جدل الهوية في السودان بين الواقع والتبسيط:
بقلم / حب الدين حسين (حبو ارسطو)
مقدمة:
ظلت قضية الهوية في السودان تمثل جوهر الصراع في السودان ، وعلى رغم من محالاوت نخب المركز التبسيط لإشكالية الهوية وإخفاءها وعزلها من المشهد واعتبارها شيء ثانوي ووصفها احيانآ بإنها صراع مفتعل من العدو الخارجي تكاد وصل درجة النكران، وانه لا يوجد صراع الهوية في السودان؛ ويجري كل ذلك بغرض الهيمنة والسيطرة للقلة الاسلاموعروبين الذين قاموا بالباس هويتهم الخاصة في هوية الدولة عبر عملية الأختزال والتعميم متنكرين حقائق الواقع السوداني( التنوع التاريخي، والتنوع المعاصر).
بدايتآ كي يكون المفهوم واضحآ فمن الضرورة تعريف الهوية وتحديد ابعادها وخصائصها وكشف اثارها التى القت بظلالها على الوضع في السودان تساعدنا في الفهم للحقيقة إشكالية الهوية في السودان.
تعريف الهوية identity: عرف قاموس وبستر الجديد للغة الانجليزية الهوية باعتبارها( تماثل الخصائص الجينية الأساسية في عدة أمثلة او حالات او تماثل كل ما يحدد الواقع الموضوعي للشيء المعين: تماثل الذات ،الواحدية، تماثل تلك الأشياء التي لا يمكن التمييز بين آحدها إلا بخصائص عرضية أو ثانوية .الإدراك الناتج عن التجربة المشتركة هو أحد حالات هذا التماثل. او وحدة الشخصية واستمرارها :وحدة شمولية الحياة او الشخصية او حالة التوحد مع شئ موصوف، مزعوم أو مؤكد أو حيازة شخصية مدعاة(ص،7).
الخصائص:
فالهوية يجمع ما بين الخصائص الجينية بالإضافة الإدراك الناتج عن التجربة المشتركة أو المكتسبة من خلال تفاؤل الفرد عبر عملية تحولات الكمية المفضي الى التحولات النوعية( السيرورة والصيرورة).
فإذا اردنا معرفة هوية الفرد او الشخص يمكننا معرفته باسمه او خلفية الاثنية او الدينية او الجهوية او النوعية او الطبقية او العمرية او عمرانية(مدينة)، لذا للهوية وجهان اصلي بدائي ومعطى يناله الفرد منذ ولادته ( بيولوجيآ)، والأخر مقترع اصطناعي او ثقافوي تنتجه الحراك الاجتماعي وتتولد تاريخيآ، نشاة مع نشوء وتطور العلاقات الإجتماعية، فالهوية في نفس الوقت ذاتية وموضوعية ذات شخصية اجتماعية.
فالمدلول الذاتي للهوية هي الإحساس بالوحدة والإستمرار والإنتماء وهي ايضا دينامية متحركة أي مستيبجة للتحولات التاريخية والمتغيرات. أي أن هوية تعطينا الشعور بالوحدة والإنتماء ويؤلف بين المجموعة ويصنع وعي أجتماعي مشترك وتدفع للنهوض جماعيآ، وايضآ بإمكاننا خلق هويات جديدة عبر التفاؤلات الإجتماعية المستمرة والمتغيرة.
وللهوية ثلاثة جوانب جوهرية :
تصور المجموعة لنفسها.
تصور الأخرين للمجموعة.
الأعتراف او عدمه من قبل مركز الهوية لمجموعة التي تصور نفسه
فإذا تفاعلت هذه العناصر الثلاثة بصورة متناقضة فانها تؤدي الى بروز تناقضات الهوية وزحف وعدم الاستقرار، وهكذا تنشأ ازمة الهوية على المستويين حسب وجهة النظر الكاتب الباقر عفيف،هما الشخصي والإجتماعي .
على المستوى الشخصي : تنشأ الازمة عندما تحين لحظة إحداث التوافق بين التماهيات الطفولية وبين تعريف جديد للذات، او ادوار مختارة لا يمكن النكوص عنها. فالهوية الشخصية تقوم على جهد مستمر في كل الحياة والفشل في تحقيقها يسبب ازمة .
