حول دفاع (عبد الرحمن الغالي) عن حزب الأمة، ورده على رئيس الحركة الشعبية – شمال).
عادل شالوكا
حسناً فعل الأستاذ (عبد الرحمن الغالي) عندما قرر الدفاع عن حزب الأمة منتقداً القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، عندما قرر الرد على مزاعم (رشا عوض) بعدم وجود ثورة في دارفور..
وحسب ما جاء في مقاله – فإن ذلك كان بناءً على طلب من: ( حبيب أعزه) – وأن يكون الرد: (تثقيفياً لا يقتصر على النقاط الواردة في المقال) – وأضاف: (آثرت أن أتوسَّع شيئاً ما في الرَّد لتعم الفائدة لدى الأجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الأحداث ولم تجد مصادر لقراءتها).
وأضاف: (ومع ذلك سأسعَى جُهدي أن يكون الرد قصيراً والنفس بارداً هادئاً، ذلك لأن أحوال الوطن تتطلَّب تجميع أبنائه على كلمة سواء دون أن يعني ذلك التخلِّي عن إحقاق الحق).
لم يكن الرد قصيراً، ولا النفس بارداً وهادئاً – بل كان الرد للدِّفاع عن حزبه وتفنيد ما إعتبره أكاذيب – فليس هو المسؤول عن مسألة (إحقاق الحق) – هذه مسألة متروكة للشعب السوداني ولا يقررها (عبد الرحمن الغالي).
والحسنة التي فعلها (عبد الرحمن الغالي) إنه فتح باب (التثقيف) لتعرف جميع الأجيال من الذي تسبب في أزمات السودان.
سنواصل سرد الحقائق التاريخية رداً على (عبد الرحمن الغالي) وغيره – وهي حقائق موثقة لا يستطيع حزب الأمة إنكارها. فتاريخ حزبه عبارة عن كتاب مفتوح يمكن للجميع (قراءته) وقد كتب الكثيرين كتباً تنتقد الحزب الذي ساهم في خلق الأزمات في السودان حتى توجت بإنفصال جنوبه.
ولدينا العديد من تصريحات الصادق المهدي في حق (الجنوبيين) عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء – فلقد رفض أن يكون زعيماً لجميع السودانيين، وإختار أن يطرد شعب جنوب السودان لتكون خارطة الدولة بشكلها الحالي.
ما فعله عمر البشير كان بتخطيط قديم من الصادق المهدي، بل كان هو مرجعيته الفكرية والسياسية في كثير من الأحيان.
أولاً: في دفاعه عن حزبه ورده على القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – حاول (عبد الرحمن الغالي) أن يُغالط في التواريخ ليثبت عدم صحة ما ذكره القائد في مقاله – وجميع تلك الأحداث كانت واقعية (مؤتمر فورولينا، تسليح المليشيات، إستضافة إبن عمر، .. إلخ) .. وقد شهدها الجميع حتى لو كانت التواريخ غير دقيقه.
ثانياً: يعلم الجميع إن الصادق المهدي كان رئيسا لحزب الأمة منذ العام 1964، وبحكم منصبه ذاك، فهو المُفكِّر والمُنظِّر الرئيسي وواضع سياسات حزب الأمة والمسؤول عنها، ولعل الجميع يعرفون كيف تآمر على (المحجوب) الذي كان رئيسا للوزراء في تلك الفترة وأزاحه من منصبه لينفرد بعدها برئاسة الحزب والحكومة. وحتى في وجود المحجوب في رئاسة الوزراء فقد كان الصادق المهدي هو العقل المُدبِّر.
ثالثاً: التَّحضير للدستور الإسلامي بدأ مُبكِّرا لتنفيذ مشروع (الصحوة الإسلامية) لحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، ولكنه ظهر للعلن ووضع على منضدة البرلمان في العام 1968 – وهنا لا يهم التاريخ.
رابعاً: إذا كان ما ذُكر (غير صحيح) فإن الأمم المتحدة في تقاريرها ذكرت إن الذين قُتِلوا في دارفور فى الفتره من (2002 – 2007)، حوالي (300،000) – ولكن التسليح والقتل بدأ منذ العام 1986 وبعد تولي الصادق المهدي لرئاسة الوزراء في ما يُسمَّى بـ(الديمقراطية الثالثة) وأثناء تواجد المدعو (إبن عمر) في الإقليم – والذي قام بتوزيع السلاح أيضا وإرتكاب المجازر والإبادة.
