تجليات مؤتمر نيروبي وتعقيدات الراهن السياسي في السودان

 

ظهور رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال الرفيق عبدالعزيز آدم الحلو ومخاطبته للجلسة الافتتاحية للمؤتمر التأسيسي للدولة السودانية الذي يجري عقده في العاصمة الكينية نيروبي والذي بدا بتاريخ 18 فبراير 2025م اربكت الساحة السياسية السودانية و (لخبطت) حسابات الكثير من السودانيين. ويرى البعض بأن مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال في هذا المؤتمر يعتبر تراجعا عن المشروع (السودان الجديد) الذي ناضل من أجله الحركة أربعين عاما وسقط من أجله الآلاف من الشهداء والشهيدات باعتباره اصبح جزءا من تحالف يضم قوات الدعم السريع السيئة الصيت و التي قامت بارتكاب إبادات جماعية و فظائع وجرائم وانتهاكات جسيمة ضد شعوب على أسس عنصرية وما زالت مشاهد دفن بعض الأبرياء العزل في اردمتا بدارمساليت حاضرة في أذهان السودانيين والعالم أجمع. هذا التاريخ الدموي لقوات الدعم السريع لا يختلف عليه إثنين ولا يمكن التناسي او التغاضي عن هذه الجرائم ولا يمكن ان تسقط بالتقادم.

أعلم وأتفهم تماما موقف الكثير من ردود الأفعال (خاصة من عضوية الحركة) تجاه مشاركة الحركة الشعبية في مؤتمر نيروبي والذي قد يبدو للبعض غير منطقية أو موضوعية وفقا لفرضيات الواقع المعاش ولكن ما لا افهمه هو التسابق في الخروج من الحركة “تقديم الاستقالات” وكأن الرفاق كانوا ينتظرون مبررا لترك التنظيم وهذا لا يعني بأني اختلف مع أحد بأن تقديم الاستقالة هو حق تنظيمي يجب أن يمارسه أعضاء التنظيم وقتما دعت الضرورة. لكن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو محاولة تسويق وترويج فكرة أن مليشيات الدعم السريع هو المشكلة الأساسية في السودان ومحاولة حشد الجميع للارتماء في أحضان العدو الحقيقي للشعوب السودانية المهمشة وتعمد تجاهل الازمة الحقيقية للدولة السودانية و هي بنية دولة السودان القديم والتي يمثل عصبها المؤسسة العسكرية بكل فروعها. هذا التوجه اختلف معه تماما.

منذ بداية الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 نجح الآلة الإعلامية للسودان القديم مستفيدا من حالة الحرب في تكثيف الدعاية و كسب تعاطف السودانيين بما فيهم عدد كبير من المهمشين أنفسهم وحشدهم لدعم المؤسسة العسكرية والوقوف في صفه في محاولة لإعادة إنتاج الوضعية التاريخية المشوهة للدولة السودانية الذي ورثناه منذ تاسيسه بواسطة القوى الاستعمارية في العام 1821م. والمؤسف في الأمر بأن الكثيرين وقعوا في هذا الفخ وليس استثناءا حتى بعض أعضاء الحركة الشعبية الذين غادروا التنظيم باستقالات مستعجلة في الميديا دون تريُّث او حتى انتظار الاطلاع على مخرجات المؤتمر أو البيان الختامي في محاولة لاستباق الأحداث واصدار احكام مسبقة للحركة واتهامها بأنها خانت قضية المهمشين. نعلم ونعي تماما بالخلفية التاريخية وسيرورة وبنية وعقلية الدعم السريع وتاريخها قبل وبعد 15 أبريل و أيضا نؤكد الدور الذي لعبته في تشريد واذلال السودانيين وممارسة عناصره لكافة أنواع الانتهاكات و لا يمكن نسيان كل هذه الجرائم. مع هذا الإقرار فإن لتعقيدات وفرضيات الواقع السياسي في السودان وخدمة الأهداف الإستراتيجية للثورة والتحرير أمر آخر.