أما على المستوى الإجتماعي : فتنشأ الأزمة عندما يفشل الناس، وهم يصنعون هوياتهم , في العثور على نموذج يناسبهم تمامآ او عندما لا يحبون الهوية التي اختاروها او اجبروها على تبنيها ويفتقرون الى هوية واضحة والتناقض بين هوية الشخص ونظرة الاخرين الى الهوية ذاتها مثل نظرة العرب الخليج الي السودانيين الشمالين على انهم مجرد عبيد رغم محاولات الشمالين تقديم نفسهم انهم عرب العرب؛ بالاضافة الى ذلك يمكن ان توجد ازمة الهوية اذا كان مركز الهوية، اي الجهة التي تملك صلاحيات اصباغ الشرعية ولا تعترف بادعاءات المدعاة.
لذا فالهوية تعمل على التعريف ،والتصنيف ،والترتيب، وهذه هي المثلث التي تقوم عليها اي تمييز، التي تبدأ بتعريف الشيء وتصنيفه وترتيبه، وهكذا فان المرء لا يمكن ان يقوم باستبعاد المرء اخر، اي تحديد الأخر على انها أخر الا بتعريفه وتصنيفه وترتيبه ,وهكذا فالمرء لا يرق ابنه او والده وانما الأخر ، أي الأخر الذي يقع تحت طائلة (هو) وليس (نحن) ومن هنا تتضح خطورة الهوية.فالتبسيط يقوم باخفاء هذه المعضلة من الواجهة.
فالمشكلة الحقيقية أو الجوهرية للهوية :هي دورها في تشكيل عدم المساواة الهيكلية بين مكونات المجتمع، أي هوية التي تتبنى الدولة في اطار العام تخلق امتيازات في حيازة السلطة والثروة والمنافع الرمزية الإجتماعية لجماعات محددة وبينما تتحول هذه الإمتيازات نفسها الى موانع هيكيلة بالنسبة للأخرين.
وللهوية ثلاثة ابعاد اساسية :
الفردي، مثلا ان يتم تعريفك بانك فلان بن فلان وهي ليست محل الخلاف ، والهوية الجمعية، سواء كانت لجماعة قبلية او دينية او جهوية او اثنية او نوعية، مثلا ان يعرف احدآ نفسه من سكان مدينة قضارف او قبيلته من بجة او دينه هو مسلم او مسيحي ، وهذا ليست محل نزاع ايضآ ، وانما الخلاف حول هوية الدولة التي تعتبر هوية متعالية تفترض في نفسها الممثيل الشرعي للهويات الفردية والجماعية لمواطنيها ، ومصدر مشروعية هذه الهوية هو اعتراف المواطنين بها، واذا لم يعترفوا سيخلق مشاكل كما هو الحال في السودان، وهكذا يرتبط الهوية بشكل وثيق بالمواطنة ، فمن خلال الهوية يتم تحديد ما اذا كان انت جزء من الذين تشملهم الدولة في الحقوق من حيث هويتها المعرفة ام لا.
اشكالية الهوية في السودان:
تتلخص إشكالية الهوية في السودان ان مجموعة اجتماعية محددة اختلاقها الإستعمار وهي مجموعة (الجلابة) التي تتبني ايديولوجية الإسلاموعروبية وقاعدتها الإجتماعية القبائل التي تدعي انها عربية في وسط وشمال السودان بالإضافة رجالات الطرق الصوفية ورجالات الادارة الاهلية، البسوا الدولة هويتهم الخاصة ( العروبة والاسلام) ويحاولون فرضها على بقية مكونات الشعب السوداني المتعدد التي يتكون اكثر من 570 قبيلة و130 لغة واكثر من عشر دين ارضي وسماوي ، بالإضافة التنوع المناخي مستخدمين أجهزة الدولة ومؤسساته مثل (التعليم ،الاعلام، والجيش، والمؤسسات الدينية والخدمية والعمرانية..الخ).
وخطورة هذه التوجه فإنه بمجرد تحديد هوية البلد في العروبة والأسلام تترتب عليه التصنيف والترتيب والهرمية، فالمرء ينال المنصب او الوضع الإجتماعي والأقتصادي بمجرد هو عربي ومسلم في المقابل يتم تهميش وعزل المختلف عن هذا الوصف المبتزل للسودان، لذا تجد الاصرار والتعنت من الجلابة وسعيهم الدؤوب للتطبيق هذه التوجه الأحادي رغم الرفض من الغالبية العظمى.
