حول الذكرى 67 لإستقلال السودان و المحاكمات الصُّورية لمدبري و منفذي إنقلاب 30 يونيو 1989م

✍🏿: برير إسماعيل

 

تحت هذا العنوان نقول إمَّا أن تتحقق وحدة قِوى الثورة الحيَّة العريضة بناءً على برنامج حدها الأعلى أو أن تحدث الفولكرة الشاملة للثورة السودانية المجيدة من قِبل المجتمعين الإقليمي و الدولي فلا توجد منزلة بين المنزلتين.

تحت هذا العنوان نقول لابد من قراءة سياسية للمحاكمات الصُورية لمدبري إنقلاب 30 يونيو 1989م .. و لابد أيضاً من الوقوف عند الذكرى 67 لما يُسمى بإستقلال السودان لمعرفة الحصاد .

الواقع السوداني يقول إنَّ الحركة الجماهيرية السودانية العريضة لم تحصد في المجمل من سنوات ما يُسمى بالإستقلال و الذي كان في واقع الأمر إستغلالاً غير الخراب و الدمار و التشريد و النزوح و الإستبداد و الديكتاتورية العسكرية المسيِّسة وصولاً للمرحلة التي شنَّت فيها (دولة الإستقلال -الدولة الوطنية) حربين للإبادة الجماعية ضد مواطنيها الأولى جرت أحداثها في جنوب السودان بينما كانت أحداث الثانية في دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق.

لقد بدأت بوادر نشوب الأزمة السودانية منذ بدايات النضال لنيَّل الإستقلال و إزداد الوضع السياسي العام في السودان تعقيداً بسبب نظرة غالبية النخب الإسلاموعربية الأحادية للمكوِّنات السودانية قبل و بعد خروج المحتل البريطاني من السودان وفقاً لعملية سياسية معروفة و بمعنى آخر لم تستطع الحركة السياسية السودانية رغم نضالاتها و تضحياتها المقدرة و في إطارها التاريخي أن تهزم عسكرياً الإحتلال البريطاني لتخرجه من البلاد.

أما فيما يخص الحديث عن المحاكمات الصُّورية و الموغلة في الإستهبال السياسي لقادة إنقلاب 30 يونيو 1989م المشؤوم الجارية الآن فبحساب السوق السياسي أي بحساب الربح و الخسارة السياسي البسيط و غير المعقَّد نقول فرض عين على قوى الثورة العريضة أن تتفق على حقيقة مفادها بأنه لا يمكن لمنظومة إنقلابية وهي اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية أن تحاكم بِجديَّة المنظومة الإنقلابية الأصل التي كانت سبباً في وجودها وهم قادة إنقلاب 30 يونيو 1989م.

إنطلاقاً من نظرية الإحتيال السياسي المعروف في السودان إستمدت اللجنة الأمنية الكيزانية قوتها الآيلة للسقوط في أي لحظة و متى توحَّدت إرادة قِوى الثورة العريضة إستمدتها من حالات الضعف و الهوان و من المشاكسات و الصراعات السياسية الدائرية في غالبها الأعم بين غالبية مكوِّنات القِوى السياسية و المدنيَّة المحسوبة على الثورة و التي يفترض أن يكون لديها برنامجاً سياسياً موحَّداً لمرحلة ما بعد سقوط المنظومة الكيزانية بعد أن خاضت هذه القوى العريضة مجتمعة نضالاً سياسياً سِلِّمياً و سياسياً مسلحاً ضد المنظومة الكيزانية تجاوز الثلاثين عاماً.

ظلَّت المُحاكمات الصُّورية لقيادات الصف الأول للإنقلاب الذي قادته حركة الأخوان المسلمين السودانية و الدولية في نفس الوقت و المتحورة على الدوام من فيروس سياسي سيء إلى الأسوأ على الإطلاق بسبب إجادتها للتمويه و التضليل و الإحتيال السياسي ظلَّت مستمرةً بتقديمها لعروض مسرحية هزيلة في المحكمة كان أبطالها الحقيقيين قادة اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية الذين ورثوا مقاليد السلطة في السودان بعد الإنتصار الجزئي لثورة ديسمبر 2018 المجيدة بعد 11 أبريل 2019م.