خامساً: فكرة إنشاء (قوات الدِّفاع الشعبي) طرحت أصلا بواسطة الصادق المهدي، وقد قام عمر البشير بتقنينها عام 1989 حيث أصدر قانوناً لقوات الدفاع الشعبي بعد إستيلائه على السلطة – أو بعد أن سلَّمها له الصادق المهدي.
سادساً: عمل الصادق المهدي على تقويض الديمقراطية في العام 1989 عندما سمح للإسلاميين بتنفيذ إنقلابهم برغم علمه بنيتهم القيام بالإنقلاب حسب التقارير التي وصلته. وهذا يؤكِّد تواطؤه مع الإسلاميين حيث فتح لهم الطريق للإستيلاء على السلطة من أجل تنفيذ مشروعاته التي إكتشف إنه لن يستطيع تنفيذها عبر المؤسسات الديموقراطية. وهذا أثبتته الأيام فيما بعد بتحالفاته المُتكرِّرة معهم عبر (تفلحون، نداء الوطن، .. إلخ) .. وحتى رفضه لثورة ديسمبر في بدايتها و(ركوبه الموجة) فيما بعد عندما تأكَّد له نجاح الثورة.
سابعاً: مذبحة الضعين المشهورة (1987) التي لا يمكن أن ينساها السودانيين – تقف شاهدا قوياً على تورُّط حزب الأمة والصادق المهدي شخصياً في تلك الأحداث عندما كان رئيسا للوزراء آنذاك، ولعل الجميع يتذكرون كيف برَّر الصادق المهدي المذبحة وقال إن في ذلك (تساوي للجراح) !!. كما يتذكرون جيداً رفض حزبه لتدوال المسألة في البرلمان.
ثامناً: تملص الصادق المهدي من مخرجات (كوكادام 1986) بذريعة أن أعضاء حزبه الذين شاركوا لم يكونوا مفوضين. وإن مشاركته في مبادرة إنقاذ الوطن مع التجمع الوطني – كان رضوخاً للضغوط التي مورِست عليه – ولكنه فيما بعد أجهض مبادرة السَّلام السُّودانية (1988) والتي عُرفت بإتفاق (الميرغني – قرنق) حيث إستنكر على الميرغني تجميده لمواد (الحدود) – فى الشريعة الإسلامية. كما قام بإعتقال الذين شاركوا في (ورشة أمبو – 1989).
لقد رفض حزب الأمة والجبهة الإسلامية إتفاف (الميرغني – قرنق)، وبعدها رفض الصادق المهدي إيداع الإتفاق في الجمعية التأسيسية للنقاش، وعندما أصَّر الحزب الإتحادي الديمقراطي على عرض الإتفاق على الجمعية التأسيسية، تم إسقاط ذلك بأغلبية ميكانيكية تضم (حزب الأمة والجبهة الإسلامية) مما أدَّى إلى إنسحاب الحزب الإتحادي الديمقراطي من الجمعية التأسيسية في 28 ديسمبر 1988. بعدها إجتمع الحزب الإتحادي الديمقراطي وقوى التجمع الوطنى والأحزاب الأفريقية في مدينة “أمبو” الأثيوبية فيما عُرف بـ”ورشة أمبو” في 9 فبراير 1989 للتأكيد على دعمهم للإتفاق – وعندما عاد المشاركون في الورشة، قام الصادق المهدي باعتقالهم.
ونتيجة لضغط مُنظَّمات المجتمع المدني والأحزاب الأفريقية والإتحادي الديمقراطي تراجع الصادق المهدي عن موقفه الرافض للإتفاق وعقد إئتلافاً مع الحزب الإتحادي الديمقراطي أيَّد بموجبه الإتفاق مما أدَّى إلى خروج الجبهة الإسلامية القومية من الحكومة، فأوقفت الحركة الشَّعبية لتحريرالسُّودان إطلاق النار كرد فعل على هذه الخطوة، وقامت الحكومة من جانبها بتجميد قوانين سبتمبر، عندها قامت الجبهة الإسلامية القومية – كرد فعل لتلك التطوُّرات – بإنقلاب عسكري في 30 يونيو 1989 لقطع الطريق أمام أي تسوية سياسية يمكن أن تفضي الى إلغاء قوانين سبتمبر التي رفض الصادق المهدي تجميدها من قبل منتقداً إتفاق (الميرغني – قرنق) – وفي هذا مؤشر قوي لقبوله بالإنقلاب أو تواطؤهِ معه.
تاسعاً: فوز الصادق المهدي – حزب الأمة – بـ(34) دائرة في دارفور كان بسبب غياب الوعي لدى الشعوب المُهمَّشة آنذاك، وبحكم إنهم ناصروا (المهدي) من قبل خلال حروبه ضد الأتراك، وبحكم إنتمائهم لطائفة الأنصار. وهذه الأشياء ستنتفي بالطبع مع (التثقيف) والوعي.
