حوار مع نائب حاكم إقليم جبال النوبة “الأسبق” – القائد/ بولس شعير (الجزء الثاني).
حاوره من نيروبي: أزهري الطيب.
بدأ الرعيل الأول من قادة المهمشين نضالهم الطويل من أجل الحقوق والمواطنة المتساوية قبل سنوات، بعد أن إكتشفوا ظلم الحكومات المركزية. فمضوا في طريق طويل ووعر من أجل بناء وطن يحلم به جميع السودانيين. ورغم مشقة الطريق، ولكن كانت العزيمة والإصرار هي وقودهم لبلوغ غاياتهم. الآن وصلت بلادنا مرحلة اللا-عودة إلى تلك المحطات المظلمة.
رأينا في هذا الظرف المفصلي إن نستنطق هذه القيادات بعد أن بلغ بهم العمر سنينا طوال من النضال. ولعل هذا هو الوقت المناسب للإستماع إليهم قبل فوات الأوان.
أجرينا عدة حوارات مع قادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال.
في هذا الحوار إلتقينا بنائب حاكم إقليم جبال النوبة “الأسبق” القائد/ بولس شعير، وهو أحد قيادات ثورة المهمشين وقائد تاريخي في صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. عندما إلتقيناه كان متحمسا للحديث عن تاريخ النضال الطويل.
إلى مضابط الحوار (الجزء الثاني):
بعد أن أوصلتم المستجدين إلى مراكز التدريب بجنوب السودان، هل لك أن تخبرنا عن الوحدات التي عملت بها؟
في ذلك الزمن أنا كنت مدفعجي، وعند نزول المستجدين وصى يوسف كوة مكي بتاريخ 5 أغسطس 1988 بالذهاب إلى الكلية للتدريب، وكنا أنا وسليمان جبونا من فضلنا في الجنوب، وكانت القوة قوامها (700 فرد) وتم تقسيمها إلى مجموعتين (شيل 5 و شيل 6). وتدربنا لمدة ثلاثة أشهر في (بيلفام)، وقبل التخرج أخذونا إلى “بونقا” وقضينا سنة، وتخرجنا يوم إنقلاب الإنقاذ في سنة 1989. وبعد التخرج تم توزيعي في وحدة الإنتفاضة “وحدة الجيش الأحمر” في “فانيدو” وكنا أربعة من أولاد النوبة (أنا وعثمان أبوكلام، ووليام دوكو، وأندومي) وعملت لمدة 14 سنة. ولاحقا تم نقل الثلاثة إلى غرب الإستوائية وفضلت أنا مع “الجيش الأحمر”. وبعدها أتى ضباط (شيل 7) وكان من بينهم “أبناء النوبة” الرفاق الأساتذة (جابر كمندان كومي، والشهيد/ التجاني تمة الجمري، كوكو محمد جقدول، والرفيق/ عبد المنعم) وكان معي الأساتذة (البليل عبد الرحمن، وكامل مكي) وهم كانوا أساتذة موجودين قبلنا، وبعد سقوط نظام منقستو وجه د/ جون بنقل الرئاسة إلى البر الآخر لعدم ضمان النظام الجديد، وهذه واحدة من التحديات الكبيرة التي واجهتنا في الثورة. وكان الرفيق “سلفاكير” هو القائد في المنطقة، وكان “وياي دينق أجاك” قد ذهب إلى النيل الأزرق ومعه “وليم نيون” وبعض الضباط الآخرين. فذهب إليهم الضباط الأثيوبيين ونصحوهم بالرجوع، وقالوا لهم: (هذا النظام لا يدعم قضيتكم). وبالفعل كان عليهم القتال في طريق عودتهم، وفي ذلك الوقت أصيب “جبريل كرمبا”.
