حوار مع نائب حاكم إقليم جبال النوبة “الأسبق” – القائد/ بولس شعير (الجزء الأول).

 

حاوره من نيروبي: ازهري الطيب.

بدأ الرعيل الأول من قادة المهمشين نضالهم الطويل من أجل الحقوق والمواطنة المتساوية قبل سنوات، بعد أن إكتشفوا ظلم الحكومات المركزية. فمضوا في طريق طويل ووعر من أجل بناء وطن يحلم به جميع السودانيين. ورغم مشقة الطريق، ولكن كانت العزيمة والإصرار هي وقودهم لبلوغ غاياتهم. الأن وصلت بلادنا مرحلة اللا عودة إلى تلك المحطات المظلمة.

رأينا في هذا الظرف المفصلي إن نستنطق هذه القيادات بعد أن بلغ بهم العمر سنينا طوال من النضال. ولعل هذا هو الوقت المناسب للإستماع إليهم قبل فوات الأوان.

 

أجرينا عدة حوارات مع قادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال.

 

في هذا الحوار إلتقينا بنائب حاكم إقليم جبال النوبة “الأسبق” القائد/ بولس شعير، وهو أحد قيادات ثورة المهمشين وقائد تاريخي في صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. عندما إلتقيناه كان متحمسا للحديث عن تاريخ النضال الطويل.

 

إلى مضابط الحوار:

 

الاسم: بولس شعير

تاريخ الميلاد: 10 يناير 1953.

 

المنطقة: مقاطعة (إنبونق) قرية كرجي.

 

الحالة الاجتماعية: متزوج لثلاثة زوجات

وأب لعدد (15) من البنات والبنين.

 

المراحل الدراسية:

مدرسة الهجرة الاولية بالخرطوم وبعدها عملت موظفا بمصنع النسيج السوداني.

 

بعدها عدت إلى الجبال وهناك تعرفت على “إبراهيم كركون”، هو أول من تعلمت منه السياسة بعد أن جاء “آدم القوي” وهو من أبناء الدينكا وقال لي بأن حضورهم إلينا هدفه هو توعية الناس وسألني. هل الحكومة تحقن الأبقار؟ قلت له إذا مرضت الأبقار فإننا نشتري من السوق أو نبلغ لإدارية (أم دورين) وقال هل الخدمة مجانا ؟ قلت له نحن ندفع مقابل ذلك وإننا ندفع ضرائب للحكومة وبدورها لا تساعدنا بتوفير العلاجات البيطرية للماشية وقال لي إن جاء أحد وسأل عن سبب تواجدهم معي يجب أن أخبرهم بأنهم جاؤا لشراء اللبن من الزريبة.

 

سألته هل الشخص الذي برفقته من النوبة فقال: لا إنه من جنوب السودان وإن لديهم حركة في الغابة بجنوب السودان تسمى الأنانيا وهم مظلومين كما نحن وهذا سبب حضوره معه للبحث عن الشباب للتجنيد.

فقلت له إذا أراد أحد الذهاب إلى الغابة فكيف سيذهب؟ فقال يوجد طريق سيذهب به الشباب إلى هناك. وقالوا إنهم حضروا لشخصي بسبب معرفتهم بأبي لكي يسلموني الكتب التي احضروها معهم لكي أحفظها لهم بهذا المكان وإذا أتى شخص وسأل عنهم بجب أن أقول لهم هؤلاء حضروا لأخذ اللبن. وعندما قرروا العودة حضروا لشخصي وأخذوا أمانتهم التي كانت بطرفي وشددوا على عدم أخطاري أي شخص بالأمر. وبعدها سافرت إلى الخرطوم ووجدت نفس الأشخاص هناك. في تلك الفترة كنا في الكنيسة الأسقفية بأمدرمان حيث يوجد عمنا القس/ يعقوب وكانت تربطه علاقة قوية بالأب فيليب عباس غبوش الذي صار مسؤلا عن الكنيسة الأسقفية بعد خروج المستعمرين وسيطرة الحكومة عليها، حيث قام بإسترداد جميع الأصول والممتلكات.

 

مكثت لمدة سنة بالكنيسة وبعدها حضر مبارك الماشا ووليم إدريس كوكو، وهو الذي كان يقوم بعملية ترجمة اللغة الإنجليزية إلى العربية. وتعرفت بهما الإثنان.

 

في العام 1964 ذهب الأب فيلب عباس غبوش للبرلمان عضوا، وتم إختيار بطرس تية شوكاي قسيسا للكنيسة الأسقفية.

كيف كانت علاقتكم مع أبونا فيلب عضو البرلمان؟

وكان الأب فيلب غبوس هو الوحيد الذي يتحدث عن حقوق النوبة في ذلك الوقت وكان ذلك هو سبب إختيارنا له كقائد ولقد ذهب إلى “وليام دينق نيال” وقال له إن غالبية جيش السودان من النوبة وأهل الغرب والنوب ولكن بالرغم من ذلك نحن جميعا مظلومين ولا توجد مدارس أو مستشفيات أو مصادر مياه نقية؟ وقد سأله “وليام” وماذا نفعل الآن؟ قال له يجب أن نحشد أبنائنا ونقوم بإنقلاب على الحكومة حتى نستطيع مساعدة أهلنا. وفي تلك الفترة كان رئيس حكومة السودان هو إسماعيل الأزهري. فقال يجب أن نخطر الصادق المهدي وبالفعل أخبروهو فوافق الصادق على الانقلاب وقد إتفقوا الثلاثة على الإنقلاب. وعندما اجتمعوا مع الضباط الكبار قالوا: (نحن موافقين ولكننا نحتاج لإطلاع وزير الدفاع في حينها هو نميري) وبعد إطلاع النميري على أمر الإنقلاب قال له الأب فيلب غبوش: (سيكون نظام الحكم بالأقاليم الصادق المهدي يحكم الإقليم الغربي “مناطق دارفور” والأب فيلب غبوش يحكم إقليم كردفان، ووليام دينق نيال يحكم الإقليم الجنوبي، أما أنت يا نميري تحكم الإقليم الاأوسط والشمالي). ونحدد شخص آخر يكون في العاصمة ونقسم موارد البلاد بين الأقاليم للمساعدة في تنميتها وقد إختار الأب فيلب غبوش محمود حسيب معه في جبال النوبة فوافق نميري وقال (متى سيتم الانقلاب بالتحديد؟) فقالوا الإنقلاب يجب أن يكون يوم 30 مايو 1969 وبعد أن إتفقوا على الزمن المحدد لتنفيذ الإنقلاب، وبسبب إختلافه مه الأب فيليب غبوش في بعض التفاصيل ذهب محمود حسيب لجعفر نميري وأقنعه بإستباق الزمن وتنفيذ الإنقلاب يوم 25 مايو بدلا عن 30 مايو على أن يكون النميري هو الرئيس.

