بين الحركة الشعبية والدعم السريع والاخرين، كل ذي حق يأخذ حقه بالقسط والميزان:

✍️🏽خالد كودي، بوسطن

 

18/2/2025

أي تحالف بين مختلف الكيانات السياسية أو الاجتماعية لا يُعتبر بالضرورة اندماجًا لهياكلها أو استراتيجياتها، ما لم يُعلن صراحةً عن هذا الاندماج. وفقًا لهذا المبدأ، التوقيع (المرتقب) على ما يُعرف بوثيقة ميثاق تأسيس الدولة السودانية يعكس فقط الالتزامات والمبادئ المحددة ضمن نص الوثيقة نفسها، ولا يُفسر كاندماج كامل بين الحركة الشعبية والكيانات الأخرى الموقعة. كل تنظيم، سواء كان حزبًا أو حركة، يحافظ على استقلاليته التنظيمية، بنيته الهيكلية، قواته، تاريخه، ورؤيته المستقبلية. الاتفاق المبرم يقتصر فقط على ما سيتم توقيعه، ولا يتعدى ذلك لتغيير الهوية الأساسية أو الأهداف الطويلة الأمد لأي من الأطراف المعنية وليكن هذا مفهوما للجميع.

قوات الدعم السريع في السودان، التي تعرف ايضا بالجنجويد، نشأت وتطورت من خلال مراحل مختلفة بدعم من الحكومات السودانية، متحولة من قوات المراحيل إلى حرس الحدود، ثم الجنجويد، وأخيرًا إلى قوات الدعم السريع. تم تأسيس هذه القوات في مختلف المراحل بمساعدة شخصيات رئيسية مثل اللواء فضل الله برمه ناصر في 1986، الذي شارك في الجلسة الافتتاحية لفعاليات التوقيع علي ميثاق تأسيس الدولة السودانية الجديدة نيابةً عن حزب الأمة القومي، أحد الأحزاب البارزة في السودان.

قوات الدعم السريع، منذ إنشائها وخلال فترات حكم مختلفة بدءًا من حكم الصادق المهدي، مرورًا بنظام عمر البشير العسكري منذ عام 2003، وصولاً إلى حكومة الثورة الانتقالية بعد إسقاط البشير في 2019، ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، وعمليات تطهير عرقي بشكل متواصل، خاصة ضد المدنيين في دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق، الخرطوم، والجزيرة، ولاتزال! الجرائم موثقة بدقة من قبل منظمات دولية معتبرة وذات مصداقية عالية، ولامجال لانكارها.

عقب سقوط البشير في أبريل 2019، استمرت هذه القوات في تفاعلها مع السياسيين السودانيين، سواء العسكريين أو المدنيين، وكلاهما سمحا لها بتوسيع نطاق بنيتها، تسليحها وعملياتها أفقيًا ورأسيًا. الأفعال التي قامت بها قوات الدعم السريع بعد سقوط نظام الإنقاذ وابان حكومة الشراكة بين قوي الحرية والتغيير بقيادة عبد الله حمدوك والمجلس العسكري الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان خلفت إرثًا من العنف والدمار لا يمكن تجاهله أو نكرانه. في هذا السياق، من المستحيل إنكار أو تغيير تاريخ هذه الجرائم، و من المهم التأكيد على أن الوثائق والحقائق الدولية تثبت استمرارية جرائم الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023 حتى اليوم. ونظرًا لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، فإنه يستحيل على أي جهة أن تتجاهل أو تنكر هذه الحقائق.

الان:

هل توقيع الدعم السريع علي وثيقة لوقف الحرب والاشتراك في ميثاق لتاسيس دولة سودانية جديدة سيغير من هذا التاريخ ؟

الإجابة: لا. فالحروب عبر تاريخها تنتهي علي طاولة المفاوضات علي حد اصدار المواثيق والمعاهدات التي تؤسس للسلامو قواعدة، اجراءاته والياته المتفق عليها.

هل الحركة الشعبية او أي جهة اخري من الموقعين اوالذين سيوقعوا علي هذا الميثاق مسؤلين عن تاريخ الدعم السريع؟

الإجابة: لا. فوقف او انتهاء الحروب عبر أي الية كانت لاتلغي ملابسات هذه الحروب وماجري فيها، وهذا يخضع لاليات حقوقية وقانونية لايمكن الغاءها.