منذ بداية حرب 15 أبريل عرَّفت الحركة الشعبية لتحرير السودان طبيعة الحرب الجاري على لسان القائد عبدالعزيز آدم الحلو ووضَّحت موقفها منه بأنه حرب ذات بنية فوقية اندلع نتيجة الصراع بين الجنرالين (برهان وحميتي) على السلطة. ولفهم مواقف الحركة الشعبية ولطبيعة تعاطيه مع قضايا الراهن السياسي في السودان يجب النظر إليها بتجرد من خلال أهدافها الاستراتيجية لأنها حركة ثورية تحررية تقاتل من أجل كل المهمشين في السودان من أجل إحداث تغيير حقيقي وجذري في بنية الدولة السودانية بإعادة بناءها على أسس جديدة وهي الحرية والعدالة والمساواة والوحدة الطوعية للشعوب السودانية ولتحقيق ذلك يتبنى الحركة عدة وسائل منها التحالفات (سياسية أو عسكرية) إستراتيجية أو مرحلية مع الحفاظ على الخط السياسي العام ودون الإخلال بأهدافها الرئيسية وتحالف التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة الحركة الشعبية والذي ضم اغلب الاحزاب السياسية وقتها يعتبر أحد أبرز هذه التحالفات. ومشاركة الحركة الشعبية في مؤتمر نيروبي يجب ان يُفهم في هذا الإطار والتي قد لا تبدوا مقبولة لدى البعض وخاصة شعوب دارمساليت وهم أكثر المتضررين من الدعم السريع والجنجويد تاريخياً وأرضهم محتل حالياً من قبل الدعم السريع نفسه. قد يدور العديد من الأسئلة في أذهان السودانيين خاصة جماهير المهمشين حول مشاركة الحركة الشعبية في مؤتمر نيروبي وخاصة الشعوب المهمشة وهم اصحاب المصلحة الحقيقية من نضال الحركة الشعبية ولكن على الجميع الصبر وانتظار ما يتمخض عنه مؤتمر نيروبي وثم الحكم على موقف الحركة من خلال البنود الواردة في الوثيقة بدون سبق الأحداث وعندها سيستبين اذا كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال تنازلت وتركت مشروعها الثوري التحرري أم ما زالت في خطها السياسي الساعي لاعادة بناء الدولة السودانية لمصلحة المهمشين؟.

على شعبنا في دارمساليت وكل الشعوب المهمشة في السودان ان تعلم وتعي تماما بأن الإرتماء في أحضان السودان القديم ولعب دور الآليات تحت ذريعة حرب الكرامة لن يجلب لهم الحرية بقدر ما سينتهي الأمر بإعادة إنتاج الأزمة السودانية بصورة أكثر عنفاً وذلك بإعادة إِحكام سيطرة المؤسسة العسكرية وأجهزتها الأمنية على الدولة وعليهم التفكير خارج الصندوق وتنظيم أنفسهم للاستمرار في الثورة والنضال من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية.

ونقول للرفاق الذين تركوا الحركة الشعبية، نثمن ونقدر تضحياتكم، بعض الرفاق عملنا معاً في فترات سابقة في ظروف سياسية بالغة التعقيد، في وقت كان الرفاق يتصدرون قائمة المطاردين والمستهدفين من قبل حكومة المؤتمر الوطني وأجهزتها الأمنية لمنع استئناف النشاط السياسي لتنظيم الحركة الشعبية في أسوار الجامعات السودانية والذي توقفت بعد انفصال جنوب السودان وصمد الرفاق وقتها في وجه الأجهزة الأمنية والتي كانت في قمة عنفوانها ونجحوا في استئناف النشاط واستمرارها، وهذا انجاز ثوري كبير يشهده التاريخ. وايضاً نحترم قراركم بالخروج من الحركة لتقديراتكم وقراءتكم للمشهد السياسي الراهن ولكن رسالتي لكم بأن لا تنخرطوا وتتورطوا في الهجمات الإعلامية والتشويه الموجه ضد الحركة الشعبية وخاصة الاغتيال السياسي للحركة التي بدأت بعد حرب 15 أبريل لان الحركة الشعبية ليست عدوة شعبنا في دارمساليت أو أي شعوب اخرى في السودان ويجب أن لا تنسوا بأن أزمة الدولة السودانية ليست بهذه السطحية ومشوار الثورة ليست بالقصيرة ونتائجها لا تأتي باستعجال.

ونؤكد بأنه سيأتي اليوم الذي يعرف فيه المهمشين بأن الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال لا ولم ولن تخون أو تتنازل يوماً عن قضايا شعبنا وخاصة الأرض والذي هو ملك للشعوب الأصيلة تاريخياً حسب ما تضمنته منفستو الحركةالشعبيةلتحريرالسودان-شمال.

نجدد تأكيدنا وإلتزامنا بالحركة الشعبية وبخطها السياسي ومشروع السودان الجديد وكذلك ثقتنا الكبيرة في قيادة الحركة في خدمة أجندة الثورة وقضايا المهمشين حتى تحقيق النصر المؤكد.

الحركة الشعبية وجدت لتبقى ولتنتصر
والجيش الشعبي وجد ليبقى ولينتصر

النضال مستمر والنصر أكيد
مجتبى حماد آدم
السبت الموفق 22 فبراير 2025م
اونتاريو – كندا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.