وتم تنفيذ الإنقلاب بالفعل يوم 25 مايو وأردوا إغتيال الصادق المهدي ولكنه هرب إلى ليبيا، وهرب الأب فيلب غبوش إلى الكنغو ورجع وليم نون إلى الجنوب وأصبح نميري رئيسا للبلاد.

 

حينها لم نهرب نحن لعدم معرفة أحد بأننا كنا طرفا في الإنقلاب، وقد ظل الأب فيلب غبوش يراسلنا بصورة مستمرة. بعد الإقلاب أصبح محمود حسيب حاكما لإقليم جبال النوبة حيث ساعده النميري في تنفيذ بعض المشروعات التنموية في الإقليم بالإضافة إلى جنوب السودان.

 

في عام 1972 أرسل النميري لمتمردي الجنوب (أنانيا ون) ووقع معهم إتفاق السلام في أديس أبابا وكان الصادق المهدي خارج البلاد والأب فيلب غبوش أيضا ووليم نون الذي إنقطعت أخباره حتى قيامه فيما بعد بتأسيس (أنانيا تو).

 

في عام 1969 عندما حاول مبارك الماشا ومبارك كوركيل الخروج تم القبض عليهم في مشروع “البيضة” بمنطقة الليري حيث تم إدخالهم سجن كوبر في الخرطوم حتى الإفراج عنهم عقب إنقلاب هاشم العطا عام 1973 بعدها عمل مبارك الماشا بالمستشفى لمدة عامين وكنا نواصل العمل في تنظيم الشباب . ثم تباحثت مع مبارك كوركيل بعد تسريب معلومات بأنه من عناصر الأب فيلب غبوش وإنه يتواصل معه فقمنا بتهربيه ليلا إلى القضارف ومن ثم غادر البلاد. وبعد ذلك قمنا بتفويج جزء من الشباب خلفه إلى أثيوبيا فكان الخروج من الخرطوم إلى مدني ومن مدني إلى القضارف ومنها إلى تقطة حدودية. في القضارف كان يوجد شخص مسؤول عن إستلام الشباب. وشخص آخر يعرف الطرق جيدا كانت مهمته تقديم الشباب.

 

في تلك الفترة كنا متواجدين في الخرطوم وبعد إرسال الدفعة 74 و 75 أرسل إلينا الأب فيلب غبوش وأخطرنا بأن الصادق المهدي سيحضر إلى السودان، وقال إن الذين تبقوا من التنظيم ولم يستطعو الخروج يجب أن يتنظموا معه وقال إن نجح الصادق فسوف يحضر “فيليب غبوش” بنفسه. وأخطرنا بإن القذافي يريد أن يساعدنا. لقد تم تنويرنا بذلك وقالوا لنا إن المطلوب منا المشاركة في تلك العملية وإن نجحت فسنكون جزء من الحكومة حينها كنت أعمل في مصنع النسيج. طلبت إذن بحجة إنني أريد الذهاب إلى جبال النوبة، وبالفعل تم إعطائي الإذن وبعدها تم توزيعنا على المرافق وكانت مهمتنا معرفة منازل الضباط الكبار. وكانت اللواري تأتي من ليبيا محملة بالبطاطين ولكن الأسلحة كانت تحتها فكنا نذهب ونفرغ تلك الأسلحة في سوق ما يسمى حاليا ب”سوق ليبيا” وكنا نخزنها في المسجد. لقد دخلت كل الأسلحة بهذه الطريقة. كان لكل شخص مهمة محددة لجمع المعلومات المختلفة عن عدد وأماكن الآليات والأسلحة وتم تحديد ساعة الصفر للإنقلاب. وكان هنالك أعداد كبيرة من النوبة ضباط سابقين وعساكر ومواطنين يعرفون التفاصيل عن المواقع وبعد إرسال الإشارة للصادق المهدي في ليبيا. أرسل القوة الموجودة هناك بقيادة النور سعد وإرتكز في جبال في أمبدة وأرسل أول جواب للمهندس ومدير الإذاعة، وإنه يجب إذاعة بيانين بعد تنفيذ الإنقلاب، الأول للأب فيلب غبوش والثاني للصادق المهدي. وعندما حضر محمد النور سعد مع الجيش قلنا له نحن جاهزون كان ذلك يوم الأربعاء ويجب ان يدخل يوم الخميس لاأن كل الضباط سيكونوا في منازلهم لعطلة الجمعة وهي فرصة لكي نستولى على المعسكرات وكل الحاميات الكبيرة في الخرطوم قال محمد النور سعد في جمع لضباطه إن كل الترتيبات جاهزة للإنقلاب وإستلام السلطة وإن الصادق المهدي الآن موجود في ليبيا بالتالي بعد الانقلاب سأذيع أنا البيان وإن الصادق سيحضر بالطائرة. فوافق الضباط على إقتراحه وبعد تنفيذ الإنقلاب في مناطق الشجرة وبعض المناطق الترتيب لإذاعة البيان كالآتي:

محمد النور سعد رقم واحد، والصادق المهدي رقم إثنين، والأب فيلب غبوش رقم ثلاثة. عندما حضر الصادق وجد إنقلاب داخل الإنقلاب فلقد ذهب مهندس الاذاعة إلى منزله ومعه المفتاح ويوم السبت أحضروا مهندس آخر من بحري.

ووجد إن مفتاح الإذاعة غير موجود فذهبوا لمهندس آخر في الثورة فوجدوه خارج المنزل وإنه ذهب إلى العمل ولم يعد منذ يومين حسب إفادة أسرته. بعدها أعلن عن فشل الإنقلاب وصدرت إلينا توجيهات بأن أي شخص مشارك في الإنقلاب عليه البحث عن طريقة لخروج القوة التي حضرت بعضهم خرج والبقية قتلوا. كنا خمسة أفراد موجودين في الإرسالية (شخصي والأمين جاكوبا، وآخرين) وبعد أسبوع هدأت الأحوال قليلاً وحضر إلينا شخص يدعى إبراهيم قال لنا يجب أن نخرج، ذهب وأحضر عربة لاندكرزور ونحن لا نعرف، وحضر معه عناصر من الحكومة معهم خيمة قال يحب أن نذهب نحن ثلاثة من أبناء النوبة (شخصي بولس شعير، وإبراهيم أمبجو، والأمين جاكاوبا) عندما وصلنا الطرمبة أخذنا برميل جاز ودفعنا المبلغ ووصلنا كبري السلاح الطبي وجدنا إرتكاز للجيش بالدبابات في مدخل الكبري فقلت له نزلنا هناك ودخلنا السلاح الطبي وطلبت منهم بعض التعينات بلح وسكر ورفعناهو معنا في العربة وقطعنا الكبري وصلنا خرطوم 3 وجدنا شرطي مرور سألنا الى أين أنتم ذاهبون قلنا له ذاهبون إلى مدني وقال من أين أتيتم بهذا العربة هل أنتم مرتزقة؟ تحركنا فطاردنا شرطي المرور فسقط في “خور” ومات هناك ونحن واصلنا السير بشارع الكاملين. وجدنا شخص في الصحراء فسألنا أيضا إلى أين أنتم ذاهبون؟ فقلنا ذاهبون إلى مدني فقال يجب أن تعودوا عندما رفضنا أخرج مسدسه وصوب في إطار العربة ولكن الطلقة لم تصيب، ووصلنا إلى مدني ونزلنا في إحدي المنازل صاحب المنزل كان من “المساليت”. وكانت هنالك عربة تتبع للقوات المسلحة تتعقبنا ولكننا كنا نعلم بذلك، وقال صاحب المنزل بعد أن أدخلنا الغربة داخل المنزل يجب أن نخرج الى الغابة وأنا خرجت أتناول الجبنة وصلت عربة الجيش وبدأوا يسألون الناس هل رأوا عربة فنفى الناس مشاهدة أي عربة فتركوا أرقام تلفوناتهم وقالوا إن رأى أي شخص العربة يجب أن يتصلوا بهم. رجعت المنزل وأخبرت بقية الرفاق. قضينا يومين في مدني وتحركنا ووصلنا القضارف ودخلنا طرمبة وقود وتركنا العربة هناك وأخذنا محتوياتنا.

