تعقيباً على مقال الأستاذ القانوني عز الدين عثمان (2-3)

علي الزين

 

نواصل تعقيبنا حول المقال المُحفِّز للحوار للأستاذ القانوني عز الدين عثمان، الذي جاء بعنوان “دستور دولة المواطنة، المبادئ المحصَّنة.. المنبر التفاوضي أم الحوار المجتمعي؟ حول أطروحة الحركة الشعبية بقيادة الحلو (المبادئ فوق الدستورية، العلمانية وتقرير المصير)”.

الوثيقة الدستورية غفرت والحكومة كفرت

يتفق الكاتب مع مبدأ الحركة الشعبية في طرح قضية العلمانية، والتي تقدَّمت بها في منبر التفاوض كضرورة في إعلان المبادئ، وكما قدَّمتها ضمن منظومة المبادئ فوق الدستورية، ويختلف معها في ضرورة تضمين المشاركة الشعبية في صناعة تلك المبادئ. وبالرجوع إلى الوثيقة الدستورية التي احتوت على إلغاء القوانين والنصوص المُقيِّدة للحريات، والتي تنطوي على تمييز وكثير من النصوص التي لا يمكن إنفاذها إلا عبر مبدأ فصل الدين عن السلطة السياسية المُضمَّن في المبادئ فوق الدستورية، فنجد أن الطرح في أساسه مُتّسقٌ مع الوثيقة الدستورية، وحتى في الجوانب الأخرى للوثيقة التي اشترطت ربط قضية السلام بمُخاطبة جذور الأزمة السودانية، فمن هو المُطالَب بإشراك المواطنين في صناعة الحل؟

ويبقى السؤال المشروع: لماذا لم تدفع الحكومة الانتقالية بالوثيقة الدستورية إلى طاولة المفاوضات كورقة مقدمة من عندها كإعلان مبادئ وخلفية مرجعية للتفاوض؟

فهل هي ترى أن الوثيقة الدستورية التي اختطتَّها بيدها ستُضعِفُ موقفها التفاوضي؟ أم هي تسعى مع آخرين للالتفاف حولها وتقويضها بدلاً عن تطويرها وسد نواقصها عبر منبر التفاوض؟

إذن، من أين تستمد الحكومة الانتقالية رؤيتها التفاوضية؟

وهل فعلياً تمتلك الحكومة الإرادة والاستقلالية في قضية السلام أم كما هو واضح أن الارتهان للمحاور الخارجية هو العامل الأساسي والمؤثر فيه؟

مفوضية السلام.. الشريك قبل الطريق

فضلاً عن الصراع الواضح والجلي لصراع المحاور وتمرير المصالح في قضية السلام، ومن ضمنها تعطيل السلام مع الحركة الشعبية، وهي القوة الأكبر والمُسيطِر الحقيقي على مساحات واسعة وصاحبة الجيش العتيد، وما يتم من إجراءات سلام مع قوى أغلبها مُزيَّف. وامتداداً لذلك الصراع الخارجي الذي يكتنف عملية السلام، انعقد اجتماع موسع بالدوحة ضم 84 سودانياً وسودانيةً تحت مظلَّة مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني؛ وشمل الحضور قادة من الحركات التي تُفاوِضُ في جوبا ضمن ما يُسمَّى بالمسارات وأحزاب سياسية ضمن قوى الحرية ومنظمات مجتمع مدني وناشطين عديدين. ومن ضمن ما تم الاتفاق عليه هو خلق شراكات إقليمية لمفوضية السلام. ومن البديهي أن قطر تُريد أن تكون شريكةً في مفوضية السلام كموطئٍ قدم، وتصنع اللوبي اللازم لتحقيق ذلك، ومن الطريف أن المفوضية نفسها لم تُولد بعد.

فهل قتلت تلك الصراعات المفوضية قبل أن تُولد؟

حكومة كان سكتوا يا غدروا يا رحلوا

دعوة أستاذ عز الدين عثمان لإشراك القوى السياسية والمجتمعية في السلام المُفضي إلى الدستور، لا شك أنها مبدأ ديمقراطي، ولكن تبقى دعوته صعبة المنال؛ فإذا كان قد تعذَّر مشاركة الحكومة الانتقالية نفسها في السلام، فهل يُسهِّل مشاركة القوى السياسية والمجتمعية؟

فمنذ 26 فبراير2020، وضعت الحركة الشعبية ورقةً تُوضِّح رؤيتها حول علاقة الدين بالدولة على منضدة الوساطة بجنوب السودان، والتي لم ترد عليها الحكومة حتى الآن رغم مرور 108 أيام تقريباً، وهو تأخير مؤسف وينمُّ عن عدم جدية وعدم مسؤولية واستهتار قاتل على الرغم من أن الوثيقة الدستورية تُلزِمُ الحكومة بالعمل الجاد لإحلال السلام خلال ستة أشهر، فإذا كانت تُهدر 3 شهور، أي نصف المدة المُقرّرة في عدم رد على خطاب، الأمر الذي لا يبعث على التفاؤل، فمن لا يحترم الوثيقة التي اكتسب من خلالها سلطته الحالية، فهل سيحترم وثائق السلام لاحقاً؟ ويتم كلُّ ذلك وفي الوقت الذي تندلع فيه النزاعات الدموية في شرق السودان ودارفور وجنوب كردفان وغرب كردفان وتعطل كامل وعدم نشوء مفوضية السلام وانهيار بدعة مجلس السلام.

الحركة الشعبية تتحرى السلام وتشرع في المساهمة في صناعة الدستور

ضمن تركيزها الشديد على تحسين وتجويد نمط العمل السياسي المطلوب في الفترة الانتقالية، وتكثيف العمل في المفاصل التي تؤدي إلى التغيير الحقيقي والشامل، دفعت الحركة الشعبية برؤيتها حول المبادئ السامية أو المبادئ فوق الدستورية إلى النقاش الجماهيري العام. وهذا الابتدار للحوار يُعتَبرُ بدايةً حقيقيَّةً لصناعة الدستور، وخاصة ما لقيته من إقبال والتفاف من عددٍ من المؤسسات الفاعلة. أضف إلى ذلك القرارات الشجاعة التي اتخذتها عددٌ من الأحزاب والتجمعات ومطالبها بالعلمانية كمدخل للسلام مُتجاوزةً السياج الحديدي والاحتكار، الذي تفرضه الحكومة الانتقالية في مفاوضاتها الموصدة مع الحركة الشعبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.