حاكم إقليم جبال النوبة القائد النور صالح فى حوار مع الموقع الإلكترونى من الأراضى المحررة

 

– هناك إعمال و تطبيق حقيقى لمبدأ فصل الدين عن الدولة فى الأراضى المحررة

– المواطن فى المناطق المحررة مسلح بإرادة و عزيمة قوية ساعدته فى التغلب على ظروف و أوضاع الحرب القاسية

– السلطة المدنية للسودان الجديد تقوم بتقديم الخدمات المتاحة مجانا للمواطن، بإستثناء بعض الرسوم الرمزية و فى حالات محددة

– لقد عانى الناس هنا طويلا من الحرب العنصرية و الحصار المفروض عليهم من النظام البائد، و لكنهم أصروا على الحياة بكرامة

– السلطة المدنية للسودان الجديد تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان و المعتقدات

– المشورة الشعبية المطروحة حاليا عبارة عن حق تقرير داخلى، و الهدف منها تصحيح العلاقة مع المركز

حوار: أنس آدم
تصوير: عامر توتو

على الرغم من كثرة الهموم و الشواغل و إزدحام جدول أعماله وافق القائد على إجراء هذا الحوار النادر فى مكتبه برئاسة حكومة إقليم جبال النوبة. إنتهزنا الفرصة لإستنطاقه فى عدد من القضايا و الملفات الساخنة و كانت كاودا وقتها تشهد حراكا سياسيا و دبلوماسيا مهما، فإلى مضابط الحوار:

# بداية تحية الثورة و النضال، و سعداء أن نلتقى بكم فى الموقع الإلكترونى. لكن قبل الدخول فى تفاصيل هذا الحوار المهم، نرجو إعطاء القارئ الكريم بطاقة تعريفية عن شخصكم:

مرحب بالفريق الإعلامى للموقع الرسمى للحركة الشعبية فى رئاسة حكومة الإقليم – السلطة المدنية للسودان الجديد بالإقليم. انا القائد النور صالح البادل حاكم إقليم جبال النوبة، و رئيس الحركة الشعبية المكلف بالإقليم.

# من الملاحظ أن هناك وجود بارز للمؤسسات الحكومية فى الإقليم و حراك يومى يُجسد بيروقراطية الدولة، أرجو إعطاء قُراء و متابعى الموقع فكرة عن السُلطة المدنية للسُّودان الجديد بالتركيز على حكومة الإقليم، مهامها و واجباتها؟

نعم، توجد فى إقليم جبال النوبة مؤسسات حكومية تُعرف بالسلُطة المدنية للسُودان الجديد. معظم هذه المؤسسات تم إنشاؤها فى بداية الحرب الثانية. و فى العام 2018 تم تفعيلها و إعادة هيكلتها بموحب مرسوم رئاسى رقم (2) من رئيس السُلطة المدنية للسُّودان الجديد – القائد عبد العزيز آدم الحلو. تتكون السُلطة المدنية للسُّودان الجديد فى الإقليم من إدارات مختلفة على سبيل المثال لا الحصر إدارات التعليم، الصحة، الثقافة والإعلام و الزراعة. تقوم هذه الإدارات بأداء مهامها و واجباتها بصورة يومية تجاه المواطن، كل فى المجال الذى يعنيها.

# هل هنالك إعمال و تطبيق حقيقي لمبدأ الفصل بين السُلطات كنموذج؟

نعم، هنالك تطبيق لمبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية، التشريعية و القضائية. الحركة الشعبية فى إقليم جبال النوبة، و كذلك فى إقليم الفونج لديها تجربة ثرة فيما يتصل بالإدارة المدنية منذ حرب التحرير الأولى، فقد قدمت تجربة فريدة و مميزة في إعمال و تطبيق مبدأ الفصل بين السُلطات. فهناك الأجهزة التنفيذية و التشريعية و القضائية تعمل بصورة مستقله عن بعضها دون تدخل فى مهام و إختصاصات مؤسسة أخرى لكن هناك علاقات تنسيقية بين هذه المؤسسات.