 

هناك قابلنا شخص من أبناء الكواليب أعرفه معرفة شخصية قال لنا: ماهي أوضاع الخرطوم؟ قلت له الخرطوم سيئة جدا قتلوا الكثيرين ومن تبقي هرب فقام بتوزيع بقية رفاقي في المنازل الموجودة هناك وأنزلنا في فندق جوار العربة مكثنا ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع قررنا التحرك. وجدنا في كبري القضارف 2 دبابة في المدخل وفي الخروج لأنها آخر نقاط حدود للخروج من السودان كان معنا عدد من طالبات الثانوي وعبرنا، وعندما إقتربنا من منطقة الدوكة إقتربت منا عربة لوري توقفنا وسألونا عن المرتزقة فقلنا لهم لا يوجد مرتزقة وأنزلنا الطالبات وأعطيناهم قليل من المبلغ كل فرد فيهم (300) جنيه وصلنا منطقة الدوكة ودخلنا المستشفى بالعربة إذ يوجد أحد أقربائي، حيث أكرمنا وبعدها تحركنا في الرابعة صباحا بنفس العربة، فجأ أطلقوا علينا النار وتشتتنا في عدة إتجاهات كلها مقفولة دخلنا بمشاريع “أرتريا” بعد أن تركنا العربة في الغابة خوفا من التعرض لإطلاق النار. وتحركنا سيرا بالأقدام لمدة 29 يوم فوجدنا أحد الأشخاص حيث أرشدنا لطريق المدينة ووصلنا إحدى الأسواق، كنا مرهقين وجعانين تناولنا الحليب مع الكعك. بعدها تحرك معنا أحد الأشخاص عرفنا إنه يتبع للأمن تحركنا معه وأنزلنا في إحدي الفنادق كل شخص في غرفته، أحضروا لنا بعض الملابس. مكثنا سبعة أيام ولم يسألنا أحد، في اليوم الثامن تم إستجوابنا وسألونا من أين قدمنا فأخبرناهم إننا نريد الذهاب الى أديس أبابا للتدويب فقالوا لا يوجد طريق للذهاب إلى هناك لأن لديهم حرب مع أثيوبيا لو تركناكم ذهبتوا إلى هناك سيطلق النار عليكم، فمن الأفضل لكم تسجيلكم في المدارس للقراءة لحين تهدأ الأحوال. فقلنا لهم نحن لا نريد القراءة نحن نحتاح للتدريب فأنزلونا في معسكرات التدريب وكان عددنا 8 أشخاص 3 من أبناء النوبة و 5 من أبناء المساليت مكثنا 8 شهور في معسكر التدريب في أرتريا، وبعد التدريب قالوا لنا إن الأوضاع قد هدأت وسيتم يتم تسليحنا وصرف كل المهمات العسكرية وبعد ذلك علينا تحديد خياراتنا قلنا لهم نحن سنعود فأحضروا طائرة هليكوبتر ونقلنا إلى مكان يسمى (الفاوة) هذا المكان أعرفه ويعرفه “الأمين جاكوبا” فنزلنا وتشاورنا ورأينا إن وجود الأسلحة معنا سيكون أزمة لنا وعددنا قليل وإحتمال نقتل في حال قتالنا مع الحكومة وسيتم الإستيلاء على الأسلحة فبدلا من ذلك يجب علينا إرجاع الأسلحة وفي حال عودتنا المرة القادمة سنأخذها فأخبرنا قائد الهليكبوتر بذلك فرفض وقال إذا رجع بالأسلحة بدوننا فسوف يقتل ويتهم بىنه قام بقتلنا. قلنا له هل يمكنك الإتصال بالقيادة، فقال يمكن ذلك بعد قليل رأينا طائرة أنتينوف وبعده عدد 2 طائرة ميج وبعد ذلك حضر وزير الدفاع الأرتيري بنفسه يضحكون علينا قال لنا (مالكم) ؟ فحكينا لهم الأسباب فوافق علرى أرجاع الأسلحة وصدق لنا لكل شخص بطبنحة وأي كمية من القنابل اليدوية قدر ما يتستطيع أي شخص حملها بالإضافة إلى بعض المبالغ المالية، وصلنا القضارف ومنها إلى جبال النوبة هناك أخبرناهم إننا اتينا مثلما ذهبنا ولكن علينا أن نبحث عن طريق آخر في المستقبل للذهاب مرة أخرى فأرسل لنا الاب فيليب غبوش خطابا من الخرطوم عام 1981، مفاده إنهم سيبحثون عن كطرق جديدة للتنظيم فتزوجت في نفس العام وفي 1982 حضر مبارك الماشا ومعه سبعة أشخاص هم :مبارك الماشا، مبارك شرف الدين، جيمس بولس، بولس أنقابي، وشخصين من الجنوبيين، دينق، وشول من أبناء الشلك، 6 منهم مسلحين وقد تم تدريبهم في بلفام وعادوا إلى الجبال.

