تأثيرات انفتاح أزمة السودان على ازمات دول ساحل وغرب أفريقيا
بقلم عثمان نواى
تعيش دول ساحل وغرب أفريقيا حالة اضطراب وتغيرات جوهرية منذ عشر سنوات تقريبا. ولكن الاربع سنوات الماضية منذ تطورات الأوضاع فى مالى وساحل العاج وسلسلة الانقلابات التى انتهت بانقلاب النيجر الاسبوع الماضي وضعت حسبة سياسية جديدة امتدت آثارها حتى السودان . فالمعادلة السياسية التى تميل إلى كفة روسيا عبر أفريقيا جنوب الصحراء جعلت فرنسا والسيطرة الغربية على هذه الدول محل ضعف كبير. حيث أعلن قادة انقلاب النيجر اليوم وقف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، حيث تسيطر فرنسا على ٦٣ فى المائة من صادر البلد الذى يبلغ ٨ فى المائة من اجمالى اليورانيوم فى العالم. وقد كانت قمة روسيا الاخيرة لدول أفريقيا هى وسيلة جديدة لإظهار روسيا لنفسها كحليف الحكومات العسكرية المتصاعدة فى القارة والتى شهدت ١٠ انقلابات منذ عام ٢٠٢٠.
ان الوضع فى السودان الان لا ينفك عن حالة الصراع على أفريقيا بين روسيا و المعسكر الغربى والصين. حيث تلعب فى السودان تناقضات ومعادلات مصالح تختلف عن بعض هذه الدول. وذلك نسبة للتعقيد الكبير الداخلى الكبير لمكونات الصراع السودانى. ولكن انفتاح حدود السودان الغربية جعلت منه امتدادا سياسيا للتفاعل مع أزمات الساحل الافريقي، هذا إضافة لتداخلات القبيلة و الامتداد العشائرى لغرب السودان مع غرب وساحل أفريقيا عبر عشرات المكونات القبلية المشتركة بين السودان وهذه الدول. تاريخيا كان السودان ملجأ هجرات المجموعات السكانية من هذه الدول، والان أصبح السودان مع تصاعد نفوذ الدعم السريع المالى والسياسي والعسكرى احد جواذب التفاعلات على مستويات اخري سياسية اقتصادية واجتماعية وعسكرية مختلفة.
ان انفكاك الغرب والساحل الافريقي عن سيطرة فرنسا والدول الغربية هو امتداد للسيطرة الروسية عبر عسكر تلك الدول، وله ما يشبهه من سيطرة العسكر فى السودان. حيث يشكل الدعم السريع وسيط لروسيا فى السودان ولكنه يلعب دور ممتد عبر هذه الدول أيضا. من ناحية أخرى فان الجيش السوداني أيضا جزء من حواضن التحالفات العسكرية في أفريقيا التى ترعاها روسيا . ولذلك فإن وضع السودان مع صراع السلطة بين الفريقين يجذب الان مخلفات حالة عدم الاستقرار فى حزام الساحل إلى فوضي السودان الذى تسقط فيه الدولة نفسها. بينما دول الساحل تعمل على إعادة تشكيل موازين القوى الداخلية والخارجية بدعم روسي وبقدر من الوعى الشعبي بضرورة فك الارتباط بفرنسا لتحقيق التنمية والخروج من الهيمنة الغربية.
إن استمرار الصراع فى السودان بلا شك يجد بعض من وقوده من انعدام استقرار غرب وساحل أفريقيا. كما أن تفاعلات العالم الغربى هناك سوف يكون لها اثرها على النظرة الدولية للصراع فى السودان. حيث لازالت الدول الأوربية وامريكا تتعامل مع الدعم السريع بسياسة الاحتواء لا العداء. وتعتقد انه قوة يمكن السيطرة عليها لأنها تحتاج إلى غطاء سياسي لحكم السودان لازالت تفتقده وربما خسرته تماما بعد الحرب الأخيرة واستمرار انتهاكاته. وتضطر الدول الغربية لاتخاذ شكل المواجهة واحيانا الضغوط مع الأنظمة فى الساحل خشية انتشار وتوسع الهجرة الغير شرعية و التنظيمات الار هابية وفقد السيطرة على الموارد . فى السودان تُدخل المصالح الخليجية وعناصر التفكك الداخلية البلاد فى نفق مظلم جعل انهيار الدولة هو الواقع المعاش الان. ومع انهيار الدولة فى السودان و السيولة الأمنية على مدى الساحل الافريقي يصبح السودان وجهة مفتوحة لمهددات أمنية واسعة النطاق تجعل من الحرب فى السودان أكثر فوضوية وذات مالات مفتوحة محليا واقليميا. ولذلك، فإن الاحتفاء الغير واقعى للبعض بالتغييرات فى غرب أفريقيا على أنها لصالح السودان، تبدو غير مطابقة للمنطق بل وتتناقض مع مصالح كثيرة عند النظرة بشكل أعمق لتعقيدات تلك التغيرات وأثرها على السودان . ولذلك فإن خارطة الصراع فى السودان التى تشمل منذ بدايتها البعد العربى وبعد الخليج والبحر الأحمر وشرق أفريقيا أصبحت تشتمل الان على بعد ساحل وغرب أفريقيا بشكل أوسع.. مما يجعل متطلبات الاستقرار ووقف الحرب فى السودان أكثر إقليمية وتدويلا وذات تعقيدات أكبر مما يرغب الكثيرين فى التفكير فيه. ودون ادراك هذه الأبعاد فإن الإغراق فى الحروب الكلامية والعاب الذكاء الاصطناعي لا يسهم البتة فى فهم مآلات هذا الصراع فى السودان وآليات ادراته او ربما إيقافه فى وقت منظور.
[email protected]