تدمير جامعة نيالا.. مثال للتدمير الممنهج لكل السودان
محمود محمد عبد العزيز
بحسرة وألم تحدث محمود محمد عبد العزيز، مدير مركز التدريب وبناء القدرات بجامعة نيالا، وهو يقيم في المجمع السكني داخل الحرم الجامعة وعلى مرمى حجر من القاعات الدراسية. تحدث قائلا: (شاهدت من هنالك، مكتوف اليدين، جامعتي التي عملت فيها سنين عددا وهي تنهب وتدمر، أمام أعيني، “المعامل والمعدات والأجهزة والاثاث وحتى الابواب، والارضيات واسقف القاعات، لا يوجد شيء في داخل المباني، تم سرقة كل شيء.” نتيجة لأعمال السلب والنهب الواسعة والفوضى الشاملة التي اجتاحت المدينة بأكملها منذ نشوب الحرب في ابريل الماضي).
نهب شامل وخراب واسع
ويضيف الدكتور محمود عبد محمد عبد العزيز: (المجمعات الأربع للجامعة تعرضت للنهب والتخريب نتيجة للقتال الذي لا يزال يدور في كافة احياء المدينة خاصة المركز الرئيسي للجامعة الذي يقع في منطقة (موسي) جنوب مدينة نيالا إضافة للمجمعات الثلاث الأخرى).
تأسست الجامعة قبل ثمانية وعشرين عاماً وتوسعت ونمت بصبر ومشقة وموارد اقتصدت من قوت المواطنين وعرقهم حتى أصبحت صرحا تعليميا وحضاريا شامخا في المدينة وصارت ثاني اكبر الجامعات السودانية خارج الخرطوم بعد جامعة الجزيرة.
كل هذا الجهد الكبير تم تدميره بالكامل خلال أسبوعين من الحرب حسب الدكتور محمود عبد العزيز الذي يضيف: (لا شك أن ما حدث سيكون له تأثير سيئ جدا ومباشر على نفسيات الطلاب، لأن من شاهد الجامعة قبل الحرب ووضعها الآن يتملكه الحزن الشديد وفقدان الأمل في أن تعود الجامعة من جديد. ويتمنى ألا تكون آمال ثلاثين الف طالب في مختلف كليات الجامعة وآمال ذويهم في تعليم ابائهم قد تبخرت وذهبت ادراج الرياح).
خسارة افضل معمل بحثي في دارفور
لا يريد الدكتور محمود عبد العزيز أن يغامر بتقدير حجم الدمار والخسائر لأنها كبيرة جداً ولا يمكن حصرها دون توقف القتال تماماً، لأن جامعة نيالا تضم أربع مجمعات تعليمية، تم تدمير ونهب ثلاثة مراكز، و تدمير وسرقة مجمع الكليات التطبيقية بشكل كامل وتدمير وسرقة مجمع شمال الذي يضم عدداً كبيراً من الكليات ومجمع السنتر الرئيسي الذي يعتبر النواه الرئيسية للجامعة. إضافة إلى تدمير المعمل الرئيسي لجامعات ولايات دارفور الخمسة الذي تم تشييده في جامعة نيالا بدعم وتمويل من كل جامعات إقليم دارفور والحكومة، والتعاقد مع بعض الشركات العالمية لتركيب هذا المعمل المتكامل الذي استغرق العمل فيه خمسة أعوام لتستفيد منه كل الكليات العلمية التطبيقية في ولايات دارفور الخمسة، و قال إن هذا المعمل من افدح خسائر جامعة نيالا وإقليم دارفور بأكمله.
تضم جامعة نِيَالا كلية العلوم البيطرية، كلية التربية، كلية العلوم الهندسية، كلية الاقتصاد والدراسات التجارية، كلية القانون والشريعة، الدراسات العليا، كلية التقانة وتنمية المجتمع، كلية الطب، كلية المجتمع، مراكز الأبحاث والخدمة، وحدة التعليم عن بعد، وحدة الدراسة الأساسية.