# بصفتكم حاكم للإقليم، هل لك أن تصف لنا كيف تسير الحياة اليومية فى الأراضى المحررة؟

حياة المواطن فى السودان الجديد (الأراضى المحررة) تسير بصورة طبيعية، فالمواطن مسلح بإرادة و عزيمة قوية ساعدته فى التغلب على ظروف و أوضاع الحرب القاسية، و لذلك أكتسب المواطنون مهارات و سبل كسب العيش الكريم بفضل تراكم التجربة لديهم. فقد لاحظتُ أثناء تجوال التيم الإعلامى فى الأراضى المحررة أن كاميرا الموقع الرسمى تمكنت من رصد الكثير من الأنشطة اليومية و الروتينية للمواطنين فى الزراعة و الرعى و التعدين التقليدى و النشاط التجارى حيث تجد الأسواق و المحال التجارية مفتوحه على مدار اليوم. و حتى موظفو و عمال المنظمات يذهبون إلى مكاتبهم بشكل روتينى حسب دوامة العمل. و كذلك الطلاب يذهبون إلى مدارسهم بإنتظام. السُلطة المدنية للسودان الجديد ممثلة في إداراتها و مؤسساتها تقوم بتقديم الخدمات المتاحة المختلفة مجانا للمواطن، بإستثناء بعض الرسوم الرمزية و فى حالات محددة. لذلك يمكننا أن نقول أن السُلطة المدنية تؤدى مهامها و تقوم بمسؤولياتها بصورة تجد القبول حسب الإمكانيات المتاحة، و خير مثال لذلك إدارة الصحة حيث تقوم بتوفير الخدمات الطبية الوقائية و العلاجية، كما تقوم بالإشراف على المستشفيات و المراكز الصحية بالإضافة إلى تدريب و تأهيل الكادر الطبى. و كذلك لدينا إدارة الزراعة و التى تقوم هى الأخرى بتأهيل و تدريب المزارعين من خلال الورش و الدورات التريبية فى مجال الزراعة الآلية، فضلاً عن توفير البذور و التقاوى و تقديم الإستشارات العلمية و الفنية للمزارعين و ذلك بالتنسيق مع المنظمات العاملة فى مجال الزراعة بالإقليم.
أما الجيش الشعبى فيقوم بمهمة الدفاع عن الأراضى المحررة و حماية ممتلكات المواطنين، كما يقوم الجيش الشعبى بفتح المشاريع الزراعية لتأمين إحتياجاته اللوجستية. كذلك يساهم فى درء الكوارث و فى صيانة الطرق الكبارى . و هناك شرطة السودان الجديد التى تقوم بمهمة الحفاظ على أمن و إستقرار المواطنين فى المناطق المحررة وفق قوانين السودان الجديد.

# أرجو أن تصف لنا الأوضاع الإنسانية بالإقليم، وهل تُوجد منظمات إقليمية أو دولية تقوم بتقديم مساعدات إنسانية ملمُوسة للمواطنين فى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية؟

الوضع الانسانى الآن فى الأراضى المحررة أفضل حالا قياسا بالسنوات الماضية حيث القصف الجوى و الصاروخى و المدفعى الذى طال الإنسان و الحيوان و المزارع و المدارس و المرافق العامة و لم يستثنى حتى المساجد و الكنائس، فقد عانى الناس هنا طويلا من الحرب العنصرية و الحصار المفروض عليهم من النظام البائد و لكنهم أصروا على الحياة بكرامة. هنالك بعض المنظمات الإنسانية تقوم بالشراكة مع المنظمات الوطنية و المحلية بتقديم مساعدات محدودة مجال الصحة، التعليم، صحة الحيوان، الأمن الغذائى، الزراعة، الحماية المجتمعية، بالإضافة برامج بناء السلام و التعايش السلمى.

