بيان موقف حول تطورات ما بعد إتفاق و تفاهمات جوبا 3 أكتوبر  2020.

من: دكتور شريف حرير 

 

إلي: الثوار بدارفور خاصة، والسودان بصفة عامة، و أينما وجدوا فى المهجر، ومعسكرات اللجوء و النزوح، و فى الخنادق، و على ظهر المركبات المسلحة، و فى ميادين الكفاح الثورى المختلفة.

الآن و قد رست سفينة “تفاهمات” جوبا عند مرسى شركاء “الإنقلاب الزاحف”، و فى وظائف دستورية فى المجلس السيادي و الوزارات، و حكم الأقاليم (و هي غير موجودة على الخارطة الإدارية الحالية، و تكون بذلك فاقدة للوضع القانوني، و فى حكم الغيب)، و بعد صمت ممتد من جانبنا، لمدة عام كامل، إحتراماً للمقاتلين (و أنا منهم و عشت معهم يوميات الميدان و ظروفها القاهرة) و هم يصدون الرصاص بصدورهم يومياً و يقدمون الشهداء، لابد لنا من قول كلمة حق، فى  و حول هذه التجربة ، و التي هي الآن قاب قوسين أو أدنى، من اللحاق بتجربة أبوجا و الدوحة، و تجارب السلام من الداخل، و التي تقوم بتفتيت تنظيمات الثوار إلي قبائل و عشائر، وبطون و أفخاذ قبلية، عن طريق خلق الظروف الموضوعية لحدوث إستقطابات حادة، و تجاذبات مهلكة، بين مكونات المجتمع الدارفوري خاصة، و السوداني بصفة عامة، كما هو حادث الآن، و قبل إتمام العمليات الموصوفة بين دفتي ذلك الكتاب الذى صدر فى 3 أكتوبر 2020، من “إستيعاب” فى النظام القائم، و الذي ينتج فى محصلته النهائية المحافظة على النظام المركزي القائم. فى مثل هذه العمليات، تتم المحافظة على وضع الأمر الواقع، بغرض تفادي وضع الأسس لنظام يؤدي إلي التغيير الإيجابي تجاه السودان الجديد.

كان صمتنا الممتد حول ما تم فى جوبا من تفاهمات ممهورة بإمضاءات أربعة أو خمسة قادة من مكونات مسار دارفور فى جوبا (و ليست كل مكونات المقاومة و الحرب فى دارفور و الممتدة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي و المستمر حتى الآن)، على الرغم من العلات الكثيرة المرتبطة بمحتوى و مضمون تلك التفاهمات، كان صمتنا من إنتقاد “جوبا” مربوط بإحترامنا العميق لدولة جنوب السودان، و التي شاركنا كل قادتها خنادق المقاومة و القتال ضد الظلم و التهميش، و إنتقاص القيمة الإنسانية لنا جميعاً، من المركز الحاكم فى الخرطوم، لعقد أو يزيد من الزمان. و قد إختلطت في تلك الخنادق المعطونة بالأخوة و زمالة النضال، دماءنا المسال من قبل طائرات النظام الظالم، كما أشلاء شهدائنا المتناثرة فى ساحات المعارك، فى كدبوت، و تهداي و تلكوك و طوقان و قرورة و عتيربا و اللفة و قلسا و همشكوريب، و في غالبية بقاع الشرق الحبيب. كذلك كان صمتنا و غض بصرنا عن نقائص تلك العملية، مبنية، فى الجانب الآخر، على حقيقة إستمرار منبر جوبا فى الوساطة بين قوة السودان الجديد الرئيسة، و المتمثلة فى الحركة الشعبية شمال، و سلطة الأمر الواقع فى الخرطوم، و التي نتجت عن ثورة شعبية إشتركنا فى القيام بها، بل و مهدنا الطريق لها بتقديم ما يفوق الثلاثمائة ألف شهيد، و الملايين من المهجرين من ديارهم قسراً، فى معسكرات النزوح و اللجوء، من أهلنا و دمنا فى دارفور.

و بالتالي نحن جزء من الثورة التي تم إختطافها من قبل المجلس العسكري، و الذى يمثل قوى  الطغيان و القمع المركزي فى السودان، و إن تدثر بغطاء رئيس وزراء مدني كان و مازال أملاً لكثير من الثوار و نحن منهم، و لكن يبدو- من مجريات الأمور- إن السلطة أغلبها فى يد تحالف المليشيات (الجنجويد) و العسكر عندما يختص الأمر بالقرارات الكبيرة التي يمكنها التاثير على حياة الناس إيجاباً ، حيث يمسك العسكر “اللجام” و يكونون حائلاً كثيفاً دون التغيير، الذي من شأنه خلق الظروف التي تتيح للعدالة و المساواة، أن تنبتا فى تربة الوطن السوداني.

