ثورة ديسمبر وفلول النظام البائد.

نضال الطيب حامد.

 

من المعلوم بأننا نحن الكتاب، قد تتجاوز أقلامنا الميثاق السكوتي، في بعض الأحيان ولا تلوز بالصمت خلف الكواليس، كما يفعل البعض من السياسيين كالعادة. لذا أي معركة سياسية أو فكرية إذا لم تأخذ في مظهرها وجوهرها الوضوح الكامل، فحتماً ستكون محض عبث ومضيعة للوقت، فالثورة التي أنتجها الشعب السوداني بمختلف مكوناته قد خلقت واقعاً جديداً نستطيع به مداواة جروح الحقب الماضية. وخاصة الحقبة الإسلاموية التي سموها زوراً وبهتاناً، حقبة ( المشروع الحضاري) أو المسيرة القاصدة، فهؤلاء أضاعوا على الوطن أعز سنواته.. إن النظام الذي كنا نحاربه هو نظام الجبهة الإسلامية، أو الحركة الإسلامية كما يحبون تسميتها وبالتالي فإن سقوطه هو سقوط لخزعبلات الحركة الإسلامية والهوس الديني.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل سقط الدين الذي إفتروه كذباً طبعاً لا.
مما لاشك فيه، أن فلول النظام البائد، تجلس باسطة ذراعيها بالوصيد لتعمل جاهدة على إرباك المشهد السياسي بضعضعته وإضعافه، كما صرح المحامي الإسلامي، أبو بكر عبدالرازق سابقاً، ومن ثم الحلم بإفشال الثورة من تحقيق أهدافها. وقد يبدو لي ذلك ضرباً من ضروب الوهم للواقعيين، ولكن إن شئت توصيفاً دقيقاً، فقل إنها الكوميديا السوداء بنفسها، لمن عرف شطحات ونطحات الحركة الإسلاموية. بيد أنه الملاحظ في خططهم الجهنمية تلك، استهدافهم للثورة والثوار، وعندما لا يجدون ما يقتاتون به في نقدهم، يلقون باللائمة على الحرية والتغيير ويحملونها مسئولية انهيار البلاد سياسياً واقتصادياً، كأنهم أبرياء منه.
ولكن لاينبغي أن نعير ذلك اهتماماً طالما عرفنا هويت خططهم، ولكن أيضاً بالقدر نفسه، لا يجوز أن يكون ذلك بعبعاً يخيفنا ويجعلنا نحجم عن انتقاد أنفسنا واحزابنا نقداً ذاتياً صارماً. ففي ذلك يعتبر تمرين للحرية التي غابت عنا لثلاثون عاماً، وفي نفس الوقت، نعتبره زاداً للديمقراطية التي نرومها. ومن هذه الزاوية، يجب أن نعترف أن ثمة تباطؤا غير مبرر في إيقاع العملية السياسية والتوعية العامة ، التي فتحت الباب على مصرعيه لعودة النشاط السياسي للفلول مرةً أخرى، إذ لا يستقيم عقلاً أن تمضي منذ قيام الثورة أربعة أعوام، ولن تنشط التنظيمات السياسية والحركات الثورية، عبر الندوات واللقاءات الجماهيرية في جميع أنحاء السودان.

ليس سراً إن قلنا بأن الشارع الثائر تدثر بصبر أيوب طيلة تلك الفترة، في إنتظار أن تبدأ المسيرة نحو تحقيق التغيير والغايات الكبار ولم يكن غريباً عليه أن يتواصل خروج المسيرات كما في السابق، ولكن الاغرب أن تخرج تلك التظاهرات للفلول بإسم ( الكرامة) في ظل الثورة التي اقتلعتهم من السلطة.. وأقول في هذا الصدد أيضاً، ليس سراً أن قوي إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي فقد أبدت تنازلات مهينة للمكون العسكري بل إنها لا تتسق مع نهج الثورة، وكانت النتيجة أن تهاوناً حدث خلف الكواليس، إذ إستمرا المكون العسكري ذلك الخنوع، للدرجة التي أصبح يرفض فيها أي رأي ثوري، يحاول ابعادهم عن المشهد السياسي، أو إبعاد الإسلاميين عن مفاصل الدولة. قد يحاول البعض تعميش عين الحقيقة، ويستجلب ما تعجز عنه الأضابير في فقه ما يسمى زوراً وبهتاناً ( الدولة العميقة) وعلى الرغم من إنها تهمة يسعد بها الإسلاميون وشرف يدعونه، إلا أنها محض أكذوبة. سوف نتعرض لها في مقالاتنا القادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.