دارفور بين وهم العروبة الحاضرة وحركات السلام سمح الغائبة

ياسر دارنجانق

عنوان هذا المقال سيكرهه الكثيرون خاصة الذين لا يثنيهم عن سعيهم لمناصب السلطة وكراسي السلطان، ان يخوضوا في دماء إخوانهم واهلهم، او ان يكون معبرهم فوق أشلاء الاخرين، والذين يودون ان يسمعوا ما يحبون، فالنفس الدنيئة تأنس لما تهواه وتعشقه، وقد يصفه البعض بالمراهقة في الكتابة، او التحامل، انما هي الحقيقة.

اخذ الصراع في دارفور منحاً مختلفاً في تكتيكاته وخططه وفعله، وهنا قد لا اتطرق الي طبيعته وتاريخه والاطماع الداخلية والإقليمية والدولية، لان هناك كثُر قد كتبوا وتحدثوا عنه، ولكن اريد الإشارة هنا الي عاملين اساسين وهما الاشد تأثيراً وفتكاً بالمجتمعات، عاملي الدين والعرق. فاذا نظرنا الي الإمكانيات التي يتم استخدامها من أسلحة وحشود ودعم لوجستي وغيره، والذي يفوق إمكانيات الافراد والمجموعات القبلية، تقودنا الي حقيقة ان مركز السلطة هو الذي يدير هذا الصراع عبر وكلائه من بعض أبناء دارفور من القبائل العربية، من خلال تجهيلها وتعبئتها بأفكار عنصرية، وفي حقيقتها عنصرية دولة، وايهامها بانها في خطر من قبل عدو (القبائل غير العربية) يسعي حثيثاً للقضاء عليها او محدداً لعروبتها المتخيلة، فلست هنا من اجل تقليل، او نفي او انكار عروبة من يدعيها، انما من اجل الإشارة الي ان الذي تتخيله لا يمكن ان يكون مبرراً لقتل الاخر الذي يختلف عنك، سواء عرقياً او دينياً.

نجح مركز السلطة ضمن سياسة فرق تسد في تجهيل مجتمع دارفور عموماً، مستخدماً زهاء ذلك عدة أفكار وأساليب ولكن انجعها كان عنصري العرق والدين وهما عناصر يكمن في جوهرها الكراهية وحب الذات السالبة، فوزعتهما بشكل فطن وفيه نوع من الدهاء، فمنحت مجموعات العروبة حق النقاء العرقي والمجموعات غير العربية حق امتلاك الدين ويأتي ذلك كله بعد تعريب المجتمع وفرض الثقافة العربية عليه، فالمجموعة الاولي تم انشغالها بالبحث واللهث وراء هذا العنصر المتوهم الذي يبرر لها الحق في فعل كل شيء، وبحكم هذه الطاقة السالبة التي شُحنت بها وقعت ضحية يتم توجيهها عند الطلب، لان الشخصية المزدوجة التي تعيشها هذه المجموعة بتناقضاتها خلقت منها انساناً متوحشاً لا يبالي بالقيام باي عمل تعتقد انه يقرب منها شخصيتها المفقودة فترتكب الجرائم بكل اشكالها وتعتز به وتراه شكلً من اشكال الفحولة والرجولة التي هي احد سمات الثقافة العربية وفقاً لدراسات التاريخ والوقائع الماثلة.