 

تمت الدعوة لإجتماع لكل أعضاء التنظيم، ونحن حضرنا. قالوا لنا بقية الرفاق في الخلف سيحضرون وهذه الأسلحة التي أحضرناها بغرض التدريب وليست للمعارك ونحن ذهبنا مع الصادق المهدي إلى ليبيا وتلقينا كورسات عند عودتنا في بلفام حدث إختلاف بيننا وأخواننا الجنوبيين بإتهامهم لنا بأننا قتلناهم، فعاد بعض أبناء النوبة. والآن أرسلنا الأب فيليب غبوش للبحث عن موقع في الجبال يتوفر فيه المياه لإستخدامها كمركز تدريب وقال بعد التدريب هناك طائرة اإسرائيلية ستحضر لكم الأسلحة ويجب أرسال صورة لموقع التدريب حتى تتمكن الطائرة من معرفة مركز التدريب، وإذا توفرت القوة بكمية كافية، ستبدأ بالهجوم على كادقلي فكلفنا أحد أبناء المنطقة يسمى “إيليا” لشراء الدفاتر لأغراض التدريب من كادقلي لعدم الإشتباه به من قبل أفراد الأمن بكادقلي ذهب إلى عمنا والد حسين وقال له بأن مبارك الماشا حضر معه جنوبيين لكي يتم تدريب المستجدين وأرسلوه لشراء الدفاتر لأغرض التدريب وبهذا سيخربون البلد ويدمرونها فقلت أحضر وأفيدكم بما حدث فأخبره عمنا هذا إن مبارك عندما جاء حضر إليه وإن الهدف ليس تدمير البلد كم يعتقد بل الهدف هو الدفاع عن النفس، فذهب مرة أخرى إلى شخص يسمى (علي الدود) وهو من أبناء الدينكا ولكنه أخبر البقارة المتواجدين في مناطقنا، فكتب له خطاب إلى قائد القوة المتواجدة بكادقلي (الفرقة 14حاليا) وذهب إلى كادقلي مستخدما دراجة هوائية ومكث يومين ثم حضر يوم الأحد 23 مارس 1982 ومعه قوة من الجيش في 2 عربة مجروس ولاندكدوزر واحد. كنا في الكنيسة وفجاة أتت فتاة فأخبرتنا بأن هناك قوة من الجيش جاءت من كادقلي، وقالت إن القوة كبيرة وأنا قلت لأبونا “أندراوس” بأنني ذاهب للتأكد من هذا الأمر. أخذت معي كتاب ترانيم، عندما رأوني نادوني فذهبت وسلمت عليهم وسألوني من أين أتيت وإلى أين أنت ذاهب؟ قلت لهم أتيت من الكنيسة وذاهب إلى المنزل، فأخذوا مني كتاب الترانيم وألقوا نظرة عليه وكان معهم بعض الإخوة الجنوبيين، وقالوا فعلا هذا كتاب مقدس، قائد القوة كان برتبة م أول فإستدعاني وسألني عن إسم المنطقة، قلت له إسمها “كركراية” وسألته، ومن أين أتيتم أنتم، فقال جئنا من كادقلي ونريد الذهاب إلى هيبان، فقلت له ولكنكم تركتم شارع هيبان خلفكم، فسألني مرة أخرى عن نقطة التفتيش، فقلت له في منطقة “أندولو” ووصفت لهم شارع بالداخل لكي أجد فرصة وأسير بالإتجاه الآخر بالفعل ذهبت، وتحركت عرباتهم أيضا في الطريق الذي وصفته لهم، بدوري تحركت إلى المنزل وأخبرت أبونا بكل التفاصيل.

 

 

وأين كانت مجموعة مبارك الماشة؟

 

مبارك الماشة كانوا موجودين في الجبل حينها وكان موجودا مع أحد رفاقه من الجنوبيين، باقي رفاقه كانوا خمسة أفراد ذهبوا لزيارات أسرية لأن يوم الأحد كان عطلة وذهبوا بأسلحتهم، تبقي سلاح واحد فقط مع مبارك الماشا، ومبارك شرف الدين ذهب لأسرته في “أم سردبة”. أنا ركبت العجلة وذهبت ووجدت أحد الرفاق وإسمه “موسى”، سألته عن الذين يجلبون المياه للرفاق في الجبل هل ذهبوا ؟ فأجابني بأنهم ذهبوا من ساعات. وأصلا المعسكر موجود فيه شخصين فقط وعادوا، فأخبرته إن القوات المسلحة السودانية وصلت المنطقة فقال متى ومن الذي بلغ عننا؟.

 

فقلت له لا أعرف، ولكن عليك الآن أن تذهب سريعا وتبلغ مبارك الماشة ليأخذ معداته ويرحل لمكان آخر، وبعدها ذهبت لنقطة الشرطة في “أندولو” وقائد مركز الشرطة، وكان رتبته “شاويش” وقمنا بتنظيمه. وهو من أبناء “الميسيرية” ويدعو كوكو.

 

هل هو عسكري؟

هو يتبع للشرطة وقمنا بتنظيمه، ذهبت اليه وقلت له يوجد بلاغ بأن قوة من الجيش وصلت المنطقة، هل وصلتكم هنا؟ فقال لم تصلنا، فقلت له إعتقدت إنهم وصلوا إليك قبل أن أصل إليكم، لقد إرتكزوا في منطقة “كركراية” وقالوا إنهم ذاهبون إلى هيبان، ولكن الحقيقة هم حضروا إلينا ولم يقولوا الحقيقة، وأعتقد إنهم سيحضرون لاحقاً. فقال هذا ىمر خطير، فقلت له لا يوجد مشكلة فسألني إن اأرسلنا ىحد إلى المعسكر بتلك المستجدات فقلت له نعم. وواصلت السير، وعندما وصلت منطقة “إيكيميلوا” وجدتهم تحت شحرة “عرديبة” يتناولون وجبة الإفطار رآني أحدهم فقال هذا هو الشاب الذي إلتقيناهو في منطقة “كركراية” فإستدعوني قالوا إنت وصلت إلى هنا؟ فقلت لهم نعم أنا حضرت لكي أسلم على والدتي، وبالفعل والدتي كانت في تلك المنطقة فسألني مرة أخرى هل هذه منطقتكم؟ فقلت له نعم، فقال ديل ناس طيبين أحضرو لنا بهيمة وفول وسمسم، فقلت له هذا شيم أهلنا فسألني مرة أخرى هل قسم الشرطة بعيد من هنا؟ فناديته وأوصفت له مركز الشرطة.

 

فصدقني وتطمن وكتب خطاب وطلب مني مساعدتهم لإيصاله إلى قسم الشرطة، أخذت الخطاب وذهبت به إلى مركز الشرطة وسلمته لكوكو قائد الشرطة وعندما فتحناه كان مضمونه إنهم حضروا وإرتكزوا قريبا، وسوف يصلون مركز الشرطة الساعة السادسة صباحا وقلت لكوكو سوف أعود إليهم هناك وبالفعل عدت إليهم وقلت لهم لقد سلمت الخطاب لقائد قسم الشرطة.. وأحضرت لهم فول سوداني من المنزل وكذلك الأسرة أحضروا لهم الماء فأعطوهم مواد تموينية سكر وبلح فقلت لهم أريد أن أعود إلى منطقة “كركراية” فقالوا لي هل لديك زريبة ماشية فقلت لهم نعم، فأعطوني “قنطار ملح” وبالفعل ذهبت وكنا في إنتظار ما سيحدث.