على رغم هذه التعدد والتنوع التي تزخر بها السودان يصر الجلابة الذين تعاونوا مع المستعمر وورثوا السلطة من المستعمر اصرارهم على فرض هويتهم الأحادية الأقصائية التي هي نفسها تعاني من عدة اشكاليات يمكن اجمالي في الاتي:
التناقض بين تصور الشمالين لذواتهم وتصور الأخرين لهم ، فالشماليون يفكرون في انفسهم كعرب، ولكن العرب الأخرين لهم راي اخر وخير مثال تجربة الشمالين في الخليج وعلى القول الجاي من الخليج ما بقول (عب)
الغموض حول الهوية حيث ان الناس يصنفون حسب انتماءتهم الاثنية والإجتماعية وهو حال الذي يواجه العرب في دول الغربية وامريكا، فالاستمارات المجالس تحدد ما بين ( افرو كاريبي، اسيوي ، افريقي اسود، وابيض، واخرون ) وهنا يجد العرب الشمالين هل يسجلون مع الاخرون ام ماذا يفعلوا،وهكذا تجد ان بعض الشمالين يقولون كفى الجرجرة الافضل الواحد يقول افريقي اسود عشان ويحسم الفارغة دي وبين رافض هذه الخيار وهكذا يجدون انفسهم انهم يقعون في نفس دائرة التصنيف الهرمي الذي يراها الغرب تجاه الزنوج وان لم يكن أقل منهم.
عوامل الازمة الثالثة( خلعاء الهوية) حسب ما ذكره الباقر عفيف أن اولئك الذين لا يجدون موضعآ ملائمآ داخلها، فيرى ان الشماليون يعيشون في عالم منشطر فهم ينحدرون من “اب عربي” “وام افريقية” فانهم يحسون بالانتماء الى الاب الذي لا يظهر كثيرآ في ملامحهم ويحتقرون الام الظاهرة ظهورآ واضحآ في ملامحهم، لذا يسعون دومآ الى قتل الأم واحياء الأب على حساب الأم ؛ هذه الظاهرة انتجت اضطراب نفسي وجعل الرجل الشمالي في صراع دائم مع ذاته ومع الأخرين.
ويرضف فإن الإنشطار الداخلي في ذات الشمالي تتجلى بين الجسد والعقل، بين لون البشرة والثقافة بالأحرى بين ( الأم والأب) فالثقافة العربية تجعل اللون الأبيض هو الأساس والمقياس وتحتقر اللون الأسود.
وان هذه الإنشطار يتضح بجلاء في خطابات من يسمونهم بالرواد الاستقلال حيث قال شريف زين العابدين وهو احد الذين وقعوا مذكرة الشهيرة الذي رفض القاء الرق الذي اصدره الحاكم الانجليزي حيث قال( أنا عربي واعرف انني عربي ولا يستطيع احد يناقشني في ذلك ،فانا املك شجرة نسب فانا فلان بن فلان بن محمد رسول الله، ولكن من الجانب الاخر ، ،يستطيع اي فرد ان يشير إلى افريقتي فقد جئنا (نحن) واختطلنا (معهم) النتيجة هي هذه الخلق القبيحة التي صرنا عليها؛) وهكذا يرى شريف زين العابدين ان اختلاط دم ابيهم العربي مع امهم الأفريقية انتجت شكلهم القبيح الذي صاروا عليه ؛ فالشخص الذي يكره ذاته بهذه الطريقة ويفر منه، فمن الطبيعي ان يقوم بالابادة الاخرين لكي يتخلص من وهمه الموغل في ذاته المضطرب وهذا م حدث ويحدث في ممارسة السياسية طيلة سبعة وستعون عام !
ولن يقف هذه التنكر والهروب من الذات عند زين العابدين بل قال الروائي الطيب صالح صاحب الرواية الشهيرة موسم الهجرة الى الشمال وهو هاربآ من افريقيته الواضحة ومغتربآ عن السودان وقال ( تمنيت لوا ان قادتنا لوا سموا هذه البلاد سنار، ربما يكون السبب وراء عدم الاستقرار هذه البلد ان اسمه(السودان) لا يعني شئء بالنسببه لاهله. فما السودان ؟ مصر هي مصر، واليمن هو اليمن، والعراق هو العراق ، ولبنان هو لبنان ولكن ما السودان؟)”ص-53″
هكذا يتضح كراهية هؤلاء للسواد ومن يظنونهم انهم رواد الاستقلال واعمدة الدولة الوطنية المزعومة ، فكيف يستقيم دولة يديرها هؤلاء العقول العنصرية الذين يعانون من عقدة نقص.
