جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (14 من 21)

الدكتور عمر مصطفى شركيان [email protected]

 

في تلكم الأثناء “كان الإخوان المسلمون يندِّدون باتفاق الحكم الذاتي في الجنوب، ويطالبون بإلغائه، وتلتقي معهم عناصر حزبيَّة أخرى متَّصلة بليبيا تقول إنَّه لا بدَّ من إسقاط النظام (المايوي)، ثمَّ إنَّه إذا كان إسقاط النظام سيؤدِّي إلى انفصال الجنوب، فلينفصل، وسنعيد فتحه بالغزو، ووفق قاعدة: إما الحرب أو الإسلام. كان هذا الكلام الذي يقال في شأن الجنوب خطيراً جداً. فالاتفاق مع الجنوبيين ما زال طري العود، وهناك عناصر في الجنوب تتمنَّى أن يحدث الانفصال، لأنَّ لا دور لها في ظل اتفاق الحكم الذاتي.” هذا ما أبانه الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري في لقاءات صحافيَّة مع الصحافي فؤاد مطر في مجلَّة “المجلة” (مجلة “المجلَّة”، حديث الوداع مع نميري، الحلقة (4)، 14-20/9/ 1997م، العدد: 918). بيد أنَّ الأغرب في الأمر أنَّ الرئيس نميري مضى القهقرى، وخرق الاتفاق نفسه العام 1983م، حتى ولئن لم يلغه تماماً.

كان العقيد القذافي يطالب متسرِّعاً بالوحدة الفوريَّة بين مصر والسُّودان وليبيا وسوريا، ولم يكن ليكتفي بالميثاق الثلاثي (مصر والسُّودان وليبيا) الذي أزمع القادة الثلاثة (عبد الناصر ونميري والقذافي) الابتداء به والتدرُّج رويداً رويداً نحو الوحدة المستقبليَّة، وذلك بعد الانتهاء من بناء المؤسَّسات الدستوريَّة في كل من السُّودان وليبيا، لأنَّ الوحدة علاقة تنشأ بين الشعوب، وينبغي أن يكون هناك ثمة تحضير وتهيئة نفسيَّة لدي هذه الشعوب لتقبل بالأمر. ومنذ أن أدرك الليبيُّون تردُّد السُّودان في مسألة تلك الوحدة، شرعوا ينظرون إلى السُّودان بحذر، وقالوا من الممكن مساعدة السُّودان في حل المشكلات التي يعاني منها، وإنَّ من السهل إرسال كتيبة من الجيش الليبي توقف الحرب في الجنوب. إزاء ذلك ردَّ عليهم الرئيس نميري إنَّ أفراد هذه الكتيبة سيأكلهم ناموس الملاريا قبل أن يصلوا إلى رجال الأنيانيا (المتمرِّدون الجنوبيُّون)، ويبدو أنَّهم لم يكونوا ملمِّين بطبيعة جنوب السُّودان، وبنوعيَّة الحرب الدائرة هناك، وإلا لما كانوا اعتبروا أنَّ كتيبة من الجيش الليبي كفيلة بحسم الموقف.

الجدير بالذكر أنَّ الإمبراطور هايلي سيلاسي كان قد أبلغ وزير الإرشاد القومي السُّوداني بأنَّه “مع مغادرة البريطانيين الآن (فجر الاستقلال) البلاد (السُّودان)، يجب على السُّودانيين فعل الاتحاد، ودفن خلافاتهم، وإنجاز استقلال حقيقي.” كان هذا ما نقله ضابط الاتصال الإثيوبي في الخرطوم إلى الحاكم العام البريطاني في العاصمة السُّودانيَّة، ألا وهو أنَّ الإمبراطور عبَّر عن استعداده لمساعدة السُّودانيين في الاتحاد، وضمان استقلال حقيقي بعد الانسحاب البريطاني بهدف منع التقارب بين السُّودان ومصر، الذي هدف إبعاد السُّودان عن محوره الإفريقي. ونقل الحاكم العام البريطاني عن ضابط الاتصال الإثيوبي تأكيده أنَّ هايلي سيلاسي “عبَّر عن أمله في أن يزور السُّودانيُّون أديس أبابا كي يبحث معهم السبل التي قد يساعد بها (الإمبراطور) الأمة (السُّودانيَّة) الجديدة.” غير أنَّ السُّودانيين انتظروا أكثر من سبعة عشر عاماً، وبعد حرب أهليَّة ضروس في جنوب السُّودان، قبل أن يأتوا إلى أديس أبابا، ويصلوا إلى اتِّفاق سلام بينهم، وبرعاية الإمبراطور هايلي سيلاسي نفسه، وذلك بعد أن رفضوا أن يمتثلوا إلى نصائحه من قبل.

للمقال بقايا باقيات،،،

 

 

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.