ماهي التحديات التي واجهتموها في مسيرتكم النضالية الطويلة؟
تتلخص التحديات في مشكلتين:
أولا: عندما تذهب إلى منطقة جديدة لأول مرة، هنالك صعوبة في الغذاء، ولكننا في الجنوب كنا على قلب رجل واحد “أخوة ورفاق” وعدونا كان واحد وليس هنالك مشاكل بيننا، وكان أول معركة لنا في “فانيور” بعد سقوط نظام منقستو، وقد أمر د/جون قرنق بإرسال الجيش الأحمر أولا إلى داخل الأراضي السودانية، وفضلنا نحن الجيش الأسود كخط دفاع خلفهم، وهنالك رفيقاتنا من بنات “الأنيواك”. أخبروني بأن الأثيوبيين أتين بقوة كبيرة لتنفيذ دورات لفتح الطرق لعبور الدبابات وسيجربون أسلحة ومدافع نحن لا نعرفها، ولكنها كبيرة. وإقترحوا لنا أخذ النساء والأطفال إلى “فانيرو” ونبقى نحن للقتال، ولكننا كنا قد أرسلنا النساء والأطفال إلى “فشلا”. وأرسلنا أحد الأفراد من “الأنيواك” للإستطلاع وقد أكد لنا صحة المعلومة.
في ذلك الوقت أرسل العدو قوات من الدفاع الشعبي وقد إشتبكنا معهم وحدثت إصابات وسقط شهداء من الطرفين.
وقد أرسلت ملازم ثاني يدعى “أبان” لإخطار كمرد “سلفاكير” بأن الأثيوبيين دخلوا المنطقة ونحن منسحبين وهم قادمون، ويجب علينا سحب الأطفال والنساء وأخذ الذخيرة ونحن نبقى لصد العدو.
وعند وصولنا وجدنا النساء والأطفال مرهقين، وأخبرتهم أن العدو آتي، وعليهم العبور إلى البر الآخر، إلى “فشلا”. ولكنهم رفضوا بحجة أن الظروف صعبة في “فشلا”. وقد أرسلوا لي مركب وعبرت للبر الآخر وهناك كان يوجد القائد “جنا فيل”، وعندما أطلق الأثيوبيين النيران أصاب الهلع المواطنين ووقعوا داخل الخور وراح ضحية ذلك عدد كبير من الجنود والمواطنين.
كرعيل أول في النضال، هل كان هنالك أي خلافات بينكم؟
لا توجد أي خلافات بيننا منذ أن ذهبنا وتدربنا وعدنا، وكلنا كنا متفقين في القضية. ولكن فقط كانت هنالك بعض الخلافات مع الرفاق من جنوب السودان، وهذا أمر طبيعي في الثورة.
بصفتك كنت نائبا سابقا للحاكم بإقليم جبال النوبة ومستشار لرئيس الحركة الشعبية ـ شمال حاليا. نريد أن نعرف أهم الإنجازات التي تحققت بعد الثورة التصحيحية 2017 في جبال النوبة والسودان الجديد، في مجال التعليم والصحة والتعدين بجبال النوبة؟
نشكرك من أجل هذا السؤال المهم، بعد تكليفنا نحن ثلاثتنا (الرفيق الحاكم الأسبق سايمون كالو، ونائبه الأول سليمان جبونا، وأنا كنائب ثاني). جلسنا وتفاكرنا حول كيفية إنجاز المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا، وقد قسمنا المهام، أخذ سليمان جبونا الشؤون الإنسانية فيما يختص بعمل المنظمات وتوزيع مهامها والخدمات التي يقدمونها للمواطنين حسب الحوجة، من تعليم وصحة وغذاء وغيره. قمت أنا بمهام الإدارة المدنية وتسخير الموارد لخدمة الشعب والفئات المتضررة.
في عام 2013 كنت مسؤولا عن الإمدادات. وكانت مهمتي توفير الموارد للجيش. والقائد عبد العزيز الحلو هو قائد فريد من نوعه. في عام 2005 (وقت كان للجيش مرتبات) فكر وإقترح أنه بدلا من إرسال الأطفال إلى المدارس في دول شرق أفريقيا، فمن الأفضل إنشاء بنك الجبال للتجارة والتنمية بمشاركة الجيش في شراء الأسهم ليخدم البنك الأجيال القادمة في المستقبل. وهي فكرة ناجحة برغم التحديات التي تواجهه البنك حاليا.