عاشرا: تعيين (عبد النبي علي أحمد / التجاني سيسي / علي حسن تاج الدين) جاء لأنهم يتبعون لطائفة الأنصار وحزب الأمة وليس لأي إعتبارات أخرى كما ذكر (عبد الرحمن الغالي). ولذلك لم يتمكنوا من وقف الإنتهاكات ضد أهلهم في ذلك الوقت حتى أصبح سكان دارفور ضحايا لسياسات حزبهم وسياسات الحكومة.
إحدى عشر: إصدار الصادق المهدي لكتاب حول (مشكلة السودان) لم يكن لإهتمامه بالمشكلة، ولكنه طرح في كتابه (خمسة خطوات لأسلمة و تعريب جنوب السودان ) !!. لأنه كان يرى في ذلك الحل للمشكلة. وإذا كان الإسلام لا يحرم الناس من حرية المعتقد ويقبل بالتنوُّع .. فلماذا أسلمة وتعريب جنوب السودان؟!!.
ولم يكن الصادق المهدي هو الوحيد الذي كتب عن مشكلة الجنوب بل سبقه فى ذلك كلا من (الأستاذ/ محمود محمد طه – والأستاذ/ ابراهيم بدري) وشتَّان بين ما كتبوه هم – و ما كتبه الصادق المهدي.
إثنى عشر: لعل من الأفضل أن يخطرنا (عبد الرحمن الغالي) ماذا حدث لحلفاء حزبه فى (مؤتمر القوى الجديدة) – (وليم دينق – حزب سانو / أحمد ابراهيم دريج – جبهة نهضة دارفور / فيليب غبوش – اتحاد عام جبال النوبه / مؤتمر البجا – الذي رفع السلاح عام 1995) – جميعهم إكتشفوا الزيف وعدم جدية الصادق المهدي وحزبه.
ثلاثة عشر: الصادق المهدي وجد في تاريخه فرصتين لحكم البلاد، فماذا قدم للهامش؟ بل في حمكه تفاقمت النزاعات الدموية بين أبناء الوطن. وحتى وفاته (عليه رحمة الله) كان رئيسا للوسطية الإسلامية..!!.
أربعة عشر: ساهم الصادق المهدي في إفشال أهم منبرين لمناقشة وحل مشكلة الجنوب (مؤتمر المائدة المستديرة / ولجنة الإثني عشر) وعمل على إسقاط حكومة (سر الختم الخليفة) وتصعيد الحرب – وبسبب ذلك مات الملايين في جنوب السودان.
خمسة عشر: الصادق المهدي هو أول من وصف إتفاق السلام الشامل – نيفاشا 2005 بـ(الثنائي) – وحرَّض القوى السياسيه ضده لدرجة إصداره كُتيِّباً بعنوان: (اتفاقية السَّلام والدَّستور في الميزان – مايو 2005) وبذلك أهدر فرصة إستفادة السودانيين من الآليات التي وفرتها نيفاشا للقوى السياسيه للفوز في الانتخابات وصناعة دستور جديد يجعل وحدة البلاد شيئا ممكنا .
ستة عشر: لا يوجد أي إهتمام من الصادق المهدي بقضايا الهامش – بل هو أول من إبتدع مفهوم (الأقليات) – العنصري – بجانب محمد أحمد محجوب.
سبعة عشر: رحلة الصادق المهدي إلى جبال النوبة عام 1958 – ثم 1960 لم تكن لإهتمامه بإنسان الإقليم، ولكنه ذهب لتأجيج الصراعات – ولقد ذكر مُخاطباً الورشة التي أقيمت بجنوب كردفان بتاريخ 4 يوليو 2020 – وهي ورشة أقيمت للنظر في النزاعات الإثنية والقبلية التي تفاقمت مؤخَّراً. حيث صب في تلك الورشة جام غضبه على الحركة الشَّعبية ومؤسِّسُها الدكتور/ جون قرنق ديمبيور، حيث قال أنه: مكث ثلاثة أشهر بجنوب كردفان في 1958، ثم مكث فيها أكثر من أربعة أشهر أخرى من ديسمبر 1960 وحتَّى أبريل 1961 طاف خلالها جنوب كردفان من أقصاها إلى أدناها خمسة مرات، وإطَّلع على التعدُّد والتنوُّع، ووصف المنطقة بقوله: أن هذه المنطقة هي (السُّودان مصغراً)، وأن مصيرها ينعكس سلباً أو إيجاباً على السُّودان الكبير.