فكلمة السوداني في فجر خروج المستعمر كانت تعني ملازمة للعبد والمنبتين قبليآ او الأنقسام الثنائي بين اولاد الناس ( الجلابة) محجوب والازهري وزين العابدين وحسين الكد واولاد الشوارع او المنبتين قبليآ ( السود, المهمشين), امثال على عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ ورفاقه، وقد بينت الكاتبة الاسترالية يوشيكا كوريتا في كتابه ثورة اللواء الابيض 1924 حقيقة الصراع حول القومية بين المدارس الأدبية بين التياريين مدرسة الموردة التي كان يقودها شقيقان صديق وعبدالله العشري وعلى عبداللطيف من جانب ومدرسة اب روف بقيادة حسين الكد والازهري واخرون من الجانب الأخر الذين رفضوا استلام الجواز الذي كان يحمل اسم السودان، مما يؤكد الرغبة في التخلص من كلمة السوداني؛ وهروب بجلدهم ومن كل شيء يتعلق بالسواد!
ولا يفوتنا هنا ان نذكر كيف تهرول اسماعيل الازهري بضم السودان الى جامعة الدول العربية 1956 على رغم من رفض دول مثل لبنان وتونس بضم السودان للجامعة العربية التي تجمع العرب والسودان ليست جزء منها.
بالاضافة الى ذلك فالتاريخ يسطر كيف تعامل ابراهيم عبود بالحرب في الجنوب عندما اعلن حرب الهوية والدين في الجنوب وتتبعه نميري والصادق المهدي الذي كتب كتابآ ذاكرآ طرق اسلمة وتعريب الجنوب ليكمل عمر البشير ما بداه اخوانه عن طريق الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور وجبال النوبة والفونج والشرق والجنوب، كاخر تجلى لمحاولة فرض الهوية العربية الاسلامية. ويتذكر الناس خطاب البشير الشهير في قضارف ابان استقلال جنوب السودان 2011 الذي قال ( بعد انفصال الجنوب السودان دولة عربية اسلامية وتاني مافي دغمسة) هكذا اعلن حرب شامل ضد المختلف عن هوية الدولة التي البسوها.
لذا اشكالية الهوية في السودان لها عدة جذور وابعاد لابد من معرفتها وهي:
البعد العبودي التي ارتبطت بالتقسيم الثنائي، العربي الحر، مقابل الافريقي العبد التي تعود جذوره لاتفاقية البقط 652ميلادية التي تم توقيعه بين الملك النوبي وعبدالله بن سرح اظهرت الثنائية الاسغلالية من حيث اعلاء مكانة البعض من جانب وتسيلع وتشيع البعض من الجانب الأخر.
البعد الإستعماري يتعلق بالاستعمار التركي المصري 1821 الذي قام بغزو السودان واتيان بالعلماء المذاهب الثلاثة الذين سعوا الى التعريب السودانيين واسلمة المجتمع عن طريقة عربنة الاله والاسلام، التي اسست قاعدة الجلابة الاساسية مما كرست وعمقت مشكلة الهوية.
الحقبه المهدوية 1885 الذي لم يختلف كثيرآ عن الاستعمار التركي المصري، خاصة حقبة الدولة المهدية الذي ادعى تطبيق نهج دولة المدينة( واقرشنة )المجتمع مما ساهم في تعميق المشكلة، مثلها ومثل ادوار بقية الممالك الاسلامية.
الحقبة الإستعمارية الانجليزية المصرية 1898, وكأي إستعمار فإن اهدافه هي غير وطنية، فإنها سعت الى معاونة الذين تؤاطو معه في اهدافه الإستعمارية وهم فئات الجلابة الذين يقطنون وسط وشمال السودان فقام بتمكينهم سياسيآ واجتماعيآ واقتصاديآ وملكهم جهاز الدولة ابان خروجه مما اهلهم فرض هويتهم الأحادية الأقصائية عبر جهاز الدولة الحديثة ومستخدمين كافة الوسائل، ليستمروا في ذات النهج في الفترة ما بعد خروج المستعمر الخارجي وتحولهم هم نفسهم للمستعمر الداخلي.
البعد التاريخي، اي ان هذه التوجهات والممارسات اخذت فترة طويلة ولن تبدأ منذ وقت قصير مما يعني حجم التشابك والاختلال الطويل واثارها العميقة على كافة الجوانب وفي كل الحقب ، واستحالة ايجاد الحل لها دون النظر بالعمق تحت كافة النواحي والزوايا والحقب.
