حول وحدة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال .. وقضايا أخرى ..

عادل شالوكا

 

وحدة بدون مُرتكزات :

في الآونة الأخيرة كثُر الحديث حول وحدة الحركة الشعبية لتحريرالسودان – شمال برغم أن الحركة الشعبية أصلاً واحدة ولم تنقسم، بل خرج منها بعض الأفراد – إما بمحض إرادتهم، أو تم فصلهم، أو عزلهم من القيادة – مثل حالة (عقار – عرمان) – وبعد ذلك ذهبوا ليأسِّسوا تنظيمات جديدة.

فالمُتتبِّع لما كان يدور داخل الحركة الشعبية – شمال منذ 2011 وحتى لحظة إقالة الرئيس والأمين العام السابقين في مارس 2017 – لا شك إنه تيقَّن تماماً إن النهاية الحتمية والمنطقية ستُفضي إلى إزاحة هذه القيادة عبر إرادة الجماهير. ولقد صبرت عضوية الحركة الشعبية كثيراً على ما كان يدور، ولكن اللحظة الحاسمة كانت عندما تعدَّت التجاوزات القضايا الثانوية ووصلت مرحلة التخلِّي عن المبادىء والأهداف، ومحاولة تغيير وخلط المفاهيم، والإختلاف حول وسائل تحقيق الأهداف، والعبث بالقضايا المصيرية – هذه كانت قاصمة الظهر. وخلافات مثل هذه لا يُمكِن حلها بـ(جودية)، أو (وساطة) وذلك لإرتباطها بمصير الشعب وتطلعاته. ولذلك وصلت الجهود التي بُذِلت من أجل (التوحُّد) إلى طريق مسدود. والوحدة في حد ذاتها غير مرفوضة، ولكن لا يُمكن بقاء من يختلفون في (المفاهيم ، المبادىء، الأهداف، والوسائل) في تنظيم واحد، فجميع قضايا جماهير شعبنا تم تلخيصها في (السلام والطعام) – أما شعارات (الحرية .. العدالة .. المساواة)، فقد ضُربت بها عرض الحائط، وتم التخلِّي عن “الكفاح المُسلَّح” كوسيلة لتحقيق أهداف الثورة بحجة إنو : (العالم تطوَّر .. والناس مُتَّجِهة إلى النضال السلمي … وما شابه ذلك..!!). ولذلك كان الإتجاه لتصفية الجيش الشعبي وتجريده من السلاح عبر صفقة مع النظام. ومثل هذه الخلافات تحسمها عضوية وجماهير الحركة الشعبية عبر المؤسسات التي تُمثِّلهم وتُعبِّر عن تطلُّعاتِهم.

والحركة الشعبية بعد المؤتمر العام الإستثنائي في أكتوبر 2017 أصدرت المنفستو، والدستور الذي بموجبه تكوَّنت المؤسسات التنظيمية، ولكن (عقار وعرمان) لا يعترفان بهذه المؤسسات – بل لا يعترفان أصلاً بالمؤتمر وبكل ما تمخَّض عنه، وبالتالي يكونا قد حسما مسألة (التوحُّد) بالإبتعاد نهائياً عن التنظيم .. وهو الأمر الذي جعلهم (يُستِّفون) حقائبهم مبكراً ويهرّوِلون إلى مجلس “حميدتي” في الخرطوم عسى ولعل أن يجدوا حاضنة جديدة لتطلعاتهم.

“حسن نوايا” – وذهاب إلى المجهول :

أكثر المتشائمين بمصير (عقار وعرمان) لم يكن يضع في حسبانه ذهابهم إلى الخرطوم بهذه السرعة وبدون أن يتوصَّلوا لتسوية سياسية شاملة تُحقِّق الأهداف التي ناضلوا من أجلها لأكثر من (33) سنة .. وهذا يطرح السؤال : من أجل ماذا كانوا يناضلون أصلاً – وهو سؤال مشروع لأشخاص قضوا كل هذه الفترة في الأحراش، ثم “يقفذوا” إلى الخرطوم – قبل إكتمال (سقوط النظام) – وهذا “الإنضمام” سبقته زيارة مشبوهة إلى دولة الإمارات، وتمجيد غير مُبرَر لـ(حميدتي والبرهان)، والأكثر شُبهة هو أهداف الذهاب إلى الخرطوم، ولكننا سنترك ذلك للزمن .. والأيام .. وهي التي ستكشف المجهول.

قوى ووجوه السودان القديم تعود مُجدَّدا لإعادة إنتاج الأزمة :

لا شك إن الجميع يتابعون لجنة محجوب محمد صالح وأسامة داؤود وما يقومون به من (وساطة) بين الثُّوار والمجلس العسكري. وما يُسمَّى بـ(عميد الصحفيين) محجوب محمد صالح لا يعدو كونه حرس آيديولوجي قديم ضد التغيير، فقد عمل في الصحافة “السلطة الرابعة ..!!” منذ عام 1945 وها هو يُعيد، ويُكرِّر، ويُدافع عن الأخطاء (1958 – 1965 – 1985 – وحالياً  2019 ..!) .. فقد شارك في جميع إخفاقات الماضي، وظلَّ مُحافظاً على الأوضاع المُختلَّة في الحاضر.  فهذا إعادة للسيناريو القديم المُتجدِّد – الحفاظ على ثوابت دولة “الجلابة” العنصرية الإقصائية التي ولَّدت الحروب بعد أن سمح للـ(برهان وحميدتي) بأن يستخدموه للوساطة وقوفاً في وجه آليات التغيير التي تهدف إلى تحقيق تحوُّل ديمقراطي حقيقي، وإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة. كما خرج الصادق المهدي قبل أيام ليُهدِّد الثُّوار ويُحذِّرهم من إستفزاز الجيش .. وهو تحريض مُبطَّن للجيش للتمسُّك بالسلطة وعدم نقلها للمدنيين .. والصادق المهدي لا يحتاج لتعريفه على الشعب السوداني .. فالمُعرَّف لا يحتاج لـ(تعريف).

فهذه القوى تعمل على تعويق مسيرة الثورة وفرملة عجلة التغيير .. والتأكُّد من، والحفاظ على إستمرار الأوضاع المُختَّلة التي ولَّدَت التَّهميش والحروب الأهلية، الإبادة، التنزيح القسري، التهجير، تقسيم السودان، إحتلال أجزاء كبيرة من البلاد بواسطة قوى أجنبية مثل (الفشقة – حلايب – مثلث أليني) .. الفساد، الإستبداد، الفقر … إلخ .. دولة فاشلة بكل المقاييس والمعايير. هذه هي نتيجة الإستعانة وتسليم الأمر لهذه العقلية القديمة  العنصرية – الإستعلائية المُستلبة التي أوردت البلاد موارد الهلاك، وتُهدِّد الآن بالمزيد من التشرزُم إذ تسعى لتنفيذ مُخطَّط يدفع بقية أجزاء السودان للإنفصال .. ليبقى لهم مثلث حمدي ليمارسوا فيه ضلالاتهم  ويطبِّقوا نظرياتهم العرجاء،  ويشبعوا رغباتهم المريضة.

على الشعب السوداني والثوَّار، وقوى التغيير، وجميع المتطلِّعين لغدٍ أفضل، الإنتباه لأمثال هؤلاء، وإيقاف فرض الوصايا والعبث بمصير الشعب السوداني.

النضال مستمر .. والنصر قريب

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.