في المجمل لا يمكن قراءة هذه المحاكمات الهزيلة و غير الجادة بمعزل عن موقف اللجنة الأمنية العام من قضايا العدالة في البلد و كما لا يمكن قراءة فصول هذه المسرحية البايخة بمعزل عن إنتهاكات اللجنة الأمنية نفسها لحقوق الإنسان السوداني قبل 11 أبريل 2019 و بعد هذا التاريخ.

الواقع يقول إنَّ اللجنة الأمنية و مليشياتها العسكرية و الشُرطية و الأمنية شريك أصيل في كل الجرائم التي إرتكبتها الجبهة الإسلامية القومية في سنوات حكمها الدموية من قبل أن تتحور ذات الجبهة الكيزانية لفيروس سياسي جديد مرتدية عباءة اللجنة الأمنية لحماية مصالحها بعد 11 أبريل 2019م.

على ذكر مسرحية محاكمة مدبري إنقلاب 30 يونيو 1989م فمعلوم بالضرورة أن المتهم بإرتكاب جريمة ما مهما صَغُر حجمها عند مثوله أمام حتى المحاكم الشعبية العادية المفتوحة في القرى و الأرياف السودانية لا يمكن له أن يقدم هو نفسه وهو المتهم دروساً في السياسة و الأخلاق و الدين و الأمانة …إلخ للحضور و إن كان الحضور يجلس تحت سقف الراكوبة أو تحت ظل الشجرة فما بالكم و الحضور قضاة! . فكل المطلوب من هذا الرئيس المخلوع المجرم بشهادته هو نفسه أن يخاطب الحضور بأدب و إحترام بعد أن يسمع منهم تساؤلاتهم المشروعة و توجياتهم إليه إلا أن هذا الأمر لم يفعله الرئيس المخلوع المطلوب دولياً عمر البشير أمام المحكمة التي أثبتت تفاصيل حيثياتها للرأي العام بأن محكمة صُّورية علماً بأن المخلوع بأمر الثورة ظلَّ يكذب داخل المحكمة كما يتنفس لأنَّ الكذب هو ديدنه منذ أن تعرفت عليه الناس و إلى اللحظة التي آلت فيها مقاليد السلطة للجنته الأمنية التي بناها على حساب جماجم و جراحات و دماء غالبية مواطنيه و بدرجات متفاوتة في إرتكاب نظامه للجرائم في داخل البلد و خارجها.

كدليل على المسخرة التي حدثت في هذه المحكمة لم يتبقَ لقضاة المخلوع في محكمتهم الهزيلة إلا أن يجهزوا له المسرح و يشغِّلوا له أغنية النار ولعت و لزَّام التقيلة ليرقص أمامهم و على شاشات التلفزيون وسط التصفيق الحار لأنصاره من ضمن الذين هم من ضمن الحضور و من العساكر الذين يتظاهرون بأنهم جاءوا لحراسة هذا القائد الأمين!.

هنالك قرائن كثيرة جداً تفيد بعدم جدية المحاكمات الهزيلة الجارية الآن بإسم محاكمة مدبري إنقلاب 30 يونيو 1989م و التي ظلت تحركها اللجنة الأمنية عند اللزوم أي عند الحاجة السياسية إليها و التي ظلَّت تتزامن دائماً مع الحراك الجماهيري الذي يستهدف إحكام القبضة على المنظومة الإنقلابية ليكون هدف المحاكمة الصُّورية إنشغال الناس بها لتمرر ذات اللجنة الأمنية برنامجاً سياسياً آخر يمكِّنها من تثبيت قواعد حكمها الإستبدادي المعتمد بصورة أساسية على سرقة موارد البلاد و على بطش المليشيات العسكرية و الأمنية و الشُرطية الكيزانية للجماهير الثائرة و التي تُسمى مجازاً بالمؤسسات العسكرية و الأمنية و الشُرطية.

