جدلية عبارة (الله أكبر) والقتل: الدين و التدين
احمد محمود احمد
عندما يقف الانسان عند احداث الحرب اليومية في السودان و يتابع و سائل الاعلام أو الوسائط الاجتماعية سيلحظ أن هنالك ظاهرة متكررة وهي التكبير المتصل بعبارة الله أكبر، فقوات الدعم السريع و عندما تقتحم معاقل الجيش وتقتل بعض أفراده فأنها ترفع أسلحتها قائلة الله أكبر، و بذات الاتجاه فان قوات الجيش تمارس نفس الفعل عند قتلها او اسرها افرادا من قوات الدعم السريع، ليس هذا فحسب فقد قال لي صديق ان بعض الذين يدخلون بيوت المواطنين من اجل السرقة و عندما يظفر احدهم بشيء ثمين يخرج مكبرا و قائلا الله اكبر..نحن هنا أمام ظاهرة تحتاج للدراسة و الانتباه ، فعبارة الله اكبر و ضمن دلالاتها الدينية الأعمق تعني أن هناك ربا تتجاوز حدوده حدود البشر و هو مطلق و من اطلاقه هذا فهو يراقب أعمالك و لهذا و عندما تردد تلك الجملة فيجب ان تكون حاجبا بينك و فعل القبح و ارتكاب الاثم.. أذن لماذا تحولت الدلالات و اقترنت عبارة الله أكبر بهذا النزوع لفعل الشر بالدرجة التي لا ينتبه فيها الأنسان لدلالات الدين الذي ينتمي اليه؟ و هل نحن هنا أمام اسلام تاريخي لا روحي يستمد حيثياته من الحروب التي خاضها المسلمون بعضهم ضد بعض؟ أم يتجلي ذلك مع الحديث الضعيف الذي نسبه البعض للرسول و الذي قال فيه( قد أتيتكم بالذبح) موجها حديثه لقريش؟ هذه الاسئلة يمكن أن تكون عامة و يتم فيها النقاش علي مستوي واقع المسلمين في كل مكان و لكن الظاهرة التي نتاولها هنا فهي ظاهرة سودانية و لتحليلها ضمن الواقع السوداني فلابد من الذهاب نحو تحليل العقلية التي أنتجت هذه الظاهرة و كيف تم شيوعها في المجتمع و كيف تم افراغ الدين من محتواه؟ لقد طرح تيار الاسلام السياسي في السودان شعار تربية الفرد المسلم عبر الدعوة و الأرشاد كمدخل للتغلغل داخل المجتمع و هذه كانت البداية، ثم لاحقا تحول بالدين نحو السياسة و بدأ يركز علي الشعار الديني في الأستقطاب دون ان يمتلك الادوات التي يحلل بها طبيعة الصراع، و قد ذهب هذا التيار مباشرة لدائرة الحكم و السلطة و من خلال هذه الدوائر فقد ترك اطروحة الدين و استبدلها بالسياسة مع الباس هذه السياسة الشعار الديني ، و من هنا فقد بدأت ظاهرة جديدة في الوافع السوداني، و هي ظاهرة المظهر مقابل الجوهر و الذي أدي لترك قيم الدين نفسه و الذهاب نحو السلطة من اجل تثبيت اقدام هذا التيار و ممارسة كل ما هو ممكن من أجل الحفاظ علي هذه السلطة، فقد أتجه هذا التيار الي ممارسات متعددة و متناقضة مع أي قيم دينية أو أنسانية مثل القتل و التعذيب و السجن و الاغتصاب و حتي الابادة الجماعية، و من اجل التغطية علي ذلك فان تمكين الشعار الديني اصبح حالة مطلوبة في ذاتها و بدأ قوله ممكنا و في كل الحالات وحتي حالات قتل المسلم، و من جانب أخيه المسلم …. و كما قال الكاتب و الروائي علاء الاسواني فانه و في هذه الحالة فقد ظهر التدين البديل للدين، و هذا التدين هو نزع جوهر الدين و وضعه في المظهر الخارجي، و هنا تبدو اطالة اللحي هي الدين و الحجاب و النقاب هما الدين و السبحة و علامة الصلاة و هكذا، و هنا يختفي جوهر الدين ليكون في المظهر، و بالتالي تنتقل الحالة للمجتمع الذي يحكمه هذا التيار و يبدو من الطبيعي ان يذهب الشخص الي المسجد و يخرج منه و لو ضايقه شخص ما و في الشارع العام فيمكن أن يسب الدين علانية، و نفس هذا الشخص الخارج من المسجد يمكن ان يقبل بالرشوة لو كان يعمل في دائرة حكومية، و يمكن أن يسرق المال العام ويمارس النميمة لان المثال الذي يقود الدولة جعل الدولة دولة فساد و ديدنها افساد العباد… و هكذا فقد حول تيار الاسلام السياسي الدين الي قشرة لا تتصل بالضمير او الجوهر، و لهذا فلا غضاضة ان تأتي عبارة الله اكبر مرتبطة بكل الاطراف المتقاتلة لأنها قد فقدت دلالتها عبر فقدان الدين نفسه دلالته عندما أختطفه تيار الأسلام السياسي..