حول موضوع العلمانية الديمقراطية

مالك علي عيد

 

اولآ دعنا نؤكد و بإستمرار ان كلا المصطلحين “العلمانية ،الديمقراطية” طرحت عندنا و جاءت إلينا متأخرة و بعد ان اكتسبت مجمل صفاتها و تصورها الفلسفي او الاجتماعي ،و بالتالي يصعب فهم وضع مجتمعات السودان من خلال هذين المفهومين -و لو اردنا ذلك فإنما من خلال توطين هذين المصطلحين في تكويننا الاجتماقتصادي “كجماعات ما قبل صناعيةاو برجوازية” و لنفهم ما الذي نعنيه بالتوطين في البدأ ان نفهم سياق هذين المصطلحين “العلمانية و الديمقراطية”
مفهوم العلمانية و الذي يأخذ اعتباره من مصطلح Secularism كمرادف لمصطلح laicisme بالفرنسية فهي تعني إدارة شؤون الدولة و المجتمع بمعزل عن التأثيرات الدينية و الثقافية و تعني ايضا الدعوة لتجديد الاحتكام الي صوت العقل و العلم في تصريف شوون المجتمع بما يجعل المجتمع يعيش عصره و عالمه¹ و بهذا الفهم يمكن فهم نطاق عمل Secluarism العلمانية انما يعمل علي تحرير الدولة من سلطة الدين و ان تقف مع مسافة حياد أو واحدة من الاديان و ذلك بغرض رفض تسيس المقدس و تقديس المسيس (اي بمعني فصل الدين عن الدولة و التي تعني فصل السلطات الثلاث التنفيذية ،التشريعية و القضائية) من السلطة الدينية ،هذا علي مستوي الدولة و ان يكون مدعمآ بمشروع ديمقراطي في اطاره العام القائم علي جوهر المواطنة المتساوية دون التميز علي اي اساس ،حتي لا نقع في فخ الدولة الاتوقراطية العلمانية و التي يمكن ان تكون فيه فصل ما بين السلطات الثلاث دون الحوجة الي الانتخاب او الديمقراطية

بهذا الفهم يكمنني القول ان السودان بجاحة الي علمانية ديمقراطية -كضرورة لتأسيس الدولة العلمانية الديمقراطية لمعالجة أزمات التمييز علي اساس الدين ،المذهب ،الثقافة و اللون -و فك الارتباط ما بين الدولة و الايدلوجيا الاسلاموعروبية