 

وعند الساعة الرابعة صباحا 15 مارس 1982 سمعنا إطلاق نيران في المعسكر الذي يقع في الجبل، وكان هذا هو أول إشتباك في جبال النوبة، وعند الساعة السادسة صباحا رأينا عربة ملطخة بالدماء تسير بسرعة في إتجاه كادقلي، وإتضح إنها تحمل موتى ومجروحين.

 

الرفيق/ مبارك الماشا، لم يرحل من معسكره خوفا من أن يأتي بقية رفاقه الذين ذهبوا في زيارات أسرية ويتفاجأوا بالعدو ويقعوا في كمين. فأخبره العسكري الآخر أن يختفي في ساتر حجر ويتركه يشتبك مع قوات الجيش وبعد الساعة الثامنة صباحا بدأت قوات الجيش في الإعتقالات بتوجيه من أندراوس الذي قام بالتبليغ وإعتقلوا ما لا يقل عن 20 شخص، وقد أطلق سراح بعضهم لاحقا.

 

مبارك شرف الدين وبعد الحادثة لم يجد طريقة للعودة للمعسكر فأدخل سلاحه الكلاشنكوف “المطبق” في جوال وسافر به إلى الخرطوم. وعندما وصل منطقة إرتكاز للجيش في الأبيض وعلى أثر إهتزاز العربة ظهرت مقدمة السلاح من الجوال، فتساءل الناس من صاحب السلاح، فهرب مبارك من العربة تاركا سلاحه. أما في المعسكر فقد جمع مبارك الماشة كل معداته ورحل من المعسكر وأتى الجيش ودخل المعسكر ولكنه لم يجد شيئا غير المراتب فأحرقها.

 

“بولس انقاتا” والشخص الآخر الجنوبي، رجعوا إلى الجنوب بنفس الطريق التي دخلوا بها جبال النوبة، “بولس أنقاتا” ترك سلاحه معنا بالإضافة إلى “مبارك الماشا” الذي كان متواجدا معنا ويتجول من مكان إلى آخر. والذين تم إعتقالهم، جزء منهم تم ترحيلهم إلى “الأبيض” والبقية وضعوا في سجن “كادقلي”. أحد الرفاق ويدعى “جيمس بولس” عندما تم إعتقال والده، ذهب وسلم نفسه للجيش في “أم دورين” فسأل الجيش المواطنين عن هذا الشخص، فقالوا إنهم لا يعرفونه. وبالفعل كانوا لا يعرفونه. تم تحويله هو ووالده من الأبيض إلى سجن كوبر في الخرطوم.

 

أما نحن المتبقين، فقد واصلنا في التنظيم في الفترة من مارس إلى مايو 1982، حتى أصبحنا في أتم الجاهزية، وبعدها قال لنا “مبارك الماشة” إنه ذاهب إلى الجنوب. قرر أربعة أشخاص أن لا يسافر وحده ولا بد من السفر معه، وبالفعل سافروا معه عن كطريق (ملكال – كاكا التجارية) حتى وصلوا أديس أبابا، فأرسل إلينا “مبارك الماشا” خطابا بوصولهم. أحدهما توفى والآخر موجود الآن في الولايات المتحدة.

 

عند ذهابه قال لنا بأن هنالك طائرة ستأتي يوم 20 فعلينا تنظيف المطار، وبالفعل نظفنا المطار، وفي يوم 20 أحضرنا مرآة دولاب ووجهناها للسماء لكي تنعكس للطائرة حتى يعرف الكابتن موقع المطار ولكنها مرت بهيبان وذهبت ونزلت في مطار “الأبيض” وهي طائرة إسرائيلية أحضرت سلاح ولكنها نزلت في مطار الأبيض، فسأل كابتن الطائرة في الأبيض عن منطقة “الرقيفي” لأنهم لأول مرة يسمعوا بهذا الإسم، فعندما عرف كابتن الطائرة إن هذه ليست المنطقة المقصودة، أقلع بالطائرة دون معرفة أمن المطار إن بداخل الطائرة سلاح، ولكنهم بدأوا يسألون ويستفسرون عن “الرقيفي”. هنالك مواطنين في “كمبوني الأبيض” ذهبوا إليهم وقالوا لهم إن منطقة “الرقيفي” تقع في المورو.

 

بعدها تحرك الجيش حتى وصل منطقة “الرقيفي” فسألوا أين المطار ؟ فأخبروهم بأنهم لا يعرفون عن أي مطار يتحدون. فأحضروا “تراكتور” ليمر بخور “الرقيفي”، وعندما أرادوا المرور بالخور، هناك “العجزة” تحدثوا مع آلهتهم، فوحل التراكتور داخل الخور وقضى عدة ساعات. وكان عندما يحفر المواطنين، ينزل التراكتور في الرمل أكثر.

 

فإقترح أحد المواطنين لقائد القوة أن يحضر له اأحد الكجرة وهو الذي يستطيع إخراج البابور من الخور فقال له أذهب وأحضره، وعندما حضر “العجوز” قال لهم: (هذا الخور لا تستطيعون عبره الذهاب إلى الأمام لأن عوارضه كثيرة. ولكن إن أردتم الرجوع للوراء يمكنني فعل ذلك).

فأمر الرجل العجوز بإحضار بعض العجينة المخمورة ورشها على التراكتور مع ترديد بعض التعويزات وأمر بالتحرك. فتحرك التراكتور في إتجاه الخلف وخرج. وقد أطلقوا بعض الأعيرة النارية، ثم سألوا العجوز عن المبلغ الذي يريده لقاء خدمته ولكنه رفض وطلب منهم العودة أدراجهم. بعد ذلك لم تواجه الطائرات أي مشكلة في الهبوط في مطار “تبري”.

 

هل عدت إلى الجنوب بعد ذلك؟.

 

لا لم أعد إلى الجنوب، بعد تنظيم وتدريب المجندين الجدد نحن نؤدي القسم معا بأن نلتزم بالدفاع عن أرضنا، كما هنالك طرق محددة للتخاطب فيما بيننا كأعضاء للكمولو.

