ثلاثية الحوار والتفاهمات بين الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال وحزب الأمة القومي

✍🏿: الدكتور قندول ٌبراهيم قندول [email protected]

تباينت الآراء وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض ومتحفِّظ لما وصلت إليه قيادة الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال، يُشار إليها فيما بعد بالحركة، ووفد من (حزب الأمة القومي)، من “تفاهمات” لحل الأزمة السُّودانيَّة المتجذِّرة.  بالطبع هناك بونٍ شاسع بين مصطلحي “تفاهمات” و”اتفاق”.  ما يهمنا في هذا المقال إزالة التشويش والتغبيش اللذين يمارسهما إعلام أعداء الحركة عن قصدٍ ويصدِّقه بعض جماهيرها وأنصارها وأصدقاؤها (الحقيقيين) بعفوية أو دون دراية بتسمية ما تم إتفاقاً.  نفعل ذلك حتى يكونوا على بيِّنة من أمر ما يقوم به تنظيمهم العملاق الذي يسعى، بلا كلل ولا ملل إلى الحل الجذري للمشكل السُّوداني. ونبدأ بالقول إنَّ “التفاهم” في الأمور السياسيَّة دائماً ما يسبقه “حوار”.  و”الحوار” هو وسيلة لتوضيح أوجه التشابه والإختلاف في موضوع هام بهدوء تام، وإحترام متبادل دون عواطف.
ومهما يكن، يُعنى الحوار بقضية شعب بعينه كما هو في السياسة السُّودانيَّة. لذلك جاء البيان المشترك، بعد اللقاء المذكور، دقيقاً من حيث إختيار الكلمات ومحكماً في تعابيره وصياغته من حيث توصيل الحقائق والمعنى دون لبس أو محاولة تأويل تلك الحقائق، حيث أوضح البيان أنَّ الأمرين (اللقاء والحوار) وقعا فعلاً وكانت نتيجتهما “التفاهمات” المتمثِّلة في النقاط السبع المذكورة فيه.  المتابع للسياسة السُّودانيَّة ومبادرات أحزابها وإتفاقياتها لا تخلو من هذه النقاط المملة، حتى كدنا نحفظها.  ولم يكن هناك جديد وأنَّ موقف الحركة حيال القضية الجوهريَّة للسُّودان ثابت: “فصل الدين عن الدولة أو بصورة أخرى “الفصل التام بين المؤسسات الدينيَّة من مؤسسات الدولة” كما يحلو لبعض الساسة، بنص البند (١/٧) تحت مبادئ عامة من إتفاق جوبا للسلام مثالاً.
إذن، “تفاهمات” الحركة وحزب الأمة القومي ما هي إلا “تحصيل حاصل” كما داوم على ترديده زعيم حزب الأمة السابق الصادق المهدي، والد الصديق نفسه.  موضوع لقاء الحركة وحزب الأمة ليس بسُنة جديدة ولن يكون هو اللقاء الأخير إذا لم تُحل المشكلة السياسَّية السُّودانيَّة من جذورها.  ولعلَّنا نؤمن إيماناً قاطعاً أنَّ الحركة قد شخصَّت المشكلة تشخيصاً صحيحاً ووضعت لها معالجات ناجعة إذا تم قبولها والعمل الجاد لتنفيذها.  فالذين يعارضون اللقاء لهم مبرراتهم الموضوعيَّة والمشروعة، كما لهم الحق في ذلك، لأنَّ تاريخ حزب الأمة بمسمياته المختلفة والأحزاب التقليديَّة والمتدثِّرة تحت غطاء التقدميَّة تارة، والديمقراطيَّة الحديثة تارة أخرى حيال القضية السُّودانيَّة، سيء للغاية، وقد تطول الكتابة عن الدور السالب لهذا الحزب في قضية جبال النَّوبة وما إقترفه من جرائم وإنتهاكات في حق النُّوبة منذ تكوينه إلى لحظة كتابة هذه السطور.
قيادة الحركة واعية تماماً عند إتخاذها هذه الخطوة ومؤكد أن لديها إستراتيجيتها مثلما لحزب الأمة إستراتيجيته ونواياه. ولكن لا يمنع ذلك من البحث المتواصل عن فك الجمود وتحريك المياه الساكنة لإيجاد مخرج للأزمة السُّودانيَّة. ونعتقد من وجهة نظرنا الشخصيَّة أنَّ مبادرة اللقاء جاءت من قيادة حزب الأمة القومي بمستوياتها، إلا أنَّها قد إختارت من لا يملك التفويض الكامل، حيث نعلم علم اليقين أنَّ رئيس الوفد، الصديق الصادق، لا يستطيع إتخاذ أي قرار دون الرجوع لجهة أعلى منه في الحزب.  بيد أنَّ الصديق، الذي لا أحد يعرف ترتيبه في الحزب، قابل رئيس الحركة القائد الحلو.  فإذا كان حزب الأمة جاداً في مسعاه لمثَّله رئيسه فضل الله بُرمة ناصر، على الرغم من غضب غالبيَّة شعب النُّوبة عليه لما إرتكبه هو شخصيَّاً ورئيسه وزعيمه الصادق المهدي عندما كان وزيراً للدفاع في عهده من جرم بتسليح القبائل العربيَّة وتأسيس قوات المراحيل دون النُّوبة بحجة محاربة الحركة الشعبيَّة الجيش الشعبي لتحرير السُّودان، وإعتبار جبال النوبة حزام طبيعى لتمدد الحركة الشعبية.  وتلك حجة وذريعة واهية. وحينئذٍ كان رئيس الحزب ورئيس الوزراء (الصادق المهدي) هو من رفض ما كان يُعرف ب “إتفاقية الميرغني-قرنق” العام ١٩٨٨م.

بالنسبة لمصطلح “الإتفاق” الذي أخذت ناصيته وسائل الإعلام المضلِّلة، فقد أوضحت الحركة الشعبية أنَّها “اتفقت” مع الصديق الصادق المهدي على مواصلة “الحوار حول المبادئ القديمة-الجديدة منذ ما يُسمى بسقوط حكومة المؤتمر الوطني، عسى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ما نؤكده -بصورة شخصية – للجماهير الغاضبة في هذا المقال القصير هو أنَّ الحركة لن تفعل شيئاً ضد مصالح شعبها لأنَّها تستمد شرعيتها وقوتها من جماهيرها الوفية وتسترشد بمطالبها التي لا ولن تحيد عنها، فضلاً عن أنَّها لا تقصي رأي أيٍ من الأحزاب السياسيَّة، ولكنها في ذات الوقت تقف بقوة مع ثوابتها المعلنة التي تناضل من أجلها وتدافع عنها. الحكمة في ذلك، حسب إعتقادنا، مد حبل التواصل مع الأحزاب السياسية لكشف ألاعيبها التي أثبتت التجارب سقوطها جميعاً حتى الآن.

تعليق 1
  1. ياسر الناير يقول

    برافو دكتور قنديل على المقال التحليلى، فى إطار البحث عن مخرج للازمة السياسية فى السودان درجت الحركة الشعبية على التواصل مع كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة والوصول معاها إلى تفاهمات سياسية ،وهذا يدل على حرص قيادة الحركة على أهمية الوصول إلى مقاربة سياسية جادة تضع حد للمشكلة السياسية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.