
تنسيقية منابر وكيانات أبناء جبال النوبة والشخصيات الإعتبارية، التواطؤ مع الفاشي: الحقوق تُنتزع ولا تُعطى: 2-2
✍️🏽 خالد كودي، بوسطن مارس 2025
القصف الجوي والمليشيات: أدوات السيطرة والإبادة
تناولنا في الجزء الأول في هذا المقال تحليلًا للبيان الصادر عن مايسمي بتنسيقية منابر وكيانات أبناء جبال النوبة، والذي يعكس موقفًا مخزيًا من التواطؤ مع السلطة العسكرية القمعية في السودان وهي السلطة التي تعبر عن السودان القديم ومايعني. يوضح المقال أن الموقعين على البيان لا يدافعون عن قضية شعبهم، بل يقفوا مع اعادة إنتاج الاستبداد عبر تبرير ممارسات الدولة، حكومة بورتسودان، الجيش السوداني والمخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى، رغم سجلها الدموي في القتل، القمع، التهميش التاريخي والتهجير القسري المتعمد.
ولنستعرض بعضا من تاريخ الجيش السوداني في استخدام القصف الجوي ضد المدنيين والأعيان المدنية، خصوصًا في المناطق التي يزعم كاتبو البيان أنهم يمثلونها، مثل دارفور، جبال النوبة، والنيل الأزرق. فبدلًا من حماية المواطنين، استخدم الجيش السوداني سياسة الأرض المحروقة، حيث قام بقصف القرى والتجمعات السكانية لإرهاب السكان، تدمير بنيتهم التحتية، ودفعهم نحو النزوح القسري واستمرار التهميش والحرمان الماسسي من الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم لعقود.
أمثلة على القصف الجوي للمدنيين من قبل الجيش السوداني للذكري:
في دارفور (2003-2005): تم قصف القرى بالطائرات الحربية، بالتزامن مع هجمات المليشيات، مما أدى إلى قتل وتشريد الملايين من السكان.
في جبال النوبة (2011-2016): استخدم الجيش القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة ضد القرى والتجمعات السكانية، مستهدفًا المدنيين بشكل مباشر.
في النيل الأزرق (2011): نفّذ الجيش ضربات جوية استهدفت الأسواق، المدارس، والمرافق الصحية، في محاولة لسحق أي مقاومة سلمية أو مسلحة.
الدرس: الجيش الذي يقصف شعبه لا يمكن الوثوق به ولايجب دعمه او افتراض انه سيكون رحيما بقواعده الاجتماعية. كل من يدعو لدعم الجيش اليوم، يضع نفسه في صف الجلاد، لا في صف الناجين، والمقاومين اوالضحايا.
تفريخ المليشيات في السودان: أدوات القمع ووهم الاستقرار:
على مدار العقود الماضية، اعتمدت الحكومات السودانية تفريخ المليشيات كأداة للسيطرة وإدارة النزاعات، بدءًا من المراحيل وحرس الحدود، وصولًا إلى قوات الدعم السريع، التي تم استخدامها لتنفيذ سياسات القمع والتطهير العرقي، مع إبقاء الجيش السوداني بعيدًا عن المساءلة المباشرة. هذه المليشيات لم تكن مجرد أدوات مؤقتة، بل كانت جزءًا من استراتيجية مستمرة لتقسيم المجتمعات المهمشة، واستغلال بعض أبنائها في معارك ضد شعوبهم، مقابل وعود زائفة بالامتيازات الفردية أو السلطة
رهان المتعاونين على سلطة غير مستقرة رهان خاسر. تجربة قوات الدعم السريع تقدم مثالًا واضحًا: بعد أن تم تسخيرها كأداة لقمع ثورات الهامش، أدركت أن استمرارها في خدمة السودان القديم لا يخدم مصالحها أو مصالح قواعدها الاجتماعية او السودان برمته، وأنه لا مستقبل لها في ظل انظمة تكرس التمييز وعدم المساواة وتعيش عليه. لهذا، اختارت الانحياز إلى تحالف التأسيس، الذي يسعى إلى بناء سودان علماني، ديمقراطي، لا مركزي، يضمن العدالة والمواطنة المتساوية للجميع.
اليوم، يعيد بعض المتعاونين الخطأ نفسه، بالاعتماد على نظام بورتسودان باعتباره ضامنًا للسلام والاستقرار لحواضنهم الاجتماعية، متناسين أن هذه الحكومة ليست سوى امتداد لمنظومة السودان القديم، التي استخدمت المليشيات ثم تخلّت عنها حين لم تعد بحاجة إليها.