لذا من الضرورة عدم التعامل مع قضية الهوية بالسطحية والتبسيط ومن دون معرفة كافة الأبعاد التي تشكلت فيها وغذتها كي تستمر هذه الصراع واختلال الهوياتي في السودان خلال كل هذه الحقب المتعاقبة.
الأثار والنتائج المنطقية لهذه التوجهات المفروضة:
ان هذه الاختلال القت بظلال سالب على كافة المناحي الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقط ظلوا الجماعات الاسلاموعروبية او المركز يحتلون على مستوى السياسي موضع السيادة مستخدمين محددات الثقافة المتعلقة بالمؤسسات، والعقائد والعادات والتقاليد، بينما السود اوالمهمشين خاضعين للسيادة، وعلى مستوى الإجتماعي الاسلاموعروبين احتلوا مرتبة الفوقية اما السود هم في الدون او الدونية، وعلى المستوى الاقتصادي فالعروبين يستمتعون بالرفاهية بينما السود او المهمشين في العمل والإنتاج لمصلحة المسيطرين فهم يعملون ولكنهم لا يملكون مما اظهرت كافة اشكال العبودية في تقسيم العمل. ونمو الكيانات العربية على حساب المجموعات الأفريقية، عبر اليات الزواج الأحادي والتماهي والإستلاب والتنزيح الثقافي.
وايضآ نتاج لهذه التوجه الأحادي قتل اكثر من ثلاثة مليون مواطن وتهجير ونزوح ولجوء اكثر من خمس مليون واحراق اكثر من 5 الف قرية وانقسام البلاد وانتشار الحروب في معظم اجزاء البلاد واضطراب سياسي طيلة فترة الإستعمار الداخلي منذ 1956وانفصال جنوب السودان ، وانتشار العنصرية والكراهية بين مكونات الشعب السوداني.
رد الفعل المهمشين او الأخرين:
وفي مقابل رد الفعل الطبيعي جراء هذه التناقض ظل المهمشين يقاومون هذه التوجهات عبر اليات عدة سلمية وعنيفة ،فالثورات الكفاح المسلح كانت اهدافه الاساسية رفض لهذه التوجهات وسعي لايقافها ، لبناء دولة مواطنة تقوم هويته على شرعية الأختلاف وترتكز على التنوع التاريخي والمعاصر.
الحل:
فالحل لهذه المعضلة تكمن فيما اقترحه جون قرنق دمبيور هو القبول بالهوية السودانوية وهي رابطة قومية إجتماعية وثقافية واقتصادية تنتفع من كافة القوميات وترتكز على مجمل حضارات السودان في عمقه التاريخي والمعاصر وتستفيد من المؤثرات الخارجية وتتفاعل عبر التحولات والمتغيرات الإجتماعية واساسه المواطنة.
وقسم دمبيور الهوية ما بين البيسيط والمركب، البسيط، وهو ان يقول الشخص انه بجاوي او نوباوي او جعلى او مسلاتي وفوراوي، او دنقلاوي، او برتا، هذا انتماء بسيط وهو خاص بجموعة معينة اما المركب هو السودان وهو حاصل الكل ولا يقوم على الاختزال والتعميم بل الاعتراف على ادارة التنوع والتعدد.
لذا فامام قوى المركز القبول بهذا الحل، او الإنهيار( تبديد السودان) لان إشكالية الهوية في السودان كلما حاول النخب المركزية تبسيط مشكلة الهوية وجدوا أنها تكبر وتحتل حيزها في معادلة التناقض والتضاد في الواقع رغم محاولات ابعادها من معمل الصراع، ولم تتوقف هذا التناقض إلا بخلق انقلاب جديد يهدم واقع القديم صانعآ وضع جديد كأساس لبنية الثورة وهي الهوية السودانية في وطن واحد او سودانيات متعددة!
المراجع :
جون قرنق ورؤيته للسودان الجديد وإعادة البناء الدولة الحديثة, تحرير وتقديم د.واثق كمير 2005.
د.الباقر عفيف:( أزمة الهوية في شمال السودان :متاهات قوم سود ذوو ثقافة بيضاء)سلسلة اصدرات –رقم(7) سكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط –الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال, نوفمبر 2020.
ابكر ادم اسماعيل : (جدلية المركز والهامش قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان- 1998م
بندكت اندرسن ): الجماعات المتخيلة ) تاملات في اصل الهوية القومية وانتشارها ،ترجمة ثائر دياب، تقديم عزمي بشارة,2009.
الأحد 9 أبريل -2023م