حتى في أولمبياد باريس.. لماذا يطل علينا سؤال الهوية؟!
✍️ أنس آدم
“هل أنتم على قدر التحدي أم قبيلة من قبائل العاجزين؟”.
مقتبس من خطاب القائد عبد العزيز آدم الحلو في إفتتاحية الجولة الثالثة للمفاوضات بين الحركة الشعبية وحكومة حمدوك الإنتقالية، فندق كراون – جوبا 15 ديسمبر 2019.
إكتظت المنصات الرقمية مطلع هذا الأسبوع بردود أفعال واسعة حول ظهور ومشاركة مجموعة في إفتتاحية أولمبياد باريس يوليو 2024 وهي تردي الجلاليب والتوب أو ما عُرف في الخطاب الرسمي لدولة السودان القديم بـ”الزي القومي السوداني”. ليطل علينا مرة أخرى و كما كان على الدوام سؤال الهوية الذي أثبت انه يمثل أعمق أسباب الصراع و يقف وراء إستمرار الحروب الطاحنة في السودان.
تسرب جدل الهوية إلى سوح السجالات الأبستمولوجية – المعرفية /الفكرية وباحات الرواق المثقفاتي منذ المناظرة والمواجهة المشهوره بين علي عبد اللطيف وسليمان كشه عندما إبتدر كشه خطابه بـ”أيها الشعب العربي الكريم” ليتصدى له علي باللطيف بأن الشعب الذي يتحدث إليه كشه ليس شعبا عربيأ -فالأجدى والأصح بحسب واقع التعدد والتنوع الذي تتسم به البلاد – أن يكون الخطاب: “أيها الشعب السوداني الكريم”. و لم تقف المقارعات والسجالات الفكرية عند هذا الحد بل تعدته لتستمر فى حلبة الصراع الأدبى بين مدرستى العروبة والافريقانية رغم محاولات رواد مدرسة الغابة والصحراء إسدال الستار عليه عبر الوسطية التوفيقيه.
هنا وضح جلياً أن مسألة الهوية و دورها فى النزاع القائم فى السودان غاية في الأهمية، سيما فى خضم التعاطي السياسى مع أزمات البلاد المستفحلة. فإن صراع الهوية الذي سيطر على المشهد السوداني ودخل حلبة الصراع السياسي بقوة أكد أن تشخيص الحركة الشعبية للمشكلة السودانية كان وما يزال صحيحاً وسليماً كما أثبت صحة الوصفة العلاجية الدقيقة والناجعة التي قدمتها الحركة الشعبية لمعالجة أزمة الهوية اى ” مبدأ الإعتراف بالتعدد والتنوع وحسن إدارته”. بالتأكيد فشلت الأنظمة المركزية في إدارة التعدد والتنوع أو بالأحرى تهربت وبتعمد عن مواجهة سؤال الهوية. و نحن من جانبنا إشتغلنا وكتبنا كثيراً عن طبيعة الصراع و فى أساسه قضية الهوية [العرق والدين] حتى عطبت لوحة المفاتيح – و الشواهد ماثلة للعيان وتكشف بل تفضح إصرار النخب الشماليه (حاكمه و معارضه ) على فرض ثوابتهم القائمه على العروبة والإسلام بالعنف والغلبة. و نورد على ذلك الأمثله التاليه:
أولاً: المؤسسة العسكرية الرسمية التي يُفترض انها قومية و تعكس التعدد والتنوع الذي تزخر به الدولة السودانية ظلت طوال السبعه عقود الماضيه وما تزال مليشيا جهويه مؤدلجة، تقوم بمهام حراسة ايديولوجيا دولة الجلابة الإسلامو/ عروبيه. ولأنها مليشيا عرقيه جهويه فقد إنحصرت مهمتها فى فرض الهوية الاحادية الاقصائيه عبر استهداف وابادة الشعوب السودانية الأفريقية – و ما حروبها على شعوب دارفور وشرق السودان والفتاوي الجهادية في العام 1992 والتي استبحيت بموجبها دماء ( شعبي جبال النوبة والفونج) الا دليل ساطع على ما نقول. هذا فضلاً عن النظرة الإستعلائية والعنصرية المزدوجية Double Apartheid لقوات سناء حمد المسلحة و المتمثله فى العنف اللفظى بأقصى درجاته فيما يُسمى بـ”الجلالات ” التى تلهج بها ألسنتها معتبره الشعوب الافريقية مجرد “قردة” او كما جاء فى المقطع الذي تردده المليشيا المؤدلجه بشكل شبه يومي: (يا كوكو في شكل قرد ما ترميني من شجرة). وما أدراك ما عنصرية مدير الشرطة الأمنية بالولاية الشمالية الذي قال: “ان مؤسسة الشرطة ملوها عبيد جنوبيين ونوبة”.