مليشيات الدفاع الشعبي (1990-2011) ماذا تعني: جيوش الظل في الحرب الأهلية:
خلال الحرب الأهلية ضد جنوب السودان وجبال النوبة، استخدم نظام الإنقاذ مليشيات الدفاع الشعبي، التي تم تجنيد أفرادها من الشباب والطلاب، وتمت تعبئتهم دينيًا عبر دعاية الجهاد، مما دفعهم لارتكاب أبشع الجرائم باعتبارها “واجبًا دينيًا”. تم إحراق القرى، وارتُكبت المجازر، واختُطف الأطفال لتجنيدهم قسرًا، بينما كان الجيش السوداني يشرف على هذه المليشيات، لكنه لم يتحمل مسؤولية أفعالها، بل استخدمها كأداة لتصفية الخصوم دون أن يتورط رسميًا!
الآن، يعيد النظام العسكري الحالي استخدام نفس التكتيكات القديمة عبر تشكيل مجموعات المستنفرين وكتائب إسلامية جديدة، تعتمد على الدعاية الدينية المتطرفة لحشد الشباب تحت شعارات زائفة عن الوطنية والجهاد. وكما حدث في السابق، يتم تحضير هذه المجموعات لخوض حروب جديدة في جبال النوبة، الفونج الجديد، ودارفور، في إطار مشروع عسكري يستهدف إعادة إنتاج الصراع وتقويض أي فرص للسلام.
في الوقت ذاته، يراقب المتعاونون الذين وقعوا على البيان هذا المشهد من مواقعهم، معتقدين أنهم سيحصلون على مكاسب سياسية أو اقتصادية من هذا التحالف، دون إدراك أن تاريخ هذه المشاريع لم يترك لأحد سوى الدمار والانهيار.
المآل المحتوم: من أدوات قمع إلى ضحايا جدد:
عندما انتهت الحرب الأهلية مع الجنوب عام 2005، تخلت الحكومة عن أفراد الدفاع الشعبي، ولم تقدم لهم أي مستقبل أو ضمانات، مما دفع بعضهم للانضمام إلى نزاعات أخرى أو العيش في الفوضى التي ساهموا في خلقها. هذا المصير هو نفسه الذي ينتظر كل من يراهن على سلطة قمعية لا تؤمن إلا باستخدام الأدوات المؤقتة، سواء كانوا أفرادًا أو مجتمعات بأكملها.
الدولة التي تقوم على العنصرية، الهوس الديني، وتفريخ المليشيات لا يمكن أن تحترم سيادة القانون أو تؤمن بالمواطنة المتساوية، بل تعتمد على مبدأ “فرق تسد” كأداة لإدارة صراعاتها الداخلية وإطالة عمر سلطتها. واليوم، يكرر أولئك الذين يعولون على نظام بورتسودان لتحقيق الاستقرار في مناطقهم وحماية حواضنهم الاجتماعية نفس أخطاء الماضي، متجاهلين حقيقة أن أي كيان سياسي يوظف أدوات العنف – التي يفترض أن تكون حكرًا على الدولة لحماية المواطنين – لأغراض القمع ونهب الموارد، سينتهي به المطاف إلى مواجهة مصير مظلم محتوم.
التاريخ يعيد نفسه: المتعاونون مع الأنظمة القمعية هم أول ضحاياها
كما أثبت التاريخ مرارًا، كل من يختار التواطؤ مع نظام قائم على العنف والاستبداد، سرعان ما يصبح ضحية لذات الأدوات التي ساعد في ترسيخها. لكن حين يدرك ذلك، يكون الأوان قد فات، ويجد نفسه محاصرًا في دائرة العنف التي كان شريكًا في تغذيتها.
الطغاة لا يثقون في المتعاونين معهم:
على مرّ العصور، اعتمدت الأنظمة القمعية على المتعاونين المحليين لتوطيد سلطتها، سواء عبر قمع شعوبهم، تنفيذ سياسات البطش، أو تسهيل السيطرة على المجتمعات. لكن بمجرد أن ينتهي دورهم، تتخلى عنهم السلطة التي خدموها دون تردد، وغالبًا ما يصبحون أولى ضحاياها.
