جنوب السُّودان.. انتفاض مواطني المناطق المقفولة (5 من 6) في مكتبة المصوَّرات بالخرطوم..
الدكتور عمر مصطفى شركيان [email protected]
وفي ظل تصاعد الأحدث السياسيَّة والدمويَّة عقب استقلال السُّودان العام 1956م، واشتداد عنفوانها وأوارها في الجنوب، وبخاصة في حقبة الستينيَّات، أقدم كثرٌ من الكتَّاب والباحثين السُّودانيين والأجانب على حدٍ سواء على سرد الوقائع المأسويَّة والأحداث السياسيَّة التي اصطبغت العلاقة بين الشمال والجنوب. فقد تتبع الكاتب الصحافي بشير محمد سعيد في كتابه المنشور باللغة الإنجليزيَّة (Sudan: Crossroads of Africa) “السُّودان: مفترق الطرق في إفريقيا” (1965م) العلاقة المأزومة بين شطري القطر، حيث أورد – فيما أورد في ذلكم السفر – محضر مداولات مؤتمر جوبا العام 1947م بشيء من التفصيل شديد. ومن أكثر المراجع تغطية لسياسات الحكومة تجاه العدائيَّات في جنوب السُّودان نذكر – على سبيل المثال لا حصريَّاً – الورقة التي كتبها سيسيل إبرايل في مارس العام 1972م بعنوان “السُّودان: الحرب الطويلة” ونشرها مركز دراسات النزاع في لندن، وأردف ذلك بكتابه المعنون “الحرب والسَّلام في السُّودان (1955-1972م)” المنشور العام 1974م، ثمَّ كتاب بالانس باسم “الحرب السريَّة في السُّودان (1955-1972م)” الصادر العام 1977م، وكتابي البروفيسور الراحل محمد عمر بشير “جنوب السُّودان: خلفية الصراع” العام 1968م، و”جنوب السُّودان: من الصراع إلى السَّلام” العام 1975م، وبالطبع مذكرات اللواء (م) جوزيف لاقو، وكل هذه الأعمال منشورة باللغة الإنجليزيَّة.
أما كيف نظر أهل الشمال إلى مسألة الجنوب وتداعياتها على الوحدة الوطنيَّة والنسيج الاجتماعي والعلاقات الثقافيَّة، فلا يسعني أن أروي بشكل دقيق ما جرى خلال الحقب الماضويَّة، فقد قدَّم دينق دي أكول رواي دراسة عميقة في هذا الشأن في كتابه الموسوم ب”سياسة سودانين: الجنوب والشمال (1821-1969م)” الصادر العام 1994م، وكذلك أسهب في الكتابة عن هذا الموضوع الدكتور الراحل منصور خالد في كتبه ومقالاته وأوراقه العديدة باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة أبرزها “جنوب السُّودان في المخيَّلة العربيَّة.. الصُّورة الزَّائفة والقمع التأريخي” (2000م)، و”أهوال الحرب وطموحات السَّلام (قصة بلدين)” (2003م)، وكذلك أثبت الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان في كتابه “انفصال جنوب السُّودان: دور ومسؤوليَّة القوى السياسيَّة الشماليَّة” (2015م) ما قامت به الأحزاب السياسيَّة والقوى الشماليَّة في سوء إدارة الأزمة في قضيَّة العلاقة بين الشمال والجنوب، مما أفضى إلى انفصال الأخير. أما في مسألة التنكُّر على العهود والعقود بين الشمال الجنوب فقد سرد مولانا أبيل ألير في كتابه باللغة الإنجليزيَّة (Southern Sudan: Too Many Agreements Dishonoured) (1990م)، وترجمه الصحافي بشير محمد سعيد تحت عنوان “جنوب السُّودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود” (1992م)، سرد كل التعهدات التي تمَّ توقيعها بين النخب الشماليَّة في السلطة في الخرطوم وبين ممثلي أهل الجنوب وكيف ذهبت هذه الجهود هدراً في مهب الريح.