ثانياً: العلاقات الخارجية السودانية إنبنت على/ وقائمة على أساس سياسة تقديم وتعريف الدولة السودانية للعالم بإعتبارها دولة عربية إسلامية. فما حدث في إفتتاح أولمبياد باريس ليس بالشيء الجديد أو الغريب – إذا كانت وزيرة خارجية حكومة حمدوك الإنتقالية – أسماء محمد عبد الله ترى أن العرب أشقاء لشعب دولتها بينما جيرانها الافاقة اخوة فقط وفقاً لتصريحها الموثق: (أشقائنا العرب وجيراننا الافارقة). وكذلك وزيرة الخارجية السودانية في عهد حمدوك- مريم الصادق ذهبت في ذات الإتجاة وظلت تقدم وتعرف الدولة السودانية في المحافل الخارجية على أساس أنها دولة عربية إسلامية فى تجاهل تام لبقية مكونات المجتمع السودانى.
ثالثاً: الأجهزة الإعلامية الرسمية، فتلفزيون السودان الذي يُعرف جزافا بـ”القومي” تجد اللوقو الملصق على شاشته مكتوب عليه: (لا إله إلا الله) بالرغم من واقع التعدد الديني بالسودان. دعك عن لون و زى مذيعات البرامج والأخبار فيما عدا حالات الترميز التضليلي النادره . هذا فضلاً عن الدعايات والإعلانات التلفزيونية التي يقتصر دورها على إبراز عروبة السودان. وحادثة مدينة بورتسودان ليست ببعيدة – فقد منعت إدارة التلفزيون مذيعة من شرق السودان من دخول التلفزيون بسبب إرتدائها زياً يخالف شروط ومعايير زى تلفزيون البزعي.
رابعاً: المناهج والمقررات التعليمية بدلاً من أن تكون مرآة تعكس ثقافات الشعوب السودانية أضحت أداة وميكانيزم لإعادة إنتاج الشعوب الإفريقية داخل حقل الثقافة العربية الإسلامية، ليتوارى كوكو وأبكراي وأميلي خلف الستاره العربيه لمقررات الدولة التعليمية بعد أن حرمتهم الدولة من حقهم المشروع في التسمى بأسمائهم الثقافيه أو التحدث بلغاتهم التى وصفتها بـ”الرطانات ” لتبقى أمل وسهام مسيطرتان على صفحات الكتب و بالتالي مفاصل الدولة.
صفوة القول: ليس هنالك خياراً أمام السودانيين بقواهم السياسية، المدنية وحتى العسكرية سوى التحلي بالشجاعة و الإرتفاع لمستوى التحدي كما نبه القائد عبد العزيز آدم وذلك بالتصدي للأسئلة الجوهرية وتقديم إجابات واقعية لها تضع نهاية منطقية للحروب الطاحنة بمخاطبة جذور المشكلة السودانية وفي مقدمتها أزمة الهوية، و ذلك للمحافظة على ما تبقى من سودان!! و فى غياب ذلك سيستمر الانقسام الثنائى للمجتمع “السيد العربي المسلم الحر ولو كان فاحم السواد” مقابل “الأسود غير العربي العبد ولو كان مسلماً ولم يقع أبدا في أسر الرق” ليولد المزيد من الحروب العنصرية و النتيجه مزيداً من التشظي وبعدها لن تنفع بكائية الشاعر والسياسي خضر حمد : “أمة أصلها للعرب ** دينها خير دين يحب”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.