الدراسة على الانترنت.. حلم بعيد المنال
قال دكتور محمود عبد العزيز استئناف الدراسة خلال الفترة القصيرة القادمة شبه مستحيلة، حتي عبر التعليم الإلكتروني الموجود في بعض الجامعات المستقرة في بورتسودان وكوستي ومدني، لأنهم حاولوا ذلك في زمن الاستقرار قبل الحرب ولم ينجحوا.
ويعبر مدير مركز التدريب في جامعة نيالا عن شكوكه العميقة حول جدوى فكرة استئناف الدراسة والتعليم الالكتروني عبر الانترنت ويرى أن عددا محدودا من الطلاب يملكون أجهزة كمبيوتر لمتابعة الدروس، ناهيك عن الأمية الحاسوبية المنتشرة وسط الطلاب وتكلفة الوصول لخدمة الإنترنت إن توفرت الشبكات يعتمد أصلا حتى قبل الحرب. ويضيف ان مثل هذه الوعود بالدراسة عبر الانترنت تحتاج لموارد مالية لا تتوفر حتى في جامعات المناطق المستقرة التي لا تشهد علميات عسكرية، وقال هذا الخيار لا يجب أن يطرح الآن ولا حتي في الفترة القادمة، وإذا أرادت الدولة ان تتبع اسلوب التعليم الإلكتروني عليها ان تبني هذا النظام الذي يحتاج لثلاثة سموات على الأقل. ووصف اعلان بعض الجامعات استئناف التعليم الإلكتروني مجرد أحلام او دغدغة مشاعر الطلاب.
قال دكتور محمود عبد العزيز ان اساتذة الجامعة والموظفين وكل العاملين يعيشون اوضاع مأساوية وان كثير من الاساتذة اضطروا إلى تأجير منازلهم و بيع سياراتهم وهنالك من باع اثاث منزله وخرج مع أسرته الي منطقته الاصلية في ريف الولاية، فيما هاجر البعض لدول الجوار ومنها ولقارات بعيدة.
وأشار إلى ان عددا كبيرا من الطلاب قد غادر مدينة نيالا بسبب الافتقار للأمن والاستقرار وغلاء المعيشة وان بعضهم قد انضم لصفوف الطرفين المتحاربين للحصول على اجر يعتاشون منه.
طلاب أجانب يغادرون
وأشار إلى ان الكثير من الطلاب الأجانب الذين اجتذبتهم جامعة نيالا خلال السنوات الماضية من دول مثل الصومال وتشاد وبعض الدول الأخرى وبأعداد كبيرة يحاولون الانتقال الي دول اخري. “حتى يوم امس تواصل معه عدد كبير من الطلاب الذين يريدون تحويل واكمال دراستهم في دول اخري مثل كينيا ويوغندا وجنوب السودان.”
وكشف دكتور محمود عن مشكله كبيرة واجهة الطلاب في عملية الانتقال الى الجامعات الأخرى وهي ان معظم الكليات التابعة لجامعة نيالا قد فقدت أجهزتها وقاعدة البيانات الرئيسية، وقال حتى بعض الكليات التي تمكنت من أخذ بعض الحواسيب التي بها بعض المستندات، مواجهة بمشكلة هجرة الأساتذة والموظفين المعنيين باستخراج بيانات النتائج.
قال دكتور عبد العزيز أن الجامعات مؤسسات علمية أكاديمية وتستند في حلول مشاكلها ورؤيتها على دراسات علمية تقوم على عقل جمعي و إن الجامعات الآن افرغت من الكوادر وهاجر معظمهم ومن تبقى أصبح همه الوحيد كيف ينقذ أسرته من الجوع والمرض أنه لا حل لهذه المشكلة إلا بحل مشكلة السودان باسره.
وناشد طرفي النزاع بإيقاف صوت البندقية والعودة للمفاوضات ووجه نداءً حاراً لكل المواطنين الذين سرقوا محتويات الجامعة إعادة المسروقات وتسليمها للجنة التي تم تكوينها بنيالا لهذا الغرض.