من أهم القرائن التي تثبت بها القوى العريضة المحسوبة على الثورة عدم جدية هذه المحاكمات الحالية هي عدم تسليم اللجنة الأمنية للمطلوبين دولياً بعد 11 أبريل 2019م و فض اللجنة الأمنية لإعتصام القيادة العامة لمليشيا الجيش و عدم إجراء تحقيقيات دولية في قضية فض الإعتصام و عدم محاكمة المليشيات العسكرية التابعة للجنة الأمنية التي قتلت المواطنين في كل من الجنينة و فتابرنو و نيرتتي و كسلا و بورتسودان و مدني و كرينك و في غير ذلك من المدن و القرى السودانية. و من القرائن التي توضح عمق إحتيال اللجنة الأمنية و عدم جديتها في المحاكمات هي عرقلة ذات اللجنة الأمنية لعملية تغيير منظومة القوانين و التشريعات القمعية التي سنَّتها الجبهة الإسلامية القومية منذ وقوع إنقلابها المشؤوم.

تواصل الآن اللجنة الأمنية عملية إحتيالها السياسي و إلتفافها حول الثورة عبر الإتفاق الإطاري و لن تتوقف اللجنة الأمنية عن عمليتي الإلتفاف و الإحتيال إلا في حالة وحدة قوى الثورة العريضة وفقاً لبرنامج حدها الأعلى المتمثل في تحقيق الحرية و السلام و العدالة و عموماً لا يمكن للثورة أن تنتصر ما لم تتم عملية تحرير مؤسسات القطاع العام في الدولة بما في ذلك تحرير المؤسسات العسكرية و الأمنية و الشُرطية من العقليات التي تجيد مليشة المؤسسات كما في حالة حميدتي و من العقليات الكيزانية المؤدلجة كما في حالة البرهان.

البرهان و حميدتي يمثلان النموذج الأسوأ في تاريخ الدولة الوطنية للعقليات التي بإمكانها أن تفعل كل شيء غير شرعي في سبيل الإستمرار في السلطة و لذلك لا يهمها لا من قريب و لا من بعيد أن تصبح البلاد مرتعاً للمصالح الكيزانية و للتقاطعات و المضاربات السياسية الإقليمية و الدولية.

المجتمعان الإقليمي و الدولي لا يريدان أكثر من التغيير المتحكم فيه في السودان لتحقيق مصالحهما و لذلك من مصلحتهما أن تظل مقاليد السلطة و مفاتيحها الأساسية في أيادي المليشيات العسكرية و الأمنية و الشُرطية التي أسستها الجبهة الإسلامية القومية و في ذات السياق لا يستطيع أي مواطن سوداني ثائر أن يطالب المجتمعين الإقليمي و الدولي بموقف أخلاقي و سياسي تجاه بلده و إن فعل ذلك يكون شخصاً مثالياً من الدرجة الأولى.

الكرة الآن في ملعب الحركة الجماهيرية و في ملعب قِوى الثورة العريضة لكي تتحمل المسؤولية التاريخية تجاه قضايا الثورة السودانية حتى تتمكن هذه القوى الثائرة من فرض معادلة سياسية على الأرض السودانية لصالح الثورة لا يستطيع المجتمعان الإقليمي و الدولي و غيرهما تجاوزها.

ببساطة شديدة نقول إن فولكر لا يمثل مصالح الجمعيات الخيرية في العالم و في نفس الوقت لا يمكن أن يكون هو نفسه حريصاً على التغيير في السودان أكثر من الثوار و الثائرات في البلد و بالتالي فولكر ليس بشر مطلق و كما إنه ليس بخير مطلق و عليه فإنَّ التعامل مع المجتمعين الإقليمي و الدولي فرض عين على جميع القوى التي لها مصلحة حقيقية في التغيير ليكون الهدف من هذا التعامل هو محاصرة المنظومة الإنقلابية سياسياً و ديبلوماسيا من أجل تحقيق الأهداف التي من أجلها إندلعت الثورة.