على أيَّة حال، إذ يتناول هذا السفر الذي جاء في ثلاثة فصول برغم من ضخامة حجمه ملامح من ماضي المشكل السياسي السُّوداني الأعظم، الذي أسموه “قضيَّة جنوب السُّودان” ابتداءً، وذلك في الإطار العام للمسألة السُّودانيَّة. ومن ثمَّ التركيز على مسألة الحرب والسَّلام في الفصل الثاني منذ بروز الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان العام 1983م حتى لحظة توقيع اتفاقيَّة السَّلام الشامل في كانون الثاني (يناير) 2005م. ولعلَّ هذه الحرب هي القضيَّة الرئيسة التي أغدق فيها الدكتور فرانسيس دينق جل تحليلاته في مسألة العلاقة المتوتِّرة بين الشمال والجنوب، وذلك في مبحثه الموسوم ب”حرب الرؤى: صراع الهُويَّات في السُّودان” (1995م) (War of Visions: Conflict Identities in the Sudan). فقد أحدثت هذه الحرب في حياة النَّاس وأخلاقهم، وأحكامهم على الأشياء، وتقديرهم لها من فساد واضطراب وأزمات شيئاً إدَّاً، مما حدا بكاتبين أجنبيين هما جي ميلارد بور وروبرت أو كولنز أن يصفا حال السُّودان نتيجة تداعيات وإفرازات هذه الحرب بعزاء، وذلك في كتابهما الموسوم ب”مأتم السُّودان: الحرب والجفاف وإغاثة الكوارث في النيل” (1995م) (Requiem for the Sudan: War, Drought and Disaster Relief on the Nile).
لعلَّ ما توصَّل إليه الطرفان (الحركة الشعبيَّة وحكومة المؤتمر الوطني) في نايفاشا كان قد رفضه النظام في محادثات أبوجا العام 1993م بكبرياء وصلف شديدين، وعاد وارتضى به في المحادثات الماراثونيَّة في منتجع نايفاشا بكينيا، وتمَّ التوقيع عليه في نيروبي في اتفاقيَّة السَّلام الشامل، وذلك بعد أن جرت مياه غزيرة تحت الجسر، وراح كثرٌ من شباب السُّودان في الشمال والجنوب ضحيَّة هذه السنوات المتعثرة، وذلك بسبب تعنُّت النظام “الإنقاذي”. أفلم يكن فيهم رجل رشيد يبصِّرهم بعواقب العناد، والإصرار عل خوض تلك الحرب اللعينة! بسبب تلك الحرب أصبح الشباب الذين ظهروا أثناءها وبعدها أصحاب ثقافة التهالك والموت، واستخفاف بالخلق، يقبلون على ذلك في سيرتهم العمليَّة، ويصوِّرون ذلك في آثارهم الحياتيَّة بأغاني الجهاد في ساحات الفداء! وكان الجيل الذي سبقهم، أو الذي أوتي بسطة في الإدراك الإنساني، يكره ذلك منهم ويضيق بهم، وقد ظلَّ يقاومهم رفيقاً بهم حيناً، وعنيفاً عليهم حيناً آخر. على أيَّة حال، فقد اقترحت الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان في تلك المحادثات التي جرت في العاصمة النيجيريَّة، أبوجا، وكحل وسط لمسألة الخروج من مأزق القوانين الدِّينيَّة قيام نظام كونفيدرالي قوامه دولتان متكافئتان (الشمال والجنوب). ولو قبل النظام آنذاك بهذا الحل الوسط لكفى السُّودان التجزئة وانفصال الجنوب. أجل، لقد تابعنا تلك الأزمة وأجواء الغلو البعيدة عن العقل والعرف من قبل أهل النظام “الإنقاذي”، وقد ظلَّ فريقه يقول ما يشاء من أقوال وفرضيَّات وأوهام.
وللمقال خاتمة،،،
واقع التاريخ السودان أدى إلى تجزئة الدولة وتفككها إلى دويلات واقاليم وهذه السياسه التي خطط لها المستعمر الانجليزي لإضعاف قوه الشعب السوداني المظلوم آنذاك