 

وهل إقتصر الإستقطاب على مناطق “أيري” والمناطق القريبة منكم أم تمددتم إلى مناطق أخرى؟

 

لقد وصلنا إلى هيبان يوسف كندة كان يذهب إلى هيبان، ومعه هبيل كتن وكلمنت حمودة. هذه الأسلحة “عملت شغل كبير” على مستوى الجبال الشرقية. بعد ذلك ظهرت بعض المشاكل، حيث أصبح بعض الأفراد يتحدثون عن عمليات التسليح، وقد أدى ذلك لتسريب بعض المعلومات للعدو عن وجودنا داخل هيبان، في ذلك الوقت كان القائد/ سعيد كجو كومي، يعمل هنالك فوجد إن أسمائنا قد وصلت إليهم، فأرسل إلى “هابيل كتن” خطابا وطلب منه الخروج لأن أسمائهم قد كشفت هو و”موسى القشاي” و”إسماعيل مادا”. وطلب منهم الخروج. وقد خرج “هابيل كتن” ووصلني في الحلة في “أيري” في أغسطس 1985، فذهبت إلى “موسى” وذهب “هابيل” أمامنا وخرجنا أنا و”موسى” بعده. ولقد تركنا العمل بعدنا لشخص يدعى “جابر” من أبناء المورو وودعناهم وذهبنا إلى “كادقلي” ومنها إلى محطة البصات إلى وتوجهنا إلى الخرطوم. تفرقنا نحن الثلاثة وأدعينا إننا لا نعرف بعض، في كادقلي طلب منا أحد أبناء الجبال كان يعمل في جهاز الأمن إنه عندما نصل “الدلنج” هنالك فتاة لديها “قهوة” يجب أن نذهب إليها وستعمل على تأمين خروجنا. وعند وصولنا تعرفت علينا لأنه أعطاها تفاصيل لبسنا، فسلمت علينا بحرارة ولما جاء مسؤول الأمن في التفتيش قالت له إنهم أخواني. فتركنا في حالنا لأنها كانت معروفة لديهم. أخذتنا إلى منزلها وركبنا البص ورجعت هي إلى “المقهى”. ومن هنالك لم نتعرض لأي شيء إلى أن وصلنا الخرطوم. فطلبت من باقي الرفاق بالسماح لي بالذهاب، فذهبنا أنا و”كوجا وإيليا”، فودعت أختي، وذهبنا إلى مولانا “ديفيد كوكو” وهو كان أحد مناديبنا بالخرطوم. فسألناه عن الأوضاع وقال لنا أن الرفيق/ عبد العزيز الحلو ذاهب اليوم أو غدا، سيذهب أمامكم وسيكون في إنتظاركم في منزل (م. ك) في “دوكا” وقال لنا إنه سيذهب لعبد العزيز وإذا وجده لم يذهب سيرافقه أحدكم. طبعا نحن لا نخرج بأعداد كبيرة حتى لا نلفت الأنظار. وعندما ذهبنا وجدنا عبد العزيز قد تحرك بالفعل، وقال إننا سنجده أمامنا. فركبنا البص وتحركنا إلى مدني ثم إلى القضارف وهنالك وجدنا عبد العزيز في إنتظارنا وتعرفنا عل بعض، حيث إنني أعرفه من قبل عندما كانوا يدرس في المدرسة مع أخي “ديفيد كوكو”. وهم أصدقاء قدامى. ثم تحركنا معا ولكن في المحطة أخذ أفراد الأمن جزء من ملابسنا وسألونا إلى أين أنتم ذاهبون وقلنا لهم إننا ذاهبون إلى المشاريع الزراعية، وسألونا (ياتو مشاريع)؟ قلنا لهم مشاريع (م .ك)، فأمرونا بالذهاب إليه. وقد قال لهم هؤلاء أبنائي وهم ذاهبون للعمل معي في المشاريع وقد كان.

 

كان (م. ك) يملك مشاريع زراعية كبيرة. فتركونا وذهبنا وقضينا ليلة واحدة في المشاريع، وقد كان هنالك شخص يدعى (ب) هو الذي يقوم بتهريب الرفاق إلى أثيوبيا. قال لنا إن الوضع غير آمن الآن، وعلينا بالإنتظار قليلا لأن القوات الحكومية تقوم بدوريات في هذا التوقيت. وأثناء تواجدنا هناك كنا نتواصل مع القائد/ سعيد كجو عبر شخص يدعى (ع) وهو من أبناء “ميري” كان قد ذهب أمامنا. حينها كان هنالك خور فاصل بين الحدود الإثيوبية والسودانية يوجد فيه معسكر للأثيوبيين في البر الآخر. وقد تعرض الرفيق/ سعيد كجو وآخرين لإطلاق نار عندما وصلوا إلى هذه المحطة.، ولكنهم هربوا وتركوا أمتعتهم ولم يصيبهم أذى. عند وصولنا وجدناهم في “مقهى” في الحدود الإثيوبية. وقد وصل عددنا إلى سبعة أفراد (شخصي بولس شعير، وعبد العزيز الحلو، سعيد كجو، وكوجا، وعبد الرحمن، ودانيال، وايليا). وجدنا معسكر لقوات “الصادق المهدي” وحاولوا إستقطابنا ولكننا رفضنا وقلنا لهم إننا ذاهبون للدكتور/ جون قرنق وسنلتقي فيما بعد. وطلب سائقوا العربات “المجروس” التحرك، فركبنا ذهبنا إلى معسكر يدعى “سعيدي” وهنالك وضعونا في الحجز الإحترازي لأغراض التأمين حتى يستفسروا من رفاقنا في أديس أبابا، لأننا دخلنا بدون أوراق. وفي اليوم الثالث وصلت طائرة هيلوكوبتر أرسلت إلينا من أديس، وأطلقوا سراحنا وقالوا لنا إنكم ستتحركون اليوم. وكان معنا أحد أفراد الأمن وذهبنا إلى منطقة تدعى “كوندور”. وعند وصولنا في اليوم التالي خيرونا بالذهاب بالبص أم بالطائرة فإخترنا الذهاب بالبص، فذهبنا إلى أديس أبابا، وهناك وجدنا (دانيال كودي وواني إيقا)، ولاحقا أتى “وليام نيون” أيضا ووجدنا هنالك. وبعد فترة تم تقسيمنا، فضلت أنا وسعيد كجو ودانيال كودي، وذهب عبد العزيز مع بقية الرفاق إلى منطقة اللاجئين في “إيتانق”، ثم إلى مركز التدريب في “بونقا” ومنه إلى مدينة “قمبيلا” وكان العبور للبر الآخر منطقة “إيتانق” يتم عبر كبري. وبعد عشرة أيام إجتمعنا مع الرفاق في “أديس أبابا” ونورناهم عن الأوضاع في الداخل. وقد خيرونا بين الذهاب اإلى “بونقا” أو “إيتانق”. فإخترنا “إيتانق”. وكان في ذلك الوقت قد وصل إلى مركز التدريب “لواء خازوق”. ذهبنا لزيارتهم يوم 5 يوليو ومن هنالك توجهنا إلى “إيتانق” وهناك وجدنا قوة كبيرة من أبناء النوبة، من ضمنهم (عزت كوكو وإبراهيم الملفا). وكان المسؤول في المخيم هو (د. أحمد)، فقام بتنويرنا بأن القوة جاهزة وستذهبوا جميعا إلى مركز التدريب وقد كان. بلغ عددنا آنذاك حوالي الأربعين، ووصل بقية الرفاق لاحقا، ونزلنا التدريب يوم 20 يوليو سنة عام 1985 في رئاسة “بيلفام” وإستمر التدريب لستة أشهر. وبعدها تخرجت دفعة “خازوق” أمامنا وإنتظرونا حسب توجيهات د/ جون قرنق. وبعد تخرجنا لحقنا بهم في “كونجلو” بمناطق النوير.