# ما تفسيركم للأحداث و التفلتات الأمنية المتكررة فى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، و خاصة مناطق التماس مع الأراضى المحررة، و كيف تتعاملون معها؟

نحن نعتبر الأحداث التى تقع فى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الإنتقالية و بالتحديد حول مناطق التماس دليل على عجز الحكومة الإنتقالية فى توفير الأمن و الأستقرار للمواطنين، كما أنها مؤشر واضح لتنفيذ أجندة القوى المعادية للسلام و برهان آخر لوجود مخطط من قوى الثورة المضادة لنسف الأمن و الإستقرار و التعايش السلمى بين مكونات الإقليم. فى تقديرى لحسم و وضع حد لهذه التفلتات الأمنية، لا بد من إصلاح القطاع الأمنى. أما الحركة الشعبية فمن جانبها فقد أعلنت و ما زالت تقوم بتمديد وقف العدائيات من جانب واحد، ما عدا فى حالات الدفاع عن النفس و ذلك لإتاحة الفُرصة لنجاح و تقدم العملية السلمية. لقد ظللنا نتابع هذه الأحداث و التفلتات الأمنية المتكررة التى يعيشها المواطن بشكل يومى فى مناطق سيطرة الحكومة. ففهمنا أنها لا تعدو كونها عملية منظمة و مرتبة و إمتداد لما حدث و يحدث فى دارفور بورتسودان و كسلا و القضارف و يمكن قراءة هذه الأحداث في إطار سعى عناصر الدولة العميقة و قوى الثورة المضادة لقطع الطريق أمام تحقيق السلام و فرض أجندة حربية.

# ندلف قليلاً إلى ملف التفاوض، إذ نود أن نعرف ما تقييمكم لِمفاوضات السلام بين الحكومة الإنتقالية و الحركة الشعبية، و هل أنتم متفائلون بنهايات منطقية تُفضى إلى تحقيق السلام الشامل و المستدام؟

يمكن أن نتفاءل فى حال لمسنا الجدية من طرف الحكومة الإنتقالية. الحركة الشعبية ممثلة فى وفدها المفاوض إختبرت جدية و مصداقية الحكومة الإنتقالية مخاطبة فى مدى إلتزامها بإعمال و تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، لكنها فشلت للأسف فى تجاوز الإختبار بإصرارها على التمسك بالقوانين ذات المرجعية الدينية، أضف إلى ذلك قضية إصلاح القطاع الأمنى التى تمثل حجر الزاوية فى عملية بناء الجيش الوطنى الموحد. الحركة الشعبية من جانبها لديها الرغبة و الإرادة السياسية لتحقيق السلام الشامل و العادل، و المطلوب من الحكومة الإنتقالية إثبات جديتها عمليا و من خلال موقفها التفاوضى.

# تنادى الحركة الشعبية بالعلمانية و فصل الدين عن الدولة، إلى أى مدى تطبقون هذا المبدأ في السُلطة المدنية للسودان الجديد بالأراضى المحررة؟

نحن فى الأراضى المحررة (السودان الجديد) نطبق مبدأ العلمانية، فالسلطة المدنية للسودان الجديد تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان و المعتقدات. المسلمون و المسيحيون و أصحاب كريم المعتقدات الإفريقية يتعبدون و يمارسون معتقداتهم و شعائرهم و طقوسهم الدينية بحرية تامة دون تدخل من السُلطة المدنية للسودان الجديد. السلطة السلطة عندنا لا تتدخل فى المسائل الدينية و لا تفرض أية قوانين ذات مرجعية دينية على الناس، أيا كانوا. نحن مثلا إخترنا يوم الأربعاء عُطلة الأسبوع فى السودان الجديد حتى لا تحمل العطلة الأسبوعية أى دلالات دينية.

# لِماذا المطالبة بالمشورة الشعبية مرة أخرى على الرغم من فشلها فى حل مشكلة الإقليمين و الذى تسبب فى إندلاع الحرب مجدداً؟

هنالك خلط فيما يتعلق بالمشورة الشعبية المطروحة حالياً بالنسبة للحكومة و المشورة الشعبية المنصوص عليها فى إتفاق السلام الشامل 2005، تنص على أن برلمان الإقليمين يمارس المشورة الشعبية نيابة عن الشعب بعد مشاورتهم و من ثم رفع توصياتهما للحكومة فى المركز، أما المشورة الشعبية المطروحة الآن فى الإتفاق الإطارى فهى عبارة حق تقرير مصير داخلى، بمعنى أن الهدف من طرح المشورة الشعبية هو تصحيح العلاقة بين المركز و الإقليمين عبر الإستفتاء الشعبى، و ذلك لتحديد الوضع الإدارى و السياسى للإقليمين فى إطار السودان الموحد، على أن يجرى الإستفتاء الشعبى تحت رقابة إقليمية و دولية.