لقد قرَّر الصادق المهدي هندسة مُستقبل المنطقة إجتماعياً منذ ذلك الوقت المُبكِّر من عمر البلاد بعد خروج المُستعمر لتستمر آثار وتداعِيات أفكاره تلك إلى يومنا هذا في شكل إقتتال ونزيف وأهوال يصعب توصيفها. ونحن نشكره على كشف الحقيقة عن تلك الزيارات التي وفَّرت لنا إجابة، وقدَّمت لنا تفسيراً لما كان متداولاً من معلومات عن دور الصادق المهدي في تحريض (البقَّارة) في عام 1967 لإحتلال أراضي النوبة. فالمُتداول أن الصادق المهدي قال للمناديب (العُقداء) من قبائل البقَّارة الذين قاموا بتوريد (الزكوات) أو “الإشتراكات” بالمفهوم الحديث والتي تُجمع سنويا وتُرسل إلى دائرة المهدي (بيت مال الأنصار- حزب الأمة)، قال لهم :
(“ضهر التور” لن يكون لكم وطناً .. ولذلك عليكم بإحتلال أراضي في مناطق النوبة الغنية بالمراعي والمياه والصالحة للزراعة بدلاً عن أراضي القوز القاحلة والتِّرحال المُستمر).
وبعد ذلك، ومنذ العام 1968 بدأ (البقَّارة) في إحتلال المواقع والأراضي الواقعة على ضفاف “الخيران” و”الوديان” الغنية بالمياه على طول المسارات والمراحيل من شمال كردفان (علوبة، جعيبات، الحمَّادي … إلخ) – الموطن الأصلي للبقَّارة – إلى أقاصي المناطق الجنوبية من مديرية جنوب كردفان. وهذه التحرُّكات بالطبع كانت مدعومة بواسطة جهاز الدولة المُتحيِّز، وفي ظل عدم إمتلاك النوبة للسِّلاح.
مرة أخرى قام الصادق المهدي بصب الزيت على النار عندما قام بصياغة قانون الأراضي غير المُسجَّلة في 1967، ولكن بسبب فقدانه لموقعه كرئيس وزراء لم يتمكَّن من إجازته حتَّى جاء (جعفر نميري) وتبنَّاه ليُصدَر بإسم: (قانون الأراضي غير المُسجَّلة لسنة 1970) والذي إعتبر أن كل الأراضي غير المُسجَّلة بـ”مناطق الهامش” ملك للدولة، وذلك حتَّى يتم مصادرتها وتوزيعها للتُّجار والمُتقاعدين من الإداريين لإقامة مشاريع الزراعة الآلية الواسعه وبدعم مالي وتسهيلات كبيرة لأولئك المُلَّاك الجُدُد بواسطة البنك الزراعي. ومرة ثالثة قام الصادق المهدي أثناء رئاسته الثانية لمجلس الوزراء في ما يُسمَّى بالديمقراطية الثالثة، بإنشاء (قوات المراحيل) بصفة أساسية فى جنوب كردفان، أي قام بتسليح (البقَّارة) الرُحل ضد النوبة ودينكا أبيي رغم أن الذريعة التي ساقها هي مقاومة الجيش الشَّعبي الذي يُقاتل في الجنوب. ولكن الواقع أن المُستهدف الأساسي هم (النوبة) وأراضيهم. ولكنه وللمرة الثانية لم يتمكَّن من إجازة مسودَّة ومشروع (قانون إنشاء قوات الدفاع الشَّعبي) بسبب إبعادِه من رئاسة الوزارة عبر إنقلاب (الجبهة الإسلامية القومية) التي سُرعان ما تلقَّفت الفكرة وقامت بإجازة “قانون قوات الدِّفاع الشَّعبي” وهذه القوات (الدفاع الشَّعبي) هي التي نفَّذت مع القوات المُسلَّحة السُّودانية أبشع الجرائم ضد النوبة من: (تشريد، تهجير، أبادة، إحتلال الأراضي، وإرتكاب أفظع الإنتهاكات). وهذه الإنتهاكات ما زالت مُستمِرَّة حتَّى اليوم.
ثمانية عشر: عملية (شريان الحياة) قبل بها الصادق المهدي لضغوط من المجتمع الدولي، ولكنه برغم ذلك رفض دخول المُساعدات الإنسانية إلى جبال النوبة والنيل الأزرق.
أخيرا: الصادق المهدي صنَّف مشكلة جنوب السُّودان بإعتبارها (مشكلة أمنية) – وليس كما ذكر (عبد الرحمن الغالي) بإن الصادق المهدي كان ينظر إليها بإعتبارها مشكلة سياسية.
.