 

كم كان عددكم من أبناء النوبة في هذه القوة، وفي أي دفعة كنتم؟

 

دفعتنا تدعى “سوباط” وبلغ عدد أبناء النوبة فيه نحو “خمسين” فرد، وقد تم دمجنا مع باقي الرفاق الذين تدربوا في “بونقا” دفعة خازوق في رئاسة الملازم أول وقتها “جيمس هوث”. وقد ترقى عدد من أبناء النوبة في الميدان (عزت كوكو، سايمون كالو، إبراهيم الملفا، وآدم كوكو) هؤلاء هم الأربعة ضباط بالإضافة إلى (عيسى موسى) من أبناء “الهدرة”. هؤلاء الخمسة هم ضباط النوبة في هذه القوة. وقد خاطب دكتور/ جون قرنق القوة قبل ذهابنا، وقال إن أبناء النوبة لن يشاركوا في “العمليات العسكرية” إلا في حالة “الدفاع عن النفس”، ووجهنا بالذهاب إلى الجبال لإستقطاب المزيد من المجندين، قائلا: (أريد أن يأتي كل فرد منكم بإثنين من المجندين الجدد، فكما ترون توجد أسلحة).

 

وفي طريق عودتنا دخلنا أول معركة في “تارفوت” وهي منطقة قريبة من مدينة “الناصر”. هنالك فقدنا تسعة من أبناء النوبة لم نعرف أخبارهم، ولم يأسرهم العدو لأنه كنا سنجد أخبارهم، ولم نجد جثثهم كذلك، المياه كانت غزيرة جدا وعندما تشتتنا أبناء كان أبناء “القبائل النيلية” يجيدون السباحة بعكس أبناء النوبة الذين مات معظمهم غرقا. وغالبا كنا نبحث عن المراكب للعبور. وعند وصولنا “ملكال” في منطقة تدعي “كونجلو” أصبت بمرض “الدوسنتارية” وأصبحت واهنا ولكن شكرا لرفاقي فقد حملوني على أكتافهم ووقفوا معي، وعند وصولنا منطقة “نياندا” كان الرفاق يقاتلون وأنا لا أقدر على القتال فقال القائد: (أخوكم ده من الأفضل أن يموت وحده، ومن الأفضل قتله بدلا من موت الرفاق في سبيل حمايته). ولكن “آدم كوكو” رفض وقال: (لن نقتل أي من أفرادنا). وقد أمر بقطع الخشب لصناعة “نقالة” لي. وكان الرفاق يذهبون إلى القتال ويتركوني تحت الأشجار ثم يعودون لاحقا ويأخذوني. وكان علينا عبور العديد من الخيران وقتال العديد من مليشيات النوير في طريقنا إلى الجبال عبر ملكال. وعندما يكون الماء قليلا، أستطيع العبور، ولكن عندما يكون الماء غزير يرفعني الرفاق. وبتوفيق الله إستطعت الوصول إلى ملكال وأسعفوني وأعطوني ثلاثة فتايل “بنسلين” وتعافيت. وفي هذا أشكر كثيرا رفاقي وأخواني لأنهم وقفوا معي برغم إنه كان بإمكانهم تركي. وهنالك كانت الحيوانات البرية كثيرة، وكان معي رفيق يدعى “دانيال”، كان يذهب للصيد وأنا أقوم بالطبخ وتجفيف اللحوم. وهكذا إلى أن تحركنا إلى “فارينق” وكنا سرية من أبناء النوبة. وقد فقدنا رفيق يدعى “علي” في معركة ملكال. وبهذا يصبح عدد الرفاق الذين فقدناهم “عشرة رفيق”.

 

عندما وصلنا “فارينق” وجدنا محمد جمعة نايل، حيث كانوا قد تقدمونا هو ويوسف كرة هارون وعوض الكريم كوكو وتلفون كوكو أبو جلحة، حيث كانوا في كتيبة “أبوشوك”. استرحنا قليلا، وبعدها إتصل يوسف كوة بالدكتور/ رياك مشار، للتعزيزات العسكرية، ثم تحركنا بقيادة يوسف كرة إلى داخل الجبال وإلتقينا ب”عوض الكريم كوكو” ووصلنا إلى منطقة “الرملة” هنالك قال القائد/ يوسف كرة يجب أن نستريح بعيدا عن “الحفير” ونتقدم ليلا لأن إستطلاعات العدو كانت كثيفة هناك. فقمنا بحفر بئر وشربنا قليل من الماء  وإنتظرنا إلى الصباح. ولكن الأبقار كانت تشتم رائحة الماء فهربت في إتجاه الحفير وتبعناها، ثم أرسلنا فردين للإستطلاع وأخبرونا أن الدبابة قد انسحبت ورجعت إلى الحامية.

 

وجدنا الماء أخيرا. في هذه الأثناء وجدنا إثنان من الشباب من أبناء “أنقولو” في رحلة صيد إحتجزنا أحدهم ولكن الثاني هرب وذهب وبلغ إستخبارات العدو. ولأن عددنا كان كبيرا رأى “مجروس” أن نقتسم إلى مجموعتين وحدث ذلك، ثم تقدمنا إلى أن وصلنا “تاقولي”.

 

وصلنا بالقرب من “الرملة” وتقدمنا في إتجاه “السرف” و”الجقيبة”. إستهلك هذا المشوار من “ملكال” مسيرة شهر ونصف.

 

بعدها صعدنا جبل “أجرون”. وفي اليوم التالي وصلت قوة من العدو وقابلوا المك “تشيرري” الذي قال لهم أن هذا الجبل مليء بالقوات ولو حاولتم الصعود ستلقوا حتفكم جميعا. وأقمنا معسكرا مع الرفاق عوض الكريم وغيره من سبقونا. بعدها وصل المناديب ودعمونا بالملابس لأننا كنا عراة.