من جهة أخرى، تتمتع الحركة الشعبية لتحرير السودان بتاريخ طويل ومعروف كتنظيم سياسي تحرري في البحث عن سلام مستدام في السودان. الرؤية التي تنادي بها الحركة الشعبية لـ “السودان الجديد” ترتكز على أسس العلمانية الديمقراطية وحق تقرير المصير لجميع المكونات السودانية، وهذه الأهداف موثقة ومعبر عنها بوضوح في الوثائق الرسمية للحركة ومطبقة في الأراضي التي تسيطر عليها الحركة وتديرها بالسلطة المدنية للسودان الجديد وتنادي الحركة الشعبية باقرارها وتضمينها في أي من الواثائق التي تسعي للتاسيس لسلام مستدام. هذا التوجه يشير إلى فلسفة الحركة التي تستند إلى مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ويعزز الفكرة الأساسية بأن العلمانية تعد الطريق الأمثل لتحقيق مجتمع ديمقراطي يحترم تعددية وتنوع مكوناته.

الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبر تاريخها وفي سعيها نحو تحقيق السلام في السودان من خلال وسائل متعددة بما في ذلك التفاوض وبناء التحالفات التكتيكية والاستراتيجية. منذ تأسيسها في عام 1983، لعبت دورًا محوريًا في السياسة السودانية وشكلت تحالفات مع مجموعات متنوعة من الطيف السياسي والمدني، ما أسهم في توقيع وثائق هامة تعكس رؤيتها لسودان جديد يقوم على أسس العلمانية والديمقراطية، والسلام.

وعلي سبيل المثال نذكر منها:

اتفاقية السلام الشامل (2005)

وُقعت في نيروبي، كينيا، وهي واحدة من أهم الوثائق التي وقعتها الحركة. اتفاقية السلام الشامل أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي دامت لعقدين، ومنحت جنوب السودان حكمًا ذاتيًا مما قاد لاحقًا إلى استفتاء عام 2011 والذي نتج عنه استقلال جنوب السودان

اتفاقيات الدوحة للسلام في دارفور (2011)

في الدوحة، قطر، شاركت الحركة الشعبية بصفتها مراقبًا وداعمًا للسلام في دارفور، حيث تم التوقيع على اتفاقيات مع حركات دارفور المختلفة بهدف إنهاء النزاع في تلك المنطقة

إعلان المبادئ مع الحكومة السودانية (2016)

في أديس أبابا، إثيوبيا، وقعت الحركة الشعبية إعلان المبادئ مع الحكومة السودانية، مؤكدة على الحاجة لعملية سياسية شاملة تضمن مشاركة جميع القوى السياسية والمدنية في بناء الدولة السودانية.

منذ إسقاط نظام عمر البشير، وقّعت الحركة الشعبية لتحرير السودان عشرات مذكرات التفاهم مع العديد من الأحزاب السياسية، تنظيمات المجتمع المدني، الحركات الشبابية، والتنظيمات الفئوية، في مسعى لتعزيز بناء دولة خالية من الحروب. من بين هذه الاتفاقيات، تضمنت إعلان مبادئ موقع مع د. عبد الله حمدوك وآخر مع رئيس الجيش عبد الفتاح البرهان، تاريخ التوقيع غير مذكور. وعلى الرغم من الجلبة والارتباك الذي أثارته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، لم يُلحظ أي ارتباك مماثل خلال توقيع تلك الإعلانات.

تاريخيًا، استخدمت الحركة الشعبية لتحرير السودان هذه الاتفاقيات كوسائل لتحقيق رؤيتها لسودان يحترم التعددية ويضمن حقوق جميع مواطنيه دون التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق

هذه الوثائق ليست مجرد أوراق، بل تمثل خارطة طريق نحو دولة سودانية تسودها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية

الحركة الشعبية، بصفتها تنظيمًا ثوريًا، تتحمل مسؤولية تاريخها وميراثها السياسي، وليس تاريخ قوات الدعم السريع أو حزب الأمة أو اللواء فضل الله برمه ناصر أو الحزب الاتحادي الديمقراطي أو حركة العدل والمساواة او أي كيانات أخرى مشاركة في مساعي وقف الحرب وتأسيس دولة جديدة.

تقف هذه الحركة بمعزل عن التزامات وأخطاء أي من هذه الأطراف، معتمدة علي مسلماتها المؤسسة علي رؤية السودان الجديد المعلنة و مركزةً على دورها الريادي في تشكيل دولة قائمة على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حيث يكفل الدستور العلماني الديمقراطي حقوقًا متساوية لجميع المواطنين دون تمييز، ويضمن لكل حقوق المواطنة المتساوية بكل عدل وإنصاف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.