ما هي إنجازاتكم كقيادة للحركة الشعبية – شمال بالاقليم؟
كما ذكرت كان كمرد سليمان جبونا مسؤولا عن المنظمات، وكنا نجتمع في كل شهر لتقييم الأداء، ونقوم بمراقبة المدارس والمستشفيات بأنفسنا للوقوف على سير عملها. وقد نجحنا في هذا الشان بصورة كبيرة، وقدمنا خدمات حسب المتاح للشعب في الإقليم والآن توجد عدد من المدارس والمستشفيات، ولكنها تعاني في الوقت الراهن بسبب الضغط الذي طرأ مؤخرا بعد نزوح مئات الآلاف من المواطنين إلى المناطق المحررة نتيجة للحرب الدائرة حاليا في السودان، بالإضافة إلى شح الأمطار والآفات الزراعية في الموسم السابق مما تسبب في المجاعة التي أعلنت عنها السلطة المدنية للسودان الجديد.
وماذا عن الزراعة؟
كانت فكرة القائد عبد العزيز الحلو أن يتم دعم المنطقة بالآليات الزراعية للإعتماد على الذات بدلا عن الإغاثة. فقمنا بإنشاء جمعيات زراعية مستعينين بالإدارات الأهلية وبعض المنظمات الوطنية التي تقدم خدمات في هذا المجال. وقد قامت المنظمات بصيانة الآليات الزراعية الموجودة في الإقليم. وبسبب تذبذب الأمطار أحيانا وعدم توفر المعينات الزراعية، لا يكون الإنتاج بالصورة المتوقعة.
أما فيما يختص بالتعدين الأهلي، فقد قمنا بتقنين التعدين وتوفير الحماية للمعدنين بواسطة الجيش. والحكومة كانت تشتري الذهب من المعدنين الأهليين. فلقد رأينا ضرورة توفير سوق داخلي قريب منهم لتوفير إحتياجاتهم الأساسية، وقد ساعد ذلك كثيرا في تحسين مستوى الدخل والمعيشة. وعالج الكثير من المشاكل الأسرية والإجتماعية للجيش والمواطنين.
ماهي التحديات التي تواجه الحركة الشعبية في المناطق المحررة؟
لا توجد تحديات كبيرة في مناطق سيطرة الحركة الشعبية – شمال قياسا بالمشكلة التي تواجه البلاد حاليا. الآن التحدي الكبير هو مشكلة المجاعة التي يعاني منها جميع السودانيين. والجيش الشعبي بخير ومعنوياته مرتفعة جدا. وشعب النوبة قوي وصبور ومكافح ولديه إصرار وعزيمة، ولقد كنت شاهدا على ذلك، ولا زال. أنا جبت السودان وجنوب السودان وأثيوبيا. ولم أجد شعب في قوة شعب النوبة في الصمود ومواجهة التحديات خاصة في أوقات الصعاب والحروبات.
لقد قدموا أرواحهم من أجل غد أفضل للأجيال القادمة. والآن يتعهدون على دعم قيادتهم، وهذا يجب أن يعرفه الجميع.
وضح لنا التسلسل الهرمي للقيادة، وكيف تتعاملون مع بعض؟
التسلسل الهرمي والهياكل التنظيمية هو ما أقر به منفستو ودستور 2017، وبعدها أنشأنا المؤسسات القائمة الآن. لا توجد خلافات فيما بيننا كقيادة للحركة الشعبية – شمال وكلنا نعمل معا من أجل تحقيق أهدافنا ورؤية السودان الجديد. وأنا لا أنفي وجود تباينات أحيانا في وجهات النظر. ولكن هدفنا واحد ولن نتخلى عنه، ونحن جميعا متماسكين ومنسجمين.