العلمانية و الديمقراطية كمشروع في السودان يعني استصحاب
علمانية الدولة و ديمقراطية المجمتع “و هذا لا يعني علمنة المجتمع” كبداية وضع أساس صلب لتحقيق التعددية في ممارسة السلطة و توزيع الثروة وفق شروط الحقوق المدنية و المواطنة (بإعتبار ان المواطنة هو شرط تحقيق الديمقراطية في السودان)
علاقة العلمانية بالديمقراطية :
كما قلت سابقا و عرفنا العلمانية ،و يمكن ان يكون هناك وجود لدولة علمانية ليست بالضرورة ان تكون ديمقراطية “الاتوقراطية الجديدة” (كالتي يبشر بها المعسكر الشرقي لمواجهة الغرب الامبريالي) ،لذلك يأتي تأكيدنا في السودان ان يكون الدولة هي علمانية بالضرورة مستصحبة معها مشروع ديمقراطي تعددي و ليس ليبرالي ،و انكم تفقهون الفرق الكبير ما بين الليبرالية و الديمقراطية السياسية ،او لنتسأل ما الديمقراطية ؟ للاجابة علي هذا التسأول أولا علينا ان ندرك ان تجربة الممارسة الديمقراطية قد تجاوزت محطة تعريف الديمقراطية بأنها حكم CaracyالشعبDemos بالشعب للشعب و انما اصبح منفتحة علي الفردانية و حقوق الانسان و الحقوق المدنية ،لذلك يمكننا الاشارة الي الاديمقراطية و مشاريعها المختلفة سواء ليبرالية ،او تعددية ،او تحافظية الخ -ان المشروع الديمقراطي باتت تشير بوضوح الي² المفاهيم المتعلقة بالحرية ،العدالية ،الاستقلالية ،او الي حرية المواطن و سيادة و استقلال الوطن و لذلك عرفه ابكر اسماعيل بأنه شرعية الاختلاف³
لماذا هي شرعية اختلاف ؟ ذلك لأن لكل مجتمع بشري سماته الخاصة في كيفية فهمه و تطبيقه للنظام الديمقراطي و وفقآ لمنطلقاته الاجتماثقافية لتنظيم حياة الناس و حرية التعبير و كل ما يتعلق بحقوق المواطنة في الاختيار للقضايا العامة بحيث لا ينقص من حريةالاخرين وفقآ لنظام الالتزام القيمي و الاخلاقي لهذه المجتمعات و ما يطرحه من محددات سلوكية { نعني بهذا هو طريقة فهم هذه الجماعات للفرد و الكون و الطبيعة و الله… الخ} بهذا الفهم فأن الديمقراطية في السودان لا يمكن ان يكون ليبرالية القائم علي اساس الفردانية ،هذا هو ما يحدد اي دمقراطية نريد و ليس اي علمانية نريد ؟ لان العلمانية كأفق للدولة يمثل Pradim و هذا هو سؤال التحديث او النهضة في سياقنا السوداني (شرق اوسطي او الافريقي) فالعلمانية ليست ثابتة في كل مرة و انما متحولة علي عكس فهم عادل ضاهر -لان علمانية الدولة يعمل علي فصل الدين عن الدولة حسب السياق فإما فصل مطلق كما في النموذج الفرنسي او فصل نسبي كما في النموذج الامريكي⁴ ،و ما بين النموذجين هذه صيغ كثير لتطبيق العلمانية⁴ و هذا هو المضمار الذي يفرق ما بين العلمانية ك Structure للدولة و علمنة المجتمع،في السودان هل نحن بحاجة الي علمنة الدولة و المجتمع ام الي علمنة الدولة و دمقرطة المجتمع ؟ و هذا يجيب علي سؤال علاقة العلمانية و الدمقراطية
في البدء قد نعتبر هذا التساؤل كبير و متشعب و لكن حينما ننظر للخارطة الثقافية للسودان و تعدده سنجد الاجابة انه من الصعب اعادة انصهار هذه المجتمعات و الثقافات جميعها لتكون ذات هوية ،ثقافة ،دين ،لغة واحدة “علمنة فرنسية” و انما نحن بحاجة الي “دمقرطة” يقوم علي التعديد و الاعتراف بجميع هذه الثقافات و ان نستلهم من التراث و الموروث الثقافي السوداني “توطين” عبرها يمكن الوصول الي دولة المؤسسات {علمانية الدولة و دمقرطة المجتمع} و ترسيخ ذلك في الفكر و الثقافية للوصول إلي5
– المبادئ و هي الحريات الاساسية التي تتبلور في كيفية المحافظة علي حقوق الجميع
– النظام السياسي الديمقراطي القايم علي الانتخاب الحر “منتخبون يناط بهم دستوريا عمل الحكومة”
– الوقوف علي قدم المساواة بين الموسسات الثلاث التي تقوم عليها هيكلة الدولة
– حرية الممارسة الثقافية من خلال التعدد و من ثم تداول المنافع الاجتماقتصادية

و بهذا الفهم يمكننا القول ان الديمقراطية اصبحت من اهم ركائز الدولة العلمانية الحديثة و ميزتها الفريدة في التطور و الاستمرار
خلاصة القول يكمن ان نقول ان علاقة العلمانية و الديمقراطية بالسودان ان القضية العلمانية هو امكانية وضع اساس صلب لتحقيق التعددية في السلطة و توزيع الثروة من خلال وجود نظام ديمقراطي يراعي تعدد الثقافات وفق شروط الحقوق المدنية ،المواطنة و حكم القانون

المراجع
1 ورقة الثورة و مستقبل الديمقراطية في السودان -مالك علي عيد
2 المرجع السابق
3 ورقة إشكالية الهوية و الديمقراطية في السودان ابكر ادم اسماعيل
4 مقال ما بعد العلمانية ام ما بعد الاصولية؟ خالد تورين
5 منهج التحليل الثقافي ـ الدولة الوطنية السودانية و ظاهرة الثورة و الديمقراطية ،مكتبة الدار البيضاء الطبعة الثامنة 2018

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.