ومن بين أبرز الأمثلة التاريخية التي تجسد هذه الحقيقة:
١/ حكومة فيشي الفرنسية (1940-1944):
كيف انتهى المتعاونون مع النازيين؟
عندما احتلت ألمانيا النازية فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، أنشأت حكومة فيشي العميلة، التي تعاونت مع الاحتلال الألماني ضد المقاومة الفرنسية. ظنّ أعضاء هذه الحكومة أن تعاونهم مع النازيين سيحميهم ويضمن لهم السلطة، لكن عندما بدأت الحرب تميل لصالح الحلفاء، لم تتردد ألمانيا في احتلال فرنسا بالكامل، ولم يحمِ تعاون حكومة فيشي فرنسا من الدمار. وعند سقوطها، تمّت محاكمة قادتها بتهمة الخيانة، وأُعدم كثيرون منهم أو زُجّ بهم في السجون.
الدرس: المستبد لا يحترم أعوانه، بل يستخدمهم إلى أن تنتهي حاجته لهم، ثم يتخلص منهم.
٢/ سقوط القسطنطينية (1453):
كيف خان القادة البيزنطيون مدينتهم؟
عندما حاصر العثمانيون القسطنطينية، لم يكن سقوطها بسبب قوتهم العسكرية فقط، بل كان نتيجة خيانة بعض نخب المدينة الذين فتحوا الأبواب للعدو، على أمل نيل الحظوة لدى السلطان العثماني. لكن عندما دخل العثمانيون المدينة، لم يفرقوا بين الخونة والمقاومين، بل سحقوا الجميع على حد سواء، واختفى الحكم البيزنطي إلى الأبد.
الدرس: الخونة هم أول من يدفعون الثمن عندما يسقط النظام الذي دعموه.
٣/ سقوط بغداد (2003):
العملاء الذين خانوا العراق لصالح الاحتلال الأمريكي
عندما غزت الولايات المتحدة العراق، لم يكن سقوط بغداد بسبب التفوق العسكري وحده، بل لأن بعض العراقيين تعاونوا مع المحتل وساعدوه على دخول البلاد، ظنًّا منهم أنهم سيحصلون على السلطة بعد سقوط النظام. ولكن بمجرد أن أحكم الأمريكيون سيطرتهم، لم يعد العملاء أكثر من أدوات تُستخدم ثم تُرمى، ولم يحقق أي منهم ما كان يأمله.
الدرس: الذين يظنون أن دعم الجيش السوداني اليوم سيمنحهم دورًا في “إعادة ترتيب السودان”، لا يدركون أن الجيش نفسه لا يريد لهم سوى أن يكونوا أدوات مؤقتة، وعندما تنتهي الحاجة إليهم، سيتم التخلص منهم دون تردد، فالتواطؤ مع الفاشية ليس سياسة، بل انتحار.
المحصلة النهائية: التاريخ لا يرحم المتواطئين مع الفاشية:
إن موقف الموقعين على البيان لا يعكس سعيًا إلى حلول عادلة أو استقرار مستدام، بل هو انحياز واضح لنظام عسكري فاشي، أثبت مرارًا وتكرارًا أنه غير مؤتمن على مستقبل السودان أو مصالح مواطنيه. إن هذا الموقف يتناقض بصورة جوهرية مع مصالح مواطن جبال النوبة خاصة والمواطن السوداني عامة ولا مشروع السودان الجديد، الذي يسعى إلى بناء دولة علمانية ديمقراطية، لا مركزية، قائمة على المواطنة المتساوية، والعدالة الحقيقية لجميع السودانيين دون تمييز.
الدروس المستخلصة من التاريخ:
الطغاة لا يثقون في المتعاونين معهم، بل يستخدمونهم كأدوات مرحلية، ثم يتخلصون منهم عند انتفاء الحاجة إليهم
الشعوب، حتى إن طال صبرها، لا تنسى من تواطأ ضدها، والتاريخ يكتب الخيانة بمداد العار، كما يخلّد من اختاروا الوقوف في وجه الطغيان. الأنظمة القمعية لا تمنح الأمن ولا الاستقرار، بل تستهلك المتعاونين معها حتى تُسقطهم في أول فرصة سانحة.
النتيجة الحتمية:
التاريخ لن يغفر، والمستبد لن يرحم، ومن اختاروا خيانة شعوبهم والتواطؤ مع الطغاة، لن يجدوا مكانًا لا بين الأحرار، ولا حتى بين الطغاة الذين باعوا أنفسهم لهم.
وكما قال مالكوم إكس:
“إن كنت لا تقف من أجل شيء، فستسقط لأي شيء
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.