خطورة المآلات السياسية للإستمرار في جبِّرنة المشهد السياسي عقب زيارة جبريل لدارفور
✍🏿: برير إسماعيل
لو فرضنا بأن جبريل المنحاز للمنظومة الإنقلابية الحالية قد ذهب إلى دارفور ممتطياً حمير الضيفان أو ماشياً سيراً على الأقدام سيظل موقفه السياسي الداعم للمنظومة الإنقلابية هو الموقف الأهم المرفوض و المدان جماهيرياً وهو الموقف الذي يجب على جميع قوى الثورة العريضة الوقوف عنده.
مواقف جبريل السياسية الداعمة للمنظومة الإنقلابية كوم و قضايا التهميش التاريخية المركَّبة و المعقَّدة في السودان كوم آخر و لذلك يجب على الذين لديهم مصلحة حقيقية في التغيير الحقيقي وليس الصُّوري بعد إنتصار الثورة عدم خلط الكيمان.
أستغرب جداً من السخرية التي تعج بها الأسافير من زيارة جبريل لدارفور و خلط الكثيرين لقضايا التهميش السودانية الجادة بمواقف جبريل السياسية المخزية الداعمة للمنظومة الإنقلابية وهي مواقف مدانة و مرفوضة جماهيرياً و من كل إنحاء السودان بل أن بعض أعضاء حركة العدل و المساواة السودانية التي يترأسها جبريل قد إستقالوا من الحركة بعد إنحيازها لإنقلاب 25 أكتوبر 2021م.
المنطق يقول ليس من مصلحة الثورة السودانية في شيء تحويل القضايا السودانية التي إنطلقت من أجها الثورة السودانية منذ النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي مثل قضايا التهميش الكبرى تحويلها إلى دراما سياسية ضاحكة من قِبل الذين يتحينون الفرص لبث سموم الخطاب الإثني و الجهوي و العنصري البغيض بعد زيارة جبريل الأخيرة لدارفور!!.
الشاهد أن قضايا التهميش بأنواعه المختلفة في السودان ليست قضايا للنزهة و المزاح لملء الفراغ السياسي الحاصل الآن بل هي قضايا جادة ضحى من أجلها ملايين الثوار و الثائرات و من كل أنحاء السودان بصورة عامة و من جنوب السودان و دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق بصورة خاصة بعد أن شنَّت الدولة المركزية حروبها العبثية ضد مواطنيها الثوار في الهوامش و الأطراف.
من حق كل مكوِّنات قوى الثورة العريضة أن تنتقد المواقف و التقديرات السياسية الخاطئة لجبريل و لغيره من قيادات القوى المسلحة التي دعمت إنقلاب اللجنة الأمنية الأخير الذي وقع في يوم 25 أكتوبر 2021م وهو أحد حلقات مسلسل الإنقلابات العديدة التي دبَّرتها اللجنة الأمنية بعد 11 أبريل 2019م بداية من حدوث الإنقلاب الأصل الذي شرعنته الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م و مروراً بإتفاقيات سلام جوبا التي أثبتت التجربة العملية لهذه الإتفاقيات بأنها عبَّرت بإمتياز عن التكتيك السياسي العالي الذي أقدمت عليه اللجنة الإمنية كسباً منها للوقت لترتيب أوراقها السياسية التي بعثرتها ثورة ديسمبر 2018 المجيدة و مروراً كذلك بإتفاق البرهان -حمدوك الهزيل ذلك الإتفاق الذي عبِّر عن قلة حيلة د. حمدوك و عن ضعف و هوان الحاضنة السياسية التي أتت به بعد أن قدَّمت قوى الحرية و التغيير د. حمدوك للحركة الجماهيرية الثائرة في دور المسيح السوداني الجديد الذي سيملأ أرض السودان عدلاً بعد أن ملأها الكيزان جوراً و ظلماً و تقتيلاً و إغتصاباً و سرقةً و تشريداً و نزوحاً وصولاً لإنقلاب الإتفاق الإطاري الحالي الذي تؤكد كل المؤشرات و القرائن السياسية بأن مآلاته النهائية ستكون هي نفس مآلات الوثيقة الدستورية ست الإسم في أغسطس 2019م إن لم تكن هذه المآلات و في هذه المرة أسوأ من مآلات الوثيقة الدستورية الكارثية بكثير.