اما المجموعة الأخرى فمُنِحت حق امتلاك الدين واقصد به التدين السياسي والطائفي رغم ان الإسلام دخل من بوابة دارفور، وبرغم ان مجتمع غرب السودان هو اقرب المجتمعات السودانية للإسلام اذا لم يكن اقربها، حقيقة لا مظهر، وعقيدة لا تمسكاً بالشكليات، والشواهد علي ذلك كثيرة. الا انه لم يشفع لها، بل اصبح أداة وظفها المركز لصالحه عبر الطائفية وغيبياتها اللا متناهية، فأنتجت انساناً لا يبالي بحق الحياة، يعيش القدرية والغيبية، ضعيف الهمة، متواضع الطموح، يفتقر الي روح المغامرة، وهو حي يعيش الاخرة، رُسخت في ذهنه ان الحياة اثمٌ كبير لا تستحق الصلاح والعيش فيها، انما معبراً يجب تجاهلها ولا يساوره شك ان الحياة هي الحقل الذي يعمل فيه الانسان ويحصد ما زرعه في الاخرة التي يؤمن بها قطعاً، ولا يدرك ان الاخرة لا تورّث، انما الحياة بتاريخها وثقافاتها وارث الاسلاف، لذا ولّد في نفسه الخنوع عن حقه والخضوع لجلاده. الا ان هذا الوضع الظالم خلق روح ثورية غير مكتملة ينقصها الفهم الصحيح لمعاني الثورة وفكرها وأهدافها، فالحماس اضحي ركيزتها وفعلها الأساسي، مما جعلها تتراجع كفعل ميداني نتيجة عوامل كثيرة لا يسعنا المجال لذكرها انما أهمها كانت غياب المشروع الفكري، والسياسي الذي يضع معالجات عملية لقضايا المجتمع والدولة ويعمل علي تماسك البنية الداخلية للمنظومة الثورية او الحركة الثورية، وايضاً طموحات قياداتها واختلافهم في تفسير المشكلة، فمنهم من ينظر لها من زاوية انها مشكلة الدولة ككل، فيجب تغير هيكل الدولة ونظام الحكم ومنهم من ينظر اليها في اطارها الاجتماعي ويجب ان تنتهي بتحسين أوضاع المجتمع. فالتناقض والقصور سهل عمليات اختراقها، مما ادي الي تشتيتها وشرذمتها وتحويلها الي شلليات ضعيفة غير قادرة علي حماية ذاتها فلجات تبحث عن سند تستقوي به ضد المجموعات الأخرى، ومع مرور الوقت تحولوا الي جيوب قبلية تجعل من القبيلة حاضنة سياسية لها، وطبعاً اغلبها انشقت من حركاتها الام بالأسباب التي ذكرتها انفاً، وانتهي بها المطاف الي أحضان النظام القديم سواء عبر اتفاقات تنقصها الدربة والدراية بجذور المشكلة السودانية او عبر تفاهمات تأخذ في جوهرها الحصول علي مكاسب وفوائد اسرية وذاتية لقياداتها.

وعلى ضوء هذه المتغيرات والتبديلات علي واقعها الميداني والسياسي والعسكري الهزيل وعدم قدرتها علي تشخيص الازمة في ظل الوقائع المتواترة والمباغتة قامت بالتوقيع علي اتفاق محاصصات وهو ايضاً شبيه بالجوديات التي تتم بين مجموعتين تشترك في جميع الخصائص بغرض تلافي صغائر الأمور وتمت تسميته مسار دارفور مما زاد الطين بلة بشكل اكبر فحاصرت نفسها في بيئات جغرافية قبلية مما سببت اضراراً لهذه القبائل، ومن خلال هذا الإتفاق تمت شرعنة الجنجويد، ووضعهم في موقف قوي ومتين وإعطائهم الضوء الأخضر للإستمرار في مخططاتها وعملياتها الاجرامية، مواصلة لمشروع التغيير الديمغرافي الذي تم تخطيطه بواسطة مركز السلطة في الخرطوم، فاصبح شعب دارفور يكتوي بنار هذا الاتفاق وانتهازية أبنائه الذين يقودون هذه الحركات التى أضحت تشكل ازمة حقيقية بأرتكابها جرائم تاريخية لا تسقط بالتقادم وهم شركاء في هذه الجرائم باستخدامهم للاتفاق وتسميته بمسار دارفور كتمويه وخداع لشعب دارفور الذي دفع فاتورة الثورة تماماً الا انه وقع في مصيدة ابنائه المستهبلين والمحتالين سياسياً.

​​​(لكل ظاهرة سيئة وجهها المفيد) او كما قيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.