 

هذه القوة التي أتيتم بها ما هي توجيهاتها هل كانت للإشتباك أم لأغراض الإستقطاب.؟

 

هذه القوة أتت لغرض الإستقطاب فقط، وعند وصولنا قابلنا المناديب وهم أعضاء في تنظيم “الكمولو”، وإتقسمنا إلى مجموعات كل حسب قبيلته وذهبنا إلى مناطقنا لإستقطاب الدعم والمهندسين. أنا وداؤود أشعياء وأخوه يدعى “عبد الله” ذهبنا إلى “العتمور” ولكن واجهتنا عدة صعوبات كان هنالك شخص من أفراد القبيلة يدعى “كاجاما” وهو صهر “عبد الله”، كان يتخابر لصالح العدو. وعند سماعه بنبأ وصولنا المنطقة هرع إلى الحامية في “العتمور”. وقد مكثنا في المنطقة ثلاثة أيام جمعنا خلالها تعيينات وعدد مقدر من المجندين (168) فرد،. وبعدها قررنا التحرك وأردنا أن نأخذ معنا إبن “كجاما” لكنه رفض وأعطانا ثلاثة بقرات وتعيينات كزوادة للقوة.

 

وأثناء تواجدنا في “العتمور” هاجم “يوسف كوة” حامية الجيش في “الرملة” يوم 28 يونيو 1987 بقوة قوامها كتيبة، وهذه كانت الإنطلاقة للعمليات في جبال النوبة. وقد نصب “يوسف كوة” كمينا ناجحا لقوات العدو، وبعدها طلب منا الذهاب إلى “هيبان” وإحضار قوة من الشرطة، ولكن “يوسف كرة” قائد القوة إقترح “أندولو” بدلا من “هيبان” حتى لا يقطع العدو الطريق، وقد كنا متحمسين، إقترحنا الإستيلاء على “كادقلي” نسبة لعددنا وقوتنا، ولكن “يوسف كوة مكي” رفض لأسباب إستراتيجية. وفي “اندولو” كان لدينا “مناديب” وقد خططنا مسبقا للإستيلاء على المنطقة دون مقاومة. اأطلقنا بعض الأعيرة النارية للتموية فقط.

 

بعد تحرير “أندولو” تحركنا إلى “الجقيبة” ومنها إتجهنا جنوبا بالمستجدين.

 

وقد أتى معنا الرفيق “علم الدين” وهو من الشرطة. عدنا إلى الجنوب يوم 2 أغسطس 1987 بعدد (3،000) جندي، وإستغرقت الرحلة ثلاثة شهور إلى إثيوبيا في فصل الخريف. من “الجقيبة” إلى “الرملة” إتخذنا نفس الطريق للعودة إلى “فارينق” ومنها إلى “بانتيو” وهناك إلتقينا بعدد من الرفاق من “النوير”، وقد عدنا بقيادة (يوسف كرة، وعزت كوكو، وإبراهيم المولفا). في ذلك الزمن أنا كنت مدفعجي في الرئاسة، ولم يتم ترقيتي بعد. وبعد ذلك إلتحق بنا “تلفون كوكو” ومعه (800) فرد في “بور”، في مكان يدعى “جاقير” وهي آخر نقطة لشرب الماء ومنها نشق الطريق نحو صحراء “جونقلي”. خاطبنا المستجدين وطلبنا منهم التزود بالماء والمحافظة عليه لأن المسافة طويلة.

 

تحركنا الساعة 3 مساء ومشينا الليل كلو مسافة يوم ونصف هنالك نقطة تجميع مياه، ولكن أفراد من “المورلي” يقومون بكشح الماء حتى إذا ما أتى الجنود متعبين يقومون بنهبهم.

 

وصلنا الساعة 4 صباحا وكانت البراميل فارغة، وقال “يوسف كرة” أن هنالك “خور” قريب من هنا، ذهبنا وجدنا مياه، وشربنا وأخبرنا باقي الرفاق بوجود مياه قريبة من هنا على مسيرة 10 دقائق، وكان “تلفون كوكو” يجلد المستجدين بسوط للإسراع في السير، وأخبرته بأن الجنود متعبين دعهم وشأنهم. وكان هنالك حيوانات وقد حاول صيد زرافة ولكنه أصاب رجله، وعملنا له نقالة. وتحركنا مسافة يوم ونصف إلى “البيبور وفشلا” وعند وصولنا “بيبور” في رئاسة “كميرو” وهي تبعد مسيرة ساعتين ونصف. هنالك وجدنا “جور كوج” وذبحوا لنا ثيران بالإضافة إلى حيوانات الصيد. وعندما تحركنا إلى “البيبور” هطلت أمطار غزيرة والطين أرهق الجنود بعضهم لم يستطع القيام، فذهب جزء من القوة إلى “بيبور” وأتوا ببعض الذرة يكفي لكل فرد “كفة يد”، ومنها وصلنا “بيبور”، ومنها إقترحنا للرفيق يوسف كرة الإتصال والتحدث مع الدكتور/ جون قرنق ليرسل لنا التعيينات، لأني أعرف المسافة من “بيبور” إلى “فشلا” يستغرق يوم ونصف والأمطار غزيرة والمياه كثيرة والطرق وعرة وبالإضافة إلى إنهاك الجنود وتعبهم، ولكن يوسف كرة قال إنه يمكننا الذهاب فالمسافة قريبة. فقمنا بجمع المال من الذين كان معهم وإشترينا بعض التعيينات. وتحركنا في المياه المفتوحة ولا يوجد مكان جاف، فإضطررنا للمبيت داخل المياه التي تصل حد الركبة. وفي صباح اليوم التالي تحركنا وبدأ بعد الرفاق بالسقوط والغرق أمام أعيننا فليست لدينا القدرة على حملهم، فكل شخص منا كان يستطيع تحمل نفسه فقط وفقدنا نحو “عشرين” فرد في ذلك اليوم في هذا “التوج”، وعند إقترابنا من خور “فشلا” بدأنا نأكل كل ما نجده من الحشائش وبعض أوراق الأشجار كان معنا القليل من الأرز في الرئاسة ولكنه لم يكن كافيا للقوة. كانت القوة منهكة وفي إنتظار المركب للعبور ولكن المستجدين كانوا يتضورون جوعا وعند رؤيتهم الذرة في البر الآخر قفذوا داخل المياه وفقدنا على إثر ذلك 6 أفراد لم يستطيعوا العبور وماتوا غرقا.

 

عبرنا إلى البر الآخر، حيث توجد مليشيات من قبيلة (الأنيواك) أعرفهم جيدا كانوا معنا من قبل، وهناك إشتريت جوال ذرة وتجمعنا حوله وأكلنا إلى أن وصلنا “فشلا” وهنالك تخلف شاب يدعى “كوجا أرو” وقد توفى لاحقا. من هناك تحركنا ووصلنا إلى خور آخر، وأمر “يوسف كرة” بأنه لا يجب أن يأخذ أي فرد شيئا من ممتلكات المواطنين في الطريق.

 

ويوم 11 نوفمبر 1987 وصلنا “فشلا” وهنالك وجدنا طعام كافي وأخدنا الراحة. وقد كانت مسيرة 3 شهور.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.