إنَّ قيادات الحركات المسلحة التي دعمت الإنقلاب الأخير الذي وقع في يوم 25 أكتوبر 2021م ستظل مسؤولة سياسياً و أخلاقياً و قانونياً و جنائياً عن كل الجرائم السياسية التي إرتكبتها اللجنة الأمنية بعد إنقلابها الأخير و إلى يومنا هذا و بذات القدر فإن قوى الحرية و التغيير ستظل مسؤولة سياسياً و أخلاقياً و قانونياً و جنائياً عن كل الجرائم التي إرتكتبها اللجنة الأمنية إبان سنوات شراكتها الصُّورية مع ذات اللجنة الأمنية لأنها ببساطة لم تُقدم على إنهاء عملية الشراكة السياسية الظالمة مع اللجنة الأمنية قبل إنقلابها عليها و كما أنها لم تتخذ التدابير السياسية و القانونية الكافية لإستراد حقوق الضحايا في تلك الفترة و المحنة السياسية الكبرى هي أن ذات قوى الحرية و التغيير المجلس المركزي و التي تآكلت وحدتها السياسية في طريقها الآن لإبرام إتفاق سياسي جديد مع ذات اللجنة الأمنية و بقوة دفع سياسية فلولية متمثلة في قوى الإنتقال و في البرهان و حميدتي اللذان ظلاَّ يحرسان و بقوة السلاح مصالح الجبهة الإسلامية القومية منذ 11 أبريل 2019م و إلى يومنا و سيواصل هذا الجنرالان الدمويان في عملية القيام بهمة حراسة مصالح الكيزان و حراسة القيادات الكيزانية المجرمة ما لم تتوحد الحركة الجماهيرية و يتوحد مجتمعها المدني و تتوحد كذلك قواها الثورية و السياسية الحيَّة التي لها مصلحة حقيقية في التغيير الحقيقي في البلد بما في ذلك قوى الحرية و التغيير المجلس المركزي لهزيمة المنظومة الإنقلابية الحالية.
إنَّ عملية دعم جبريل و من معه للإنقلاب الأخير و حكاية كونه جبريل قد سيَّر رتلاً من العربات العسكرية و غير العسكرية غالية الثمن للذهاب إلى دارفور فكل هذه الخطوات السياسية المشاترة التي لن تخدم قضايا الثورة في شيء و التي أقدم عليها جبريل ليست بمبرر سياسي كافٍ لكي يخلط الكثيرون الأوراق السياسية و يعملوا على إبتذال مفهوم قضايا التهميش في السودان بالسخرية منها و في ذات السياق لا ينكر أحد من عضوية الحركة الجماهيرية الثائرة حاجة ملايين المواطنيين/ات في كل أجزاء السودان بصورة عامة و في مناطق الحروب العبثية العنصرية التي شنتها الدولة المركزية ضد مواطنيها الثوار بصورة خاصة للأموال التي أنفقها جبريل على الفارغة و المقدودة في رحلته الأخيرة لدارفور.
على ذكر قضايا التهميش المُركَّب في السودان فإنَّ المرأة السودانية المنحدرة على سبيل المثال لا الحصر من جبال النوبة قد يقع عليها هذا التهميش المركَّب بسبب كونها من النوبة و بسبب أنها مسيحية أو كجورية و بسبب كونها لديها ثقافة و عادات و تقاليد و أعراف مختلفة عن عادات و تقاليد و أعراف الآخرين الذين يعيشون معها في ذات البلد التي لا تعترف دولتها في المركز بهذه التعددية فضلاً عن عدم إعتراف غالبية المكوِّنات السودانية المحسوبة على العروبيين/ المستعربة بهذا التعدد فهل سيسَّخر البعض من مفهوم و قضايا التهميش في السودان لو قاد شخص من جبال النوبة قافلة كبيرة تحتوي على عدد كبير من العربات المسلحة و غير المسلحة لزيارة أي من المدن و القرى في جبال النوبة ? أم أن المنطق السياسي السليم يحتم على جميع قوى الثورة العريضة نقد الموقف السياسي لهذا الشخص دون السخرية من قضايا التهميش التاريخية و دون العمل على المساس بها.
إنَّ الذين وقعَّوا على إتفاقيات السلام في جوبا لا يمثلون كل دارفور و في ذات السياق لا يمثلون كل السودان فهم خيارات سياسية سودانية لها و عليها بل لديها مؤيدين و معارضين من كل أقاليم السودان بما في ذلك من إقليم دارفور نفسه.
