضافة إلى غناها بالموارد المعدنية في باطنها كالذهب، يورانيوم، مغنيسيوم، الحديد، والزنك وغيرها(إضافة إلى الثروة الحيوانية الهائلة التي تم نهبها منذ 2003م وإمكانية تربية الماشية تجاريا). كل هذه المميزات زادت اطماع ودوافع الجنجويد للإصرار على احتلال المنطقة بأي ثمن.

رابعا: طبيعة وقيم وتقاليد وأعراف والتربية السلوكية لشعب دارمساليت والتي تقوم أساسا بصورة محورية (ككل الشعوب الافريقية الزنجية الأصيلة) في التمسك بالأرض وربطها بهويتهم وتراثهم وتقاليدهم وبالتالي يمكن اعتبار الأرض كمحدد هويتاتي ورمزية وجودية، بالإضافة إلى العائد الاقتصادي للأرض والاعتماد عليه في معيشتهم باعتبارهم شعوب زراعية ويقومون بتربية الماشية وبالتالي الاعتداء على الأرض يعتبر أعظم جريمة(وخط أحمر) وخطأ لا يغتفر، وبالتالي شعب دارمساليت مستعد للدفاع عن أرضه وهويته لآخر رمق وفي سبيل ذلك مستعد لدفع أغلى الأثمان، وهو شعب لا يعرف الخزلان أو الاستسلام ومن يشكك في ذلك فاليراجع تاريخ سلطنة دارمساليت. اصطدم التجمع العربي بزراعه العسكري مليشيات الجنجويد(الدعم السريع) بهذا الواقع والمقاومة المستمرة ولهذا السبب يقومون بهجمات انتقامية، لتأديب وكسر إرادة المقاومة حتى يكونوا عظة وعبرة لغيرهم من الشعوب الأفريقية الأصيلة في السودان للتجرؤ ومقاومتهم وإرسال رسائل مفادها(كل من تجرأ على الوقوف ضدنا سيلقى نفس المصير) بغرض تخويفهم وعزلهم من تشكيل جبهات مقاومة مختلفة ضدهم، لان في حال حدوثه سيجبرون على خوض صراعات في جبهات متعددة وهذه المليشيات غير قادرة على ذلك لان طبيعتها تقوم على مفهوم (الفزع)، بحيث تتجمع من مناطق ودول متعددة وبعدها تقوم بالهجوم على المنطقة المحددة.

خامسا: بالنسبة لمليشيات الدعم السريع منطقة دار مساليت ذات أهمية تكتيكية استراتيجية بالنسبة للحرب التي تخوضها مع الجيش في الخرطوم وهدفها توفير ملاذ آمن لهذه المليشيات وقاداتها عندما تتعرض للهزيمة وتخسر الحرب في الخرطوم. اندلعت الحرب في الخرطوم في 15 أبريل 2023م عندما فشلت مخططها في الإنقلاب والوصول للسلطة في الخرطوم والسيطرة على السودان، وبذلك فقدت فرصة حكمها للسودان. وسرعان ما بدأت في خطتها البديلة بإعلان قائد مليشيات الدعم السريع في لقاء تلفزيوني بأنهم سيطروا على مطار الجنينة وبعده قام مليشياته بحصار مدينة الجنينة يوم 24 أبريل 2023م بعد تسعة أيام تحديدا من اندلاع الحرب في الخرطوم.

هل ما يحدث في دارمساليت صراع قبلي بين قبيلة المساليت والقبائل العربية كما يروج لها؟

أصبح من الشائع وصف هجمات مليشيات الجنجويد(الدعم السريع) ضد المدنيين وبالتحديد في دارمساليت بأنها صراع قبلي وهذا الوصف غير صحيح اطلاقا وأيضا طبيعة الأحداث والواقع يكذب هذه الادعاءات. ولفهم ما يحدث يجب التساؤل لماذا يتم وصف هذه الأحداث المؤسفة والتي أقل ما يمكن وصفها بالابادة الجماعية، بأنها ذات طابع قبلي؟ ومن المستفيد من ترويج ونشر مثل هذه الأكاذيب ؟.
استخبارات مليشيات الجنجويد(الدعم السريع) هو من يقف وراء هندسة هذه الأكاذيب لتضليل الرأي العام السوداني والإقليمي والدولي لنفي تورطها الواضح في الجرائم التي ترتكبها ضد المدنيين.

اخيرا

يجب على شعب دارمساليت وكل الشعوب الأفريقية الأصيلة في إقليم دارفور والسودان التماسك وتنظيم أنفسهم وإقامة تحالفات استراتيجية للدفاع عن أرضهم وخوض حرب الوجودية المفروضة عليهم. مليشيات الجنجويد(الدعم السريع) والمليشيات الجنجويد العربية الأخرى أكبر مهدد أمني إقليميا ويجب تعرية مخططاتهم لإفشالها، وفي سبيل ذلك يجب خلق رأي عام مشترك مع كل شعوب الدول التي تستهدفها هذه المليشيات في خططها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.