هنالك حراك لأبناء النوبة في الخارج لتوحيد النوبة، وقد إجتمعوا من قبل في القاهرة، ولا زالوا يحاولون عقد مثل هذه الفعاليات، ما هي الخلافات بالضبط بين النوبة؟
هؤلاء الذين ينشطون خارج إطار مشروع السودان الجديد لا يعنونا كثيرا، وكلامهم لا يمثلنا، ونحن لا نشارك معهم في مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات، وبالتالي هذا أمر لا يهمنا، ومعظمهم يحاولون شيطنة وتجريم الحركة الشعبية – شمال. فهل هم لا يعرفون قضايانا ومن أجل ماذا ناضلنا كل هذه السنين؟ وكيف سيجلبون التغيير الذي يريده الشعب ويحققون تطلعاته؟
ما هي نظرتكم لمستقبل السودان الجديد؟.
السودان الجديد قادم لا محالة، وثقتي كبيرة في مستقبل السودان الجديد، وفي قيادة الحركة وشعب السودان الجديد للخروج لبر الأمان.
ماهو رؤيتكم لمستقبل السودان في ظل الحرب القائم الان؟
في رأيي أن هذه الحرب لن تقف قريبا، وذلك لتدخل أطراف خارجية لها مصلحة فيها. حاليا توجد ثلاثة جبهات (الإسلاميين، القوة المدنية، والقوة الخارجية التي تدعم حميدتي). والحركة الشعبية – شمال من الجانب الآخر. ولقد طرحت الحركة الشعبية – شمال مشروعها للتغيير بعيدا عن هذه الأطراف وهي مستعدة لتحقيق السلام الشامل والعادل. بقية الأطراف لا تمتلك الإرادة. إنهم يتقاتلون ويتصارعون من أجل مكاسبهم الخاصة وكراسي السلطة. والشعب السوداني صار يتفرج فقط ليرى إلى أين يريدون الذهاب بالسودان. والواقع يشير إلى التفكك والتشرزم وإنهيار الدولة التي هي غير موجودة الآن.
ما هي رسالتك الأخيرة ؟
سأقدم ثلاثة رسائل:
رسالتي للمهمشين: لا يوجد حل غير توحيد صفوفكم، والنضال تحت راية الحركة الشعبية – شمال، وعلى ضوء رؤية السودان الجديد لأنه السبيل الوحيد لتحقيق أهداف المهمشين والسودانيين، وأنا من هنا أنادي الشعوب المهمشة في دارفور والبجا في الشرق، وفي أقصى شمال السودان، يجب علينا التوحد لتحقيق تطلعات شعبنا.
الرسالة الثانية لشعب النوبة: إلى كل من يتبع “الإسلاميين” ونخب المركز حتى الآن، يجب الرجوع إلى رشدكم وإتباع صوت العقل ومراجعة النفس والإنضمام إلى قضية النوبة الحقيقية التي تبنتها الحركة الشعبية – شمال أسوة بقضايا جميع المهمشين في السودان.
رسالتي لجميع السودانيين: أنتم الآن ترون بأم أعينكم إن مؤسسات الدولة القديمة تنهار وتتصارع مع بعضها البعض ، والى الذين كانوا يفتكرون إن الحركة الشعبية هي العدو ، فالحركة الشعبية هي التي كانت تحذر من حدوث مثل هذه الكارثة ، والآن السودان يتم تدميره بواسطة نفس القوات التي أنشأتها ما يسمى ب”القوات المسلحة السودانية” يوما ما لمحاربتنا ومواجهة المهمشين.
لذلك يجب مراجعة النفوس. أين نحن الآن جميعا؟ وأين كنا بالأمس؟ وإلى أين نحن ذاهبون الآن؟. علينا أن نتوحد جميعنا كسودانيين ومخاطبة جذور الأزمة والمشكلة السودانية.
شكرا جزيلا عمنا القائد/ بولس شعير لإعطائنا جزءا من وقتك الثمين.
شكرا جزيلا.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.