# رصدت كاميرا الموقع الإلكترونى هبوط عدد من الرحلات الجوية بمطار كاودا، هل يعنى ذلك قُرب تحقيق السلام، أم ماذا؟

لا شك أن هبوط الطائرات بمدينة كاودا و زيارة عدد من المبعوثين الدوليين و المنظمات و الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة هو مؤشر إلى أن حلول السلام بات أمرا حتميا، و أن الحراك الدبلوماسى و السياسى الذى شهدته مدينة كاودا مؤخرا يعنى العملية السلمية فى السودان عموما، و خاصة المفاوضات بين الحركة الشعبية و الحكومة الإنتقالية تحظى باهتمام و دعم دولى و إقليمى كبير.

# هل لك أن تحدثنا بتفصيل أكثر عن الزيارة التاريخية لوفد المبعوثين الدوليين و بعثة اليونتامس و منظمات و وكالات اللأمم المتحدة إلى كاودا؟

بالفعل وصل إلى مدينة كاودا- الأراضى المحررة وفد من المبعوثين الدوليين و ممثل الأمين العام للأمم المتحدة رئيس البعثة الأممية للسلام فى السودان (يونيتانس) و ممثلو المنظمات و الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة فى زيارة تاريخية ستكون لها ما بعدها. جاءت الزيارة فى إطار دعم جهود تحقيق السلام، و بهدف الإستماع و التأكد من آراء و أصوات المؤسسات القاعدية للحركة الشعبية حول العملية السلمية و التأكد من مطابقتها للموقف التفاوضى الذى أودعه وفدنا المفاوض. فقد إستهل وفد المبعوثين الدوليين برنامج الزيارة بسلسلة لقاءات كان أولها اللقاء مع ممثلى السلطة المدنية للسودان الجديد برئاسة حكومة الإقليم، ثم اللقاء بالمرأة، إلتقى الوفد أيضا بممثلى الشباب و رجال الدين. كما إلتقى الوفد فى إجتماع مطول بالقيادة العليا للحركة الشعبية. و زار الوفد عددا من المستشفيات و مؤسسات السلطة المدنية للسودان الجديد. إختتم الوفد زيارته بحضور جلسة فى البرلمان خصصت لمخاطبة الوفد لمجلس التحرير القومى و الإستماع لأعضاء المجلس. أكد أعضاء مجلس التحرير القومى أن وفد الحركة الشعبية المفاوض يمثل قواعد و مؤسسات الحركة الشعبية و أنه مفوضا منها. أبدى أعضاء الوفد تفهمهم لأراء و مواقف كل الجهات التى إستمعوا لها، و عبروا عن إستعدادهم لدعم جُهود تحقيق السلام فى السودان.

# أخيراً، كيف تنظر للعلاقة بين شعبى جبال النوبة و الفونج؟

العلاقة بين شعبى جبال النوبة و الفونج علاقة تاريخية و نضالية و علاقة المصير المشترك. كما تجمع بين الشعبين روابط إجتماعية ضاربة فى الجذور و مشتركات كثيرة. أستطيع تشبيه العلاقة بين الشعبين بجناحى الطائرة إذا تعطل أحدهما يستحيل أن تقلع الطائرة و تحلق بجناح واحد. هكذا هى العلاقة – لقد عاش شعبا الإقليمين أهلك الظروف معاً بسبب الحروب العنصرية المفروضة على الشعبين من قبل الأنظمة التى تعاقبت على الحُكم فى الخرطوم.

# هل من رسالة أخيرة؟
فى ختام حديثى، لا يسعنى إلا و أن أقدم صوت شكر وتقدير مستحق للرفاق فى الموقع الإلكترونى لإتاحتهم لى هذه السانحة لأطل عبره للرأى العام و متابعى الموقع و المهتمين بالشأن السودانى، شكرا لكم،،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.