عليه يجب أن تعمل جميع مكوِّنات قوى الثورة العريضة إنطلاقاً من نقطة أن مسؤولية تحقيق الحرية و السلام و العدالة و الأمن و الطمأنينة و الحياة الكريمة للمواطنين/ات في دارفور مسؤولية كل الثوار و الثائرات و من كل أنحاء السودان و ليست بمسؤولية جبريل و مناوي و غيرهما من الذين وقَّعوا على إتفاقيات السلام في جوبا و إن كان هؤلاء مسؤولين وطنياً و سياسياً و أخلاقياً عن مناصرة قضايا المظلومين و المهمشين في كل أنحاء السودان بصورة عامة و في دارفور بصورة خاصة بسبب خصوصية قضايا هذا الإقليم المنكوب بعد أن دارت فيه أحداث حرب الإبادة الجماعية الثانية و للتذكير فإن أحداث حرب الإبادة الجماعية الأولى قد جرت في جنوب السودان و راح ضحيةً لها الملايين.
كما أن الواقع يقول إنَّ إتفاقيات سلام السودان في جوبا نفسها ليست كتاباً مقدساً بل لها و عليها مع أن اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية لم تطبق بنداً واحداً من بنودها على أرض الواقع حتى الآن و لن تفعل ذلك في المستقبل القريب ما لم تتوحد قوى الثورة العريضة و تتوحد كذلك الحركة الجماهيرية الثائرة و المجتمع المدني العريض لهزيمة اللجنة الأمنية التي يعتبرها بعض المحسوبين على قوى الثورة و بتقدير سياسي خاطيء منهم جزءً من الحل مع أن اللجنة الأمنية الكيزانية المسيطرة على مقاليد السلطة في البلد هي السبب الرئيس في صناعة كل الأزمات السياسية والإقتصادية و خلاف ذلك من الأزمات العديدة التي تعيشها الآن البلاد .
عليه فرض عين على جميع قوى الثورة الحيَّة بألا تخلط الأوراق لأن نقد التقدير و المواقف السياسية المناصرة للجنة الأمنية في إنقلابها الأخير و الذي أقدم عليها الذين وقَّعوا على إتفاقيات سلام جوبا فرض عين على الجميع و كذلك نقد الصرف البذخي لجبريل في زيارته الأخيرة لدارفور أيضا فرض عين على جميع قوى الثورة و لكن دون السخرية و المساس بقضايا التهميش السودانية التاريخية.
الواقع يقول أن إقليم دارفور قد دارت به حرب على أسس إثنية و ثقافية و عنصرية و إقتصادية إستهدفت سرقة موارد الإقليم أدت بدورها إلى تهميش غالبية السكان هناك فلماذا إذن يسخر الكثيرون المحسوبون على قوى الثورة العريضة من مفهوم التهميش بسبب موقف جبريل الداعم للإنقلاب الأخير و بعد أن سيَّر جبريل رتلاً من العربات الغالية الثمن إلى دارفور بدلاً من توجيه النقد السياسي لمواقف و تقديرات جبريل السياسية الخاطئة ?
أما حكاية أن جبريل و آخرين من قيادات الحركات المسلحة قد ظلَّوا يتحدثون لسنوات طويلة عن شرب أهالي العاصمة المثلثة للمياه الباردة ليتم توظَّيف بعض المحسوبين على الثورة لهذا الخطاب المفخخ للتقليل من أهمية قضايا التهميش حكاية خطيرة للغاية يجب على الثوار و الثائرات عدم تمريرها حتى لا تتم تغذية الخطاب السياسي الموغل في إثارة النزعات الجهوية و الإثنية و العنصرية في البلاد تحت ذرائع عديدة لن تخدم قضايا الثورة السودانية المجيدة لا من قريب و لا من بعيد .
من جهة أخرى فإنَّ توظيف حكاية الصرف البذخي لجبريل في زيارته الأخيرة لدارفور و حكاية أن قيادات الحركات المسلحة كانوا قد تحدثوا عن شراب المياه الباردة في الخرطوم العاصمة المثلثة حكاية سياسية فطيرة جداً و لسبب في غاية البساطة هو أن تعداد المهمشين السودانيين في الخرطوم العاصمة ( القومية) مجازاً قد تجاوز الملايين الذين قَدِمُوا إليها من مختلف الأقاليم و الإثنيات السودانية بما في ذلك قدومهم إليها من الإثنية المحسوبة على المكوِّن العروبي/ المستعرب في السودان و هذا الواقع يؤكد بأن الخطاب السياسي الذي تناول قضايا المهمشين في السودان لم يتحدث عن الخرطوم العاصمة المثلثة ككتلة سياسية واحدة يعيش كل سكانها عيشة راضية فالشاهد أن الخطاب السياسي الذي تناول قضايا التهميش في السودان تحدث عن النخب الحاكمة في الخرطوم العاصمة المثلثة و قد أسمى البعض هذه النخب الحاكمة في كتاباته و تحليلاته السياسية بجلاَّبة السلطة أصحاب الإمتيازات و السرقات التاريخية لموارد البلاد مع إذلالهم لغالبية المواطنين و بدرجات إذلال متفاوتة.
