تجمع نساء السودان في كاودا دلالات وتاريخية الزيارة (الحلقة الأولى)

 

قسم التقارير : Splmn.net

تصوير : أزهرى الطيب

ظل السودان منذ سنوات بعيدة يرزح تحت وطأة الحروب الطاحنة، فما إن تصمت طبول الحرب في السودان، وتسكت أصواتها، حتى تُقرع من جديد، وتعلو الصيحات، ويتداعى عويل النساء، وصراخ الأطفال بسبب دوي المدافع والطائرات المدمرة للأخضر واليابس، ومهلكة للحياة والنسل الإنساني.
فليس ثمة نهضة أو حضارة في ظل الحرب وأهوالها، وفي هذه المساحة نسجل شهادات حية من كنداكات حملن حمامات السلام وحلقن بها في سماء “المناطق المحررة” مناطق سيطرة الحركة الشعبية -شمال بقيادة القائد عبد العزيز آدم الحلو.

طائرة الوفد الذائر فى طريقها الى معسكر ايدا للاجئين

تلك الزيارة التي كان مبتدأها من الخرطوم ومنتهاها في كاودا عاصمة إقليم جبال النوبة بحسب المساحة التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، هي من نساء جئن من كسلا وبورتسودان والقضارف،والخرطوم وغيرها من بقاع السودان، لكي يتعرفن عن قرب على المأسأة التي يعيشها إنسان جبال النوبة بسبب الحرب وأهوالها وفي مخيلتهن أراضٍ مكتظة بالألغام وجنود مدججون بالسلاح، لكنهن وجدن حياة أخرى وصورًا غير التي رسخت في قلوبهن وعقولهن حين حطت الطائرة في تلك الأراضي وما وجدن من حفاوة استقبال يعبر عن الفرح، وعن الترابط الوجداني بين أهل السودان.. وما أحزن تلك الصورة حين قال أحد المستقبلين لهن: “دي أجمل حاجة تجينا من الخرطوم بدل الموت لأول مرة”. هذه رغم ما تتركه في النفس من أسى إلا إنها تفرح القلب في الوقت ذاته بأن ميلاد الجمال والفرح والمحبة والسلام والتسامح في الطريق بكثافة من هنا إلى هنالك، ومن هناك إلى هنا.

معسكر إيدا للاجئين “بدولة جنوب السودان” يستقبل الوفد

اتفقت النساء في إفاداتهن عن أهوال الحرب والطائرات التي لم تفرق في هدمها وتدميرها بين مسجد وكنيسة أو مدرسة، ومركز صحي أو طاحونة أو بين أطفال يطاردون الفراشات وسط الخضرة، أو بين كهول يجلسون على البروش يقصون مغامرات الصبا والشباب، أو نساء قادمات من المزارع .

نداء الحاج رحمة الله

وهنا تحدثنا الكنداكة نداء الحاج رحمة الله من التحالف النسوي هيئة كسلا، دائرة المرأة و النوع، المكتب التنفيذى المكلف، أن زيارتهن للمناطق المحررة أو المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية تأتي للوقوف، و الاطمئنان على أن المطروح فى طاولة التفاوض فعلاً يمثل مطالب شعب جبال النوبة، و أن هنالك تواصل بين القائد و شعبه و ليس كما يبدو في الكثير من المواقف اذ يتحدث شخص نيابة عن الشعب دون أى تواصل حقيقى معهم، وهو ما وجدوه بالفعل.

وتضيف أن الزيارة أتاحت لهن فرصة التعرف على نموذج السودان الجديد الذي تنادي به الحركة الشعبية، وهو النموذج الذي يجب تطبيقه على البلاد حتى ينعم السودان بالمحبة والتسامح والتعايش السلمي، مشيرة إلى إنها كانت متخوفة من عدم استتباب الأمن، وفي مخيلتها مناطق كلها جيش، و قرى صغيرة مليئة بالألغام، لكنها تقول: “الصورة تغيرت تماما من أول لحظة عندما وصلنا معسكر إيدا حيث ذهلنا من حفاوة الاستقبال و كمية الجماهير التى استقبلتنا و هى تهتف.. لم نجد غير أن نذرف الدموع، لقد وجدنا بالمنطقة شعبا كاملا و تأكدنا أول ما وصلنا جبال النوبة أن هنالك شعب و حياة و هنالك إقليم…. لم نكن نتخيل كل تلك المساحات الواسعة و نحن نتنقل من مدينة إلى أخرى، وشعب متعايش دينياً و إثنياً أشياء و حقائق غيرت انطباعتنا و نظرتنا لجبال النوبة والمناطق المحررة.
لكن نداء الحاج تعود إلى أهوال الحرب فتقول:
“كانت أهم المواقف المؤثرة عندما وقفنا على آثار القصف الجوى بالطائرات فى مناطق مأهولة بالسكان، و تأكدنا أن الناس رغم هذا القصف يمارسون حياتهم، وجدنا مقذوفات و تدمير للبنية التحتية. و قد طال القصف حتى دور العبادة من مساجد و كنائس و كذلك المدارس و المستشفيات، حتى المكاتب التنفيذية مهدمة. كل الناس الذين التقيناهم رووا لنا قصصاً مروعة عن أناس خرجو فقط للإفطار فى رمضان فحصدت أرواحهم دانات الأنتنوف. تأكدنا أن هنالك إبادة و جرائم ضد الانسانية و فظائع أرتكبت. وتضيف قائلة: “من المشاهد المؤثرة وجدنا طبيبا في المستشفى روى لنا أن الشعب هنا تحت رحمة الله فقط (في جبال النوبة دى هنا الله فى) و أن ربنا فقط هو من يحميهم من القنابل و قصف الطائرات.

لم تستطع الكنداكة نداء الإسهاب وهي تحكي عن أم لديها ستة أطفال كانو يلعبون عندما نزلت فيهم دانة و حولتهم إلى أشلاء، فصمتت ووجهت بعد ذلك رسالة إلى الشعب السودانى، وهي أنهم في التحالف النسوي ينادون بالسودان الجديد، سودان تسود فيه الحرية و العدالة و المساواة و الديمقراطية، كما هو الحال في جبل النوبة الذين صبروا وصابروا ورابطوا على مشروع السودان الجديد لأنه يمثل الخلاص من كل العذابات، لذلك احتملوا أهوال الحرب وويلاتها، وأن العلمانية ليست كفرا لأنهم وجدوا هنالك المسلمين والمسيحيين والوثنيين واللادينيين، وإذا لم نفعل ذلك فإن تقرير المصير سيكون حتميا لشعب صبر كل هذه السنين، وسنفقد جزءا عزيزا من وطننا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.