بين عشم كاودا ونكوص حمدوك

د. فاروق عثمان 

 

منذ أن دشنت الدولة السنارية الهوية الأحادية للوطن باتخاذها العروبة كهوية والاسلام كدين وفرض هذا الشي قسريا علي جميع شعوب الوطن ومكوناته المتباينة عرقيا وثقافيا ودينيا، ودونما تفويض شعبي او مؤتمر دستوري أو غيره، ظلت مناطق بعينها تتعرض لهجمات منظمة فيما عرف  تاريخيا بجلب الرقيق،وظلت هذه الممارسات طيلة هذه الفترة، وما تلاها، مرورا  بالإستعمار العثماني ثم الدولة المهدية، حتي قام الاستعمار الانجليزي بالغائها تماشيا مع تطور القيم الأخلاقية والقانوية والتشريعية  والإنسانية للغرب، رغما عن احتجاج ما عرف (بكرام المواطنين) حينها . لكل ذلك تختزن شعوب هذه المناطق سوا الجنوب قبل إنفصاله، او جبال النوبة والنيل الأزرق، تختزن كما هائلا من الآلام والمعاناة والظلم، هذا الشي ولد لديها وعي عميق وجمعي بحقوقها، ورسخ ووطن فيها ثقافة النضال والمقاومة، وجعلها تدرك بوعي راسخ و يقين عميق أن من قام بالغاء حملات (صيد) الرقيق اللا إنسانية واللا أخلاقية، هي تشريعات العلمانية، لأنها ذاقت ويل من يحكمون باسم الاسلام، سوا حكام السلطنة الزرقاء، أو الدولة المهدية أو الخليفة العثماني القابع في قصرة الفخيم في الأستانة ووكيله الحاج محمد علي باشا في قاهرة المعز.

حين جاءت الإنقاذ ومشروعها الكارثي المسمي جزافا حضاريا وهو أبعد ما يكون عن التحضر وقيمه وشروطه ، المرتكز علي ثنائية الأسلمة القسرية والتعريب الإجباري ، و قامت باطلاق الفتاوي ارتكازا علي التشريعات الاسلامية التي تبيح قتل وسبي أهل تلك المناطق، فقام نظام الإنقاذ بأسوأ انواع وصنوف القتل والابادة، وما تلاه من تهميش وتمييز ضد انسان تلك المناطق.

وكما قلنا عاليا أن هناك وعي جمعي وثقافة نضال راسخة وعميقة ومتجذرة لأكثر من 500 عام، قاوم علي ضوءها، أهل وانسان الجبال والنيل الأزرق آلة النظام العسكرية الضخمة ومشروعه الإقصائي، وأنزل به الهزائم تلو الهزائم ، فلا البشير صلي جمعته المشتهاة في كاودا، ولا قائد ومهندس الابادة الجماعية، الارهابي أحمد هارون استطاع كسح ومسح أشاوس المقاومة في كاودا، الذين يقاتلون بلا مقابل، من أجل الوجود والبقاء والهوية . فظلت كاودا بهية وعصية وذهب المجرمان الي محابس كوبر الضيقة.

إستعصت كاودا علي النظام وآلته الباطشة بل أسهمت اسهاما كبيرا ومؤثرا  في إضعافه وإحباطه بتدمير اكثر من 300 متحرك، حتي سقط نظام الابادة تحت ضغط جموع الثوار.

كاودا التي أستعصت علي البشير واستعصمت بجيشها وشبابها وإنسانها وجبالها، فتحت أزرعها مرحبة بكامل المحبة وعميق الود بحمدوك ووفده حين زيارتهم لها قبل عام ، وهي كانت ترسل عده رسائل  لمن يريد ان يقرأ بوعي ويفهم بوضوح، فجماهير كاودا قالت إن من يدخلها طوعا  وبمزاجها هم المسالمون فقط، اما من أراد حربا أو فرض وصايته عليها، فسيموت علي بواباتها، وأن هذه الجموع البشرية الهادرة التي رفعت شعارات العلمانية حينها ، وهتفت بها، تفوض قادتها للحديث باسمهم والتعبير عن مطالبهم وأشواقهم وآمالهم ، وان الدولة العلمانية هي ما اختارته هذه الشعوب بوعي تام ويقين كامل ، وأن بقائهم في هذا الوطن الذي صبروا عليه بحب ، رغما عن ثخين جراحهم وعميق آلامهم، وأنهم لم يجدوا منه إلا القتل والقصف والابادة والتهميش لأكثر من 500 عام، آن  له أن يدرك ويعي أن مصيرهم قد تقرر، إما علمانية أو فالذهاب الي وطن جديد يكونون فيهم مواطنين أصلاء، ومن الدرجة الأولي فقط، لينعموا بشعارات الثورة التي نطلقها وعيا أو دونه وهي الحرية والعدالة والسلام، والمساواة والكرامة الإنسانية التي قطعا لن  تتأتي إلا في وطن علماني ديمقراطي فدرالي رغم أنف أصحاب الشعارات المهووسة والمزايدين بالدين.

بعد أن نكص حمدوك وتلكأ في تنفيذ ما وقع عليه مع القائد الحلو في اديس ابابا، وبعد أن أضحي يسمع بقايا النظام وفلول المهوسيين والموتورين ويتراجع تحت تهديدهم حتى عن مقررات مدرسية لم تروق لعقلهم المتكلس ووعيهم الدائر في فلك العصر البرونزي وبرادايام تفكيرهم الغائص في لجج بنية الوعي التناسلي، لا أظن بعد كل هذا أن لحمدوك الكاريزما اللازمة ولا الثورية الكافية ولا الشجاعة المرجوة. في أن ينفذ ما وقع عليه فقد إنكشفت الحجب وبانت الحقائق كالشمس في رابعة النهار، ولشعبي النوبة والنيل الأزرق جيش يحميهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.