التاريخ أخبرنا بأنه في إحدى زيارات القائد الراحل د. جون قرنق عليه رحمة الله لشرق السودان قال فيما معناه إن معاناة أهل الشرق أكبر من معاناة الكثيرين في جنوب السودان و هنا إشارة ذكية واضحة من الراحل د. جون للقواسم المشتركة العظمى للمهمشين السودانيين في كل أرجاء السودان بغض النظر عن خلفياتهم الإثنية و الثقافية و بغض النظر عن تعدد معتقداتهم الدينية …إلخ و هذه هي القواسم المشتركة العظمى التي يجب على قوى الثورة العريضة التعويل عليها لتساهم بدورها في إنتصار الثورة السودانية المجيدة.
الواقع الخرطومي الكبير يقول هناك مستعربة و خلافهم من المكوِّنات السودانية في الخرطوم العاصمة المثلثة يعيشيون في الأكواخ و الرواكيب و لا يجدون ما يأكلون و يشربون وهم عراة حفاة و أميين تنقصهم الخدمات الصحية و التعليمية و تنقصهم البنى التحتية و الحرية و السلام و العدالة و الأمن.
الشاهد إنه لم يهتم الكثير من الذين تناولوا بالسخرية قضايا التهميش التاريخية في السودان عقب زيارة جبريل لدارفور الزيارة الخطيرة التي قام بها الجنرال البرهان قائد المنظومة الإنقلابية إلى النيل الأزرق و حديثه السياسي المفخخ في تلك الزيارة و الذي يقول ملخصه يجب على كل مكوِّنات قوى الثورة العريضة عدم الثقة في الجنرال البرهان و في بقية عضوية اللجنة الأمنية التي ظلَّت توفر الحماية و الحراسة لمصالح الجبهة الإسلامية القومية و لقياداتها المجرمة المطلوبة للعدالة دولياً و سودانياً بعد 11 أبريل 2019م. و عموماً لا ندري لماذا صمت هؤلاء الذين تناولوا زيارة جبريل لدارفور عن تناول زيارة البرهان للنيل الأزرق وسط حراسة أمنية مشددة و كأنه في زيارة لبلد عدو في الوقت الذي يلعب فيه السفير الأمريكي الأجنبي الكرة في السودان بلا حراسة أمنية مشددة تراها العيون المجردة.
الخلاصات تقول تمر البلاد الآن بمرحلة خطاب ردة سياسية خطير سيعود بها إلى عهد داحس و الغبراء و البسوس بعد كل التضحيات التي قدمتها الحركة الجماهيرية الثائرة في رحلة مسيرتها النضالية السلِّمية و المسلحة دفاعاً عن النفس و عن الحق في الوجود الممتدة لعشرات السنين و التي أسست جمهورية الإعتصام العظيمة المغدور بها من قِبل اللجنة الأمنية و مليشياتها العسكرية التي لم يحدث لها أن خاضت لتحرير البلاد من الغزاة منذ هزيمة المهدية في كرري بالرغم من بسالة السودانيين في تلك المعركة ما لم تنتبه الحركة الجماهيرية الثائرة للخطاب العنصري و الإثني و الجهوي المسيطر حالياً على الفضاء الإسفيري تحت ذريعة نقد جبريل!!.
الثورة السودانية المجيدة ثورة وعي و لكن هذا الوعي محتاج بالضرورة إلى عدم تناول أمهات القضايا السودانية الكبرى مثل قضايا التهميش بمفهومها العريض بطريقة موغلة في السخرية إنطلاقاً من مرجعية زيارة جبريل الأخيرة لدارفور و مرجعية صرفه البذخي على هذه الرحلة و الأفضل أن يتم سل كل شوكة من المكان الذي دخلت به بدلاً من بتر الرِجل كاملة.
كارديف -21 يناير 2023م.
نعم فعلأ الحق يقال انه واحد من اسباب الازمة ما بعد الثورة بالأخص في جوبا لاتفاقهم الهزيلة