على ذِكر ضرورة و حتمية تعامل قِوى الثورة العريضة مع المجتمعين الإقليمي و الدولي لتحقيق مصالح الثورة فإنَّ حركة الأخوان المسلمين السودانية حركة دولية و كما أن هناك قِوى سياسية سودانية معروفة لديها إرتباطات فكرية و تنظيمية مع بعض الدول في القارة السمراء و البعض الآخر من القوى السياسية السودانية لديها إرتباطات فكرية و تنظيمية مع دول أخرى خارج القارة السمراء و أن اللجنة الأمنية الكيزانية التي تمكَّنت من السيطرة على مقاليد السلطة في البلد بعد 11أبريل 2019م لا تعمل بإمكانية سودانية خالصة بل لها تقاطعات و مصالح سياسية و إقتصادية و أمنية مرتبطة بذات المجتمعين الإقليمي و الدولي اللذين يرفض البعض بخبث و مكر سياسين التعامل معهما و بينما يرفض البعض الآخر التعامل معهما من منطلقات أيديولوجية غير مواكبة لما يجري الآن في العالم و في نفس الوقت ترفض أعداد كبيرة من المحسوبين/ات على الثورة التعامل من حيث المبدأ مع المنظمات الإقليمية و الدولية بسبب عدم المعرفة بطبيعة تكوين هذه المنظمات الدولية و الإقليمية فضلاً عن عدم المعرفة بالدوافع الحقيقية وراء تحركات الأسرة الدولية تجاه أي بلد في العالم فشلت فيه قواه السياسية و مجتمعه المدني في إدارة شئونه.

على ذِكر عدم التدخل الإقليمي و الدولي في شئوننا السودانية فإنّ الجميع يعلمون بأن كارل ماركس ليس رزيقياً و أن ميشيل عفلق ليس هبانياً و أن حسن البنا ليس نوباوياً و أن المسيح عليه السلام ليس شايقياً و أن محمد صلى الله عليه و سلم ليس فادنياً و أن الشيخ أحمد التيجاني ليس بديرياً و أن الشيخ عبد القادر الجيلاني ليس مسيرياً …إلخ لذلك واقعنا السوداني يقول نحن في السودان لسنا نسيج وحدنا و بالتالي لا نعيش في كوكب نقعد و نقيف فيه على كيفنا بل نحن جزء صغير جدا من الأسرتين الإقليمية و الدولية و سمعتنا السياسية السيئة في العالم بعد أن أبادت (الدولة الوطنية) الملايين من مواطنيها متفوقة على سمعتنا الطيبة في مجالات أخرى كثيرة و لذلك يجب علينا من حيث المبدأ أن نتعامل مع الأسرتين الإقليمية الدولية لتحقيق مصالح ثورتنا شريطة ألا نرهن قراراتنا السيادية لأي جهة في العالم.

الخلاصات تقول إنَّ الواقع السوداني المتردي في كل شيء في الوقت الحالي يفرض على جميع قوى الثورة العريضة الحيَّة أن ترتقي لمستوى المسؤولية التاريخية لتحقيق أهداف الثورة لأنَّ جميع مكوِّنات القوى المحسوبة على الثورة مسؤولة عن المآلات السياسية الكارثية الحالية للثورة كل حسب درجة مشاركته في خروج الثورة عن خط سيرها الصحيح و في حالة إستمرار الصراعات السياسية غير الراشدة فلا يلوم الثوار و الثائرات و كما لا تلوم جميع القوى المحسوبة على الثورة عملية فولكرة الأسرة الدولية للثورة السودانية.

الثورة السودانية مستمرة و النصر أكيد في حالة أن تتوحد قوى الثورة الحيَّة العريضة بناءً على برنامج حدها السياسي الأعلى ليكون لديها عدواً واحداً هو اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية المسيطرة حالياً على مفاتيح البلد و التي أطلق عليها تحالف قوى الحرية و التغيير عندما كان موحَّداً بتقدير سياسي خاطيء سببه القراءة العاجلة و الفطيرة لمراكز قوة و ضعف العدو إسم المكوِّن العسكري مع أن التجربة العملية التاريخية لحركة الأخوان المسلمين الكيزانية السودانية و الدولية المتحورة أوضحت بأننا أمام عدو يجيد الحربائية السياسية و التمويه و الخداع.

كارديف- 27 ديسمبر 2022م.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.