هذا على المستوى القومي السوداني.إما على مستوى دارفور، فإن نتائج “تفاهمات” جوبا (3 أكتوبر 2020) بدأت تتمظهر فى شكل توظيف أغلب القيادات العليا، لما تم السماح به من حركات المقاومة للدخول فيما سمي بمسار دارفور، (و هؤلاء يمثلون بعضاً من الكم الهائل من تكوينات، و قوى المقاومة فى دارفور، على مدى الأعوام الممتدة منذ 2001 حتى الآن)، و الذي يعني بالضرورة سحب القيادة العليا لهذه الحركات، و إدخالها فى نادي المركز الحاكم، و بالتالي تفريغ الحركات الموقعة على تفاهمات جوبا (أكتوبر 2020) من قياداتها السياسية، و الذي يمثل إضعافًا أساسيًا لهذه الأطراف! و فوق ذلك، فإن حافز التوظيف المركزي، يخلق تنافساً غير حميد، بل و هدام، فى داخل هذه المجموعات، بحيث يضعف تعاونها البيني بصفتهم أصحاب قضية واحدة مشتركة، و مصير واحد و محتوم. هذه الأوضاع،  تؤدي بالضرورة، إلى خلق الظروف الموضوعية لإستقطابات حادة على أسس غير سياسية، و قد يلجأ بعض القادة إلى إنتماءاتهم الأولية- الأساسية أو ما يعرف بهوية المبدأ الأول (علاقات الدم و العشيرة للتعبئة)، و هذا يجهض كل الجهد السياسي الذي بذل عبر السنوات، و يسهم فى تعميق التشرذم و الإنكفاء على أساس المشاعر البدائية.

كما أن تفاهمات جوبا (أكتوبر 2020)، قد أعطت بعض قادة مسار دارفور الإنطباع الخاطئ بأن هذا الذي حدث هو خاتمة المطاف، و بأن من لم يكن جزءاً (حركة) من ذلك الحدث فى جوبا، فإنهم “خارج” الشرعية، أو إن “الأقلام قد رفعت و جفت الصحف”، و هو تصور يذكرنا بما قيل بعد إتفاق أبوجا 2006، و الذي لا يتذكره أحد الآن، بينما المقاومة إستمرت حتى الآن، رغم أنف تلك المقولات غير الحصيفة! ثم إن بعضاً من قادة “التكوينات” التي دخلت مسار دارفور فى جوبا (أكتوبر 2020)، يتركون إنطباعاً بأن التوظيف فى الفترة الإنتقالية، هو منتهى الغاية من الثورة، و إلا كيف نفسر إفراغ “التكوينات” الموقعة على “تفاهمات” جوبا من القيادات العليا، بحيث يتفرغون للعمل التنفيذي الوزاري، أو العمل السيادي التشريفي، علمًا بأن هذه الفترة الإنتقالية، مدتها- حسب النظرية المعمول بها- هي فترة 39 شهراً، تعقبها إنتخابات ديموقراطية يقول فيها الشعب السوداني كلمته في من يحكمه، منهياً بذلك فترة الإنتقال و معها الوظيفة التي لم تخضع للتفويض الشعبي. إذن السؤال هنا: من الذي سوف يقوم ببناء التكوينات الحالية، إلى تنظيمات سياسية، تملك مقومات البقاء و التقدم، إذا إنشغل “الرؤساء” و نوابهم، بالعمل فى الوزارة أو القصر الجمهوري؟

هل منتهى عمل المقاومة هو التوظيف الدستوري للقادة، أم العمل على إحداث التغيير الجذري الذي يؤدى إلى خلق النظام الجديد، على أنقاض نظام الإستعمار الداخلي، الذي ساد السودان 65 سنة حسوماً. و أنتج الإبادة الجماعية فى دارفور، و الثورة فى عموم السودان؟ و للإجابة على هذا السؤال فإنه يتعين علينا الإجابة على سؤال آخر: لماذا ثرنا أولاً؟ هل كان يمكن إستخدام “تفاهمات جوبا” (أكتوبر 2020) كطوبة بناء فى مشروع السلام المرتقب إتمامه، لكي يشمل كامل المقاومة، و الموضوعات التي تركت خارجها بزعم إنها مواضيع قومية، و كذلك بتوحيد التكوينات الموقعة عليها أولاً، و التواصل مع باقي تكوينات المقاومة للتحاور حول “مشروع” السلام، دون الإنتقاص من شرعية معارضتها بجعل “تفاهمات” جوبا (أكتوبر 2020) و كأنها سدرة المنتهى التي لا زمان و لا مكان بعده؟ مثل هذه التصورات و الإدعاءات تكرر، دونما طائل، تجارب أبوجا (2006)، و الدوحة (2010)، و كل تجارب سلام التجزئة، التي أسقطها شعبنا فى معسكرات النزوح و اللجوء، و فى المهجر و “الشتات”، قبل بندقية الثورة و المستقبل! نصيحتي ألا تقوموا بتكرار التجارب التي ماتت دونما طائل.

٢٥ فبراير ٢٠٢١

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.